الفصل الأول
بيت شَعر في البريَّة
المشهد الأول
(قيس وحدهُ)
أيا ليلَ زند البين يقدح في صدري
ونار الأسى ترمي
فؤاديَ بالجمرِ
فلا تحسبي يا ليلَ أني نسيتكم
فإنَّ مدى الأيام
ذكركِ في فكري
فوالله لا أنساكِ ما هبَّت الصبا
وما نعق الغِربان
في وضَح الفجرِ
ألا ليتنا كنَّا غزالين نرتعي
رياضًا من الجوزان
١ في بلدٍ قفرِ
ألا ليتنا كنَّا حمامَي مفازةٍ
٢
نطير ونأوي بالعشيِّ إلى الوكرِ
ألا ليتنا حوتان في البحر نرتمي
إذا نحن أمسينا
نغوِّر في البحر
ألا ليتنا نحيا جميعًا وليتنا
نصير إذا مِتنا
ضجيعَين في قبرِ
ضجيعَين في قبرٍ عن الناس معزلًا
ونُقرَن يوم البعث
والحشر والنشر
عليك سلام الله يا غاية المُنى
وقاتِلتي حتى القيامة
والحشرِ
آه لو تعلمين يا ليلى مقدار محبتي لرقَّ قلبُك على قتيل غرامكِ. أنتِ بين قومكِ
تلتَهينَ وأنا على نار النَّوى أتقلَّب!
نهاري نهارٌ طال حتى مللتُهُ
وحُزني إذا ما جنَّني
الليل أطولُ
وكنتُ كذبَّاح العصافير ذائبًا
وعيناهُ من وجدٍ
عليهنَّ تهملُ
فلا تنظُري ليلى إلى العين وانظري
إلى الكفِّ ماذا
بالعصافير تفعَل
لقد سار حبي سير الأمثال، وكثر في شأننا القيل والقال، ولكنني لا أبالي بكل ذلك
ما دامت ليلى راضيةً عنِّي.
تقول العدا لا بارك الله في العدا
لقد صدَّ عن ليلى
ورثَّتْ رسائله
فلو أصبحَتْ ليلى تدبُّ على العصا
لكان هوى ليلى
جديدًا أوائله
فما أحلى تلك الأيام التي انفتح بها قلبي لنسيم الحُبِّ يوم كان الوُشاةُ غافلين
عنَّا ونحن نتعاطى كئوس الهوى.
جميلة أنتِ يا أيامًا كنتُ بكِ وليلى راقِدَين في حُضن البريَّة لا تخترِق صدورنا
أسهُم عيون الواشين.
تعشَّقتُ ليلى وهيَ غرٌّ صغيرةٌ
ولم يبدُ للأتراب من
ثَدْيها حجم
صغيرَين نرعى البُهم يا ليتَ أنَّنا
إلى الآن لم
نكبُر ولم تكبرِ البُهمُ
المشهد الثاني
(قيس – ليلى – جارية)
(ليلى تدخُل بغتة.)
حبيبيَّ ما هذي الصبابة والنجوى
فقلبيَ من أمواه
حُبِّك لا يروى
أروم لقاءً والزمان مُعاندي
وليس لنا في شرع أهل
الهوى فتوى
إذا كنتَ تحوي من غراميَ ذرَّةً
فعِنديَ ما تنهدُّ
من ثقلهِ رَضوى
٣
أبِيتُ وما لي في الدُّجى من مُسامرٍ
وأشكو ولكن ليس
من يسمع الشكوى
فأهلي قُساةٌ لم يرِقُّوا لحالتي
وما جهلوا أني من
الحُبِّ في بلوى
يقولون خلِّي مجلس الناس جانبًا
فإنَّ الهوى يسري
إلى العَين كالعدوى
فلا حبَّذا النُّصح الذي يَنصحونني
فإني رأيتُ
الحبَّ أقربُ للتقوى
قيس
:
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا
ليَ الليل
هزَّتْني إليكِ المَضاجعُ
أُقضِّي نهاري بالحديثِ وبالمُنى
ويجمعُني
الليلُ الذي الهمَّ جامعُ
إذا مرَّ يومٌ من حياتي ولا أرى
خيالكِ يا
ليلى فعُمريَ ضائعُ
تضيق عليَّ الأرضُ حتى كأنَّني
من الصبرِ في
سجن، فما أنا صانعُ؟!
ليلى
:
قد بَراني الهوى وبرَّح جسمي
وتحمَّلتُ منهُ
شرَّ وبال
فإذا سرتُ بين قوميَ شكُّوا
أأنا سرتُ بينهم
أم خيالي
وبكلٍّ أرى بحبكَ يا قيـ
ـس حياةً تحيا بها
آمالي
فابقَ يا مُهجتي أليفَ سرورٍ
فَسِواكم ما
مرَّ قطُّ ببالي
قيس
:
أحبُّك حبًّا لو تُحبين مثلهُ
أصابكِ من
وجدٍ عليَّ جنونُ
حليفٌ مع الغزلان أمَّا نهارهُ
فحزنٌ وأمَّا
ليلهُ فأَنينُ
فيا نفس صبرًا لا تكوني لَجوجةً
فما قد قضى
الرحمن فهو يكون
ولكنَّ ما هذي القطيعة والجفا
فقد داخلتْني
ريبةٌ وظنونُ
ليلى
:
كلانا مظهرٌ للناس بُغضًا
وكلٌّ عند صاحبهِ
مكينُ
وكيف يفوت هذا الناس شيءٌ
وما في الناس
تظهرهُ العيونُ
فطب نفسًا بذاك وقرَّ عينًا
فإنَّ هواكَ في
قلبي معينُ
الجارية
(إلى ليلى)
:
إن أباكِ أوشكَ أن يدخُل فانتبِهي.
ليلى
:
اخرُج يا قيسُ اخرُج. الوداع الآن.
قيس
:
إلى المُلتقى يا حبيبتي.
المشهد الثالث
(ليلى – مهدي)
ليلى
:
مرحبًا يا والدي الحنون.
مهدي
:
وألف سلام يا عزيزتي كيف سبقتِنا يا بُنية إلى هذا المكان، ومَن كنتِ
تُحدِّثين؟ ألم يكن هنا ذلك العاشق الساقط؟
ليلى
:
ومَن تَعني؟
مهدي
:
عنَيتُ قيس الملوَّح يا عزيزتي الذي جعل عِرضكِ مُضغة في أفواه الناس، فالذي
أراه يا بُنيَّة هو أن تقطعي حبل العلاقة بينكِ وبينهُ لئلَّا تَجُرِّينا إلى
حربٍ كحرب البسوس٤ وداحِس.٥
ليلى
:
حبُّ قيس يجرُّ كلَّ هذا الويل؟
مهدي
:
نعم يا بنيَّة، إنَّ غرام قيس لم يسبقهُ إليهِ عربيٌّ يَغلي في عروقه دم
الشرف، ولا يرضى به والد ابنةٍ عُرِف بين قومهِ بعلوِّ المنزلة وعزَّة
الجانب.
ليلى
:
ماذا أصنع يا أبي وحبُّهُ قد تمكَّن من قلبي ورضعتُ هواهُ مع اللَّبن.
مهدي
:
ويحكِ، أتُصرِّحين بهذا ولا تَخجلين؟! لقد نضَب ماء الحياء من وجهكِ وأعْمى
الهوى بصيرتَكِ، فأين حياء العَذارى يا حرَّة٦ العرب؟!
ليلى
:
رُحماك أبي؛ إن الحُبَّ سُلطان ولهُ تعنو٧ القلوب. ألم تحبَّ يا أبي؟ ألم تعشَقْ في زمانك؟!
مهدي
:
لقد عشقتُ، ولكن إلى ما وصل إليه هذا المجنون لم يصل أحد؛ فدرجة حُبِّهِ لا
تُقاس وغَرامُه فوق غرام الناس!
ليلى
:
هو شاعرٌ يا أبي والشُّعراء يُغالون بكلِّ شيء، فأشفِقْ على ابنتِك واعلمْ
أنَّني مجنونة في هواهُ؛ بُعدهُ يُقرِّبني من الموت وبقُربهِ سعادتي
الحقيقية.
مهدي
:
دعي هذه الأعذار الفارغة، واعلَمي أنَّني لا أصبِر على الإهانة، وأُقسم
بربِّ الكعبة إذا وقعتْ عيني عليهِ في خَيمتك قطعتهُ شطرين بحدِّ هذا
المُهنَّد. ليلى ليلى، احذري فالعاقبة وَخِيمة.
ليلى
:
رفقًا أبي. (تركع) أنا مُنطرِحة على
قدمَيك أسألك وأتذلَّل إليك أن لا تأسِر عواطفي.
مهدي
:
انهَضي يا قليلة الحياء، فلقد دنَّستِ بغرامكِ الفاسِد هوى فتياتِنا
العُذري.
ليلى
:
أبي إنَّ الهوى العُذريَّ عُذري
ومن صرْف
الليالي ضاق صدري
فرِفقًا بالقلوب أبي ولكن
أراك بفرْط وجْدي
لستَ تدري
فبُعد أحبَّتي يُدمي فؤادي
وحلو لقائهم
بالشهد يُزري
مهدي
:
ما هذه الوقاحة! أتبوح بِحُبِّها على مَسمعي ولا تخجل. لقد حذَّرتكِ شرَّ
العاقبة وأنا ذاهب فافعلي ما يَحلو لكِ (يخرج).
ليلى
:
لا يَحلو لي غير لقاء الحبيب، ولكن دون ذلك خرْط القتاد٨ فمتى تُحطَّم قيود التقاليد وترتفِع سُلطة الآباء والأمَّهات عن
القلوب؟ هذه السلطة الجائرة التي لم يأمُر بها الخالِق ولم تنزِل على نَبيٍّ من
الأنبياء. ويحكم أيها الآباء الأغرار! ألم تكونوا عُشَّاقًا قبلنا؟ ألم تذوقوا
بليَّة الحب؟ فلماذا لا ترحمون؟! سوف تلعنُكم الأعصار وكلُّ بلاء العاشِقين
يسقُط على رءوسكم، ودم المُحبِّين يصرُخ طالبًا الانتقام منكم أيُّها
الظالمون.
المشهد الرابع
(ليلى – جارية – مهدي)
جارية
:
هل من حاجةٍ أقضيها لك؟
ليلى
:
لا. (تفكر).
(جارية تهمُّ بالخروج.)
ليلى
:
ارجِعي، ارجعي. أتعرِفين ذلك الشابَّ الذي كان عندي منذ هُنيهة؟
جارية
:
تَعنين قيس العامري؟
ليلى
:
هو، هو بعينه. اقصدِيهِ وقُولي له: إنَّ مولاتي ليلى تُريد أن تراك فأسرِع
إليها فهي بانتظارِك في المكان المعهود.
جارية
:
وأين هو الآن؟
ليلى
:
في الوادي.
جارية
:
أمرُك يا سيدتي (تمشي لتخرج).
مهدي
(يدخل بغتةً ويُمسك الجارية بكتِفها قائلًا)
:
إلى أين يا رسولَ الخَنا؟! فلولا أن يُقال خرَق حُرمةَ العرب لقتلتُكِ في
الحال. اخرُجي يا خائنة قبَّح الله وجهَك (يصفعُها
بيدِه). وأنتِ أيَّتها الابنة الطائشة، ألم أقُل لك إنَّني أُذيقك
كأس الحُتوف إذا عرفتُ أنك تُحدِّثين هذا الشابَّ فيما بعد، فكيف تَجرُؤين على
استدعائهِ إليك؟!
ليلى
:
ما هذا الجُور يا أبي؟ أين رحمتُك الوالِديَّة؟!
مهدي
:
اخرَسي ثكلتكِ أمُّكِ؛ فَقِحَتُكِ لم تَسبقْكِ إليها ابنةٌ من بنات
الحَسَب.
ليلى
:
وظُلمُك لم يرتكبْهُ سيِّد من سادة العرب.
مهدي
:
ما هذه الجَسارة؟
ليلى
:
وما هذا البَغْي؟
مهدي
:
احذَري الظهور بعد الآن من خِبائك.
ليلى
:
هيهاتَ أن يُخفِّف هواهُ تَحجُّبي؛ فهو مُصوَّر أمام عينيَّ وإن لم تعتنِق
الأجساد تتعانَق الأرواح.
مهدي
:
دواؤك في حدِّ هذا المُهنَّدْ
فلا بدَّ من
أن بِصدرِكِ يُغمَدْ
ليلى
:
افعلْ وأرِحْني من هذا الشَّقاء.
مهدي
:
بل أُنقِذُ شرَفي من العار إذا فعلت.
ليلى
:
اقتُلني ولا تُهنِّي.
فالموت عذبٌ في سبيل غرامهِ
والموتُ فيهِ
للمُحبِّ حياةُ
مهدي
:
إنَّ الشريف إذا تدنَّس عِرضهُ
يغدو بقتلِ
مُدنِّسيهِ كريمَا
ولأنتِ قد دنَّستِ عِرضيَ
فالْحَقي
بالسابقين لكي أعيشَ
عظيمَا
(يستلُّ سيفَهُ مُحاولًا طعْنها.)
ليلى
:
اضربْ ولا تخَف.
المشهد الخامس
(ليلى – مهدي – زينب – خالد)
زينب
(تدخُل بعجَلةٍ وتتناول مهدي بذراعهِ)
:
ما هذا الجنون؟! لقد أرعبْتَ قلبي. أتقتُل ابنتَك؟!
مهدي
:
نعم، أقتُلها لأُنقِذ شرَفي من العار.
زينب
:
لا؛ هذا لا يكون. ألا تُشفِق على شبابِها الناضِر؟
مهدي
:
لأنَّها لم تُشفِقْ على مَجدي والمَفاخر.
ليلى
:
أيَّ ذنبٍ اقترفتُ يا الله؟ ولماذا أضرمتَ بقلبي شُعلة الحبِّ يا ربي؟
اقتُلْني يا أبي إذا كان قتْلي يلذُّ لك وبهِ سلامة شرفِك.
مهدي
:
اصمتي واسْلُكي طريق الآباء والأجداد.
ليلى
:
ومن منهم لم يعشَقْ ولم يُحب؟
زينب
:
اسكُتي يا بُنية اسكُتي.
مهدي
:
يا خالد. يا بكر. يا خالد.
خالد
:
لبَّيك سيِّدي.
مهدي
:
انتظِر قليلًا (يأخُذ قلمًا ووَرَقًا
ويكتُب).
زينب
:
ماذا تكتُب؟ دَعِ الحَماقة يا مهدي.
مهدي
:
بعد قليلٍ سترَين ما يكون.
زينب
(على حِدة)
:
آه يا بُنية لقد كدَّرتِ عَيشَنا بغرامكِ.
ليلى
:
ارحَميني يا أُمَّاه، فأنتِ امرأة وتَعرفين قُلوب النساء. إنَّ أبي قاسٍ فلا
تكوني مثله، وكوني مع ابنتك لا عليها.
مهدي
(إلى خالد)
:
خُذ يا خالد هذا الكتاب وادفَعْهُ إلى الخليفة ابن مروان.
خالد
:
أمرك مولاي.
زينب
:
بربِّكَ ما كتبْتَ لهُ؟
مهدي
:
إصدار أمرِه بهدْر دم قيس إذا انتهَكَ حُرمة شَرَفي فيما بعد.
ليلى
:
لم يَسبقْك إلى هذا أحدٌ يا قاسي.
زينب
:
اسكُتي يا ليلى.
ليلى
:
يَطلُب قتْل حبيبي وأسكُت؟!
مهدي
:
إن لم تَسكُتي أَسكتَكِ الموت (يخرج).
المشهد السادس
(ليلى – أُمُّها – خالد)
زينب
:
ما هذا الجُنون يا بُنية؟ لقد كنَّا عذارى ومِثل حبِّكِ لم نُحب. ألم تَعلمي
أن والدكِ قد فعل ما فعل مُحافظة على شرفكِ؟
ليلى
:
آه يا أُمِّي لو كنتِ تَشعرين شُعوري لأشفقتِ عليَّ ومهَّدتِ السبيل لعقد
قراني.
زينب
:
لعَينيكِ أفعل ما تَرومين، فاختاري مَن تُريدين وأنا أُمهِّد العقبات.
ليلى
:
إذًا أقنِعي والِدي أن يزفَّني إلى حبيبي.
زينب
:
هذا مُحالٌ يا ليلى.
ليلى
:
إذًا أموت ولا آسَفُ على الحياة.
زينب
:
يا للجنون! ألِأجْل شابٍّ تَموتِين وبين طُلَّابِكِ أشرفُ منهُ
وأجمل؟!
ليلى
:
لا دخل للشرَف والجمال في الحبِّ؛ فغيرهُ لا أهوى أبدًا ما دُمتُ في قيْد
الحياة، حتى ولو كان الخليفة ابن مروان.٩
خالد
:
سيِّدتي، مولاي يدعوك إليهِ؛ لأنَّهُ صمَّم النية على مُغادرة هذه
البقعة.
ليلى
:
يا للمُصيبة! وما أمرَّ بعادك يا قيس!
زينب
:
تنبَّهي يا بُنيَّة فقد قُضي الأمر (تخرج).
المشهد السابع
(ليلى وحدها)
تُعانِدني الأيام في وصل من أهوى
فألتمِسُ السَّلوى
ولا أجد السَّلوى
فيا ربِّ لمَ أبدعتَهُ البدر في البَها
وأنزلتَ في
ثغرٍ لهُ المنَّ والسَّلوى
١٠
تُحمِّلني الأيام ما لا أطيقهُ
من الصَّبر إن
الصَّبر أثقَل من رضوى
أألْقى مدى الأيام بَيني وبينَهُ
رقيبًا فَيالله من
هذه البلوى
أحاوِل إرواء الغليل بنظرةٍ
وما ذلك البُركان من
قطرةٍ يُروى
لكلِّ ابن أُنثى في البرية مَضجع
ولكنَّ قلبي ليس
يلقى لهُ مأوى
كطيرٍ إذا ألقى على الغُصن رجلهُ
يُطاردهُ الصيَّاد
في ذلك المَثوى
وحقِّ الهوى لم يخلُ قلبي من الهوى
فما حِيلتي
والدَّهر بيني ومن أهوى
أمن مدركٍ سرَّ الغرام وكُنههُ
فيشرَح للعُشَّاق
معناهُ والفحوى
أذلك داءٌ قاتلٌ ومبرَّحٌ
تُصاب به الألباب عن طُرق
العدوى
أقيسٌ أجِبْني هل بقلبِك ذَرَّةٌ
من الحبِّ إن القلب
في نارهِ يُشوى
أيا من على قلبي جنى بدلالهِ
فديتُكَ جُدْ لي ما على
الحبِّ من دعوى
دلالًا فإنَّ القلب أضحى بنظرةٍ
أسيرًا مع الألحاظ
يُنشَر أو يُطوى
ترى عندكم ما عِندنا الوجد والهوى
وهل ذُقتمُ مِثلي
أنا المرَّ والحلوا
هو الحبُّ داءٌ قد ورثناهُ كلُّنا
من البَدء في
الفردوس عن أُمِّنا حوَّا
ما هذا الصوت الرَّخيم صوت شبَّابة، ما أعذبَ هذا الصوت!
المشهد الثامن
(ليلى – الرُّعاة – خالد)
(أول يُغنِّي على شبَّابتهِ وهو داخل.)
ثانٍ
(يدخل من الشمال بيدِه عصا غليظة يسمَع مُواء القطيع من
الخارج فيقول)
:
طق طق طق. (يضرِب حَجَرًا إلى الجِهة اليُمنى
ويقول) قُهْ قُهْ قُهْ، الطقس جميل والقطيع قد استمرأ
المَرعى.
ثالث
:
دعْنا من القطيع فهذه الفُسحة مُناسِبة للرَّقْص والدَّبك.
ثاني
:
حِرْ حِرْ حِرْ حِرْ تِسْ تِسْ تِسْ.
ثالث
:
دعْنا من مُخاطبة القطيع قلتُ لك.
ثاني
:
هُو هُو هُو لَعْ لع لع لع.أول (يقطع العزْف ثمَّ يقول): ما بالُكم لا ترقُصون؟
ليلى
:
هنيئًا لكم أيُّها الرُّعاة ما أطيبَ عيشكم!
ثاني
:
اعزف على لحنِ المواليا!
أوَّل
:
يعزِف على شبَّابته.
الاثنان
(ينشدان)
:
هيهات يا بو الزلوف عيني يا مواليَّا
بيني
وبينك جبل وايش وصَّلك ليا
عالبير نشَّالي عالبير نشَّالي
مزنره
بالكمَر فوق الكمَر شالي
يا الله يَغيب القمر تاسلَّمك حالي
وتكون
ليلة عتم والسرج مطفيَّا
ليلى
:
هيهات يا بو الزلوف عيني يا مواليَّا
لا
تكسروا خاطري بتتندِّموا عليَّا
(الرُّعاة عندما تبتدئ ليلى يُشيرون إلى بعضهم بالسكوت.)
ثانٍ
(همسًا)
:
أهذه ليلى؟
ثالث
:
هي بِعَينها. اعزِف يا غانم اعزِف.
(أوَّل يَعزف على شبَّابته كالأول.)
ليلى
:
وتقول صابُوني وتقول صابُوني
مرُّوا عليَّ
العدا بالعين صابُوني
لو قطَّعوني شقَفْ ألواح صابُوني
ما بحيد عن
عشرتك يا نور عينيَّا
(تبكي وتُنشِّف دمعَها بمنديلها.)
ثالث
:
ما بالُها تَبكي؟
ثان
:
هي عاشِقة. أما عشقْتَ أم عامر في زمانك؟
ثالث
:
أم عامر؟ على رأسي.
أول
:
فلنرقُص. (يُهيئ شبَّابتهُ فيَدخل خالد)
من هذا؟
خالد
(يدخل ومعه خادم)
:
سيدتي، إنَّ أُمَّك تدعوكِ إليها فاذهبي في الحال.
ليلى
:
وداعًا أيها الرُّعاة، وإنَّني أحسُدكم؛ لأنكم ستظلُّون جِيرانًا للحبيب
قَيس. آه ما أمرَّ جفاك يا قَيس! (تخرُج
باكية).
(خالد يبدأُ بحلِّ حبال الخَيمة ويُعاونهُ رفيقهُ ثم يخرُجان
بها.)
أول
:
أعرفتَ إلى أين يذهب المهدي.
ثالث
:
فلنرقُص ونُغنِّ فلِلمَهدي وليلى من يسأل عنهما.
أول
:
ومن تعني؟
ثالث
:
عَنيتُ قيس الملوَّح. اعزِف لِنَدْبُك.
ثانٍ
:
مِسكينان هذان العاشِقان.
رابع
:
السلام عليكم.
ثانٍ
:
هاتِ يدَك، اعزف يا غانم.
أول
:
يعزف لحنَ رقصٍ يُعرَف عند العرب بالدَّبكة، والثلاثة يُشبِّكون أذرُعَهم
ويرقُصون سويَّةً ويغنُّون مُوقِّعين نشيدهم على الرقص والزَّمر (وهذا الرقص وذاك الغناء يَعرفهما العامَّة ومن شاء تمثيل
الرواية فليسأل عنهما).
المشهد التاسع
(الرعاة – قيس – عامل الخليفة)
(قيس يدخل فينقطِع الغناء والرقص.)
رابع
:
اسمَعوا ما يقول قيس.
قيس
:
ألا يا ظِباءَ الحيِّ أين ترَّحلوا
وساروا
بليلى والكواكب طُلَّعُ
فأمرَضَ قلبي حُبُّها وطِلابها
فيا للعِدا
من صبوةٍ كيف أصنعُ
أأتبَع ليلى حيث راحت وخيَّمت
وما الناس
إلَّا آلفٌ ومودَّعُ
فإن يكُ جُثماني بأرضٍ بعيدةٍ
فإن فؤادي
عندكِ الدَّهر أجمعُ
ألا تتَّقين الله في قتل عاشقٍ
لهُ كبدٌ
حرَّى عليك تقَطَّعُ
غريبٌ مشوقٌ مُولعٌ بدياركم
وكلُّ غريب
الدار بالشَّوق مُولعُ
فأصبحتُ ممَّا أوقع الدَّهر مُوجعًا
وكنتُ
لريب الدَّهر لا أتضعضعُ
قنعتُ بلحظٍ منكِ ليلى وإنما
ينال المُنى من
كان باللَّحْظ يقنعُ
أبِيتُ برَوحاء الطريق كأنَّني
أخو خَبَلٍ
أوصالهُ تتقطَّعُ
أوَّل
:
طيَّب الله الأنفاس يا قيس.
ثالث
(إلى الثاني)
:
ماذا يقول؟ لم أفهم شِعرهُ، اشرَحْ لي.
ثانٍ
:
هل أنا أستاذ مدرسة! ما أبْلدَك!
قيس
:
آه! لم يبقَ غير الأطلال الدارِسة؛ فلنسأل الرُّعاة عن المهدي. (إلى الرُّعاة) أتعرِفون أين ذهب المهدي؟
أول
:
إلى جبل تَوْباذ. (إلى رِفاقه) هلمُّوا
بنا نخرُج فقد ذهب الزمان (يخرجون).
قيس
:
ألا أيُّها القلب اللَّجوج المُعذَّلُ
أفِقْ
عن طِلاب الغِيد إن كنتَ تعقلُ
أفِقْ قد أفاق العاشقون وإنما
تمادِيك في
ليلى ضلالٌ مُضلِّلُ
تَعَزَّ بصبرٍ واستعنْ بجلالهِ
فصبرُك فيما
لا يُدانيك أجملُ
سلا كلُّ ذي ودٍّ علمتَ مكانهُ
وأنت بليلى
مُستهامٌ مُوكَّلُ
ولكن أين الصبر للعاشق المُتيَّم؟ وكيف يَسلو عاشق مُغرم؟!
المشهد العاشر
(قيس – جواد)
جواد
:
سلام أيُّها الشاب.
قيس
:
وألف تحيةٍ أيُّها الكريم.
جواد
:
أنت قيس العامري؟
قيس
:
نعم.
جواد
:
أُنذِرك أنَّ مولاي الخليفة قد أصدر أمرًا بهدْر دمك إذا عُدتَ إلى الاجتماع
بليلى ابنة المهدي؛ فكن على حذَر، ولا تُعرِّض نفسك للخطر.
قيس
:
ما هذا الحُكم الجائر؟ أإلى هذا الحدِّ رَخُص دمي؟
جواد
:
هذا لا يَعنيني وأنا بَريء من دمك، فأستودِعُك الله (يخرج).
قيس
:
مع السلامة، قاتَلَ الله الظالمين، وما أمرَّ عَيش العاشقين!
لئن حُجِبت ليلى وآلى أميرُها
عليَّ يمينًا
جاهدًا لا أزورها
على غير شيءٍ غير أنِّي أُحبُّها
وأنَّ
فؤادي عند ليلى سَميرها
ألا فاقتُلوني إنَّ مَوتي طيِّبٌ
إذا كان في
موت الحبيب سُرورها