مو تزو، ونقد الكونفوشية
كان مو تزو الفيلسوف المهم الثاني بعد كونفوشيوس خلال القرون الأخيرة من عصور ما قبل الميلاد، ولكن الأخبار التاريخية لا تعطينا الكثير من المعلومات عن سيرة حياته؛ فهنالك أخبارٌ تقول إن موطنه الأصلي هو دولة سونغ، وأخرى تقول إنه دولة لو التي جاء منها كونفوشيوس. كما أن التاريخ الدقيق لميلاده ووفاته غير معروف، وكل ما نستطيع قوله بهذا الشأن هو أنه عاش في زمن ما بين عام ٤٨٠ وعام ٣٨١ق.م.؛ أي خلال القرن الذي تلا وفاة كونفوشيوس؛ ولذلك فإن مصدرنا الوحيد عن حياته هو الكتاب الذي يحمل اسمه.
تمتَّع مو تزو في زمنه بشهرةٍ لا تقل عن شهرة كونفوشيوس، ولكن الاختلاف بين هاتَين الشخصيتَين كان كبيرًا حقًّا؛ فقد تمتَّع كونفوشيوس بكل صفات «الجنتلمان» الصيني الذي تسلسل من أصلٍ نبيل، وبالتالي فقد كان لديه تعاطف مع المؤسَّسات التقليدية، وتقدير لقواعد الأدب والمعاملات، وميل إلى الآداب والفنون الراقية. أمَّا مو تزو فقد خرج من عامة الشعب، وبالتالي فقد كان ناقدًا للمؤسَّسات التقليدية، ولأدب الأرستقراطية وفنونها وطقوسها، وللفلسفة التي تسوِّغها؛ لأن العامة لم يكن لديهم الوقت ولا التعليم ولا المال اللازم للاستمتاع بما يستمتع به الأرستقراطيون.
يرجِّح الباحثون في سيرته أنه كان ينتمي إلى شريحة «الفرسان الجوَّالين» الذين شكَّلت أخلاقهم وثقافتهم خلفيته الفكرية. وقد كان هؤلاء خلال القرون الأولى لحكم أسرة تشو (وقبل أن يتحوَّلوا إلى جوَّالين) عبارةً عن أرستقراطيةٍ عسكريةٍ تؤلِّف عماد الفرق العسكرية المقاتلة، وبعد ذلك صاروا يُختارون من عامة الناس. وعندما بدأ النظام الإقطاعي بالتفكُّك فقد هؤلاء وظائفهم وألقابهم، وتحوَّلوا إلى فرسانٍ جوَّالين يقدِّمون خدماتهم لمن يطلبها لقاء أجر. وتصفهم السجلات التاريخية بأنهم صادقون في كلامهم، ومُخلصون في عملهم، ومُوفون بعهودهم، ومُسارعون إلى نجدة المستجير. وكان لهم تنظيمات عسكرية تقوم على الانضباط الصارم والطاعة العمياء للرئيس الذي كان له سلطة الحياة والموت على أتباعه.
كانت المدرسة التي أسَّسها مو تزو بمثابة امتدادٍ لأخلاقيات هذه الشريحة العسكرية؛ فقد كان لديه نحو ٢٠٠ من التلاميذ أو الأتباع تلقَّوا العلم على يدَيه، وفرض عليهم نظامًا صارمًا في الحياة، فكان عليهم ارتداء ملابس عادية ممَّا يلبسه العُمَّال الزراعيون، وتناول وجبة واحدة في اليوم قوامها حساء الخضار، وكان بمقدوره أن يأمرهم باقتحام النار أو السير فوق حَدِّ السكاكين. كما استمرَّت سُلطته عليهم حتى بعد خروجهم إلى الحياة العملية واستلامهم وظائف إدارية، غير أن مو تزو وجماعته اختلفوا عن بقية جماعات الفرسان الجوَّالين في ناحيتَين؛ الأولى: هي أن الجوَّالين العاديين كانوا مستعدين لخوض أية حرب طالما أنهم يقبضون أجرهم، أمَّا مو تزو وجماعته فقد عارضوا الحروب العدوانية ووقفوا إلى جانب الحروب العادلة، وكانوا على استعدادٍ لتقديم العون إلى الدولة المستضعفة في حال تعرُّضها لعدوان دولة قوية. والناحية الثانية: هي أن مو تزو وضع الأسس النظرية لأخلاقيات الفرسان وصار معلِّمًا لمدرسةٍ فلسفيةٍ جديدة.
يُقال إن مو تزو تلقَّى العلم في البداية على يد بعض الكونفوشيين، ولكنه شعر بعد ذلك بأن الكونفوشية لم تصل إلى جذور المشاكل التي تتسبَّب في شقاء الناس وإنما زادتها حدة، فانشقَّ عنها. ولربما فسَّر لنا هذا مشاركته للكونفوشية في بعض أفكارها؛ فقد تحدَّث عن «الطريق» أو «صراط حق» الذي تحدَّث عنه كونفوشيوس، كما قال بضرورة حصول الحاكم على ثقة الشعب كشرطٍ لاستمراره في الحكم، وتعيينه لأصحاب الكفاءة والفضيلة في المناصب الحكومية بصرف النظر عن منبتهم الطبقي، ورفض مثلما رفض كونفوشيوس الحروب العدوانية التي تشنها بعض الدول الكبرى بغرض التوسُّع، ووجَّه اهتمامه في التكتيك العسكري نحو الحروب الدفاعية؛ ولهذا نجد في كتابه فصولًا يشرح فيها كيفية تحصين أسوار وبوابات المدينة، وبناء أدوات صد الهجوم، والدفاع ضد الأنفاق وسلالم التسلُّق، وما إلى ذلك من متطلَّبات الحرب الدفاعية.
- (١)
فقد اعترض على الجنازات الباهظة التكاليف التي كانت شائعةً في زمنه بتشجيع الكونفوشيين الذين رأوا فيها تعبيرًا عن بر الوالدين. ومن أقواله في ذلك: إن جنازة الشخص العادي قد تستنزف مدخَّرات أسرته، أمَّا جنازة أمير الدولة فقد تُفرغ خزينتها. وكان كونفوشيوس قد أوصى بالاعتدال في إقامة الجنازات، واستنكر الإسراف في المظاهر، ولكن بعض تلاميذه دافعوا عن الجنازات الفخمة، حتى إن بعض أتباعهم تخصَّصوا في ترتيب وخدمة الجنازات وصارت مصدر رزق لهم.
- (٢)
كما اعترض على فترة الحِداد الطويلة على وفاة الوالدَين، والتي كانت تدوم ثلاثة أعوام في ذلك العصر، يمتنع خلالها الابن الأكبر عن ممارسة أي نشاطٍ عملي، ويهجر بيته ليأوي إلى كوخٍ متواضع يعيش فيه حياة زهدٍ وتنسُّك، عازفًا عن كل مُتَع الحياة بما في ذلك ممارسة الجنس. أمَّا حاكم الدولة فيتنازل عن الحكم لكبير وزرائه، ويتَّبع الأسلوب نفسه في الحِداد. وقد كان لكونفوشيوس مواقف مؤيِّدة لهذا التقليد، وقدَّم له المبرِّرات التي ساعدت على استمراره، أمَّا مو تزو فقد رأى فيه هَدرًا لطاقة الأفراد، وإفقارًا للمجتمع الذي يخسر عمل المنقطعين عن الإنتاج، وإقلالًا من عدد السكَّان بسبب العِفة الجنسية التي يلتزمها هؤلاء. كما رأى فيه تهديدًا لنظام الحكم بسبب عزوف الحاكم عن مسئولياته.
- (٣)
لم يرَ مو تزو في الفنون الراقية التي شجَّعها الكونفوشيون سوى فنون مبتذلة ولا منفعة من ورائها للمجتمع ولا ثروة للأمة، بل على العكس؛ لأن الاهتمام بها مضيعة لوقت الناس والحُكَّام، ويدفعهم إلى إهمال أعمالهم.
- (٤)
يقول الكونفوشيوس بأن على المرء أن يعمل بدافع الواجب الخلقي لا بدافع المنفعة؛ أي أن يفعل ما هو صواب لأنه صواب فقط. أمَّا مو تزو فيطابق بين المصلحة والمنفعة، ويرى أن كل ما هو نافعٌ صالح، وكل ما هو صالحٌ نافع.
- (٥)
يؤمن الكونفوشيون بالقدر، وبأن ما يأتي به محتوم ولا يمكن تفاديه، وهذا يؤدِّي برأي مو تزو إلى تقاعس الأفراد وتسليم أمورهم للقدر طالما أننا لا نستطيع له ردًّا.
- (٦)
يؤمن الكونفوشيون بقوة السماء باعتبارها قدرةً شموليةً فاعلةً في عالم الطبيعة والإنسان، وينزِّهونها عن الشخصية، كما أنهم لا يعتقدون بقدرة الأرواح على الفعل في المجتمع الإنساني، وكان هذا أيضًا رأي الأرستقراطية السياسية والثقافية، التي لم تأخذ المعتقدات الشعبية مأخذ الجد، ثم جاء مو تزو لينتقد هذه الهرطقة ويؤكِّد على وجود إله مشخِّص أعلى ذي إرادة وفعل قصدي، وهو في ذلك يعبِّر أيضًا عن انتمائه للطبقة الدنيا في المجتمع الصيني التي كانت أقل شكًّا في وجود الإله الأعلى وقدرة الأرواح. وقد أوضح منشيوس (تلميذ كونفوشيوس) كيفية عمل قوة السماء كقدرةٍ منزَّهة عن الشخصية في الحوار التالي:
سأل وان جانغ منشيوس: هل صحيح أن الملك ياو وهب المملكة إلى شون؟
أجابه منشيوس: كلا. ليس بمقدور أي ملك أن يهب المملكة لآخر.
قال وان جانغ: ولكن المملكة آلت إلى شون، فمن أعطاه إياها؟
أجابه منشيوس: السماء أعطته إياها.
قال وان جانغ: هل نقلت إليه السماء تعليمات مفصَّلةً عمَّا يتوجَّب عليه فعله؟
أجابه منشيوس: كلا. السماء لا تتكلَّم، ولكنها تعلن عن مشيئتها من خلال ما يحدث وما يقوم به البشر.
قال وان جانغ: وكيف تفعل السماء ذلك؟
أجابه منشيوس: لقد اقترح ياو على السماء شون والسماء قبلت به، ثم قام بتقديمه للشعب والشعب قبل به؛ لذلك أقول إن السماء لا تتكلَّم، ولكنها تعبِّر عن مشيئتها من خلال ما يحدث فعلًا.
سأله وان جونغ: وكيف حدث ذلك من الناحية العملية؟
أجابه منشيوس: عندما كلَّفه بإدارة شئون الدولة قام بذلك على أفضل وجه، وكان الشعب مطمئنًّا وراضيًا؛ وهذا يعني أن السماء قد قبلت به (منشيوس ٩: ٥).
وقبل ذلك ورد في كتاب الحوار لكونفوشيوس المقطع التالي الذي يعبِّر عن الفكرة نفسها: «قال كونفوشيوس: أتمنَّى لو استغنيت عن الكلام. فقال له التلميذ تسي جونغ: يا معلم، إذ لم تتكلَّم فما الذي ننقله عنك؟ أجابه كونفوشيوس: وهل تتكلَّم السماء؟ ومع ذلك فإن الفصول تترى وكل الكائنات تتوالد. هل تتكلَّم السماء؟»
على أن المفهوم المركزي الذي تقوم عليه فلسفة مو تزو يتمثَّل فيما يدعوه بالحب الشمولي، وهو الحب الذي لا تميَّيز فيه بين القريب والبعيد وبين من نعرف ومن لا نعرف؛ فهو يرى أن شقاء العالم يتجلَّى في عددٍ من الممارسات أهمها: (١) مهاجمة الدول الكبيرة للدول الصغيرة. (٢) ظلم القوي للضعيف. (٣) اضطهاد العائلات الكبيرة للعائلات الصغيرة. (٤) إساءة الكثرة للقلة. (٥) خداع الإنسان الماكر للإنسان الساذج. (٦) ازدراء نبيل الأصل لمتواضع الأصل. وكل هذا ينجم في رأيه عن الأنانية وحب الذات، وهذه الأنانية لا علاج لها إلا بنشر مبدأ الحب الشمولي القادر وحده على علاج بؤس العالم.
فلو نظر المرء إلى الدولة الأخرى نظرته إلى دولته؛ لمَّا حدَّثته نفسه بالتعَدِّي على الدولة الأخرى. ولو نظر إلى البيوت الأخرى نظرته إلى بيته؛ لمَّا حدَّثته نفسه بسرقة بيوت الآخرين، ولو نظر المرء إلى الآخرين نظرته إلى نفسه؛ لعزف القوي عن مهاجمة الضعيف، والذكي عن خداع الساذج، والغني عن ازدراء الفقير؛ فالأنانية هي مصدر كل الشرور، ولا يمكن القضاء عليها إلا بتوسيع المحبة الشخصية لتغدو محبةً لا شخصية تشمل الجميع دون تمييز؛ لأنه من خلال الحب الشمولي يتحقَّق النفع للفرد وللمجتمع؛ فالحب الشمولي يحقِّق خمس منافع مرغوب بها، وهي: (١) إثراء البلاد. (٢) منع الحروب العدوانية. (٣) تلَقِّي بركات الأسلاف. (٤) زيادة عدد السكان. (٥) استتباب الأمن.
ومن أجل الحفاظ على هذا المجتمع المثالي دعا مو تزو إلى الاعتدال الذي قال به كونفوشيوس، ولكن مع كثيرٍ من المبالغة تجعله أقرب إلى التقشُّف منه إلى الاعتدال؛ فالكساء ينبغي أن يقي من الحَر والقر، ولكن لا ينبغي أن يكون أنيقًا، والطعام ينبغي أن يكون مُغَذيًا وإن لم يكن طيبًا، والبيت ينبغي أن يقي من عوامل الطبيعة ومن اللصوص، ولكن لا ينبغي أن يكون واسعًا أو فاخر الأثاث، والجميع ينبغي أن يتزوَّجوا لزيادة النسل وإن لم يرغبوا في ذلك. في مثل هذا المجتمع القائم على الحب الشمولي، سوف تجد الأرملة ما يلزمها من طعامٍ وكساء، ويجد كبار السن العزاء في شيخوختهم، والأيتام الرعاية والعناية.
على أننا إذا دقَّقنا في مفهوم الحب الشمولي الذي يدعو إليه مو تزو؛ لاكتشفنا أنه ليس الحب العاطفي الذي تُسوِّغه الكونفوشية، بل هو حبٌّ صادرٌ عن العقل لا عن القلب؛ لأن مو تزو كان لا يثق بالعواطف ويدعو إلى التخلُّص منها. وقال في إحدى المناسبات إنه يجب نبذ الفرح والغضب والمرح والحزن والحب. وبما أن هذا النوع من الحب العقلي ليس شأنًا غريزيًّا مثلما هو الحب العاطفي، فقد لجأ مو تزو إلى الترغيب به بوسائلَ متعدِّدة؛ فمن أحبَّ الآخرين تلقَّى منهم حبًّا، ومن ساعد الآخرين حصل على مساعدتهم، ومن كرههم كرهوه بالمقابل، ومن آذاهم تلقَّى أذاهم؛ أي إن الحب الشمولي هو نوعٌ من الاستثمار المربح الذي يعود على صاحبه بالخير العميم.
إضافة إلى هذا الترغيب فقد عمد مو تزو إلى نوعَين من الترهيب؛ ترهيب ديني وآخر سماوي؛ فقد ركَّز في ترهيبه الديني على فكرة وجود الإله السماوي الأعلى، وقال إنه يحب البشرية ويراقب أعمال الناس ويأمرهم بمحبة بعضهم بعضًا دون تمييز، فيثيب الذين يطيعونه بالسعد والحظ الحسن، ويعاقب الذين يعصَونه بشتَّى المصائب والشدائد. كما أكَّد على وجود الأرواح ونسب إليها مؤازرة الصالحين الذين يمارسون الحب الشمولي وعداوة الصالحين. أمَّا في ترهيبه السياسي فقد ركَّز على سلطة الحاكم التي ينبغي أن تكون مطلقة. ويأتي قول مو تزو بهذه السلطة المطلقة من نظريته في أصل الدولة الذي يشرحه على الوجه التالي: في مطلع التاريخ الإنساني لم يكن هنالك دولة، وكان لكل فردٍ معياره الخاص في الصح والخطأ؛ فإذا كان لدينا شخصٌ واحدٌ فقط كان هنالك معيارٌ واحد، وإذا كان لدينا اثنان كان هنالك معياران، وإذا كان لدينا عشرة كان هنالك عشرة، وكلما زاد الناس كثرت معايير الصح والخطأ، وراح كل واحدٍ يسلك على هواه ويعتبر نفسه على حقٍّ والبقية على خطأ؛ وهكذا سادت الفوضى في العالم، ولم يكن هنالك فرقٌ بين البشر والبهائم، ثم تبيَّن للناس أن سبب هذه الفوضى هو عدم وجود حاكم، فقاموا باختيار الرجل الأكثر فضيلةً والأكثر قدرةً وجعلوه ابنًا للسماء؛ وبذلك وُلدت الدولة التي يملك ملكها وحده معيار التفريق بين الصح والخطأ، ووجب على الجميع الخضوع له (مو تزو: ٢).
في مقابل هذا التفويض الذي حصل عليه الحاكم عليه أن يستغل سلطته في نشر المحبة بين الناس عن طريق تعليمهم وإفهامهم أن الحب الشمولي نافع، وأن من مصلحتهم الشخصية ممارسته؛ فالمحبة عند مو تزو لا تأتي إلا بالتعليم؛ لأن فطرة الإنسان محايدة وتتحدَّد توجُّهاتها نحو الأنانية أو المحبَّة وفقًا للمؤثِّرات الخارجية؛ فهي مثل الثوب الأبيض إذا غمسته بصباغٍ أحمر صار أحمر، وإذا غمسته بصباغٍ أصفر صار أصفر. ويجب دعم التعليم بالثواب والعقاب من قِبَل الحاكم الذي فوَّضته به السماء مثلما فوَّضته بحكم الناس، من أجل نشر الحب الشمولي.
هذا وقد اهتمَّ مو تزو بالجدل وخصَّص في كتابه ستة فصول للمسائل الجدلية والمنطقية، ولكن أسلوبه في الجدل لم يكن يعتمد على إقناع الخصم بقدر ما يعتمد على إحراجه، فلا يملك في النهاية إلا أن يوافقه على رأيه. وهو يُعرِّف الجدل بأنه: الكلام الذي يميِّز بين الصح والخطأ، ويفرِّق بين النظام والفوضى، ويوضِّح مسائل التشابه والتباين، ويدقِّق في علاقة الأسماء بمسمياتها، ويستقصي العلائق بين الأحكام المتعدِّدة، ويبدِّد الشكوك، ويفاضل بين النافع والضار. وقد طوَّر تلاميذه من بعده فنون الجدل ووصلوا به إلى ذروة تعادل الذروة التي حقَّقها الجدليون اليونانيون في الحقبة نفسها تقريبًا.
عُرفت مدرسة مو تزو باسم المدرسة الموهية نسبةً إلى اسمه مو، وعُرف أتباعه باسم الموهيين. وقد ازدهرت الموهية خلال القرون الثلاثة التي تلت وفاة مؤسِّسها، وكانت المنافس الرئيسي للكونفوشية، ولكنها أخذت بالانحدار في سياق القرن الأول الميلادي ثم اختفت بسرعة؛ فلقد كان تطرُّف مو تزو يناقض الاعتدال الذي كان فضيلةً أساسيةً لدى الإنسان الصيني الميَّال بطبيعته إلى المحافظة على التوازن في كل شئونه.
لقد طرح كونفوشيوس برنامجًا آمَن بأنه سيجعل الناس سعداء، أمَّا مو تزو فقد طرح برنامجًا لعلاج شرورٍ معيَّنة، وفي سبيل ذلك كان على استعدادٍ للتضحية بكل شيء بما في ذلك سعادة الناس.