سطور أخيرة
لو شئت أن أقول كلمة أخيرة تعين مكان برنارد شو في المسرح أو الأدب العصري، ما تعلمنا منه وما وضع مناهج، لقلت ما يلي:
بأن كتب الأدب تقوم في أيامنا مقام الكتب الدينية في العصور الماضية، وللأديب مقام النبي المرشد الذي يعين القيم الأخلاقية الجديدة ويغير القيم القديمة، وهو يهدف إلى ارتقاء المجتمع بأن يجعله مجتمعًا متطورًا.
المسرح هو الصورة العليا للأدب.
ولكن المسرح العالي هو الذي تُمَثَّلُ عليه الدرامة التي تعالج الأفكار وتنقد الأخلاق، وتعلم الجمهور بالمأساة والعبرة أو بالنكتة والفكاهة.
لم يعد المسرح مكانًا للدرامة التافهة الصغيرة.
والدرامة التافهة الصغيرة هي التي يحبها الصبيان في سن العاشرة أو في سن الخمسين، هي درامة التسلية التي تحوي غرائب مثل الحظ الذي يجعل من الخادمة أميرة، أو الذي يهبط على الشحاذ فيحيله إلى ثري عظيم، أو التي تحوي مغامرات بشأن الخيانة الزوجية، أو قعقعة القتال والمبارزة، أو سفك الدم، أو ما شاكل ذلك مما يُضحك ويُسلي ولكن لا ينفع ولا يرقي.
ومع أن الفن شيء عظيم جدًّا، فإن هناك ما هو أعظم وهو الحياة؛ إذ هي أكبر من الفن، هي الكل وهو الجزء.
والهم الأول الذي يهتم له المؤلِّف المسرحي هو الحياة التي تأتي أولًا، ثم يتبعها الفن عفوًا وثانيًا.
ليس هناك أسخف من القول بأن الفن للفن، أو العلم للعلم؛ لأن الفن والعلم كليهما يهدفان إلى خدمة الحياة.
درامة شو هي درامة المناقشة، وأكاد أقول إنها درامة الندوة، والمسرح بوضعه المادي لا يصلح للحركة والعمل، وإنما يصلح للحديث والمناقشة.
ليس الجمال هدفًا للأديب أو الفنان، وإنما هو عرض للحياة العظيمة أو الحياة العميقة، فإذا هدف إلى إحديهما سَمَا فنُّه من حيث يدري أو لا يدري.
ينكر شو الغيبيات في جميع الأديان، ويقدرها بما فيها من قيم أخلاقية فقط، وديانته الأصيلة هي التطور.
عنده أن الدنيا والكون والإنسان في تطور، وإنما يجب أن نهدف إلى إيجاد «سبرمان» من الإنسان، ونغير من الأخلاق بما يقتضيه إيجاده، وهذا المذهب هو الدين العملي للتطور.
يجب أن نهدف من الزواج إلى إيجاد نسل أعلى من الزوجين، وليس التناسل حقًّا لكل إنسان، إذ يجب أن يقصر على فئة مختارة من الشعب نرغب في الاستكثار منها بالتناسل، وهذا بالطبع لا يمنع من الاتصال الجنسي الذي لا يؤدي إلى التناسل.
روابطنا الاجتماعية أكبر وأهم، ويجب أن تكون أمتن من الروابط العائلية.
يجب أن نتساوى كلنا في الدخل بصرف النظر عما نؤدي من عمل، ويجب أن نذكر أن المرض الأساسي في المجتمع المصري هو الفقر، وهو علة المئات من الأمراض الأخرى.
وأخيرًا يجب أن نستغل العلم في تغيير الدين والإنسان والطبيعة. أجل، ومحو الفقر؛ وذلك بزيادة الإنتاج.