الفصل الثلاثون
قال القائد: «فلتلتزموا الصمت جميعًا! وأنت أيها اليهودي، فكِّر في فديتك، بينما أستجوب أسيرًا من نوعٍ آخر. ها قد أتى الحبر الجليل، السليط اللسان كغُراب العقعق.» وبين اثنين من اليوامنة، اقتِيد صديقنا القديم، رئيس الدير آيمر أوف جورفولكس، إلى أمام عرش قائد الخارجين عن القانون المنصوب في الغابة.
قال مساعد قائد العصابة للقائد، بعد أن تنحَّى به جانبًا: «ألن يكون من الأفضل أن يُحدد رئيس الدير فدية اليهودي، ويُحدد اليهودي فدية رئيس الدير؟»
قال القائد: «إنك لوغدٌ مجنون، ولكن خطتك رائعة! فلتتقدَّم إلى الأمام أيها اليهودي، وانظر إلى الأب المقدس آيمر، رئيس دير آبي أوف جورفولكس الغني، وأخبِرنا بالفدية التي علينا أن نفرضها عليه.»
قال إيزاك: «ستمائة كراون، يدفعها رئيس الدير الطيب لرجالك البُسلاء الشرفاء، ولن يجلس أقلَّ راحة على مقعده في الدير.»
قال القائد بجدية: «سِتمائة كراون، أنا راضٍ بذلك. أحسنت القول يا إيزاك، ستمائة كراون، إنه حكم يا رئيس الدير.»
صاحت العصابة: «حكم! حكم!»
قال رئيس الدير: «إنكم مجانين، يا سادتي، فأين لي أن أجد مبلغًا كهذا؟»
قال إيزاك: «إن شئت، يُمكنني أن أُرسل إلى يورك في طلب ستمائة كراون من بعض الأموال التي في حوزتي، إن كان رئيس الدير الموقَّر سيُعطيني صكًّا بالدَّين.»
قال القائد: «سيُعطيك كل ما تريد يا إيزاك، وستدفع مال الفدية عن آيمر رئيس الدير، وكذلك عن نفسك.»
قال اليهودي: «عن نفسي! آه، أيها السادة الشجعان، إنني رجلٌ مُفلس وفقير، ولا بد أن عصا شحاذ ستكون نصيبي مدى الحياة، لو دفعت لكم خمسمائة كراون.»
رد القائد: «سيحكم رئيس الدير في ذلك الأمر. ما قولك أيها الأب آيمر؟ هل يستطيع اليهودي دفع فدية جيدة؟»
أجاب رئيس الدير: «أيستطيع دفع فدية؟! أليس هو إيزاك أوف يورك، الثري بما يكفي ليفتديَ أسرى قبائل بني إسرائيل العشر التي اقتِيدت إلى عبودية الآشوريين؟ أقول لكم بصراحةٍ إنكم ستظلمون أنفسكم إن أخذتم منه ما يقلُّ عن ألف كراون بمقدار بنس واحد.»
صاح زعيم الخارجين عن القانون: «إنه حكم! إنه حكم!»
قال اليهودي: «فليكن إله آبائي في عوني! إنني في هذا اليوم بلا أولاد، وستحرمونني من سبل العيش. آه يا ريبيكا! يا ابنة محبوبتي راشيل! ما الذي سأُعطيه من أجل أن أعرف إن كنتِ حيةً وهربتِ من يدَي النصراني!»
قال أحد الخارجين عن القانون: «أولم تكن ابنتك ذاتَ شعر أسود، وكانت ترتدي خمارًا من الحرير المجدول المطرَّز بالفضة؟»
قال الرجل المُسِن: «نعم، إنها كذلك! لتحل عليك بركة يعقوب! هل تستطيع أن تُخبرني بشيء عن سلامتها؟»
قال اليومَن: «كانت هي إذن التي كان فارس الهيكل المتكبر يحملها عندما اخترق صفوفنا مساء أمس.»
رد اليهودي: «إيخابُود (اسمٌ عِبري معناه «أين المجد؟» أو «لا مجد»)! إيخابُود! قد زال المجد من بيتي!»
قال الزعيم ناظرًا حوله: «يا أصدقاء، إن الرجل المُسِن ليس إلا يهوديًّا، ولكن حزنه يؤثر فيَّ. سنأخذ منك يا إيزاك الفدية نفسها التي سنأخذها من رئيس الدير آيمر، بل أقل منها بمائة كراون، وسيظل معك ستمائة كروان لتفتدي بها ابنتك. إن فُرسان الهيكل يُحبون بَريق الشيكلات الفضية كما يُحبون بَريق العيون السوداء. أسرِعْ واجعل صوت جلجلة الكروانات يرنُّ في أذن دي بوا جيلبرت قبل أن تسوء الأمور. ستجده، وفقًا لتقرير كشافينا، في مركز طائفته القريب.»
أما إيزاك، بعد أن بَرِئ من جزءٍ من هواجسه، بعلمه أن ابنته على قيد الحياة، وقد يكون بوسعه أن يفتديها، فقد ألقى بنفسه عند قدمَي الخارج عن القانون الكريم ممرِّغًا لحيته في حذائه، ومُحاولًا تقبيل طرف عباءته الخضراء. تراجَع القائد إلى الوراء، وخلَّص نفسه من قبضة اليهودي دون أن يُخفي بعض علامات الازدراء.
قال: «كلا، اللعنة عليك أيها الرجل، قِف! لقد وُلدتُ إنجليزيًّا، ولا أحب سجود الشرقيين. اسجد للرب وليس لآثمٍ مسكينٍ مثلي.»
قال رئيس الدير آيمر: «أجل أيها اليهودي، اسجد للرب، ممثَّلًا في خادم مذبحه. ومن يدري ما سيحلُّ عليك من نعمة وعلى ابنتك ريبيكا؟ إنني حزين على الفتاة؛ لأنها فتاةٌ حسناء وذات وجه جميل، فلقد رأيتها في ساحة النزال في آشبي. كذلك، فإن براين دي بوا جيلبرت هو أحد الذين يُمكنني أن أفعل الكثير من الأمور معه؛ فلتُفكر كيف تستحقُّ أن أقول له عنك كلامًا طيبًا.»
قال اليهودي: «وا أسفاه! وا أسفاه! إن الطامعين يظهرون لي في كل حدب وصوب؛ أنا أُقدَّم كفريسة، كما سقط بنو إسرائيل فريسةً في قبضة الآشوريين والمصريين.»
أطلق إيزاك أنينًا عميقًا، وبدأ يعتصر يدَيه، ولكن قائد اليوامنة تنحَّى به جانبًا.
قال لوكسلي: «فكِّر جيدًا يا إيزاك فيما ستفعل في هذا الأمر. ونصيحتي لك أن تتخذ من رجل الكنيسة هذا صديقًا لك. إنه رجلٌ مُختال، يا إيزاك، وطمَّاع؛ على الأقل يحتاج إلى المال ليُشبِع إسرافه. يُمكنك بسهولةٍ أن تُرضي جشعه؛ لأنه لا تظن أنني مُنخدِع بمَزاعمك الكاذبة عن ادعائك الفقر. إنني مطَّلعٌ تمام الاطلاع، يا إيزاك، على الخِزانة الحديدية التي تحتفظ فيها بأكياس نقودك. ماذا! ألا أعلم بالصخرة الكبيرة أسفل شجرة التفاح التي تقود إلى الغرفة المقبَّبة أسفل حديقتك في يورك؟» شحب وجه اليهودي كوجوه الموتى. واستطرد اليومَن قائلًا: «ولكن لا تخشَ مني شيئًا؛ فكِلانا يعرف الآخر منذ وقت طويل. ألا تذكُر اليومَن المريض الذي خلَّصَته ابنتك الجميلة ريبيكا من الأصفاد في يورك، واستبقيته في منزلك حتى استعاد صحته، وصرفته مُعافًى، وأعطيته قطعةً من النقود؟ ومع أنك مُرابٍ فإنك لم تمنح قطعة نقود بفائدةٍ أفضل من ذلك المارك الفضي الزهيد؛ فقد وفَّر عليك اليوم خَمسمائة كراون.»
قال إيزاك: «هل أنت إذن مَن كنا ندعوه ديكون جاذب القوس؟ لطالما ظننت أنني أعرف نبرة صوتك.»
قال القائد: «أنا جاذب القوس، ولوكسلي، ولي اسمٌ حسنٌ آخر إلى جانب كل ذلك.»
«ولكنك مُخطئ يا جاذب القوس الطيب فيما يخصُّ تلك الغرفة المقبَّبة. أُشهِد السماء على أنه لا شيء فيها إلا بعض البضائع التي سيُسعدني أن أتقاسمها معك؛ مئة ياردة من قماش لينكولن الأخضر لصنع مَعاطف لرجالك، ومائة عصًا من شجر الطَّقسُوس الإسباني لصنع أقواس، ومائة وتر قوس من الحرير قوية ومستديرة وسليمة؛ وسأرسل كل ذلك طلبًا لرضاك يا ديكون الشريف، على أن تلتزم الصمت بشأن القبو، يا ديكون الطيب.»
قال الخارج عن القانون: «سألتزم الصمت كالزُّغبة، وأصدُقك القول إنني حزينٌ من أجل ابنتك. فلتأتِ معي نَتنحَّ جانبًا، يا رئيس الدير آيمر، أسفل هذه الشجرة. ها هو إيزاك عازمٌ على أن يُعطيك حقيبة بها مائة مارك من الفضة، إذا نفعت وساطتك لدى حليفك فارس الهيكل في تحرير ابنته.»
قال اليهودي: «على أن تكون سليمة وشريفة كما أُخذت مني، وإلا فلا اتفاق بيننا.»
قال آيمر: «حسنًا إذن، أيها اليهودي، بما أنني يجب عليَّ التدخل في هذا الأمر، دعني إذن استخدم ألواح كتابتك، على الرغم من أنني كنت أُفضِّل أن أصوم أربعًا وعشرين ساعة على أن أُمسك بقلمك، ولكن أين لي بقلمٍ آخر؟»
قال اليومَن: «إن كان ورعك المقدَّس يُمكن أن يمنعك من استخدام ألواح اليهودي، فيُمكنني أن أجد لك قلمًا بديلًا.» ثم شدَّ قوسه، وصوَّب سهمه نحو إوزَّة برِّية كانت تُحلِّق فوق رءوسهم كحارس المقدمة لسِربٍ من قبيلتها. فسقط الطير مُرفرفًا وقد اخترقه السهم.
قال القائد: «ها هو، يا رئيس الدير، ريشٌ يكفي كل نُساك جورفولكس طوال السنوات المائة القادمة.»
جلس رئيس الدير، وكتب بتأنٍّ شديد رسالةً إلى براين بوا جيلبرت، وختم الألواح بعناية، ثم أعطاها لليهودي قائلًا: «سيكون هذا جوازَ مرورك الآمن لمقر تمبلستو، وأغلب ظني أنه سيُمكِّنك من تحرير ابنتك إن دعَمته يداك بسخاء بتقديم المنافع والبضائع؛ لأن الفارس الصالح بوا جيلبرت، وثِقْ في قولي جيدًا، هو الوحيد في أفراد جماعته الذي لا يفعل شيئًا دون مقابل.»