مهرجان الضحك
بعد قليل، انضمَّ «أحمد» إلى المجموعة، ولم يعُد غائبًا إلا «قيس»، الذي كان يتابع «ألفريد».
همس «أحمد»: نحتاج إلى اجتماع سريع في غرفتي الآن.
تحرَّك الشياطين بسرعة، وركبوا أحد المصاعد ليُقلهم إلى الدور الثلاثين. وعندما دخلوا غرفة «أحمد» رقم «٣٠٦».
قال «أحمد»: إننا الآن أمام مهمتين؛ المهمة الأولى هي قاعة «كريستي»، والمهمة الثانية هي اختفاء العميل. إننا مرصودون الآن، فقد عرفت العصابة بوجودنا، ويجب أن نعمل على خداعهم، وأظن أن الماكياج يمكن أن يكون وسيلة جيدة لذلك. هذه واحدة، أما الثانية، فهي أي المهمتين نبدأ؟
مرَّت لحظة، قبل أن يُدلي أحد برأيه. ووسط صمت التفكير، دقَّ جهاز الاستقبال دقات يعرفها الشياطين، فهمس «خالد»: هذه رسالة من رقم «صفر»، ولا بد أنها رسالة خاصة وهامة.
أسرع «أحمد» لتلقي الرسالة، كانت رسالة شفرية تقول: ««٢ – ٤٤ – ٤٨ – ٤٦ – ٥٤» وقفة «٢ – ٤٦ – ٤٨ – ٣٨ – ٢ – ٥٢ – ٤٨ – ٢٠ – ٥٢» وقفة «٥٢ – ٥٠ – ٢ – ٤٤» وقفة «٤٠ – ٢٠ – ٥٨ – ٤٢» وقفة «٢ – ١٤ – ٢٠» وقفة «٤٦ – ٤٨ – ٣٨ – ٢ – ٤٨ – ٢٠ – ٥٢» وقفة «٢ – ٤٦ – ٣٦ – ٤٨ – ٥٨ – ٤٦» انتهى.» ترجم «أحمد» الرسالة، ثم نقلها إلى الشياطين، ابتسم «عثمان»، وقال: لقد أنهى رقم «صفر» المشكلة، وعلينا أن نهتم بمغامرتنا في قاعة «كريستي».
قال «مصباح»: في نفس الوقت، يجب أن نعطي للمجموعة القادمة، ما لدينا من معلومات عن «ألفريد»، فهو سوف يسهل لهم المهمة.
قال «أحمد» بعد لحظة: أعتقد أنه ينبغي أن ينضم «قيس» إلى المجموعة، ما دام قد بدأ مهمة مراقبة «ألفريد»، بل إننا يمكن أن نعفيه من مغامرة قاعة «كريستي».
قطع «خالد» كلمات «أحمد»، وقال: إنني الذي سأنضم إلى المجموعة؛ لعلاقتي ﺑ «جان فال».
قال «أحمد»: هذا صحيح، إذَن، سوف نستمر في مغامرتنا، حتى تصل المجموعة، وسوف أرسل إلى رقم «صفر» أخبره بهذه التفاصيل التي ناقشناها.
فجأةً، دقَّ الباب عدة دقات خاصة متفق عليها بين الشياطين، قفز «عثمان»، وهو يقول: لقد عاد «قيس».
فتح الباب بسرعة، فظهر «قيس» مبتسمًا ابتسامة عريضة، ألقى إليهم بالتحية، ثم جلس، نظر له «أحمد»، ثم قال: لعلَّك حقَّقت نتيجة طيبة!
وضع «قيس» يده في جيبه، ثم أخرج جهاز الاستقبال الدقيق، وقال: هذا هو «ألفريد».
فهم الشياطين ماذا يقصد، مدَّ «أحمد» يده، وضغط زرًّا في الجهاز، فجاء صوت يقول: نعم، خمسة يا سيدي، تمامًا كما اعترف العميل، أظن أنهم سوف يظهرون هناك … نعم يا سيدي … إلى اللقاء.
نظر الشياطين إلى بعضهم، قال «أحمد»: ماذا فعلت؟!
ابتسم «قيس»، وقال: أينما ذهب «ألفريد»، فسوف نعرف تحركاته في السيارة، أو في البيت.
قال «أحمد» مبتسمًا: لقد كنت متأكدًا أنك سوف تحقِّق نجاحًا طيبًا!
صمت لحظة، ثم أضاف: الآن، ينبغي أن نفسِّر رسالة «ألفريد»، إنه يبدو كمَن يتحدَّث إلى زعيمه أو رئيسه. وقد عرف عددنا. أما كلمة هناك، فيبدو أنه يقصد قاعة «كريستي»، وهذا يعني أنهم سوف يكونون في انتظارنا.
قال «عثمان»: هذا مؤكد؛ ولذلك، أقترح أن يدخل القاعة اثنان فقط. في نفس الوقت، يكون ثلاثة عند مدخل القاعة، يراقبون خروج أية لوحة من اللوحات.
قال «قيس»: أوافق على رأي «عثمان».
قال «مصباح»: من الضروري أن حراسة مشدَّدة سوف تكون خارج القاعة.
قال «خالد»: أخشى أن تكون حراسة مزيفة، والعصابة تستطيع تحقيق ذلك.
وقال «أحمد»: من المهم جدًّا، هو الحرص على اللوحات، فأية لوحة سوف يُصيبها أسًى، نكون قد خسرنا شيئًا هامًّا. حتى أوقات الصراع معهم — وهو سوف يحدث — ينبغي أن نكون في حرص شديد.
قال «خالد»: نرجو ألَّا نُفاجأ بشيء، يجعلنا نخسر الكثير.
مرَّت لحظات صمت، ثم قال «أحمد»: علينا أن نستعد، فأمامنا يومان فقط، يستطيع «خالد» خلالهما أن يؤكد علاقته ﺑ «جان فال». في نفس الوقت، نكون قد راقبنا قاعة «كريستي» جيدًا، وعرفنا ما حولها؛ حتى لا يعوقنا شيء وقتها.
في المساء، خرج الشياطين إلى حيث قاعة «كريستي». راقبوا الشوارع، وعرفوا اتجاهات المرور، ثم عادوا إلى الفندق. في نفس الوقت، كان «خالد» يجري اتصالًا ﺑ «جان فال»، فلم يجده، فترك له رسالة على جهاز «الأنسرماشين»، أو جهاز استقبال الرسائل، وأخبره أنه سوف يتصل به مرة أخرى. انقضى الليل أمام التليفزيون، وسماع تحركات «ألفريد». في اليوم التالي، فتح «أحمد» عينَيه على رنين التليفون. وعندما رفع السماعة، جاءه صوت «بو عمير» يقول: صباح الخير، نحن هنا.
ثم انتهت المكالمة. ابتسم «أحمد»، وقال هامسًا لنفسه: إذَن، لقد وصلت المجموعة الأخرى.
بعد دقائق، كان الشياطين يتناولون طعام الإفطار في المطعم. كانت هيئاتهم قد تغيَّرت، فكل منهم اختار لنفسه هيئة خاصة وملامح خاصة؛ حتى لا يكشفهم أحد. أخبرهم «أحمد» بوصول المجموعة، فقال «خالد»: لا بد أن أتصل بهم.
قال «أحمد»: فقط خُذ حذرك، فالعصابة لها في كل مكان عيون.
انصرف «خالد»، بعد أن اتفق الجميع على اللقاء عند قاعة «كريستي» غدًا في التاسعة صباحًا. وكانت خطتهم ألَّا يلتقون اليوم؛ حتى لا يلفتون نظر أحد. وما إن انصرف «خالد»، حتى أخذ كلٌّ منهم مكانًا. أما «أحمد»، فقد غادر الفندق مباشرة؛ أخذ طريقه إلى قاعة «كريستي». فلفت نظره أن هناك حراسة مشددة حول القاعة، قال في نفسه: إن ستين مليونًا مبلغ جيد، يستحق هذا العناء، ويستحق هذه الحراسة المشددة أيضًا.
ظلَّ يبطئ من سيره فترة، كان ينتظر أن تظهر اللوحات في طريقها إلى القاعة. قال في نفسه: أعرف أنها سوف تكون في صناديق محصَّنة، لكن يبدو أنها لن تصل إلى القاعة إلَّا في الليل.
أخذ طريقه عائدًا إلى الفندق، وهناك اطمأنَّ على وجود الشياطين. لم يمر الليل هادئًا بالنسبة ﻟ «أحمد»، فقد ظلَّ قلقًا، يتصوَّر ما يمكن أن يحدث غدًا، وتذكر تمارين الغاز في المقر السري. لكنه في النهاية، استغرق في النوم، حتى لا يتأخر. وفي السادسة صباحًا، كان يفتح عينَيه، ثم يبدأ حالة الاستعداد. في الثامنة، كان يغادر الفندق في طريقه إلى قاعة «كريستي». كان يبدو في صورة الثَّري الشاب؛ يلبس ملابس فاخرة، ويضع على عينيه نظارة شمس. أخذ طريقه إلى القاعة وسط إجراءات أمن كثيفة جدًّا. قال في نفسه: كيف يمكن أن تتم السرقة وسط هذه الإجراءات؟! لكنه ابتسم ابتسامة خفيفة، وهو يقول: إنها سرقة القرن العشرين! دخل القاعة التي كانت مزدحمة بالناس، ظلَّ يرقب الوجوه، ويبحث بعينَيه في هدوء عن الشياطين. عندما دقَّت الساعة العاشرة، بدأ المزاد. ظهر الصندوق الصغير الذي تحدث عنه رقم «صفر»، كان عملًا مذهلًا فعلًا. كانت بداية المزاد مليونًا، ثم ظلَّ يرتفع حتى وقفت عند خمسة ملايين. سمع أحدهم يقول: إن الأسعار مرتفعة جدًّا هذا اليوم.
وقال آخَر: إن اليابان تشتري الكنوز الإنسانية، وهي تعرف أنها سوف تكون قِبْلة العالم فيما بعد. توالت اللوحات، حتى ازدحم مكان العرض بها. فجأة، تردَّدَت ضحكة، ثم توالت الضحكات، حتى أصبحت القاعة كلها في حالة ضحك عنيف.
فكَّر «أحمد»: إذَن، لقد بدأت السرقة، لقد أطلقوا غاز الضحك. نظر حوله، كان هناك عدد من الرجال ينظرون بقلق حولهم، ولم يكُن أي منهم يضحك، فَهِم «أحمد» أن هؤلاء هم أفراد العصابة. بحث بعينَيه عن الشياطين، الذين تظاهروا بالضحك، وإن أعطوا ﻟ «أحمد» إشارات تعني أنهم جاهزون. عندما اقترب أحد الرجال من الصندوق الثمين، كان «قيس» أسرع إليه، فتصدَّى له. نظر له الرجل لحظة، ثم فجأة، ضرب «قيس» ضربة قوية، إلا أن «قيس» كان مستعدًّا، فقد أفلت من اللكمة العنيفة، وردَّ عليه بلكمة لم يكُن الرجل على استعداد لها. فتراجع في قوة، واصطدم بعدد من الرجال الذين كانوا غارقين في الضحك. كانت القاعة تبدو كمهرجان للضحك. في نفس الوقت، كانت هناك معارك جانبية يخوضها الشياطين مع أفراد العصابة. كان «أحمد» قد أمسك بأحدهم، وضربه ضربة قوية، جعلته يدور حول نفسه، ثم يسقط تحت أقدام الآخَرين. فجأة، وسط مهرجان الضحك، ظهرت فرقة من الضباط، وتقدمت في اتجاه المعارك. فهم «أحمد» بسرعة، أن هؤلاء الضباط مزيفون، تقدم أحدهم من «مصباح»، وأمسك به. قال «أحمد» في نفسه: ما دام هذا الضابط لم يضحك، فإن ذلك يعني أنه مستعد للسرقة. انتشر الضباط بسرعة في اتجاه اللوحات، بينما كان آخرون يتعرضون للشياطين. فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم أخرج عددًا من كرات الغاز الصغيرة، وكانت تحمل غازًا مسيلًا للدموع. أسرع بإلقائها، وهو يقول في نفسه: إن هذا هو الحل الصحيح. فجأةً، بدأ الضباط يمسحون دموعهم، وتركوا اللوحات، التي اتجهوا إليها. كان الشياطين أيضًا قد تعرضوا للغاز، وبدأ جميع من في القاعة يتجهون إلى باب الخروج. إلا أن «أحمد» الذي كان قد استخدم نوعًا من المراهم حول عينَيه، يجعله لا يتأثَّر بالغاز. مرَّت ساعة كاملة، قبل أن تخلو القاعة. ثم فجأة، ظهر عدد من الضباط، وقفوا عند الباب. أخذ تأثير الغاز يخف، فقد عملت أجهزة التهوية بسرعة. فجأة، عاد الشياطين وظهروا بجوار الضباط. لمحهم «أحمد» وهم يتبادلون الأحاديث. وتقدم أحد الضباط يشد على يد «أحمد»، وهو يقول: لقد أنقذتم الكنز من السرقة.
ثم أضاف: لقد استعدت العصابة جيدًا، ومجموعة الضباط كانت مجموعة مزيفة. فحتى مواعيد الحراسة جاءتنا خطأ، ومن حسن الحظ أنكم كنتم على استعداد.
شدَّ «أحمد» على يد الضابط، وهو يقول: هل لي أن أرى البطاقة الخاصة بك؟
ابتسم الضابط، وهو يقدم له البطاقة، قائلًا: يجب أن تنضم إلى الشرطة السرية، فإنك تفهم جيدًا ما تعمل.
رفع «أحمد» البطاقة في الضوء، ثم ابتسم. وحيَّا الضابط التحية العسكرية، وأعاد له البطاقة، ثم اتجه إلى الشياطين الذين أخذوا طريقهم إلى باب الخروج.
قال «قيس»: إنهم لم يضحكوا طويلًا.
استقلوا سيارتهم، وانطلقوا. لقد انتهت مهمتهم. وبعد أيام أو حتى ساعات، قد تبدأ مهمة أخرى.