الفصل الثاني والعشرون
عندما وقف المهرج، مُرتديًا قلنسوة الرهبان وثوبهم الطويل، أمام بوابة قلعة فرونت دي بوف، سأله الحارس عن اسمه والمهمة التي أتى من أجلها.
أجاب المهرج باللاتينية: «سلام لكم، أنا أخٌ فقير من طائفة رهبان القديس فرانسيس، وقد جئت إلى هنا لأؤدي واجبي الكهنوتي نحو بعض الأسرى التعساء المسجونين الآن في هذه القلعة.»
عندما وجد وامبا نفسه في حضرة ريجينالد فرونت دي بوف، ألقى بتحية «سلام لكم» باللاتينية بقلقٍ يفُوق ما كان يشعر به من قبل، غير أن فرونت دي بوف كان مُعتادًا على رؤية الرجال يرتعبون في حضرته؛ ومن ثَم لم تكن الهيبة التي كان عليها الأب المزعوم تُعطيه أي سبب ليرتاب فيه، وقال: «من أنت ومن أين أيها القس؟»
كرَّر المهرج التحية باللاتينية قائلًا: «سلام لكم، أنا خادمٌ فقير للقديس فرانسيس، كنتُ مسافرًا عبر هذه البرِّية، ووقعتُ في يد اللصوص الذين أرسلوني إلى هذه القلعة لتأدية مهمتي الروحية نحو شخصَين حكمتم عليهما بموجب عدالتكم الموقَّرة.»
رد فرونت دي بوف: «أجل صحيح، وهل يُمكنك أن تُخبرني أيها الأب المقدس بعدد قُطاع الطُّرق أولئك؟»
أجاب المهرج: «سيدي الباسل، إنهم جمعٌ غفير.»
«أخبِرني بكلماتٍ واضحة عن أعدادهم.»
قال الراهب المزعوم: «وا أسفاه! لقد كِدت أموت رعبًا! ولكني أعتقد أنهم ربما كانوا خمسمائة رجل على الأقل من اليوامنة والعامة.»
قال فارس الهيكل الذي كان قد دخل إلى الردهة في تلك اللحظة: «ماذا! أتحتشد الزنابير بهذا العدد هنا؟ حان الوقت للقضاء على تلك العصبة الشريرة.» ثم تنحَّى بفرونت دي بوف جانبًا، وقال له: «أتعرف القس؟»
قال فرونت دي بوف: «إنه غريب من ديرٍ بعيد. لا أعرفه.»
رد فارس الهيكل: «إذن، لا تأمن له فيما تنوي إيصاله من كلمات، بل اجعله يحمل أمرًا كِتابيًّا إلى فرقة دي براسي من الرفقاء الأحرار، بأن يعودوا على الفور لمساعدة سيدهم. وفي الوقت نفسه؛ كي لا يشكَّ الحليق في شيء، اسمح له أن يمضيَ بحرية في مهمة تحضير هذين الخنزيرَين الساكسونيَّين للمجزر.»
قال فرونت دي بوف: «سأفعل ذلك.» وعلى الفور عيَّن خادمًا لإرشاد وامبا للغرفة التي كان سيدريك وأثيلستان سجينَين فيها.
قال المهرج، باللاتينية، وهو يدخل الغرفة: «سلام لكم.» ثم أضاف: «لتحلَّ عليكما بركة القديس دونستان وجميع القديسين الآخرين أيًّا كانوا.»
رد سيدريك على الراهب المزعوم: «ادخل بحرية. لأي غاية جئت إلى هنا؟»
أجاب المهرج: «لمساعدتكما على تحضير أنفسكما للموت.»
رد سيدريك: «مستحيل! لن يجرءوا على ارتكاب مثل هذه الوحشية!»
قال المهرج: «يا للأسف! إن محاولة منعهم بدافع مشاعرهم الإنسانية أشبهُ بمحاولة إيقاف جواد هارب بلجامٍ مصنوع من خيط من الحرير. استحضِرا إذن الخطايا التي ارتكبتماها؛ لأنكما ستُدعَيان في هذا اليوم نفسه للإجابة عنها أمام محكمة أعلى شأنًا.»
قال سيدريك: «أسمعت هذا يا أثيلستان؟ يجب أن نُحمس قلوبنا لهذا العمل الأخير؛ لأنه من الأفضل لنا أن نموت رجالًا على أن نعيش كالعبيد. لنشرع في عملنا المقدَّس إذن أيها الأب.»
قال المهرج بنبرة صوته العادية: «انتظِر لحظةً أيها العم الطيب؛ فمن الأفضل أن تُمعِن النظر قبل أن تُقدِم على أمر لا تعلم عواقبه.»
قال سيدريك: «أُقسِم بإيماني إنني أعرف هذا الصوت!»
رد وامبا وهو ينزع عنه قلنسوة الراهب: «إنه صوت عبدك ومهرجك المُخلِص. لو كنت أخذت من قبل بنصيحة أحمق ما كنتَ ستُصبح هنا من الأساس. فلتأخذ بنصيحة الأحمق الآن، ولن يطول بك الوقت هنا.»
رد الساكسوني: «ماذا تعني يا غلام؟»
رد وامبا: «أعني أن تأخذ ثوب الراهب والحبل هذين، وهما كل ما لديَّ من أغراض الكهَنة، وتخرج بهدوء من القلعة، تاركًا لي عباءتك وحزامك لآخذ مكانك في مصيرك المجهول.»
قال سيدريك مذهولًا من اقتراحه: «أتركُك لتأخذ مكاني! عجبًا! سيشنقونك يا غلامي المسكين.»
قال وامبا: «فليفعلوا بي ما أرادوا.»
رد سيدريك: «حسنًا يا وامبا، سأُلبِّي طلبك بشرطٍ واحد، وهو أن تُبادل ملابسك مع اللورد أثيلستان بدلًا مني.»
رد وامبا: «لا وحق القديس دونستان. ليس هذا من الحكمة، وإن الحق في أن يُعاني ابن ويتليس لإنقاذ ابن هيرورد، ولكن من قلة الحكمة أن يموت من أجل شخص كان آباؤه غرباء عن آبائه.»
واصَل سيدريك قائلًا: «دع الشجرة العجوز تذبل؛ حتى نُحافظ على الأمل المهيب للغابة. أنقِذْ أثيلستان النبيل يا وامبا المُخلِص! إنه واجب كل من لديه دماء ساكسونية تجري في عروقه.»
قال أثيلستان مُمسكًا بيده: «هذا لن يكون، يا أبي سيدريك.» واستطرد: «هذا لن يكون؛ أُفضِّل أن أبقى في هذه القاعة أسبوعًا دون طعام أو شراب إلا طعام السجناء، على أن أنتهز فرصة للهرب أتاحها عبدٌ جاهل لسيده بطيبته.»
قال المهرج: «إنكما رجلان معروفان بالحكمة يا سيدَيَّ، وأنا أحمقُ مجنون، ولكن يا عمي سيدريك، ويا ابن العم أثيلستان، إن الأحمق سيحسم هذا الجدل عنكما. إن الخدمة الكريمة لا يُمكن تقاذُفها من يد لأخرى كالكرة أو الدمية. لن أُشنَق إلا فداءً لمن كان سيدي منذ مولدي.»
قال أثيلستان: «فلتذهب إذن أيها النبيل سيدريك؛ فوجودك في الخارج قد يُشجِّع أصدقاءنا على إنقاذنا، وفي بقائك هنا هلاكٌ لنا جميعًا.»
قال سيدريك، ناظرًا إلى المهرج: «وهل يوجد أي احتمال، إذن، في نَجدةٍ من الخارج؟»
رد وامبا: «ثَمة احتمال بالفعل! دعني أخبرك أنك عندما ترتدي عباءتي فإنك بذلك تتدثر بمعطف قائد. يوجد خمسمائة رجل بالخارج، وقد كنتُ هذا الصباحَ أحدَ كبار قادتهم. حسنًا، سنرى أي نفع يجنونه عندما نستبدل بالأحمق رجلًا حكيمًا. وهكذا وداعًا يا سيدي! ولتُعلق حِلية عُرْف الديك التي كنت أضعها في قبعتي في الردهة في روثيروود؛ تذكارًا لتضحيتي بحياتي من أجل سيدي، كأحمق مُخلِص.»
خرجَت الكلمة الأخيرة تحمل نوعًا من الازدواج في التعبير بين المزاح والجِد، وتجمَّدت الدموع في عينَي سيدريك.
قال: «إن ذكراك ستبقى ما دام للإخلاص والمحبة قيمة على الأرض!»
كانا قد انتهيا حينئذٍ من تبادُل ملابسهما، حين ساوَر سيدريك شعورٌ مُفاجئ بالشك.
قال: «لا أعرف أي لغة سوى لغتي وبضع كلمات من نورمانديتهم المُتصنعة. كيف لي أن أتصرَّف كأخٍ موقَّر؟»
رد وامبا: «إن السحر يكمن في كلمتَين اثنتين؛ فعبارة «سلام لكم» ستُجيب عن كل الأسئلة. إذا ذهبت أو جئت، أكلت أو شربت، باركت أو لعنت، ستُخرجك عبارة «سلام لكم» من كل ذلك. إن فائدتها للراهب كفائدة عصا المكنسة للساحرة. قلها ولكن بنبرةٍ عميقة ووقورة هكذا: «سلامٌ لكم!» إنها لا تُقاوَم.»
قال سيده: «إذا كانت هذه العبارة دليلَ كهنوتيتي، فسأحصل على رتبتي الدينية سريعًا. سلامٌ لكم. أنا واثق من أنني سأتذكر كلمة السر. وداعًا أيها النبيل أثيلستان، ووداعًا يا غلامي المسكين. سأنقذكما أو أرجع وأموت معكما. لن تسقط شعرةٌ واحدة من رأس الغلام الطيب الذي خاطَر بحياته من أجل سيده، إن تمكَّن سيدريك بتعريض نفسه للخطر من منع ذلك. وداعًا.»
قال وامبا: «وداعًا يا عمي، وتذكَّر «سلامٌ لكم».»