الفصل الرابع والثلاثون
قال بومانوار: «أيها الإخوة، تُدركون أننا كنا نستطيع أن نرفض أن تحظى هذه المرأة بميزة الحكم عن طريق المبارَزة، ولكن على الرغم من أنها يهوديةٌ كافرة فإنها أيضًا غريبة، وليس لها مَن يُدافع عنها، وحاشا للرب أن تطلب الاستفادة من قوانيننا المُعتدلة ونأبى أن نُلبي لها ذلك. وعلى ذلك فها هي تفاصيل القضية. إن ريبيكا، ابنة إيزاك أوف يورك، بناءً على عدة حالات مُتكررة ومُريبة، موصومةٌ بممارستها للسحر على شخصٍ فارسٍ نبيل من طائفتنا المقدَّسة، وقد طالبت بالمبارَزة لإثبات براءتها. مَن، برأيكم، أيها الإخوة الموقَّرون، ينبغي أن نُوكِل إليه رهن المعركة ونجعله في الوقت نفسه نصيرَنا في الميدان؟»
قال كبير المقر جودالريك: «إلى براين دي بوا جيلبرت الذي يخصُّه الأمر في المقام الأول، علاوةً على أنه الأعلم بحقيقة هذا الأمر.»
قال السيد الأعظم: «حقًّا تقول يا أخي. يا ألبيرت مالفوازان، أعطِ رهن المعركة هذا إلى براين دي بوا جيلبرت.» واستطرَد مُخاطبًا بوا جيلبرت: «إننا نُكلفك، أيها الأخ، أن تخوض معركتك برجولة، ولا ريب في أن القضية العادلة ستنتصر. أما أنتِ، يا ريبيكا، فانتبهي إلى أننا نُمهلكِ ثلاثة أيام من اليوم كي تجدي نصيرًا يُحارب عنكِ.»
ردَّت ريبيكا: «تلك مُهلةٌ قصيرة لغريبة، فضلًا عن كَوْنها من ديانةٍ أخرى، أن تجد شخصًا ليُحارب ويُخاطر بحياته وشرفه من أجل قضيتها، في مواجَهة فارس معروف عنه أنه جندي مُصدَّق عليه.»
رد السيد الأعظم: «لن نمدَّ المهلة؛ إذ يجب أن يجري النزال في الميدان في حضورنا، وثَمة العديد من القضايا ذات الشأن التي تستدعي تدخُّلنا في اليوم الرابع من الآن.»
قالت ريبيكا: «لتكن مشيئة الرب! إنني أضع ثقتي فيه؛ فهو القادر على أن يُنجز في لحظةٍ ما يستغرق عمرًا كاملًا.»
قال السيد الأعظم: «أحسنت القول يا فتاة، ولكننا نعلم جيدًا من يُمكنه أن يتمثَّل في صورة ملاك من نور. لم يبقَ إلا أن نُحدد مكانًا مُناسبًا للنزال، وأيضًا لتنفيذ حكم الإعدام إذا دعا الأمر. أين كبير هذا المقر؟»
كان ألبيرت مالفوازان لا يزال مُمسكًا بقفاز ريبيكا في يده، ويتحدث إلى بوا جيلبرت بجديةٍ شديدة، ولكن بصوتٍ خفيض.
قال السيد الأعظم: «ماذا! ألن يقبَل التحدي؟»
قال مالفوازان وهو يُخفي القفاز تحت عباءته: «سيقبَله. لقد قبِله أيها الأب الموقَّر. وفيما يخص مكان النزال فأرى أن المكان الأنسب هو حلبة القديس جورج التي يمتلكها هذا المقر، والتي نستخدمها للتدريبات العسكرية.»
قال السيد الأعظم: «حسنًا. يا ريبيكا، في هذه الحلبة ستُقدمين نصيركِ. وإن لم تتمكَّني من ذلك، أو هُزِم نصيركِ حسب حكم الرب، فستموتين ميتة الساحرات وفقًا لحكم القضاء. ليُسجَّل حكمُنا هذا ويُتلى بصوتٍ عالٍ؛ حتى لا يدَّعيَ أحدٌ الجهل به.»
إن ريبيكا اليهودية، ابنة إيزاك أوف يورك، المتهَمة بالسحر وغيره من الممارسات الملعونة، التي مارسَتها على أحد فُرسان طائفة هيكل صِهيَون الأقدس، تُنكر الاتهامات وتقول إن الشهادة التي قُدِّمت ضدها في هذا اليوم باطلة وشريرة وغادِرة، وتَعرِض أن تؤكِّد قضيتها عن طريق نصير يؤدي واجبه المخلص بكل صفات الفروسية، وبكل الأسلحة التي يتطلبها تحدي النزال، وذلك على أن تتحمل المخاطر والتبِعات. وعلى هذا تقدَّمت بتحدِّيها؛ ومن ثَم سمح الأب الموقَّر والسيد العظيم، لوكاس ماركويس أوف بومانوار، بالتحدي المذكور، وحدَّد اليوم الثالث للنزال المذكور، على أن يكون مكانه الساحة المعروفة باسم حلبة القديس جورج بالقرب من مقر تمبلستو. وليكن الرب في عون القضية العادلة!
قال السيد الأعظم: «آمين!» وردَّد كل من كانوا حوله الكلمة. لم تتكلم ريبيكا، وإنما رفعت ناظِرَيها إلى السماء وقد ضمَّت يدَيها، وظلَّت بُرهةً على هذا الوضع، ثم بتواضع ذكَّرَت السيد الأعظم أنه ينبغي أن تُمنَح فرصة التواصل بحرية مع أصدقائها بغرض تدبُّر أمر نصير يُقاتل من أجلها، إن أمكن.
قال السيد الأعظم: «إن هذا مَطلبٌ عادل وقانوني؛ فلتختاري الرسول الذي تثقين فيه، وسيتواصل بحرية معك في غرفة سجنك.»
قالت ريبيكا: «هل من أحدٍ يؤدي المهمة لمخلوقةٍ بائسة، بدافعٍ من حب الخير، أو بأجرةٍ سخية؟»
ساد الصمت، بينما وقفت ريبيكا بضع لحظات في قلق لا يُوصَف، ثم صاحت: «أحقًّا هكذا هو الحال؟ أفي أرضٍ إنجليزية أُحرَم من فرصة النجاة الواهية الباقية لي، للافتقار إلى رحمة تُمنَح لأعتى المجرمين؟»
أخيرًا أجاب هيج بن سنيل قائلًا: «سأؤدي لكِ مهمتكِ بقدر ما يستطيع شخصٌ مُقعَد، ويُسعدني أن تقوى أطرافي بما يكفي على إصلاح ما أفسده لساني. وا أسفاه! عندما تباهيت بالخير الذي فعلتِه لم أكن أتخيَّل أنني أقودكِ إلى الخطر.»
قالت ريبيكا: «الرب وحده هو المدبِّر لكل أمر. وحتى تُنفذ رسالته يُصبح الحلزون رسولًا تمامًا كالصقر. ابحث عن إيزاك أوف يورك — ها هي القطعة الذهبية التي ستدفع بها أجرة الجواد والرجل — أعطِه هذه اللفيفة. لا أعلم إن كانت الروح التي تُلهمني من السماء أم لا، ولكني على يقينٍ من أنني لن أموت هذه الميتة، وأن بطلًا سينهض للقتال من أجلي. وداعًا! إن حياتي وموتي يعتمدان على سرعتك.»
أخذ الفلاح اللفيفة التي لم يكن بها سوى بضعةِ أسطُر باللغة العبرية.
قال: «سآخذ جواد جاري بوثان الجيد، وسأكون في يورك في أقصر وقت يُمكن لرجل وحيوان أن يصل فيه إليها.»
ولكن كما شاء القدر، لم يضطر إلى المضي بعيدًا هكذا؛ فعلى مسافة رُبع ميل من بوابة المقر، قابَل رجلَين على جوادَين عرَف من مَلبسهما وقبعتَيهما الصفراوين الضخمتين أنهما يهوديان. ولما اقترب أكثر منهما اكتشف أن أحدهما كان ربَّ عمله القديم إيزاك أوف يورك. أما الآخر فكان الطبيبَ الحاخام بن صامويل.
قال ابن صامويل: «مَن ذلك المسكين التعس المُقبِل علينا يتوكَّأ على عكازَيه، راغبًا، على ما أظن، في الحديث معي؟»
لم يكد إيزاك يُلقي نظرة على اللفيفة التي قدَّمها له هيج حتى صدرت منه أنَّةٌ عميقة، وسقط عن بغلته كرجلٍ محتضر، وظل مُستلقيًا للحظاتٍ فاقدًا لوعيه. ترجَّل الحاخام عن جواده بفزعٍ شديد، وبسرعةٍ استخدم العلاجات التي يُوصي علمه باستخدامها لعلاج صاحبه، ولكن الحياة دبَّت فجأةً في الرجل الذي كان قد أثار قلقه الشديد.
قال: «يا ابنة حزني، كان يجب أن تُدعَي بَنْ أُونِي وليس ريبيكا! لماذا يقود موتك بشعري الأشيب إلى القبر، حتى ألعن الرب وأموت، من فرط المرارة التي تعتصر قلبي!»
قال الحاخام في دهشةٍ شديدة: «يا أخي، أتكون أبًا في بني إسرائيل وتتلفظ بمثل هذه الكلمات؟ إني واثقٌ من أن ابنة بيتك لا تزال على قيد الحياة.»
أجاب إيزاك: «إنها على قيد الحياة، ولكنها حياة كحياة دانيال، الذي كان يُطلَق عليه بيلشاصر، حتى داخل عرين الأسود. إنها أسيرة عند رجال الشيطان هؤلاء، وستُحيق بها وحشيتهم غيرَ عابئين بشبابها أو بجمالها. أوه! لقد كانت تاجًا من السعف الأخضر لخصلات شعري الأشيب، ولا بد أنها ستذبل في ليلةٍ ما كيقطينة يونان! يا ابنة حبي! يا ابنة شيبي! آه يا ريبيكا، يا ابنة راشيل! لقد أحاط بكِ ظلام الموت.»
قال الحاخام: «ولكن اقرأ اللفيفة؛ فقد نجد طريقةً يُمكننا بها تخليصها.»
رد إيزاك: «اقرأها أنت يا أخي؛ فعيناي تنهمران بالدمع كنبع ماء.»
على إيزاك، ابن أدونيكام، الذي يُسميه غير اليهود إيزاك أوف يورك، سلام أرض الميعاد وبرَكتها تحل عليك مضاعفةً! أبي، لقد حُكِم عليَّ بالموت بتهمة لا تعرفها روحي، وهي جريمة السحر. يا أبي، إذا أمكن العثور على رجلٍ قوي ليُقاتل من أجل قضيتي بالسيف والحربة، وفقًا لعادات النصارى، وداخل حلبة تمبلستو، في اليوم الثالث من الآن، فلعل إله آبائنا يُعطيه القوة للدفاع عن البريئة التي ليس لها من يُساعدها. وعلى ذلك، فلتنظر ما أنت فاعل، وما إذا كان ثَمة سبيلٌ للخلاص. يوجد بالفعل مُحاربٌ نصراني واحد قد يحمل السلاح نيابةً عني، هو ويلفريد، ابن سيدريك، الذي يدعوه غير اليهود إيفانهو، ولكنه قد لا يقوى حاليًّا على حمل ثقل درعه. ومع ذلك، فلتُرسل بالأنباء إليه يا أبي؛ فإن له حظوةً بين الرجال الأقوياء في قومه، وحيث إنه كان رفيقنا في الأسر فقد يجد أحدًا ليُقاتل من أجلي. قل له، له هو، ويلفريد، ابن سيدريك، إن ريبيكا إن عاشت أو ماتت فستعيش أو تموت بريئةً تمامًا من الذنب المتهَمة به.
قال الحاخام: «تشجَّعْ؛ فالحزن لا يُفيد في شيء. أعِدَّ عُدَّتك واذهب بحثًا عن ويلفريد بن سيدريك هذا؛ فقد يكون هو مَن سيُساعدك بالمشورة أو بالقوة؛ لأن الشابَّ لديه حظوة في عينَي ريتشارد قلب الأسد الذي تردَّدت أنباء عن عودته إلى البلاد. وربما يحصل على رسالة منه، عليها ختمه، يأمر فيها هؤلاء الرجال سفَّاكي الدماء بأن يُحجموا عن أعمالهم الخبيثة التي ينوُونها.»
قال إيزاك: «سأبحث عنه؛ لأنه شابٌّ طيب، ويشعر بالشفقة حيال شتات بني يعقوب.»