الفصل الخامس
ضريح في بريَّة
المشهد الأول
(قيس – أسد)
أسد
:
من هنا يا سيِّدي من هنا.
(قيس يدخل مكشوف الرأس حافِيَ الرِّجلين مُتحيِّرًا.)
أسد
:
هذا ضريح العامِريَّة شهيدة هواك.
قيس
(ينطرِح على القبْر ويقول)
:
هنا ضحيَّة الهوى العُذري، وقتيلة سَيف
الجهل الوالدي، فيا للجريمة الهائلة! فلسَوف تلعَنُ الأجيال من فرَّقنا وكدَّر
صفاءَنا، وستُضرَب الأمثال ببلوانا ما دام ناطِقٌ بالضاد. فالويل لكَ أيُّها
المَهدي يا بائع الذِّمَّة وخائنَ الضَّمير! أنا سأموت وأسامِحُك، ولكن الله لا
يُبرِّرُك أيُّها الوَحْش المُفترِس. (سِرًّا) هذه وصِيَّتي ويضعها على الضريح ويقول إلى أسد: أما أنت
أيُّها الصديق فدَعْني وحدي واذهب، دعْني غارقًا في بحر أحزاني إلى أن ألفِظ
هذه الرُّوح، وألحَقَ بمن عشِقْتُها حتى في عالم الأبدية.
أسد
:
أستودِعك الله يا سيدي.
قيس
:
جوزيت عنِّي خيرًا (يدور حول الضريح
وينشد):
أيا قبرَ ليلى لو شهِدناك أعولتْ
عليك
نِساءٌ من فصيح ومن عجمْ
ويا قبرَ ليلى إنَّ ليلى غريبةٌ
بأرضِك لا
خالٌ هناك ولا ابنُ عمْ
ويا قبر ليلى غابتِ اليومَ أُمُّها
ووالدُها
والحافِظون لها الذِّمَم
فيا لهفَ قلبي بعد فُقدان مُهجتي
فقد أخمدتْ
من بعدها نار ذي سلَم١
ويا لَوعَتي سهمُ المَنون أصابها
فأصْمي
فؤادًا كان بالوَجْد مُضطرِم
فكيف اللِّقا والقبر بيني وبينها
فيا ربِّ
لا تُشفِق على ظالمٍ ظلَم
لقد ظلَمُونا واستبدُّوا فوَيلَهم
لدُن
تُهتَك الأسرار في مَوقف الحكَم
فيا ليلَ قد حان الوداع بلا لِقا
ويا مَوت
أحلى أنت من عِيشة الألم
وهذي حياتي بالشَّقاء قد ابتدتْ
فلا عجبٌ إن
كان بالمَوت تُختَتم
(ينتحِر بخنجرٍ ويسقُط على الضَّريح مُضرَّجًا بدَمِه.)
المشهد الثاني
(يدخل مهدي وسعد وزينب وعلقمة وغُلامان لزيارة القبر.)
زينب
(تبكي)
:
آه يا ولدي.
مهدي
:
مهلًا اسكُتي لنرى من هذا المُرتمي على الضريح. (يتقدَّم يتفرَّس به) هو قيس! يا قيس يا قيس انهض يا
عمَّاه!
علقمة
(يتقدَّم منه فيرى الخِنجَر ويجسُّ نَبضَهُ ثم يقول)
:
لا حياة لمن تُنادي.
زينب
:
وا أسفاه عليكما.
سعد
:
ما هذا القِرطاس؟ (يُقدِّمهُ
لمهدي).
مهدي
(بعد أن يفتحهُ)
:
هذه وصِيَّة قيس، اسمَعوا:
أنا قيس المُلوَّح مجنون عامر، قد قضيتُ من فرط الحُزن والجوى، قتلتُ نفسي بِيَدي فلا يُطالِب أحدٌ بثأري. أسأل الله أن يغفِر ذنب المَهدي ويُسامِحهُ على ما جناه؛ فقد قتل نَفْسَين بسيفٍ واحد، إنما أطلُب أن أُدفَن بجنب ليلى، ويُكتَب على ضريحي هذان البَيتان:
تَوَسَّد أحجار اليمامة والقَفْرِ
ومات جريح
القلبِ مُندَمِلَ الصدرِ
فيا ليتَ هذا الحبَّ يَعشَقُ مرَّةً
ليعلم
ما يلقى المُحبُّ من الهجرِ
مهدي
:
نعم أنا أعترِف أمام السَّماء والأرض بأنَّني اقترفتُ جُرمًا عظيمًا؛ لقد
قتلتُ ابنتي وابنَ أخي، ولم أُشفِق على صِباهما.
نعم جَنينا ولم ينفَعْ تَجنِّينا
ومن
بَليَّتِنا ضاق الفضا فينا
قتلتُ بِنتي ولم أُشفق على ابنِ أخي
وما
افتكرتُ بأنَّ الدَّهر يُفنِينا
فيا شَهيدَي غرامٍ إنَّ قتلَكُما
لسَوف
يذكُره العُشَّاق باكِينا
تركتُما بينَنا حُزنًا نموتُ بهِ
ومُتُّما
رَحِمَ اللهُ المُحبِّينا
(انتهت)
١
ذو سلم: وادٍ في الحجاز، والسَّلم في الأصل شجَر ورقُه
يُستخدَم في الدِّباغة، وبه سُمِّي هذا الموضع. وقد أكثر
الشُّعراء من ذِكره. وأُخمِدت نار ذي سلم: مات أهل الوادي
جميعًا ولم تبقَ فيه حياة.