مغامرة في مهب الريح
عندما اختفت خطوات رقم «صفر»، قال «أحمد»: أظن أن عملية السطو لن تكون لكل الأعمال الفنية الموجودة، فقد قرأت مؤخرًا، أن عشرة أعمال منها تساوي ما يزيد على الستين مليون دولار.
ضحك «بو عمير»، وقال: إنني أوافق على ما قاله «أحمد» الآن، فسرقة صالة كاملة تعد عملية شاقة، مهما كانت إمكانيات العصابة.
تساءلت «زبيدة»: هل هذا يعني أن تقارير العملاء ليست صحيحة؟
أجاب «أحمد»: صحيحة بالتأكيد، بدليل أننا عرفنا أن هناك عملية سرقة كبيرة سوف تتم، لكن التقارير يمكن أن يكون فيها بعض التجاوز، ويكون فيها قدر من المبالغة، وهذه مسألة في صالحنا على كل حال.
عادت أقدام رقم «صفر» من جديد، وظلت حتى توقفت، ثم جاء صوته يقول: آخر تقرير وصلنا الآن، هو أن خطة العصابة، سوف تسرق ما بين ثماني وعشر لوحات فقط، من بينها صندوق صغير قديم مرصَّع بالمينا، يرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر، مرسوم عليه صورة رجل الدين القديم «توماس بيكيت»، ويقدر ثمنه وحده بحوالي خمسة ملايين. ولوحة «البعث» للفنان «دريرك بوش»، ويقدر ثمنها بحوالي خمسة عشر مليونًا. وهناك أعمال ﻟ «فان جوخ» و«جوجان» و«بيكاسو» و«غيرهم».
سكت الزعيم، بينما تلاقت أعين الشياطين عند «أحمد»، الذي كان يبتسم، فقد صدق تمامًا ما فكر فيه. ابتسم «بو عمير»، وهو ينظر إليه، ثم رفع يده وأشار إليه بعلامة النصر. قال الزعيم: لقد كان «أحمد» موفَّقًا عندما توصَّل إلى الحقيقة، وقد شككت من البداية، وتوقَّعت أن تكون هناك نسبة من المبالغة. كما قال: هذه على كل حال مسألة عادية.
توقف لحظة، ثم أضاف: إن المهم أن جريمة سطو سوف تتم على عدة كنوز إنسانية، فمثل هذه الأعمال التاريخية، هي ملك للإنسانية كلها؛ لأنها إنتاج إنساني عبقري، تمامًا كالأهرام وأبي الهول، ومعبد أبي سنبل المصرية. فهذه أعمال تملكها الأجيال المتعاقبة، وأنتم طبعًا تعرفون أن الأمم المتحدة تشترك في الحفاظ على هذه الكنوز الإنسانية؛ لما لها من قيمة إنسانية عالية. أيًّا كان الأمر، فهناك ثروة فنية معرَّضة للسرقة، ودوركم هو وقف العملية الإجرامية.
مرَّت دقيقة بعد أن توقف عن الكلام، ثم عاد يقول: أريد أن ألفت نظركم إلى مسألة شديدة الأهمية. إن تعرض هذه الأعمال للتلف، سوف يكون مسألة محزنة تمامًا؛ ولذلك، فإن عليكم أن تمنعوا هذه الكارثة، قبل أن تقع.
ثم أضاف: هل هناك أسئلة؟
انتظر لحظة، ثم بدأ صوت خطواته يتردَّد، وهو يقول: سوف تعرفون مجموعة المغامرة حالًا. وتباعَد صوت خطواته حتى اختفى. قال «أحمد» مباشرة: ينبغي ألا نضيع وقتنا، فثلاثة أيام زمن قليل.
بسرعة، أخذ الشياطين طريقهم إلى خارج القاعة، وأسرع كل منهم إلى غرفته، في انتظار الرحيل. عندما دخل «أحمد» الغرفة، كان جهاز التليفزيون ينقل رسالة من رقم «صفر»، يحدد فيها المجموعة التي سوف تقوم بالمغامرة. كانت المجموعة تضم: «أحمد»، «خالد»، «قيس»، «عثمان»، «مصباح». رفع «أحمد» سماعة التليفون، وضغط زرًّا في الجهاز، فجاء صوت «قيس»: إنني في الانتظار، فمتى التحرك؟
رد «أحمد»: بعد عشرة دقائق، واللقاء عند نقطة البداية.
وقبل أن يضع السماعة قال: لا تنسَ أسلحتنا الجديدة.
جاء صوت «قيس» يضحك، وهو يقول: إنني لا أحمل غيرها، فهي أقل وزنًا، وأسرع تأثيرًا!
بسرعة، تحدث «أحمد» إلى بقية المجموعة، وحدَّد لهم ساعة الرحيل، ثم أخذ يجهز حقيبته السرية. وعندما نظر في ساعته، كان موعد الانطلاق قد أوشك. غادر الغرفة بسرعة، وأخذ طريقه إلى النقطة المحددة. وهناك، كانت المجموعة في انتظاره.
عندما اكتملت المجموعة، تحركت السيارة بسرعة إلى حيث تبدأ مغامرتهم. كان «قيس» يجلس إلى عجلة القيادة، عندما انطلقت السيارة بسرعة فائقة. وعندما اقتربت من البوابة الصخرية للمقر السري، انفتحت البوابة في هدوء، فتجاوزتها السيارة، ثم أغلقت البوابة مرة أخرى. كان الطريق الممتد إلى حيث المطار السري طريق خاص، لا يمر فيه إلا الشياطين. حتى إن «عثمان» أطلق عليه طريق الشياطين، وهو يمتدُّ من داخل المقر حتى البوابة، ثم يستمر بعدها حتى المطار. وطريق الشياطين ليس قصيرًا، فهو يمتد إلى مسافة خمسين كيلومترًا. وبرغم أنه طريق ناعم تمامًا، إلا أنه لا يبدو كذلك، فإذا وقعت عليه عين إنسان، فسوف يظنه طريقًا مهجورًا. بينما كانت السيارة تقطع الطريق كالصاروخ، كان الشياطين الخمسة يتبادلون الحديث.
قال «خالد»: لقد ذكَّرني كلام الزعيم عن الصندوق القديم المرسوم عليه «توماس بيكيت»، بمسرحية قرأتها عن هذا الرجل.
وقال «أحمد»: هناك فيلم أيضًا اسمه «بيكيت»، وهو واحد من الأفلام الجيدة، وقد مثَّله «ريتشارد بيرتون» و«بيتر أوتول».
قال «خالد»: لقد كان الصراع بين الحاكم والصديق صراعًا رائعًا، فقد عين الحاكم صديقه «بيكيت» ليكون رئيسًا للكنيسة؛ حتى يمكن أن ينفذ له بعض القوانين. لكن الصديق عندما أصبح مسئولًا، وقف في وجه صديقه الحاكم، فالمسئولية عنده كانت أقوى من الصداقة.
قال «مصباح»: لا شيء يساوي المسئولية، فعندما تكون مسئولًا عن شيء، فإنك يجب أن تنسى أي شيء آخَر؛ لأن مسئوليتك سوف تكون أمام الله، قبل أن تكون أمام أي إنسان.
وأضاف «عثمان»: هذه قضية في منتهى الأهمية، فكل واحد مسئول بشكل أو بآخَر. ولذلك، فعلى كل إنسان أن يكون على مستوى مسئوليته، فنحن مسئولون في مدارسنا، ومسئولون في أعمالنا؛ الطبيب مسئول، والضابط مسئول، والموظف والتاجر، كل واحد مسئول في نطاقه الخاص، ومسئول في النظام العام أيضًا.
ظلَّت قضية المسئولية تشغلهم، حتى قال «قيس»: لقد وصلنا.
وبعد ثلاث دقائق، كانت السيارة تدخل أرض المطار، متجهة إلى الطائرة الخاصة، التي سوف تُقِلهم إلى نيويورك مباشرة. إن المسافة طويلة، ومع اختلاف التوقيت، فإن وصولهم إلى نيويورك سوف يكون عند أول النهار، وكانت هذه فرصة جيدة لينالوا قسطًا وافرًا من الراحة، فمَن يدري متى يستطيعون النوم مرة أخرى؟!
عندما أقلعت الطائرة، كان كل واحد منهم قد أخذ مكانه، واستغرق في النوم، إلا «أحمد». فقد أمسك كتابًا، وبدأ يقرأ. إن الشياطين يملكون قدرة غريبة، فهم يستطيعون النوم متى يريدون، وقد مروا بتدريبات طويلة، حتى حقَّقوا هذه القدرة. فطبيعة مغامراتهم لا تجعلهم يعرفون متى سينامون؛ ولذلك، فعندما يُقدمون على مغامرة، يحرصون على النوم لأطول فترة ممكنة؛ حتى يكونوا مستعدين بعدها للعمل لأطول فترة ممكنة أيضًا. كان الكتاب الذي يقرأه «أحمد» عن تاريخ الفن التشكيلي، منذ الفراعنة وحتى الآن. استغرق في القراءة، لكنه فجأةً توقَّف. كان يفكِّر: هل يمكن أن تكون الغازات هي السلاح الجديد الذي سوف تستخدمه العصابة؟ وهل يمكن استخدامه في قاعة مفتوحة مثل قاعة «كريستي»؟ وأي نوع من الغازات السامة سوف تستخدمه العصابة؟
ظلَّ يحاور نفسه لفترة طويلة، لكنه في النهاية، أغلق الكتاب، وأغمض عينَيه لينام، فقد ترك النتيجة تُحدِّدها لحظة اللقاء مع العصابة هناك، مع ذلك، فإن النوم لم يعرف طريقه إلى عينَيه. قال في نفسه: إن الطائرات كثيرة، خصوصًا في بلد مثل أمريكا. وقد لا تلفت طائرتهم النظر، فهناك عشرات الطائرات مثلها. لكن، إن عصابة مثل عصابة سادة العالم، من المؤكد أن لها جواسيس في كل مكان، فهل يمكن أن تنكشف طائراتهم؟ فكَّر لحظة، ثم قال في نفسه: لا بأس أن نلتقي مع العصابة خارج القاعة، ولهذا ينبغي أن نتحرك كمجموعتَين. فإن ذلك يعطينا فرصة التحرك أكثر. وعندما وصل إلى هذه النتيجة، بدأ يمارس تمرينات نفسية خاصة، حتى استغرق في النوم. مرَّ الوقت، وفجأة، تردَّدت دقات متواصلة، أيقظت الشياطين. عندما فتح «قيس» عينَيه، نظر في ساعة يده، ثم فكر: إن الوقت لا يزال مبكِّرًا حتى نصل إلى «نيويورك». ارتجت الطائرة بشدة. قال في نفسه: إنه مطب هوائي، وهذه مسألة عادية. لكن ارتجاج الطائرة تكرَّر كثيرًا، حتى إن الشياطين وقفوا جميعًا في لحظة واحدة، وجاء صوت مذيع الطائرة، يقول: إننا ندخل منطقة هوائية مضطربة تمامًا، وقد تستمر بعض الوقت، وكان ينبغي أن أوقظكم حتى لا تتفاجئوا بما نحن فيه. أشار «أحمد» إليهم أن يجلسوا، ويربطوا الأحزمة. في نفس الوقت، يكونون على استعداد لأي طارئ. أخذ كل منهم يجهز مظلة النجاة في انتظار أي طارئ. ارتجَّت الطائرة، حتى إنهم ظنوا أن كل شيء قد انتهى، كانت الطائرة مثل قشة في مهب الريح، فالمنطقة التي يمرُّون بها، تجتاحها تيارات هوائية متصادمة، تجعل الطائرة في حالة عدم توازن. فجأةً، جاء صوت قائد الطائرة يقول: سوف نضطر إلى الهبوط إلى ارتفاع أقل، فنحن الآن نطير على ارتفاع ثلاثة وثلاثين ألف قدم، والمنطقة التي نمرُّ بها مليئة بالتيارات الهوائية، وقد نجد في ارتفاع خمسة عشر ألف قدم منطقة أهْدَأ. نظر الشياطين إلى بعضهم، وفكَّر «أحمد» بسرعة: ماذا يمكن أن يحدث، لو أن الطائرة أصابها شيء، ويمرُّ الوقت، وتفشل المغامرة.
أخذت الطائرة طريقها إلى الهبوط، فكَّر «أحمد» لحظةً، ثم قام من مكانه، وهو يتشبَّث بالمقاعد حتى لا يسقط، وأخذ طريقه إلى كابينة القيادة، عندما دخلها، رأى طاقم الطائرة في حالة فزع، قال: هل الطائرة معرَّضة لشيء خطير؟
رد القائد: مَن يدري؟! إننا نحاول السيطرة على الطائرة، فالتيارات الهوائية عنيفة تمامًا، ولا أظن أنني صادفت مثل هذه التيارات من قبل!
سأل «أحمد»: أين نحن الآن؟
أجاب القائد: فوق المحيط الأطلسي، وأقرب مكان للهبوط هو جزر «الأزور»، فإذا لم نجد الجو مناسبًا في الارتفاع المنخفض، فليس أمامنا سوى الهبوط هناك.
فجأة، سقطت الطائرة في مطب هوائي، وارتجَّت بعنف، جعل «أحمد» يصطدم بجانب الكابينة، ثم يسقط على الأرض.