الفصل التاسع والعشرون
كان الخارجون عن القانون كلهم مُحتشدين حول الشجرة التي اتخذوها موضعًا لتجمُّعهم، حيث كانوا قد أمضَوا الليل في إنعاش أنفسهم بعد متاعب الحصار، وفي إحصاء الغنائم التي أصبحت تحت تصرُّفهم بفضل انتصارهم.
سُمِع صوت حوافر الجياد، وظهرت الليدي روينا محاطةً بعددٍ من راكبي الجياد ومجموعةٍ تفُوقهم عددًا من المُشاة الذين هزُّوا بابتهاجٍ رماحهم، وضربوا حِرابهم بعضها ببعض فرحًا بتحرُّرها. وعندما مالت بجوادها نحو مقعد لوكسلي، قام ذلك الرجل الباسل وجميع أتباعه لاستقبالها.
قالت: «ليُبارككم الرب والسيدة العذراء أيها الرجال الشجعان، ويُجازِكم عن مخاطَرتكم بأنفسكم ببسالةٍ من أجل المظلومين! إن جاع أحد منكم فتذكَّروا أن روينا عندها طعام، وإن عطشتم فإن لديها الكثيرَ من براميل النبيذ والجِعة البُنية.»
قال لوكسلي: «شكرًا لكِ أيتها السيدة الكريمة. أشكركِ بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن رفاقي. ولكن إنقاذك هو في حد ذاته المكافأة.»
انحنَت روينا مرةً أخرى من فوق جوادها، واستدارت للمغادرة، ولكنها انتظرت للحظةٍ عندما وجدت نفسها على نحوٍ غير متوقَّع قريبةً من الأسير دي براسي. كان واقفًا أسفل شجرة في تأملٍ عميق، وقد عقد ذراعيه أمام صدره، ولكنه رفع بصره، وعندما انتبه لوجودها غمر ملامحَه الوسيمة توردٌ شديد من فرط الخزي. وقف برهةً في ترددٍ شديد، ثم خطا للأمام، وأخذ بزمام جوادها، وثنى ركبته أمامها، وقال:
«هل تتلطَّف الليدي روينا وتنظر إلى فارسٍ أسير، إلى جنديٍّ خسر شرفه؟»
أجابت روينا: «سيدي الفارس، في أعمالٍ كالتي تقوم بها لا تكمن خسارة الشرف الحقيقية في الفشل، بل في النجاح.»
ردَّ دي براسي: «إن الانتصار يا سيدتي يُرقِّق القلب. فقط دعيني أعلم أن السيدة روينا تعفو عن وحشيةٍ تسبَّبت فيها عاطفةٌ مشئومة، وأنها ستعلم عما قريبٍ أن دي براسي يعرف كيف يُعاملها بطُرقٍ أكثر نبلًا.»
قالت روينا: «أسامحك يا سيدي الفارس بصفتي مسيحيةً.»
لوَّحت روينا بيدها في تحية وداع رشيقة لصاحب شعار القفل، وطلب سيدريك من الله أن يحفظه، ثم ساروا قُدمًا عبر ممر واسع في الغابة.
قال لوكسلي للبطل الأسود: «أيها الفارس الشجاع، هل تتفضل وتأخذ من ذلك القدر من الغنائم ما يُرضيك، وكي يُذكِّرك بشجرة التجمع هذه؟»
قال الفارس: «أقبل العرض بالصراحة نفسها التي قُدِّم بها، وأطلب السماح في التصرف في السيد موريس دي براسي كما يحلو لي.»
قال لوكسلي: «إنه مِلكك بالفعل، وهو آمن مع أنه قاتِل أبي.»
قال الفارس: «يا دي براسي، أنت حر. ارحل؛ فمَن أصبحت أسيره يستصغر أن يأخذ ثأرًا وضيعًا على ما مضى، ولكن احذر من المستقبل، وإلا أصابك ما هو أسوأ. أقول لك يا موريس دي براسي، احذر!»
انحنى دي براسي انحناءةً عميقة، وفي صمتٍ أمسك بجوادٍ من زمامه وامتطى السرج، وانطلق مُبتعدًا بالجواد عبر الغابة. بعدئذٍ أخذ قائد الخارجين عن القانون من رقبته البوقَ الثمين وحزام الكتف اللذين كان قد فاز بهما مؤخرًا في آشبي.
قال لصاحب شعار القفل: «أيها الفارس النبيل، أرجوك أن تأخذ هذا تذكارًا لتصرُّفك الشجاع. وإن تصادف وواجهَتك المَشاقُّ في أي غابة بين نهرَي ترينت وتيز، فانفخ ثلاث نفخات في البوق، هكذا: وا - سا - هوا! ومن المحتمل أن تجد من يُساعدك ويُنقذك.»
ثم نفخ في البوق مرةً تلو الأخرى بالنداء الذي وصفه حتى استوعب الفارس النغمات.
قال الفارس: «شكرًا جزيلًا على الهدية أيها اليومَن الجريء. ولن ألتمس عونًا أفضل من عونك وعون من معك من حراس الغابة.» ثم نفخ بدوره في البوق بالنداء الذي وصفه له حتى دوَّى صداه في جميع أنحاء الغابة الخضراء.
قال اليومَن: «نفخٌ جيد وواضح. أُراهن أنك تعرف عن الحراجة بقدر ما تعرف عن الحرب! تذكَّروا أيها الرفاق هذه النغمات الثلاث. إنها نداء الفارس ذي شعار القفل، وكل من يسمعه ولا يَهُب لخدمته في حاجته سأطرده من جماعتنا وأجلده بوتر قوسه.»
تقدَّم لوكسلي في ذلك الحين لتوزيع الغنيمة، وفعل ذلك بنزاهةٍ جديرة بأفضل الثناء. وعندما أخذ كلُّ شخص نصيبَه من الغنيمة ظل النصيب المخصَّص للكنيسة دون أن يُوزَّع.
قال القائد: «وددت لو تمكَّنا من سماع أنباء عن قسِّنا المرِح؛ فلم يكن قط ليرغب في أن يغيب عن مبارَكة اللحم أو توزيع الغنائم. وإنه لمِن واجبه أن يعتني بهذه العشور التي اكتسبناها من مهمتنا الناجحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن لديَّ أخًا مقدَّسًا له سجينًا في مكانٍ غير بعيد، وأرغب أن يُساعدني الراهب في التعامل معه على النحو اللائق به.»
بينما كان يقول ذلك، أعلنت صيحةٌ عالية بين اليوامنة وصول القس.
صاح الراهب: «أفسِحوا يا رجالي المرِحين! أفسِحوا لأبيكم الروحي ولسجينه.» وشق طريقه عبر الحلقة، حيث بدا في انتصارٍ مَهيب، وعصاه الضخمة في يد، وفي اليد الأخرى حبل مشنقة، كان أحد طرفيه مثبتًا بعنق تعيس الحظ إيزاك أوف يورك، الذي انحنى في حزن ورعب، وكان القديس المنتصر يسحبه.
قال القائد: «أيها القس الساخر، بحق القديس نيكولاس، مَن ذا الذي أتيت به إلى هنا؟»
ردَّ كاهن كوبمانهورست: «إنه أسير لسيفي ورمحي أيها القائد النبيل. تكلَّمْ أيها اليهودي، ألم أفتدِك من الشيطان؟ ألم أُعلمك صلاة قانون الإيمان والصلاة الربانية والصلاة المريمية؟»
قال لوكسلي: «أخبِرْنا أين وجدت أسيرك هذا.»
قال الراهب: «أُقسِم بالقديس دونستان، إنني وجدته حيث كنت أبحث عن بضاعةٍ أفضل! لقد دخلت إلى القبو لأرى ما يُمكن إنقاذه هناك، وكنت مُمسكًا ببرميلٍ صغير من النبيذ، حين لمحت بابًا قويًّا. أها! ففكَّرت: هنا أفضل شراب في السرداب السري. ومن ثَم ذهبت إليه، ولم أجد شيئًا سوى مجموعةٍ من السلاسل الصدئة وهذا الكلب اليهودي الذي سلَّم نفسه على الفور أسيرًا لي. لم أفعل شيئًا سوى أني أنعشت نفسي، بعد تعب العمل مع هذا الكافر، بكأسٍ واحدة رنَّانة من النبيذ، وشرَعت في أن أقود أسيري قُدمًا عندما سمعت جدران برج خارجي تتداعى واحدًا تلو الآخر، وسدت الممر. وكان زئير سقوط برج يتبعه زئيرٌ آخر؛ ففقدت الأمل في الحياة، ورأيت أن من العار لشخص في مهنتي أن يرحل عن هذا العالم في صحبة يهودي؛ فرفعت بلطتي لأضرب رأسه، ولكني أشفقت على شعره الأشيب، ورأيت أنه من الأفضل أن أضع سلاحي وأستخدم سلاح النقاش الروحي لهدايته. وحقًّا، ببركة القديس دونستان، غُرِست الحبة في تُربةٍ صالحة؛ اهتدى اليهودي، وهو يفهم كل ما أخبرته به، كله تقريبًا، إن لم يكن قد فهمه تمامًا، حتى إن رأسي قد أصابه الدوار.»
قال القائد: «أهذا صحيح أيها اليهودي؟ هل تخلَّيت عن كفرك؟»
قال اليهودي: «أرجو أن أجد الرحمة في عينَيك؛ فأنا لا أعرف كلمةً واحدة مما كلَّمني به الأسقف الموقَّر طوال هذه الليلة المروِّعة.»
قال الراهب: «إنك تكذب أيها اليهودي، وتعلَم ذلك. لقد وعدت بأن تُعطي كل ثروتك لطائفتنا المقدَّسة.»
قال إيزاك وقد انزعج أكثرَ من ذي قبل: «فليُساعدني بوعد الرب لإبراهيم، أيها السادة العدول، أن شفتَيَّ لم تنبسا بمثل هذا القول! وا حسرتاه! إنني رجلٌ مُسنٌّ مُعدِم، وأخشى أنه ليس لي أبناء. ترفَّقوا بي، واتركوني أذهب!»
قال الراهب: «كلا، إن كنت ستتراجع عن العهود التي تعهَّدت بها لصالح الكنيسة المقدَّسة، فتجب عليك كفارة.»
وهكذا رفع سلاحه، وكاد أن يُنزل عصاه بكل قوة على كتفَي اليهودي، لولا أن الفارس الأسود أوقف الضربة؛ ومن ثَم تحوَّل غضب الكاهن المقدَّس إليه.
قال: «أُقسِم بالقديس توماس، قديس كينت، أنني سأتمنطق بعُدَّتي، وأُعلمك يا سيدي المُحِب الكسول ألا تتدخل إلا فيما يعنيك، رغم خوذتك الحديدية هذه.»
قال الفارس: «لا، لا تغضب مني؛ فأنت تعلَم أنني صديقُك الحميم ورفيقك.»
قال الراهب وهو يُطبِق على قبضته الضخمة: «صدقًا، يا صديقي، سأمنحك لطمة.»
قال الفارس: «يُسعدني أن أتلقَّى لطمتك على سبيل القرض، ولكنني سأردُّها لك مع فوائدها. اضرب، أيها الراهب، إن كنت تجرؤ، وسأتحمَّل ضربتك إن تحمَّلت ضربتي.»
قال رجل الكنيسة: «إنك تتميز عني بذلك الوعاء الحديدي على رأسك، ولكن خذ هذه. سأطرحك أرضًا.»
شمَّر الراهب عن ذراعه المفتول العضلات، ومُودِعًا قوَّته كلها في الضربة أعطى الفارس لطمةً كانت كافيةً لأن تُسقِط ثورًا، لكن خَصمه وقف في ثبات كالصخر.
قال الفارس وهو يخلع قفازه: «الآن أيها القس، إن كانت لديَّ ميزة على رأسي فلن يكون لي ميزة في يدي. قِف ثابتًا كرجلٍ حقيقي.»
قال القس: «لقد أدرتُ خدي للضارب. وإن تمكَّنت يا رجل من تحريكي من مكاني فسأمنحك فدية اليهودي عن طِيب خاطر.»
هوَت لطمة الفارس بقوة وعزم جعلا الراهب يتدحرج فوق الأرض المُنبسطة رأسًا على عقب، لكنه نهض بلا غضب أو خجل.
قال للفارس: «يا أخي، كان ينبغي عليك أن تستخدم قوَّتك بمزيد من الحذر. ومع ذلك، ها هي يدي، في شهادة ودودة، على أنني لن أتبادل الضربات معك بعد الآن؛ فقد خسرت المقايَضة. لِنَنتهِ الآن من كل عداوة، ولنأخذ من اليهودي فدية؛ لأن الفهد سيظل مرقَّطًا، واليهودي سيظل يهوديًّا.»