الفصل الرابع عشر
ما من عنكبوتٍ حاول جاهدًا إصلاح خيوط شبكته المهلهَلة أكثر مما فعل والديمار فيتزورس للمِّ شمل أعضاء عصبة الأمير جون المتفرِّقين وتوحيدهم. كان من الضروري أن يفتح أمامهم آفاقًا جديدة للمنفعة، وأن يُذكِّرهم بتلك المنافع التي كانوا يستمتعون بها في ذلك الوقت. وقد وزَّع هذا العميل النشط الوعودَ بإفراط، ولم يترك شيئًا يمكن أن يُقوي عزم المتردِّدين أو يُشجِّع المحبَطين إلا وفعله. تحدَّث عن رجوع الملك ريتشارد باعتباره حدثًا غير محتمل على الإطلاق، ولكن عندما لاحظ أن هذا كان أكثر ما يُخيف المُتواطئين معه في الشر، وصف ذلك الحدث بجُرأة بأنه، إن حدث بالفعل، حدثٌ يجب ألا يُغير شيئًا من حساباتهم السياسية.
قال فيتزورس: «إن رجع ريتشارد فسيرجع لإثراء جنوده الصليبيين الفقراء والمعوِزين على حساب أولئك الذين لم يتبعوه على الأراضي المقدسة. سيرجع ليدعو إلى محاسبة أولئك الذين فعلوا في غيابه ما يُمكن تفسيره بأنه إهانة أو تعدٍّ على قوانين الأرض أو امتيازات التاج. وإجمالًا سيرجع لمعاقبة كل من ناصَر أخاه الأمير جون بصفته مُتمردًا.» وأضاف: «من ناحية الصفات الشخصية قد يكون الأمير جون أقلَّ شأنًا من أخيه ريتشارد، ولكن عندما نأخذ في اعتبارنا رجوع الأخير شاهرًا سيفَ الثأر في يده، بينما منح الأول العطايا والامتيازات والثروة والمجد، فلا مجال للشك بشأن من سيكون الملك الذي تقضي حكمة النبلاء أن يدعموه.»
كان لهذه الحجج وغيرها الكثير الأثرُ المتوقَّع بين نبلاء حزب الأمير جون. وافَق معظمهم على حضور الاجتماع المقترَح في يورك؛ بغرض اتخاذ التدابير لتتويج الأمير جون.
في وقتٍ متأخِّر من الليل رجع فيتزورس إلى قلعة آشبي، حيث قابَل دي براسي الذي كان قد استبدل بثياب المأدبة سُترةً خضراء قصيرة وغطاءَ رأس جلديًّا، وأمسك بسيفٍ قصير وقوسٍ طويلة في يده، ودسَّ حُزمة من السهام في حزامه. نظر فيتزورس إليه بانتباه، وتعرَّف على الفارس النورماندي في زي جندي إنجليزي.
قال فيتزورس: «أي هزل هذا يا دي براسي؟ أهذا وقتٌ مُناسب لارتداء أزياء تنكُّرية، بينما مصير سيدنا الأمير جون على وشك أن يُتخذ القرار فيه؟ لمَ لم تكن، مِثلي، بين هؤلاء الجبناء الرعاديد الذين يُرعبهم مجرد ذكر اسم الملك ريتشارد؟»
أجاب دي براسي بهدوء: «لقد كنت أعتني بشئوني، مِثلما تعتني أنت أيضًا يا فيتزورس بشئونك الخاصة.»
قال والديمار مُرددًا عبارته: «أهتمُّ بمصلحتي الخاصة! بل أهتمُّ بمصلحة الأمير جون، مولانا المشترك.»
قال دي براسي: «وهل لديك أيُّ سبب آخر لذلك يا والديمار يفوق إعلاءَ مصلحتك الخاصة؟ بربِّك يا فيتزورس، فكلٌّ منا يعرف الآخر. الطموح هو مَسعاك، أما ما أريده فهو المتعة، وهذا يتناسب مع عُمرَينا المختلفَين، ولكنك ترى الأمير جون كما أراه؛ أنه أضعفُ من أن يكون ملكًا حازمًا، وأكثرُ استبدادًا من أن يكون ملكًا سهلًا لينًا، وأكثرُ تقلبًا في المزاج وجُبنًا من أن يكون ملكًا من أي نوع لمدةٍ طويلة، لكنه ملك يأمُل كلٌّ من فيتزورس ودي براسي أن ينالا الرِّفعة والازدهار على يدَيه؛ ولذلك نُعاونه؛ أنت بسياستك، وأنا برماح رفقائي الأحرار.»
قال فيتزورس بنفادِ صبر: «إنك مُعاونٌ واعد، تتظاهر بالحماقة في لحظات الضرورة القصوى. بربِّك قل لي، ما غرضك من هذا التنكُّر السخيف في مِثل هذا الوقت العصيب؟»
أجاب دي براسي بهدوء: «لكي أحصل على زوجة بالقوة على طريقة قبيلة بنيامين. بعبارةٍ أخرى، سأُباغت بهذا الزي نفسه ذلك القطيعَ من الثِّيران الساكسونية الذين غادروا آشبي في هذه الليلة، وأخطف منهم الجميلة روينا.»
قال فيتزورس: «أجُنِنت يا دي براسي؟ تذكَّرْ أنه على الرغم من أن أولئك الرجال ساكسونيون فإنهم أغنياء وأقوياء، ويحظَون بأكبرِ قدر من احترام مُواطنيهم؛ فلا يتمتع بالثروة والشرف سوى عدد قليل من أبناء النسل الساكسوني.»
قال دي براسي: «ويجب ألا يتمتع بهما أحدٌ منهم على الإطلاق؛ لذا يجب علينا أن نستكمل غزونا.»
قال فيتزورس: «على الأقل ليس هذا هو الوقت المُناسب؛ فالأزمة الوشيكة تُحتم السعيَ لإرضاء الجماهير، وليس بوُسع الأمير جون أن يأبى تحقيق العدالة لأي شخص يُضِر بمصالحهم.»
قال دي براسي: «فليمنحهم العدالة إن جرؤ على ذلك، ولكني أعني أنني لن أكشف عن نفسي في الحال. ألا أبدو في هذا الزي في جُرأة حرَّاج ممَّن ينفخون في الأبواق. سيقع اللوم بشأن العنف على الخارجين عن القانون في غابات يوركشاير. إن لي جواسيسَ أثق بهم يرصدون حركات الساكسونيين، سينامون هذه الليلة في دير القديس ويزهولد، وغدًا تجلبهم مسيرتهم إلى براثننا، فننقضُّ عليهم على الفور كالصقور. بعد ذلك بقليل سوف أظهر بشكلي الحقيقي، وألعب دور الفارس الدَّمِث الأخلاق، وأُنقذ الجميلة التعيسة المنكوبة، وأقتادها إلى قلعة فرونت دي بوف، ولا أجعل ذويها يرَونها حتى تُصبح عروسي والسيدة موريس دي براسي.»
قال فيتزورس: «خُطةٌ حكيمة ورائعة، وأعتقد أنها ليست خالصةً من بنات أفكارك؛ فلتُصارحني يا دي براسي، مَن ساعَدك في ابتكارها؟ ومن الذي سيُساعدك في تنفيذها؟»
قال دي براسي: «بحق سيدتنا مريم، إذا كان لا بد أن تعرف فإن فارس الهيكل براين دي بوا جيلبرت هو من حاك الخطة، وسيُساعدني في الهجوم، وسيُمثل تابعوه دور الخارجين عن القانون.»
قال فيتزورس: «أُقسِم بحق مقدَّساتي، إنها خطة على قدر حِكمتكما معًا! وإن حذرك يا دي براسي جليٌّ بوجهٍ خاص في فكرة ترك السيدة في أيدي حليفك النبيل. أعتقد أنك قد تنجح في أن تخطفها من أصدقائها الساكسونيين، ولكن ما يدعو إلى الشك على نحوٍ أكبر هو كيف ستتمكن من إنقاذها بعد ذلك من براثن بوا جيلبرت.»
قال دير براسي: «إنه أحد فُرسان الهيكل؛ ولذلك لا يُمكنه أن يُنافسني في خُطتي للزواج من هذه الوريثة.»
قال فيتزورس: «إذن، ما من شيء يُمكنني قوله ليُبعد هذه الحماقة عن مخيِّلتك (لأنني أعرف جيدًا طبعك العنيد)، ولكن على الأقل قدر الإمكان لا تُضِع الوقت؛ فلا تُسلِّم نفسك لحماقتك طوال الوقت وتضعها في غير موضعها.»
أجاب دي براسي: «قلت لك إن هذا الأمر لن يستغرق سوى ساعاتٍ قليلة، وسأكون في يورك على رأس أتباعي ذوي الجُرأة والبسالة، جاهزًا لدعم أي خطة جريئة يُمكن لسياستك وضعُها، ولكنني أسمع صوت رفقائي يتجمعون، وأصوات حوافر الجياد وصهيلها في الساحة الخارجية. وداعًا. سأذهب كفارسٍ حقيقي لأظفر بابتسامات الحسناء.»