الفصل الحادي والعشرون
عندما وصل فارس الهيكل إلى رَدهة القلعة، وجد دي براسي هناك بالفعل، وسرعان ما انضمَّ إليهما بعد ذلك فرونت دي بوف.
قال فرونت دي بوف: «لنرَ سبب هذه الجلَبة اللعينة. ها هي رسالة، وهي، إن لم أكن مُخطئًا، باللغة الساكسونية.»
نظر إليها وأخذ يُقلِّبها في يده، كما لو كان بالفعل يأمُل أن يعرف معنى ما فيها بقلب وضع الورقة، ثم أعطاها إلى دي براسي.
قال دي براسي: «على قدر علمي، قد تكون تعاويذَ سحرية.»
قال فارس الهيكل: «أعطِها لي. إن لدينا من الصفات الكهنوتية ما يجعل لنا بعضَ العلم الذي نُنير به الطريق أمام بسالتنا.»
أنا، وامبا بن ويتليس، مهرِّجٌ تابع لرجلٍ نبيل وحُر بالميلاد، سيدريك أوف روثيروود، الملقَّب بالساكسوني؛ وأنا جيرث بن بيوولف، راعي خنازير لدى سيدريك المذكور؛ مع مساعدة حليفَينا وشريكَينا، وهما الفارس الصالح الملقَّب حاليًّا بالكسول الأسود، واليومَن الشجاع روبيرت لوكسلي، نُعلِمك يا ريجينالد فرونت دي بوف، أنت وشركاءك، أيًّا كانوا، أنه حيث إنكم قد أسَرْتم ظلمًا واقتدارًا مولانا وسيدنا سيدريك المذكور وفرضتم عليه سيطرتكم، هو وفتاةٌ نبيلة وحرة المولد هي السيدة روينا أوف هاروجوتستاندستيد، وكذلك رجلٌ نبيلٌ حر المولد هو أثيلستان أوف كوننجزبيرج، وكذلك يهودي يُدعى إيزاك أوف يورك ومعه ابنته اليهودية، وعدد من الخيل والبغال؛ وعليه نطلب تسليم الأشخاص المذكورين سلفًا، هم وجميع أغراضهم ومنقولاتهم، في غضون ساعة من تسلُّم هذه الرسالة، من غير أذًى أو ضرر يلحق بهم. وإن أبيتم، نُعلن لكم أننا سنعدُّكم لصوصًا وخائنين، وسنُخاطر بأجسادنا ضدكم في معركة أو حصار أو غير ذلك، وسنبذل قصارى جهدنا لتكدير سِلمكم وإلحاق الدمار بكم. من أجل ذلك، فليحفظكم الرب، وقَّعناها في عشية يوم القديس ويزهولد أسفل شجرة البلوط الكبيرة المعينة مكانًا لاجتماعنا في ممر هارت هيل، وكتبها رجلٌ مقدَّس، وهو أحد رجال الدين بطائفة القديس دونستان، في كنيسة كوبمانهورست.
استمع الفُرسان لقراءة هذه الوثيقة غير المُعتادة من بدايتها لنهايتها، ثم حدَّق كلٌّ منهما في الآخر في ذهولٍ صامت، كما لو كانوا في حيرة من أمرهم فيما يتعلق بما تعنيه. كان دي براسي أولَ من كسر الصمت بنوبة ضحك جامحة، انضمَّ إليه فيها، ولكن باعتدالٍ أكثر، فارسُ الهيكل. بينما بدا فرونت دي بوف، على النقيض، غاضبًا من مِزاحهما الذي كان في غير وقته.
قال: «بحق القديس ميشيل، ودِدت لو استطعت أن تتحمل وطء هذه المغامرة بنفسك يا دي براسي؛ فهؤلاء الرجال ما كانوا سيَجرءون على ارتكاب مثل هذه الوقاحة التي لا يُمكن تخيُّلها ما لم تكن إحدى العصابات القوية تدعمهم.» ثم أضاف مُخاطبًا أحد أتباعه: «تعالَ أيها الرجل، هل أرسلت أحدًا ليرى أي قوة تدعم هذا التحديَ المُفرِط؟»
أجاب تابعٌ كان حاضرًا: «يوجد ما لا يقل عن مائتَي رجل تجمَّعوا في الغابات.»
قال فارس الهيكل: «فلنستدعِ رجالنا ونهجم عليهم؛ ففارسٌ واحد، بل رجلٌ واحد مسلَّح، كفيلٌ بالقضاء على عشرين من هؤلاء الفلاحين.»
قال دي براسي: «هذا كافٍ بل وزيادة؛ إنه لمن العار أن أُسدد رمحي نحوهم.»
رد فرونت دي بوف: «أقلت نهجم عليهم؟ إن ما معنا من الرجال لا يكاد يكفي لحراسة القلعة؛ فأفضل رجالي في يورك، وكذلك فرقتك كلها، يا دي براسي، ولدينا بالكاد عشرون إلى جانب الحفنة التي انخرطت في هذا العمل الجنوني.»
قال فارس الهيكل: «ألا تخشى من استطاعتهم التجمع في قوةٍ كافية لمهاجمة القلعة؟»
أجاب فرونت دي بوف: «ليس الأمر كذلك، يا سيد براين؛ فهؤلاء الخارجون عن القانون لديهم بالفعل قائدٌ جريء، ولكنهم بدون المعَدَّات، والسلالم المُدرَّجة، والقادة ذوي الخبرة، يُمكن لقلعتي أن تصمد أمامهم.»
قال فارس الهيكل: «أرسِلْ لجيرانك؛ دعهم يجمعوا رجالهم، ويأتوا لإنقاذ الفُرسان الثلاثة الذين يُحاصرهم مهرجٌ وراعي خنازير في القلعة البارونية لريجينالد فرونت دي بوف.»
رد البارون: «أنت تمزح يا سيدي الفارس؛ فلِمَن أُرسل أحدًا؟ إن مالفوازان الآن في يورك مع أتباعه من الجنود، وكذلك حلفائي الآخرون.»
قال دي براسي: «أرسِلْ إذن إلى يورك، واستدعِ رجالنا.»
قال فرونت دي بوف: «ومن سيحمل رسالة كهذه؟ إنهم سيُحاصرون كل طريق، ويستخرجونها من صدر المبعوث.» ثم أضاف بعد توقف للحظة: «وجدتُها! يُمكنك، أيها السيد فارسُ الهيكل، أن تكتب كما يُمكنك أن تقرأ، وستكتب ردًّا على هذا التحدي الجريء.»
قال بوا جيلبرت: «كنتُ أُفضِّل أن أفعل ذلك بذؤابة السيف لا بسنِّ القلم، ولكن كما تشاء.»
إن السير ريجينالد فرونت دي بوف، وحلفاءه وشركاءه من النُّبلاء والفُرسان، لا يتلقَّون رسائلَ تحدٍّ من عبيد أو غلمان أو آبقين. أما عن السجناء الذين أسرناهم، فنحن نطلب بدافع الإحسان المسيحي أن تُرسلوا رجلًا من رجال الدين ليأخذ اعترافهم ويجعل الرب يتوب عليهم؛ لأن نيتنا قد انعقدت على أن نُعدمهم هذا الصباح قبل الظهيرة.
طُوِيت هذه الرسالة وسُلِّمت إلى التابع، ومنه إلى الرسول الذي كان ينتظر بالخارج الردَّ على الرسالة التي كان قد جلبها.
بذلك كان الرامي قد أتمَّ مهمته؛ ومن ثَم رجع إلى مقر الحلفاء الذي كان في ذلك الحين مُقامًا تحت شجرة بلوط مهيبة، على بُعد ما يقرب من ثلاث رميات سهم. هنالك كان وامبا وجيرث، مع حلفائهما الفارس الأسود ولوكسلي والناسك المرح، ينتظرون على أحرَّ من الجمر الردَّ على دعوتهم.
أخذ الفارس الأسود الخطاب من لوكسلي، وقرأه أول مرة فيما بينه وبين نفسه، ثم شرح معناه بالساكسونية لحلفائه.
صاح وامبا: «يُعدمون النبيل سيدريك! بحق الصليب، لا بد أنك مُخطئ يا سيدي الفارس.»
رد الفارس: «لا، لست مُخطئًا يا صديقي العزيز؛ فلقد شرحت الكلمات كما هي مسطورة هنا.»
قال لوكسلي: «هذه ليست إلا حيلة لكسب الوقت؛ فلا يجرءون على فعل شيء يُمكن أن أُعاقبهم عليه عقابًا وخيمًا.»
قال الفارس الأسود: «ودِدت لو كان بيننا من يُمكنه الحصول على إذن لدخول القلعة واكتشاف حالة المحاصَرين. أظن، بما أنهم يطلبون إرسال أب اعتراف، أن هذا الناسك المقدَّس يُمكنه على الفور أن يؤدي مهمته الدينية، ويجلب لنا المعلومات التي نريدها.»
قال الناسك الورع: «اللعنة عليك وعلى نصيحتك! أقول لك يا سيدي الفارس الكسول إنه يُمكنني أن أقتل عشرين ظبيًا أفضل مما أستطيع أن آخذ اعتراف مسيحي واحد.»
قال الفارس الأسود: «يؤسفني أن أقول إنه لا أحد هنا مؤهَّل، في الوقت الحالي، لأن يؤدي شخصية أب الاعتراف.»
نظر كلٌّ منهم إلى الآخر في صمت.
قال وامبا بعد توقُّف قصير: «أرى أن الأحمق لا بد أنه يظل أحمق، ويُغامر بعنقه. عليكم أن تعرفوا، يا أقربائي وبني وطني الأعزَّاء، أنني ارتديت ثوب الكاهن قبل أن أرتدي ثوب المهرِّج، وكانوا يُعِدونني لأُصبح راهبًا، حتى أصابتني حُمَّى في الدماغ وتركت من صوابي ما يكفي لأن أصير أحمق. أثق أنني، بمساعدة عباءة ناسك جيدة، سأكون مؤهلًا لبثِّ الطمأنينة الأرضية والروحية في نفس السيد الموقَّر سيدريك ورفاقه في المحنة.»
قال الفارس: «فلترتدِ العباءة إذن أيها الرجل الصالح، ولتجعل سيدَك يبعث لنا بتقرير عن حالتهم داخل القلعة. إن الوقت يمر، فلتذهب.»
قال وامبا، الذي كان في ذلك الحين مُتنكرًا في ردائه الديني، باللاتينية: «سلام لكم.»
قال ذلك، وحاكى المِشية الوقورة والجليلة للرهبان، وانصرف لتنفيذ مهمته.