السرقة الكبرى
اقترب الخبير من «أحمد»، الذي ابتسم قائلًا: لقد كانت التجربة ناجحة.
هزَّ الخبير رأسه، وقال: أعطني الجهاز.
مدَّ «أحمد» يده إلى أنفه، وضغط عليه، فظهر جهاز صغير، أمسكه بحذر ثم قدمه للخبير الذي تلقَّاه في قطعة قطن. وظلَّ يرقبه قليلًا، ثم قال: لقد امتص الجهاز الغاز بدرجة ممتازة.
صمت لحظة، ثم أضاف: هذا الجهاز نوع من الفلتر، الذي يقوم بترشيح الهواء من أي شيء عالق به. لقد أجرينا عليه تجارب طويلة، وحقق النجاح من أول مرة. مع ذلك، كان ينبغي أن أجربه معك لأرى!
تجمع الشياطين حول الخبير، الذي نظر إليهم مبتسمًا، وعلق: أظن أنكم ضحكتم طويلًا.
ابتسم «خالد»، وقال: ضحكنا، وأضعنا الهدف.
تساءل «مصباح»: يبدو أن «أحمد» كان أكثرنا قدرة على التغلُّب على الغاز، فلم يضحك مثلنا، ولم يضيِّع هدفًا!
بسط الخبير يده، وفيها الجهاز، وقال: سوف نجري تجربة جديدة بهذا، وسوف ترون.
قدم فلترًا لكل منهم، وشرح لهم كيفية استخدامه، ثم قال: الآن، سوف نرى.
أخذ كل منهم مكانه، وجهز مسدسه، ثم جاءت إشارة البدء. وظهرت الأهداف المتحركة، وبدأ إطلاق النار.
وفي أقل من دقيقتين، كان كل شيء قد تمَّ، وأصاب الجميع أهدافهم. قال الخبير: الآن، انزعوا الفلتر.
أطاعوا التعليمات، وفجأة، استغرقوا جميعًا في الضحك. فقد كان غاز الضحك ما زال يملأ المكان.
فأشار إليهم، أن يتحركوا بعيدًا عن الساحة، أسرعوا مبتعدين. وعندما خرجوا إلى الخلاء، انتهت ضحكاتهم. وقفوا ينظرون إلى بعضهم مبتسمين، في نفس اللحظة، كان «أحمد» يتلقى إشارة في المقرِّ السري، كانت الساعة قد اقتربت من منتصف النهار، عندما توقفت السيارة، أمام باب المقر السري. وبسرعة، أخذوا طريقهم إلى قاعدة الاجتماعات الكبرى. وما إن أخذوا أماكنهم، حتى جاءهم صوت رقم «صفر» يقول: سوف آتيكم حالًا.
مرَّت دقائق، قبل أن يقول «مصباح» مبتسمًا: إنها إذَن مغامرة ضاحكة!
رد «بو عمير»: مَن يدري؟ قد تكون مغامرة مأساوية، تجعلنا في حزن حتى النهاية.
فجأة، تجمَّدت ملامح الشياطين، ونظروا إلى بعضهم، في نفس الوقت الذي ظهرت فيه الخريطة الإلكترونية، وهي تصدر ضوءًا قويًّا. ورغم التفاصيل الموجودة على الخريطة، إلا أن «إلهام»، تساءلت في فزع: ماذا هناك؟ إنني أحس بضوء قوي، لكني لا أرى شيئًا!
ثم مدَّت يدها فاصطدمت ﺑ «عثمان»، الذي ضحك، وقال: لا تبحثي عن شيء، يبدو أنك نسيت تجربة اليوم.
همست «إلهام»: ماذا تعني!
ثم أضافت بسرعة، وهي تبتسم: هل هو نوع آخَر من الغاز؟!
رد «عثمان»: كان يجب أن تدركي ذلك من البداية!
ضحكت هذه المرة بصوت مرتفع، وهي تقول: إنني لم أجربه من قبل!
ثم رفعت صوتها، وقالت: إنها مغامرة في الظلام.
شيئًا فشيئًا، بدأت الأشياء تظهر، ولمع ضوء الخريطة بشدة. فقال «بو عمير»: إننا نعيش في عصر مخيف، فالإنسان يمكن أن يتوقَّع أي شيء، في أي لحظة.
كانت الخريطة للولايات المتحدة الأمريكية، بمساحتها المستطيلة الواسعة. لحظة، ثم اختفت. وظهر مكانها خريطة لولايات الشرق الأمريكي، التي تطل على المحيط الأطلسي. مرة ثانية، اختفت الخريطة، وحلَّ مكانها خريطة أخرى بمدينة «نيويورك»، ظلت الخريطة دقائق. كان الشياطين يتابعون الخرائط، وهي تظهر وتختفي، وكل منهم يفكر بطريقة مختلفة. لكن السؤال الذي تردَّد في خاطر الجميع هو: هل يمكن أن تكون المغامرة في مدينة واسعة مثل «نيويورك»، وهي المعروفة بازدحامها وصخبها؟
في نفس الوقت، هل يكون الغاز أحد الأسلحة المستخدمة في مدينة كبيرة كهذه؟ من جديد ظهر فيلم للحياة في مدينة «نيويورك»؛ زحام، ناس، وسيارات خاصة، وعربات نقل. كانت هناك سيارة صفراء اللون تقطع أحد الشوارع بسرعة، ظلت الكاميرا تصوِّرها حتى توقفت أمام مبنى قديم، تبدو عليه العراقة، وظهرت على بابه الضخم لافتة نُحاسية مكتوب عليها: «قاعة كريستي». ابتسم «أحمد»، فهو يعرف هذه القاعة جيدًا. صحيح أنه لم يزُرها من قبل، لكنه قرأ عنها كثيرًا، وتتبع أخبارها. ألقى نظرة على الشياطين الذين كانوا يتابعون الفيلم، فالتقت عيناه بعيني «قيس»، الذي ابتسم، وهو يقول: فان جوخ!
اتسعت ابتسامة «أحمد» أكثر، فقد عرف أن «قيس» يفكر بطريقته. إن «فان جوخ» رسَّام هولندي، مات عام ١٨٩٠، وهو واحد من الرسامين العالميين، الذين أثَّروا في الفن التشكيلي. والغريب أن «فان جوخ» عاش حياته فقيرًا، يعتمد على مرتب كان يرسله له أخوه، مع أن لوحاته الآن تُباع بالملايين، الغريب أيضًا أنه تخلَّص من حياته، وهو في سن السابعة والثلاثين، بعد أن يئس من حياته، وهو الآن من أشهر الفنانين الذين يعرفهم العالم، ويقدِّرهم المهتمون بالفنون التشكيلية. عندما ابتسم «أحمد» لما قاله «قيس»، قال «خالد»: سيزان.
وأضاف «بو عمير»: يريك بوش.
وقال «مصباح»: بيكاسو.
فابتسمت «ريما»، وقالت: لقد انكشفت الحكاية.
إن أسماء «سيزان» و«ديرك بوش» و«بيكاسو»، هي أسماء فنانين عظام، تباع لوحاتهم بالملايين، وتنتشر في أشهر وأكبر متاحف العالم، وعندما ظهرت اللوحة النحاسية، التي تحمل اسم «قاعة كريستي»، عرف الشياطين أن هذه القاعة، من القاعات المشهورة عالميًّا، والتي تُقيم مزادات مشهورة، تُباع فيها لوحات هؤلاء العظماء، وتقدر بمئات الملايين من الدولارات. فجأة، قطع القاعة صوت رقم «صفر»، يقول: إنني أعرف أنكم توصلتم للمغامرة الجديدة، التي سوف تقومون بها، لكن …
ثم صمت دون أن يكمل كلامه، فقد ترك للشياطين بعض الوقت، يفكِّرون فيه. أيضًا، حتى يثير خيالهم.
ثم قال: سوف أكون عندكم حالًا، فهناك بعض التقارير في الطريق.
همس «أحمد»: يبدو أننا أمام عملية فنية.
ابتسمت «زبيدة»، وقالت: أو عملية مرسومة.
كان الفيلم ما زال معروضًا أمامهم، تغيرت حركة الشارع أمام قاعة «كريستي»، ودخلت الكاميرا من الباب الضخم، لتظهر مجموعة حراسة ضخمة. ثم تجاوزت الباب، واستمرت في دخولها إلى باب القاعة ذاتها. كان الباب من الطراز القديم العتيق، فيبدو فخمًا تمامًا. وعندما وصلت الكاميرا إلى القاعة، شَهِقت «إلهام»: إنها ثروة هائلة!
ابتسم «قيس»، وقال: ولهذا، فإن المغامرة ضرورية.
قال «خالد»: يبدو أنها عملية سطو ضخمة.
وقال «مصباح»: إنها تحتاج إلى عملية مرسومة بعناية، ومخططة جيدًا.
تساءلت «ريما»: لكن، كيف يمكن أن تتم مثل هذه الجريمة، والقاعة مجهزة تجهيزًا كاملًا من حيث إجراءات الأمن؟
رد «خالد»: لاحظي أن هذه عصابات، وليست مجرَّد فرد، أو جماعة صغيرة.
فجأةً، بدأت أصوات أقدام رقم «صفر» تقترب، كان صوت الخطوات يبدو عنيفًا، مما جعل الشياطين يتحفَّزون، ويجلسون في اهتمام مضاعف. عندما توقف صوت الأقدام، قال رقم «صفر»: لقد عرفتم طبيعة المغامرة؛ ولذلك، سوف أقدم لكم تقريرًا مختصرًا. ففي يوم الأربعاء القادم — وهذا يعني أن أمامكم ثلاثة أيام فقط — سوف يُقام المزاد السنوي في قاعة كريستي الشهيرة.
صمت لحظة، ثم أضاف: ها هي القاعة أمامكم، وها أنتم ترون الثروة الفنية العظيمة، وهي ثروة يقدِّرها الخبراء بما يزيد على مائة مليون دولار، وهي في الحقيقة ثروة لا تقدر بثمن.
سكت مرة أخرى، في نفس الوقت الذي توقف فيه الفيلم. واختفت الخريطة الإلكترونية، التي تستخدم كشاشة عرض أيضًا. لحظة، ثم جاء رقم «صفر» يقول: إن التقارير التي وصلتنا من عملائنا تقول: إن هناك جريمة سطو سوف تقوم بها عصابة «سادة العالم». وأنتم تعرفون نفوذها وقوتها، ولذلك، فإن الجريمة لن تكون لسرقة لوحة أو اثنين، ولكنها سرقة محتويات القاعة كلها.
توقف رقم «صفر»، ونظر الشياطين إلى بعضهم. إن سرقة محتويات قاعة كبيرة مثل قاعة كريستي، تعني أنها سوف تكون عملية كبيرة. قطع صوت رقم «صفر» أفكار الشياطين، وقال: أنتم تعرفون أن اليابان تسعى الآن لجمع الكنوز الفنية، لتحتفظ بها، ولتكون تجارة رابحة جدًّا في المستقبل. وسوف تستغل عصابة «سادة العالم» هذه الرغبة لدى اليابان؛ لتربح من خلف عمليتها ثروة كبيرة. فجأة، لمعت لمبة حمراء في أعلى الخريطة الإلكترونية، فعرف الشياطين أن هناك رسالة هامة؛ ولذلك، جاء صوت الزعيم يقول: سوف أعود إليكم حالًا.
– إنني في الانتظار، فمتى التحرك؟
وبدأت خطواته تبتعد.