ملحق (٤): الأساطير عند أفلوطين
وهكذا يسعى أفلوطين إلى كشف المعاني الفلسفية العميقة من الأساطير اليونانية، ويفسرها تفسيرًا فيه كثير من الطرافة؛ فأورانوس يُمثِّل الواحد الأول، وكرونوس — الذي يمثل العقل الأول — يُحطِّم أباه؛ لأن نشأة العقل تستتبع انقسام الوحدة الأولى وشطرها شطرَيْن. كما أن العقل الأول هو المصدر الذي نشأ عنه العالم المعقول، وهو الذي يستوعب ذلك العالم المعقول في ذاته، مثلما يُنجِب كرونوس أولاده ثم يلتهِمهم فيما بعد. ولما كان العالم المعقول في ثباتٍ دائم، فقد صوَّر كرونوس دائمًا مُقيَّدًا بالأغلال. ولكن زيوس يفر من كرونوس وينزله عن عرشه، فيمثل بذلك انفصال النفس الكلية عن العقل الأول. وهكذا تتسلسل المبادئ الثلاثة الأولى زمنيًّا في الأساطير، ومنطقيًّا عند أفلوطين.
أمَّا أسطورة هرقل، التي مثل فيها أفلوطين علاقة الحكمة العملية بالحكمة النظرية، فقد تحدثنا عنها في موضع آخر.
وعلى أية حال، ففي وسعنا أن نقول إن تفسير أفلوطين للأساطير كان تفسيرًا فلسفيًّا عميقًا. ونزعته هنا تشبه ميله إلى تبرير الخرافات الشائعة في عصره، من سحر وتنجيم، على أسس عقلية فلسفية. وكل ما في الأمر أنه يظل يعترف بأن هذه أساطير، أمَّا تلك الخرافات الشائعة فقد خلط بينها وبين الحقائق الواقعة، وظل إلى النهاية يعتقد بصحتها.