المفتاح يبدأ من المطار
كانت الصدمة عنيفة، جعلت «أحمد» يشعر بالدوَار، أسرع إليه واحد من طاقم الطائرة. في نفس اللحظة، ارتجَّت الطائرة من جديد، حتى إن ملاح الطائرة سقط هو الآخَر بجواره. كانت اللحظة تبدو مضحكة تمامًا، فابتسم وهو يحاول أن يتماسك، وسمع قائد الطائرة يقول: يبدو أننا لا بد أن نهبط في جزر «الأزور»، فموقف الطائرة صعب للغاية، ولا أضمن سلامتها أو سلامتنا.
فجأة، ظهر «قيس»، وهو يصطدم يمينًا وشمالًا، فرأى «أحمد» لا يزال جالسًا على الأرض. سأل بسرعة: ماذا حدث؟ وهل نحن مقبلون على كارثة؟!
ابتسم «أحمد»، الذي بدأ دواره يخف، وقال: هي مغامرة على كل حال!
كان الظلام كثيفًا خارج الطائرة، ولم يكُن يظهر سوى ضوء الطائرة وهو يخترق الظلام. فجأة، بدأت قطرات الماء تظهر في الضوء، وقال القائد: يبدو أن الجو سوف يمطر، وإذا حدث هذا، فقد يهدأ الجو بعد ذلك.
ازداد نزول المطر، وبدأ صوته يظهر نتيجة سقوط الماء على جسم الطائرة. وعندما أصبح المطر شديدًا، ارتفعت دقات الماء، حتى إنهم كانوا يسمعونها وهم داخل الطائرة. سأل «أحمد»، وكان لا يزال جالسًا على الأرض: على أيِّ ارتفاع نحن الآن؟
أجاب القائد: عشرين ألف قدم، ولا تزال أمامنا خمسة آلاف أخرى، حتى نصل إلى الارتفاع الذي نريده.
ظلَّت الطائرة تهبط، وكان الشياطين يشعرون بهذا الهبوط. لكن الجو لم يتغيَّر، كان المطر لا يزال ينزل بشدة. في نفس الوقت الذي كانت فيه الدوامات الهوائية تلعب بالطائرة، وكأنها لعبة في يد طفل. فكَّر «أحمد»: ماذا سوف يحدث الآن؟ إن تأخُّرهم سوف يؤدِّي إلى إتمام جريمة السطو الخطيرة. هل يفكِّر في الهبوط بالباراشوت؟ وإذا هبط، فسوف يكون الهبوط في المحيط! نظر إلى قائد الطائرة، ثم سأل: أليست الطائرة مجهَّزة للهبوط في الماء عند الضرورة؟
قال قائد الطائرة وهو منهمك في محاولة السيطرة عليها: نعم، ويمكن تحويلها إلى طائرة مائية.
قال «قيس» بسرعة: إذَن، لماذا لا نهبط!
أجاب قائد الطائرة: إن ذلك سوف يستغرق وقتًا طويلًا حتى نصل إلى «نيويورك».
صمت لحظة، ثم أضاف: ومَن يدري كيف تكون حالة المحيط الآن. ربما تكون سيئة هي الأخرى، فنقع في مشكلة بلا حل.
صمت الجميع، لكنهم في نفس الوقت كانوا يفكِّرون في حلٍّ. قال «أحمد» في نفسه: لا تزال أمامنا أيام ثلاثة، ولا أظن أن الجو سوف يستمر على هذا الحال! توقف لحظة، ثم تردَّد سؤال في خاطره: لو أنهم هبطوا، وقطعوا المسافة الباقية بحرًا، ألا يمكن أن يصلوا في وقت قريب؟
انتظر لحظة، ثم طرح السؤال بصيغة أخرى على القائد: هل تحتاج المسافة بحرًا لأكثر من يومين؟
أجاب القائد: إن ذلك يخضع لحالة الجو والبحر معًا.
عاد «أحمد» يسأل: ولو أن الجو كان معنا؟
نظر القائد في تابلوه الطائرة، ثم ضغط زرًّا فيه، فلمع رقم أمامه. قرأه، ثم قال: إن ذلك يحتاج إلى يومين.
هتف «قيس» بسرعة: رائع، إن ذلك ما نحتاجه بالضبط.
ابتسم القائد رغم الموقف الصعب الذي يمرُّون به، وقال: هذا إذا كانت الظروف في صالحنا، ولكن ماذا يُدرينا، قد تكون الظروف المناخية معاكسة لنا.
قال «قيس»: إذَن، نجرب.
رد القائد: ليس أمامنا سوى ذلك، إننا نهبط، وإذا لم يكُن الجو مناسبًا على ارتفاع خمسة عشر ألف قدم، فسوف نهبط مرة أخرى لعشرة، ثم إلى خمسة وهكذا. فإذا لم نجد الجو الملائم، فليس أمامنا سوى الهبوط في المحيط وإكمال الرحلة بحرًا.
مرةً أخرى، لفَّ الصمت الجميع، ولم يكُن يُسمع سوى صوت الطائرة، وصوت دقات المطر. لقد استنفدوا كلَّ الحلول الممكنة، وها هم الآن في انتظار أن يصلوا إلى نتيجة، عندما وصلوا إلى ارتفاع خمسة عشر ألف قدم، قلَّ اهتزاز الطائرة، وأصبح واضحًا أن الارتفاع الجديد مناسب للطيران الآن. نظر كابتن الطائرة إلى الآخَرين، وقال: يبدو أننا سوف نكمل الرحلة بسلام.
هدأت الطائرة، وخفَّت دقات المطر، ولم تعُد الدقات تتردَّد. أشار قائد الطائرة إلى أحد الطيارين ليأخذ مكانه، ثم قام نظر إلى «أحمد»، الذي كان جالسًا على الأرض، وقال مبتسمًا: هل لك من كوب شاي ساخن الآن، بعد أن اجتزنا الخطر؟
ابتسم «قيس»، وهو يقف قائلًا: أتمنى ذلك، فقد خشيت أن يتعطَّل كل شيء.
عندما جلسوا في مقاعد الطائرة، وفي أيديهم أكواب الشاي، قال الكابتن: إن ما حدث كان يمكن أن يتحوَّل إلى كارثة، فالتيارات الهوائية كانت عنيفة تمامًا، مما قد يؤدِّي إلى سقوط الطائرة.
نظر الشياطين إلى بعضهم، فابتسم الكابتن، وقال: هذه مسائل عادية في الطيران، فنحن عندما نبدأ أي رحلة، نكون متوقِّعين لأي أخطار قد تظهر فجأة. لكننا لا نفقد إيماننا بالله أبدًا، وعادة ينتهي الخطر، وتظل الرحلة ذِكْرى نتحدَّث عنها دائمًا.
عندما انتهى كوب الشاي، نظر الكابتن في ساعة يده، ثم وقف وهو يقول: أعتقد أنكم في حاجة إلى الراحة بعض الوقت، ولا تزال أمامنا ساعتان، حتى نصل إلى مطار نيويورك.
ثم حيَّاهم وانصرف، ظلَّ الشياطين في أماكنهم فترة قصيرة، ثم قال «أحمد»: إنني في حاجة إلى النوم، فقد توتَّرَت أعصابي تمامًا.
وفي هدوء، أخرج كلٌّ منهم بطانية من الدولاب المعلَّق فوق سقف الطائرة، ثم لفَّ نفسه بها، واستغرقوا في النوم مباشرة، فقد كانت الساعات الماضية، ساعات عصيبة فعلًا. وحتى عندما تردَّد صوت مذيع الطائرة، يخبرهم أنهم يقتربون من الساحل الأمريكي، لم يكُن أي واحد منهم قد استيقظ بعد. تردَّد صوت المذيع مرة أخرى، ففتح «أحمد» عينَيه، وسمع الكلمات الأخيرة. نظر من نافذة الطائرة، فوقعت عيناه على بقع متناثرة من الضوء، لم يستطع أن يحدد مصدرها. نظر إلى الشياطين الذين كانوا مستغرقين في النوم، قام وأيقظهم الواحد بعد الآخَر. لم يمر وقت طويل، عندما جاء صوت الكابتن يهنِّئهم بسلامة الوصول، ويطلب منهم أن يربطوا الأحزمة، فسوف يهبطون بعد قليل. استعدوا، واقتربوا من باب النزول، بعد قليل، كانت أضواء المدينة تلمع، في نفس الوقت الذي أخذ فيه ضوء النهار يتسرَّب في هدوء رقيق.
همس «عثمان»: لقد وصلنا في نفس الوقت الذي توقَّعناه.
ردَّ «أحمد»: كان من الممكن أن نصل قبل ذلك، لولا ما حدث. على كلٍّ، لقد وصلنا في الوقت المطلوب.
لامست عجلات الطائرة أرض المطار، فاهتزَّت قليلًا، ثم أخذت طريقها إلى حيث مكان الوقوف المحدَّد.
وعندما توقَّفت تمامًا، أسرع «أحمد» إلى قائد الطائرة، يحيِّيه هو والطاقم المصاحب له، وتمنَّى لقاءهم سريعًا. ثم أخذ طريقه إلى باب النزول، في نفس الوقت الذي كان الشياطين قد سبقوه. أسرع إليهم، وتجاوز الممر إلى صالة المطار، حيث كان الشياطين في انتظاره. في منطقة الجوازات، نظر إليهم الموظَّف قليلًا، ثم أنهى الإجراءات، وقبل أن ينصرفوا تمامًا، لمح «قيس» موظف الجوازات، وهو يرفع سماعة التليفون، ويتحدَّث في نفس الوقت الذي كانت فيه مجموعة من المسافرين في انتظار أن ينتهي من مكالمته. فكَّر «قيس» بسرعة، لكنه لم يقُل شيئًا، فقد هزَّ رأسه وكأنه ينفي شيئًا، ثم لحق بالشياطين. عند الباب الخارجي، كانت سيارة شيفروليه بيضاء في انتظارهم. كانت تحمل أرقامًا يعرفها الشياطين، لذلك تقدَّم إليها «قيس»، وفتحها، ثم أخذ مكانه خلف عجلة القيادة. ركب بقية الشياطين، وانطلقت السيارة. قال «قيس»: لقد لاحظت حركة غريبة من موظف الجوازات!
تساءل «أحمد»: ما هي؟
فجأةً، رنَّ جرس تليفون السيارة، فرفع «أحمد» السماعة بسرعة، جاء صوت رقم «صفر» يهنئهم بالوصول، وهو يقول: خذوا حذركم، فقد اختفى أحد عملائنا، ويبدو أن العصابة قد رصدته، وهو يُرسل إلينا بأحد تقاريره، ظهرت الدهشة على وجه «أحمد»، بينما أكمل رقم «صفر»: ينبغي أن تشكوا في أية حركة تحدث حولكم، وأن تكونوا متيقِّظين تمامًا. صمت لحظة، ثم قال: أتمنى لكم التوفيق!
وضع «أحمد» السماعة، ثم نظر إلى «قيس»، وقال: يبدو أن ملاحظتك لموظف الجوازات كانت صحيحة، وهامة في نفس الوقت.
صمت لحظة، بينما ابتسم «قيس»، وقال «أحمد» بسرعة: ما هي ملاحظتك؟
شرح «قيس» حكاية التليفون الذي استخدمه موظف الاستعلامات، بمجرد مرورهم من أمامه. فقال «مصباح»: هل يكون أحد أعضاء العصابة؟
قال «خالد»: من يدري؟! قد يكون من المتعاونين معها.
تنفَّس «أحمد» بعمق، فقد كان يفكِّر بعمق أيضًا. بعد لحظة قال: إننا يمكن أن نستفيد من موظف الاستعلامات جيدًا.
تساءل «خالد»: كيف؟
أجاب «أحمد»: ينبغي أن يظلَّ أحدنا خلفه، ومتابعة تحرُّكاته. واقترح أن يكون «خالد» هو الذي يقوم بهذه المهمة.
ثم أضاف بسرعة، وهو ينظر إلى «قيس»: عليك بالانتظار قليلًا.
ثم نظر إلى «خالد»، وقال: إن أدوات الماكياج ضرورية الآن، فالمؤكد أنه لاحظنا جيدًا. إن عليك أن تغيِّر شكلك، وأن تبدأ المهمة.
وبسرعة، كان «خالد» قد أخرج أدوات الماكياج من حقيبته السحرية، وبدأ خطوطًا سريعة على وجهه، فقد كانت مهمته هي المفتاح للمغامرة كلها.