تمارين الضحك
لم يكُن المقر السري للشياطين هادئًا هذا اليوم، كانت هناك حركة غير عادية، فالباحثون في المقر في حالة اجتماع، ومركز الخرائط منعقد، مع ذلك، فقد كانت برامج التدريب كما هي.
قالت «ريما»، وعلى وجهها الكثير من الدهشة: ماذا هناك؟ إنني لأول مرة أرى المقر في هذه الحالة!
ردَّت «إلهام»، التي كانت تمشي بجانبها: أظن أنها مسألة عادية، ولا بد أننا مقبلون على مغامرة جديدة.
قالت «ريما»: كيف؟ ونحن خارجون للتدريب، وكأنه لا شيء هناك!
انضم «عثمان» إليهما بسرعة، وكان قد سمع كلمات «ريما» الأخيرة، فقال مبتسمًا: الشياطين لا بد أن يكونوا في لياقة بدنية كاملة، وعندما تستدعي الحاجة وجودنا، فسوف نكون جاهزين!
نظرت «ريما» لحظةً، ثم قالت: ألا ترى أن النشاط غير عادي اليوم؟!
ابتسم «عثمان» وأجاب: أعتقد أنها مسألة عادية؛ فلا بد أن هناك ما يستدعي ذلك، ولو أن الأمر لا يتطلَّبه، ما كان قد حدث!
كان الشياطين في ثياب التدريب، يأخذون طريقهم إلى ميدان الرماية، حيث يؤدون التدريب اليومي كالعادة، وعندما اجتمعوا عند نقطة البداية …
قال «أحمد»: سوف نصل إلى أرض النار، لكن المسألة ليست ككل يوم.
نظرت له «ريما» إلى عثمان، وهزَّت رأسها، قال «أحمد» يكمل كلامه: إن تدريبنا اليوم لن يكون على ضرب النار فقط، ولكن، على العمل وسط الغازات السامة!
ابتسمت «ريما»، فقد عرفت أن الأمور ليست عادية هذه المرة، وكما فكَّرت تمامًا، في نفس الوقت كانت «إلهام» تنظر لها.
أضاف «أحمد»: إن خبيرًا جديدًا قد وصل المقرَّ، وهو متخصِّص في الغازات، وأنتم تعرفون أن الغازات السامة، واحدة من الأسلحة التي تستخدم الآن، صحيح أنها محرَّمة دوليًّا، لكن البعض يستخدمونها. سكت لحظة ثم أضاف مبتسمًا: إنني طبعًا لن أحدثكم عن هذه الغازات، فالخبير هو الذي سوف يقوم بهذه المهمة، إنني فقط أريد أن ألفت نظركم إلى أن مغامرتنا الجديدة، سوف تكون مغامرة مختلفة هذه المرة.
نظر له الشياطين في تساؤل، وقال «بو عمير»: نفهم من ذلك أنك على علم بالمغامرة الجديدة!
ابتسم «أحمد»، وقال: بالتأكيد لست على علم بها، فرقم «صفر» فقط هو الذي يملك ذلك، لكني من خلال نشاط المقر اليوم، أقول إن مغامرتنا، سوف تكون شيئًا مختلفًا.
كانت السيارة التي تستقل الشياطين قد وصلت، فتحركوا إليها، وما إن تحركت أغلقت أبوابها جيدًا، حتى شعر الشياطين بنوع من الاختناق، ابتسم «أحمد»، وهو ينقل عينَيه بين الشياطين، وسعلت «إلهام»، وهي تقول بصعوبة: ماذا حدث، إنني لا أستطيع التنفُّس جيدًا. ضحك «خالد» ضحكة خافتة، وقال: يبدو أن «إلهام» لم تسمع «أحمد» جيدًا.
فجأةً، بدأ الشياطين يستردون أنفاسهم، ثم فجأةً، أخذوا يضحكون بشدة، حتى إن أعينهم، بدأت تدمع. كانوا ينظرون إلى بعضهم، وقد غرقوا في الضحك. وحاول «عثمان» أن يقول شيئًا، لكن الكلمات لم تخرج من فمه، فقد كان لا يزال يضحك، كان الطريق مستويًا تمامًا، وسط الصحراء المترامية، ولم يكن يظهر شيء، إلا بعض الكثبان الرملية. في نفس الوقت، كان الضوء شديدًا خارج السيارة؛ بسبب انعكاس ضوء الشمس فوق الرمال، لكن داخل السيارة، فقد كان الضوء هادئًا، نتيجة زجاج السيارة المصنوع من مواد خاصة، لا تسمح بمرور ضوء شديد إلى داخلها، كان الشياطين ما زالوا يضحكون بشدة، حتى إن «قيس»، سقط من فوق مقعده على الأرض، وكان ذلك دافعًا لأن ترتفع ضحكات الشياطين أكثر. فجأة، بدأ الشياطين يهدءون شيئًا فشيئًا، وتتراجع ضحكاتهم، واستطاعت «زبيدة» أن تتمالك نفسها، لتقول: لماذا كنا نضحك؟
ولما لم يرد «أحمد»، أضافت: إنني لا أرى سببًا لهذا الضحك العنيف المفاجئ!
ابتسم «أحمد»، فتوجهت إليه بالسؤال: لماذا كنا نضحك؟ إن أحدًا لم يقُل نكتة مثلًا، ولم نسمع شيئًا يدعو إلى الضحك!
وفجأة، بدأت كلماتها تتراجع، وظلت تنظر إلى الشياطين في حيرة. في نفس الوقت كان الجميع ينظرون إلى اتجاه واحد، دون أن ينطق أحدهم بكلمة، كانوا وكأنهم مجموعة من التماثيل، لا حركة، ولا كلمة، فقط أعينهم تنظر إلى اتجاه واحد. حتى «زبيدة» التي كانت تتساءل، صمتت، واتجهت عيناها إلى نفس الاتجاه. مرَّت دقائق، والشياطين كأنهم شخصيات مرسومة في لوحة. مرة أخرى، بدأت حركتهم تعود، وتتغير قسمات وجوههم، وتلتقي أعينهم، ثم قال «بو عمير» في هدوء: إنه اختبار صعب! ظهرت الدهشة على وجه «ريما» وقالت: هل تظن أن …!
ولم تكمل جملتها، فقد انخرطت في نوبة من الضَّحك العنيف، كان الشياطين ينظرون إليها مبتسمين، وعندما هدأت، قال «أحمد»: إنه اختبار جيد بالتأكيد، وها أنتم مررتم به.
قال «خالد»: هذه مسألة مثيرة جدًّا، فالإنسان يمكن أن يكسب معركة، دون أن يطلق رصاصة واحدة.
قال «عثمان»: إنه فعلًا سلاح مثير.
سألت «إلهام»: لكنها ليست سامة.
قالت «ريما» ضاحكة: لو اختبرونا بالغازات السامة، فسوف نموت!
نظرت «إلهام» إلى «أحمد»، وقالت: هذه هي الغازات التي كنت تقصدها.
أجاب «أحمد» مبتسمًا: جزء منها، فهناك غازات خانقة، وهناك غازات للضحك، وغازات للبكاء، وغازات للاكتئاب. هناك أيضًا غازات للأوبئة، فهي عندما تنتشر، يمكن أن تصنع مرضًا يكون كالوباء بين الناس، وهناك غازات للنوم. إنها جميعًا تشل حركة الإنسان في النهاية، ولا تجعله قادرًا على اتخاذ قرار. أو حتى فعل شيء.
فجأة، انفجر الشياطين في الضحك، وعلَّق «قيس»: إذَن، ينبغي أن نغير أسلحتنا، فهذه أسلحة حديثة جدًّا!
قال «أحمد»: هي ليست حديثة تمامًا، لكن التجارب عليها مستمرة، فالحرب القادمة سوف تكون حربًا كيماوية، فهي في النهاية تحقق نفس النتيجة، استسلام أحد الطرفين. ومن يصل إلى غازات أشد تأثيرًا، سوف يكون هو الذي يكسب الحرب.
توقفت السيارة عند أرض النار، كما يسمِّيها الشياطين، أو ميدان ضرب النار، كما هو معروف، غادر الشياطين السيارة بسرعة، وانتظموا في طابور. وقف «أحمد» في المقدمة. إن الانضباط هو النظام السائد في تحركات الشياطين، وهذا الانضباط نفسه هو الذي جعلهم يحقِّقون كل شيء بنجاح، فهم في تدريباتهم يتصرفون وكأنهم أفراد في القوات المسلحة.
همس «أحمد»: سوف نبدأ بمحاضرة للخبير، بعدها يبدأ ضرب النار.
قال «خالد»: إن الغازات أهم.
رد «أحمد»: لكنك ستظل تحتاج إلى السلاح التقليدي في كل مغامرة.
أخذوا طريقهم إلى ساحة مجهزة تقع بين جبلين، وعندما شكَّلوا نصف دائرة، كان الخبير قد وصل إليهم، ألقى إليهم تحية الصباح، ثم بدأ يُلقي محاضرته حول الغازات، كأسلحة من أسلحة الحرب الحديثة. استغرقت المحاضرة ساعة كاملة، وعندما انتهى منها، فتح باب المناقشة. استغرقت المناقشة ساعة أخرى، بعدها قال الخبير: سوف أترككم لتدريبكم الآن.
ثم صمت، ومرَّت لحظة قبل أن يقول: في نفس الوقت، سوف نواجه السلاح الحديث، وألفت نظركم حتى لا تنسوا.
ثم تركهم وانصرف، نظر الشياطين إلى بعضهم، كانت تبدو في أعينهم أسئلة تحتاج إلى إجابات.
أدرك «أحمد» ذلك، قال: المسألة ببساطة، أن الخبير يريد أن يرى، كيف نتصرف، إذا فوجئنا في إحدى المغامرات بالعدو، وهو يستعمل هذه الغازات، فنحن الآن، ندخل تدريبَين معًا: إطلاق النار، والتعامل مع الغازات.
ابتسم «قيس»، وقال: إنها حرب إذَن؟
ضحك الشياطين، ثم تحركوا إلى أرض النار. هناك، أخذ كلٌّ منهم مكانه، وأمسك مسدسه؛ استعدادًا لبداية التمرين. إن التمرين الذي يقوم به الشياطين، هو إطلاق الرصاص على الأهداف المتحركة، التي تظهر فجأة، ثم تختفي فجأة، وبسرعة كبيرة، وكل واحد منهم له عشر طلقات. وفي النهاية، يرون نتيجة تصويبهم على هذه الأهداف السريعة. أخذ الشياطين وضع الاستعداد، وفي انتظار إشارة البدء. وعندما ظهرت الأهداف، انطلقت الطلقات في اتجاهها، ثم توالت الأهداف، وتوالت معها الطلقات. كان الشياطين منهمكين في التصويب، لكن فجأة، توقفت معظم الطلقات، ولم يكُن يتردَّد منها سوى صوت واحد، وهو صوت مسدس «أحمد». أما الآخَرون، فقد استغرقوا في الضحك، وعندما صمت صوت مسدس «أحمد» هو الآخَر، شملت أرض النار موجة من الضحك العنيف. ثم ظهر الخبير، وهو ينظر إليهم مبتسمًا.