اللائحة الأولى
(١) سور المدينة٢
لهذا السور أهمية عظيمة؛ لأنه الوحيد من نوعه في الشرق الإسلامي. على أن في مدينتَي ديار بكر والقدس الشريف، سورَين أكمل من سور مدينة حلب، إلا أن سور القدس مبني في القرن الخامس عشر الميلادي (القرن العاشر للهجرة) أيام الدولة العثمانية، وليست له القيمة الأثرية والتاريخية التي لسور مدينة حلب من حيث فن الريازة العربية العسكرية، وأن بلاد دول الانتداب الفرنسي (يقصد المؤلِّف سوفاجه ﺑ «بلدان دول الانتداب» الجمهوريةَ السوريةَ، والجمهوريةَ اللبنانية؛ فإنهما كانتا في ذلك الحين دولتَين تحت الانتداب الفرنسي في الشرق) ليس فيها بلدة لها سور أفضل بناءً من سور مدينة حلب. على أن سور مدينة مصياف أبسط في بنائه، ولكنه أحدث عهدًا من سور مدينة حلب.
(١-١) حائط السور
إن الجزء الذي يستحق البقاء من حائط السور هو الجزء الذي يبدأ من باب الجنان إلى باب قنسرين، والجهة الغربية وجزء من الجهة الجنوبية.
- أولها: عهد بناء الأساس، وهو مكوَّن من حجارة ضخمة ارتفاعها خمسون سنتيمًا، ووجود بعض الأبراج المدورة يفيدنا أنه مبني قبل القرن الثالث عشر للميلاد. وقد يكون من بناء العهود القديمة.
- وثانيها: عهد الطبقة التي تلي الأساس، ويرجع هذا إلى القرن الثالث عشر، وهي طبقة متقنة البناء.
- وثالثها: عهد الطبقة العليا، ويرجع هذا إلى أيام المماليك، وفي بعض الجهات يرجع إلى عهد جد حديث.
ويلاحظ أن الحجارة المكتوبة التي تؤرخ تلك العهود لا وجودَ لها أصلًا، هو في حالة جد سيئة، ولكن بعض الأبراج الفخمة ما يزال موجودًا وإن كان في الأغلب مبنيًّا بناءً حديثًا يرجع إلى القرن الخامس عشر، وحالته حسنة.
وإن أعمال الترميم — فيما يظهر لي — ليست بضرورية الآن، ولكن ينبغي إخلاء الأبراج. وهناك عمل بسيط يجب الشروع فيه؛ وهو أن في نهاية الجهة الغربية من السور شارعًا عريضًا تمر فيه حافلات الترام الكهربائية، فيكفي هدم المخازن، ومصانع الحجارين الواقعة بين الشارع والسور لإيجاد منطقة خالية من أي بناء، يبلغ عرضها حوالي ثلاثين مترًا.
- (أ)
يجب أن تبقى في مكانها بقايا الحائط الواقع على الأراضي الصخرية التي تقع في شمالي مقبرة الجبيلة.
- (ب)
يجب أن تبقى الكتابة الباقية في مكانها على السور في الحائط الشرقي لجامع ألطنبغا.
- (جـ) يجب أن تُحفظ الحجارة القديمة بالقدر الممكن من أماكن مصونة، ويمكن أن تُسد بها الثقوب الواقعة في السور أو تُرمم بها القلعة.٤
(١-٢) باب النصر٥
يجب صيانة ما تبقى من هذا الأثر الفخم بإزاحة الدكاكين التي تكاد تغطيه.
(١-٣) باب أنطاكية٦
(انظر مخططه في الوجه «١» من المقال الذي نشره سوفاجه عن سور مدينة حلب.)
بُني في سنة ١٢٤٥م/٦٣١ﻫ، وقد جُدد في مناسبات متعددة. وإن نجفته متكسرة يجب إصلاحها، كما يجب هدم الدكاكين التي تشوِّهه، وقد أقيم أمامه مركز كهربائي منذ عهد قريب.
(١-٤) باب قِنَّسرين٧
(له مخطط، وعنه بحث للأب رباط في «مجلة العاديات» بحلب، عنوانه «أبواب حلب»، حزيران سنة ١٩٣١.)
يرجع عهده إلى ما قبل القرن الثالث عشر الميلادي، على الرغم من الكتابة التي على الباب الخارجي. إن نجفة الباب الخارجي مفكَّكة.
(١-٥) باب الفرج٨
لم يَبْقَ منه إلا برج جُدِّد بناؤه أيام قايتباي في النصف الثاني من القرن الخامس عشر للميلاد.
(١-٦) باب المقام⋆٩
وهو الباب الوحيد في حلب، الذي له دهليز إلى يمينه، وتجب صيانته تمامًا.
(١-٧) باب الحديد⋆١١
ويُسمى قديمًا باب القناة.
(له مخطَّط وبحث نشرهما سوفاجه في مقاله عن «أسوار حلب».)
بناه قانصُوه الغوري سنة ٩١٥ﻫ/١٥٠٠م، وحالته العمرانية جيدة جدًّا.
(١-٨) باب الجنان⋆١٢
لم يَبْقَ منه إلا برج واحد، جُدِّد بناؤه في سنة ٩٢٠ﻫ/١٥١٤م. تجب صيانته مع الواجهة الغربية للسور.
(١-٩) القلعة⋆
على أن بعض أبراج الجهتين، الغربية والشمالية، يرجع إلى منتصف القرن الثاني عشر للميلاد، ويمكن أن يقال بوجه تقريبي إن القلعة بشكلها الحالي ترجع إلى عهد السلطان الملك الظاهر غازي، أي بعد سنة ١٢٠٩م/٦٠٥ﻫ.
كما أن قسمًا كبيرًا منها يرجع إلى القرن الرابع عشر، والقرن الخامس عشر، والقرن السادس عشر للميلاد.
- (١)
يجب تحديد حرم للقلعة مرتفع في منطقة قدرها خمسون مترًا، يُحسب معها الطرف الخارجي للخندق.
- (٢)
يجب إزالة كل بناء محدث على الساحة الممتدة جنوبي القلعة؛ حيث كان سوق الخيل قديمًا، وكان ينبغي ألَّا تُبنى السراي الحكومية حيث بُنِيت.
ولما كانت القلعة لم تَعُد مقرًّا للأجناد، وجب أن يُجعل سقف ثكناتها على مستوى إفريز السور ذي الشرفات.
إن جهودًا عظيمة ونفقات باهظة يجب أن تُبذل لصيانة هذا الأثر العظيم وحفظه على شكله الحالي.
وقد رُمم المدخل، والأماكن التي جرت فيها الحفريات قد حُصِّنت بالحديد، ولكن السور متهدم، ويزداد تهدُّمه يومًا بعد يوم، فيجب أن يفحصه مهندس معماري، ثم يُرمَّم قطعةً قطعة بحسب إمكانية الأعمال.
(١-١٠) الجامع الكبير⋆
أما بناؤه الحالي فلا يصعد إلا إلى عهد المماليك باستثناء المنارة المشيدة سنة ١٠٩٠م/٤٨٢ﻫ، وأنها عمل رئيسي في الريازة السورية الإسلامية.
وأما منبره الخشبي المكفَّت فإنه يرجع إلى القرن الرابع عشر للميلاد، وفيه خشبيات أخرى قديمة هي المقصورة الشرقية، والشبكة التي تفصل بين القبلتين والباب إلى يمين المنبر.
والمسجد بحالة حسنة، وتجب العناية بالخشبيات القديمة، كما تجب صيانة الكتابة المنقوشة على الخشب فوق المدخل الشرقي.
(١-١١) مقام الصالحين⋆
المنطقة «١٢»، المحضر «١٢٨ / ٤».
(١-١٢) جامع القيقان⋆٢٢
من العسير جدًّا تحديد زمان بناء هذا المعبد الصغير المصنوع من الحجارة القديمة، وعليه كتابات حثية وعبرية، وفيه أعمدة عتيقة جدًّا.
ويغلب على ظني أنه يرجع إلى القرن الثاني عشر للميلاد على الأقل.
(١-١٣) قبور قديمة٢٤
-
(أ)
قبر في مقبرة الصالحين، على بضعة أمتار من جنوبي مقام الصالحين (رقم ١١)، وعلى هذا القبر كتابة لا يُعرف اسم صاحبها، وهي غير مؤرخة، ولكنها ترجع إلى حوالي سنة ١١٢٥م/٥٢٠ﻫ، والكتابة بقلم كوفي مزهر.
وقد هدم هذا القبر في الفترة الأخيرة جماعةٌ من اللصوص، ولكن دار الآثار أعادته إلى حالته الأولى.
يجب وضع تصوينة حديدية له.٢٥ -
(ب)
إلى الشمال الشرقي من القبر السابق، وفي جنوب شرقي مقام الصالحين توجد عدة قبور قديمة تبلغ حوالي العشرين قبرًا، يرجع عهدها إلى آخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر للميلاد.
وإن تنوع طراز هذه القبور وكتاباتها الأثرية قيمة جليلة، فتجب صيانتها، وهذه القبور مطمورة إلى نصفها، فيحسن أن تُجعل لها تصوينة حديدية إلى أن تُرمم وتُزال عنها الأتربة، وتُعاد شواهدها إلى أماكنها، ويُزال عن الشواهد ذلك الحك والكشط الذي نجده كثيرًا في سورية.
(١-١٤) الشيخ محسن⋆
المنطقة «٤» المحضر «٢٤٨٥ / ١٠» طريق الأنصاري.
أما بناؤه الحالي فلا يعدو القرن الثالث عشر للميلاد، ولكن ما تزال فيه كتابة كوفية تشهده بتجديده.
له باب عظيم بمتدليات، وقباب وعقود ذات طابع فني خاص وتبليط جميل أمام المدخل، والقبر من الخشب المحفور الذي يرجع إلى القرن الثالث عشر للميلاد، وفيه أعمدة قديمة منقولة من مكان آخر.
لا يحتاج الآن إلى ترميم، ولكن تجب العناية به.
عليه كتابات تتضمن ذكر الأئمة الاثني عشر عند الشيعة، وهي محفورة على الحجارة التي تعلو القبر من الجهة الشمالية، يجب حمايتها وحفظها كما تجب صيانة البناء نفسه.
(١-١٥) المدرسة الحلوية (الحلاوية)⋆٢٨
تحت إيوانها محراب خشبي رائع في حفره ونقوشه مؤرخ سنة ١٢٤٥م/٦٤٣ﻫ، وفوق الباب الأعظم بقايا كتابة ترجع إلى عهده الإسلامي الأول.
(١-١٦) جامع النوتة⋆٣٠
المنطقة «٧»، المحضر «١١٨٥ / ٦» في محلة العقبة.
إن الزاوية الجنوبية الغربية من الجبهة متوهنة، ومن الضروري أن تنظم مساقط مياه المطر تنظيمًا متقنًا؛ لئلا يفسد بناء السطح وتتوهن النقوش.
أما المنارة الحديثة البناء، والتي تثقل كاهل العقد والقبلية فيجب هدمها، كما يجب هدم الحواجز التي أُقيمت من تحت القناطر.
(١-١٧) المارستان النوري⋆
المنطقة «٧»، المحضر «١٤٠٢ / ٦» في محلة الجلوم.
له مخطط صنعه سوفاجه في الوجه «٢» من كتابه.
إن الباب قد حافظ على مصراعيه الأصليين المزخرفين، المكونين من قطع خشبية، ولهما مظرافان حديديان من القرن الثاني عشر للميلاد.
أما داخل المستشفى فهو في حالة إهمال لا توصف؛ فالباب والجبهة يميلان بشكل عمودي نحو الطريق.
(١-١٨) المدرسة المقدَّمية⋆٣٤
(١-١٩) مطبخ العجمي
المنطقة «٧»، المحضران «٢٠٥٧ / ٣ و٢٠٣٥ / ٣» بمحلة سويقة علي، له مخطط في الوجه «٤».
هو بقايا قصر يرجع إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وقد رُمم في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديي. كان — بدون شك — ملكًا لأحد أمراء نور الدين، وهو القصر الوحيد من نوعه في الشرق الإسلامي.
له قبة تقوم على متدليات من الجص، وعقد يقوم على متدليات أيضًا، وإيوان له غلق مقطَّع، وإيوان آخر له غلق منقوش.
(١-٢٠) مشهد الحسين⋆٣٩
المنطقة «٤»، المحضر «٢٤٧٥ / ١٠» طريق الأنصاري، له مخطط في الوجه «٢» من كتاب سوفاجه، وعنه بحث نشره سوفاجه بعنوان «المشاهد الشيعية».
إنه بناء فخم لتنوع قبابه وعقوده؛ فيه قبة عظيمة لها متدليات، وقبة ذات كوى بعواميد صغيرة، ومحراب فخم له عمودان من المرمر.
(١-٢١) جامع الشيخ معروف⋆
ولبابه مصراعان بمطراقين حديديين قديمين.
(١-٢٢) الشيخ فارس⋆
هو مقر ضريح الصوفي أبي بكر المراغي ٦٠٢ﻫ/١٢٠٤م وإن قيمة هذا الأثر، القائم على صخور الجبل، هي في موقعه الجميل.
(١-٢٣) المدرسة السلطانية⋆
(١-٢٤) المدرسة الأتابكية (جامع الكلتاوية)⋆٤٩
المنطقة «١٠»، المحضر «٨٥١ / ٧» في محلة باب الحديد.
ويمكن أن يُحتفظ بالواجهة مع باب الحديد (الأثر رقم ٧) الذي يحاذيها، وفي حالة الضرورة يمكن هدمها وإعادة بنائها في مكان آخر.
(١-٢٥) التربة المسماة بالدرويشية⋆
المنطقة «٨»، المحضر «٢٧٢٧ / ١٠» في جنوبي الفردوس، لها مخطط في الوجه «٦» من كتاب سوفاجه.
هي تربة إحدى زوجات صلاح الدين أم ولده الأفضل علي ١٢٢٤م/٥٢١ﻫ، لها نمط عمراني منفرد بذاته في هذا القرن.
(١-٢٦) المدرسة الظاهرية البرانية
إن قسمًا كبيرًا من بلاط صحن المدرسة قد خرب بفعل سكانها، وقد لاحظت في زيارتي الأخيرة لها أن تخريبًا كثيرًا قد وقع بعد زيارتي لها في سنة ١٩٢٧م.
(١-٢٧) المدرسة الكاملية البرانية
هي مدرسة مجهولة يرجع عهدها إلى مطلع القرن الثالث عشر للميلاد.
لها باب بمتدليات، وإيوان فخم سقط قسم منه، وقبليته عامرة لها قبة بمتدليات متقنة ومحراب جميل.
(١-٢٨) جامع الدباغة العتيقة
المنطقة «٧»، المحضر «٢١٤٠ / ٣» في محلة الدباغة العتيقة.
(١-٢٩) الزاوية الكمالية
المنطقة «٧»، المحضر «١٤٩٨ / ٦» من محلة العقبة.
في حالة الضرورة يمكن نقل الباب.
(١-٣٠) الزاوية البزازية
المنطقة السابعة، المحضر «١٣١٠ / ٦» في محلة الجلوم.
يمكن نقل هذا الباب في حالة الضرورة.
(١-٣١) مدرسة الفردوس
إن الزاويتين — الشمالية الغربية، والشمالية الشرقية — اللتين اغتصبتا وجُعلتا دُورًا للسكن يجب إخلاؤهما وإصلاحهما. والإيوان الشمالي يجب إخلاؤه من الحيطان الصغيرة التي شُيدت فيه من الطين والحجارة الصغيرة فشوهت جماله، كما يجب تدعيم القبة.
إن الأعمال الترميمية فيها يجب أن تبدأ بهدم البيوت الملصقة بالجبهتين الشرقية والغربية. أما الرواق الغربي للصحن الذي سقطت عليه الأعمدة وتيجانها فتمكن إعادة بنائه بكلفة قليلة.
(١-٣٢) خانقاه الفرافرة⋆
(١-٣٣) المدرسة الشرفية٦٦
(١-٣٤) جامع الكريمية⋆٦٨
المنطقة «٨»، المحضر «٨١٤ / ٥»، محلة: باب قنسرين.
أهم ما بقي من آثار بنائه القديم هو الباب الغربي المبني سنة ١٢٥٦ / ٦٥٤ﻫ بعقده ذي المتدليات.
وما في البناء اليوم كله حديث.
تجب صيانة الباب، ويمكن نقله في حالة الضرورة إلى مكان آخر.
(١-٣٥) قبور قديمة
في مقبرة المقامات، إلى شرقي المدرسة الكاملية (الأثر رقم ٢٧) توجد ثلاثة قبور ترجع إلى القرن الثالث عشر للميلاد، وهي مزخرفة بكتابات وشعارات لها قيمة خاصة.
(١-٣٦) جامع الطنبغا⋆
المنطقة «١١»، المحضر «٢٦٠٥ / ٥»، محلة: الطنبغا، له مخطط في الوجه «٨».
(١-٣٧) مارستان أرغون⋆
المنطقة «٨»، المحضر «٧٩٩ / ٥» في محلة باب قنسرين، له مخطط في الوجه «٨».
كما يجب إعادة حلقتي الباب، الذي توهن، والذي بقي فيه بعض غطائه البرونزي، ويجب تنظيفه وإصلاحه بشكل تسهل معه إعادة الأجزاء المفقودة منه.
(١-٣٨) مراحيض عامة⋆
المنطقة «٧»، المحضر «٢٣٩٦ / ٢» بسوق المناديل، لها مخطط في الوجه «٨».
وهو أحد بناءين اثنين من نوعه في سورية.
(١-٣٩) جامع الفستق⋆
المنطقة «٧»، المحضر «٥٢٤١ / ٢» بمحلة سويقة علي، له مخطط في الوجه «٨».
(١-٤٠) جامع المهمندار
المنطقة «٧»، المحضر «٣٦٤٤ / ١»، محلة: باب النصر، له مخطط في الوجه «٩».
(١-٤١) جامع الرومي⋆
المنطقة «٨»، المحضر «٨٨٤ / ٥»، محلة: ساحة بزه، له مخطط في الوجه «٩».
جبهته متوهنة، ونخشى أن يؤثر توهنها على سائر الأثر.
(١-٤٢) قسطل السكاكيني
وهو أجمل قساطل حلب، ويجب إزالة الألواح الخشبية من تحت قنطرته، والعمل على إزالة التشويه عن زخارفه ونقوشه.
(١-٤٣) المدرسة الطرنطائية
المنطقة «١١» المحضر «١٩٥٨ / ١»، محلة: محمد بك، لها مخطط في الوجه «٩».
أما القبلية فلها قباب عالية وإيوان ضخم متوجه إلى جهتين.
والطابق العلوي منها حالته حسنة.
(١-٤٤) حمَّام الجوهري⋆
المنطقة «٨»، المحضر «٦٩٤ / ٥» باب قنسرين، لها مخطط في الوجه «٩».
فخمة بإنشائها، فضلًا عن التفاصيل في بنائها المطبوع بطابع الحمَّامات الملوكية في سورية الشمالية، إلا أنها أكثرها بساطة.
لا نقترح القيام بأي إصلاح فيها الآن سوى كشف الكتابة القديمة والزخارف والباب، ويمكن أن تظل حمَّامًا على شريطة أن تظل حالة المجاري مراقبة بشدة.
(١-٤٥) جامع البياضة⋆
له جبهة جميلة بنقوشها. ومنارة رشيقة. وقسطل بقبو. في داخله المجدد قبران قديمان.
(١-٤٦) جامع الأُطروش
المنطقة «١١»، المحضر «١٢٥١ / ٦»، محلة: الأعجام، له مخطط في الوجه «٩».
منارته رشيقة، وقبليته مجددة منذ عهد قريب. وقد أُعيد تدعيم مأذنته وقُوِّيت في سنة ١٩٥٣.
(١-٤٧) جامع الدرج⋆
(١-٤٨) حمَّام اللبابيدية
المنطقة «١»، المحضر «٢٣٠٠ / ٦» قبالة القلعة.
إن قبة قاعة المشلح منقوبة فيجب ترميمها، ولا يمكن أن تُرمم إلا بوضع طبقة من الجلد لئلا تنكسر القمريات الجصية كسورًا جديدة، ولكي لا يذهب الدهان الذي يزين القبة.
ويمكن أيضًا صيانة بقايا الكتابة المنقوشة في قاعة المشلح بوضح ألواح زجاجية عليه فإنها وثائق جد نادرة.
إن هذه الحمَّام لا تعمل اليوم كحمَّام، بل اتخذها اللبابيدية محلًّا للعمل فيحسن أن تُهيأ لاستقبال الزوار.
(١-٤٩) سبيل باب المقام⋆
(١-٥٠) تربة أغُلْبك١٠٠
المنطقة «٨»، المحضر «٢٦٣٠ / ٣» في محلة الفردوس.
هي تربة صغيرة مربعة، تعلوها قبة لها جبهة جميلة مزخرفة ولها شبابيك حجرية مخرمة، يجب إخلاؤها من السكان، وتنظيفها من الأتربة المكومة فيها.
(١-٥١) تربة الشيخ شهاب الدين أحمد١٠١
المنطقة «٨»، المحضر «٥٤ / ٢٦ / ٣» في محلة الفردوس.
هي تربة صغيرة تعلوها قبة، ويتصل بها إيوان ١٤٠٤م / ٧٨٣ﻫ لها شبابيك حجرية رائعة.
(١-٥٢) تربة مجهولة
المنطقة «٨»، المحضر «٢٦٥٥ / ٣»، محلة: الفردوس.
هي تربة مجهولة بُنيت على شكل مسجد، لها شعارات، وفيها عدة قبور قديمة حالتها العامة جيدة.
(١-٥٣) المدرسة السفَّاحية⋆١٠٣
المنطقة «٨»، المحضر «٨٧٤ / ٥»، محلة: ساحة بزه.
بناها في سنة ١٤٦٤م / ٨٢٨ﻫ القاضي ابن السفاح.
لها جبهتان جميلتان، وباب بمتدليات ومنارة رشيقة.
(١-٥٤) قسطل الحرامي١٠٥
المنطقة «٦»، المحضر «١٠٢٢ / ١»، محلة: قسطل الحرامي.
هو قسطل جميل له نقوش بديعة محفورة وأعمدة في الزوايا وشعار يمكن نقله من مكانه.
(١-٥٥) قسطل ساحة بزِه⋆١٠٨
المنطقة «٨»، المحضر «١٥١٨ / ٢»، محلة: ساحة بزه.
قسطل جميل من القرن الخامس عشر.
مزين بعمودين صغيرين يشكلان إطارًا مضفورًا.
عليه كتابة «مدهونة حديثًا» وشعاران. ويمكن نقله من مكانه.
(١-٥٦) جبهة منزل
المنطقة «٨»، المحضر «٧٩٥ / ٥» باب قنسرين.
هي جبهة خارجية لمنزل من القرن الخامس عشر للميلاد.
لها باب بقوس منكسر، يعلوه شباك خارجي ذو زخارف جميلة.
إن هذه القطعة الرائعة من الريازة العربية على بساطتها تعطينا صورة جميلة عن أقدم وثيقة معمارية في الشهباء.
(١-٥٧) خان القصَّابية⋆١١٠
المنطقة «٧»، «المحاضر ٣٠٥٨ / ٢، ٣٠٦٠ / ٢» من محلة جب أسد الله، له مخطط في الوجه «١٠».
بناه الأمير أبرك في سنة ١٥١٠م / ٩١٦ﻫ.
له جبهة جميلة على بساطتها، وساحته ومسجده وأروقته كلها قد شُوهت بأبنية حديثة، ولكن يمكن إرجاعها إلى حالتها الأولى.
وله ساحة خلفية في حالة حسنة، وهي جديرة بالعناية.
يجب حالًا إزالة الرفاريف من على الواجهة فإنها تشوهها، كما أن الزخارف المشبكة التي تعلو الدكانين من جانبي الباب قد غُطيت مؤخرًا بستائر فيجب إزالتها كذلك.
(١-٥٨) قسطل علي بك⋆١١١
المنطقة «١١»، المحضر «٢٠٠٠ / ١»، محلة: محمد بك.
بناه الأمير علي بك سنة ١٥٠٩م / ٩١٦ﻫ.
وهو نمط كامل للقساطل الحلبية في عهد المماليك، حسن الصيانة ويمكن نقله.
(١-٥٩) خان خاير بك⋆١١٢
المنطقة «٧»، المحضر «٣٤٥٨ / ٢» سويقة علي، له مخطط في الوجه «١٠».
(١-٦٠) خان أوجان⋆
(١-٦١) تربة خاير بك⋆
المنطقة «٨»، المحضر «٢٣٢٥ / ٣» مقابل باب المقام.
(١-٦٢) خان الصابون
المنطقة «٧»، المحضر «٢٣٨٧ / ٢» بسوق المناديل، له مخطط في الوجه «٨».
له جبهة رائعة مزخرفة بإطارات هندسية، وألواح مشبكة، وشعارات. في صحنه شعارات أيضًا وغرف للتجار.
يمكن إعادته إلى شكله الأول بسهولة، وذلك بإزالة الأبنية المحدثة.
(١-٦٣) جامع العادلية (العدلية)١٢٣
المنطقة «٧»، المحضر «٣٢٢٥ / ٢» بساحة بزه، له مخطط في الوجه «١٠».
فيه بعض ألواح من القاشاني الجميل.
(١-٦٤) خان قورد بك١٢٦
المنطقة «٧»، المحضر «١٩٨٣ / ٢، ١٩٨٤ / ٣» بسويقة علي، له مخطط في الوجه «١١».
إن الصحن الإضافي، وقباب الإيوان في حالة سيئة، فيجب إزالة البناء الحديث الذي سُدت به بعض القناطر ليعود للصحن وضعه القديم، ويجب أيضًا أن يراقب جيدًا؛ لئلا تُشاد فيه أبنية حديثة.
(١-٦٥) جامع البهرامية
المنطقة «٧»، المحضر «١٤٠٣ / ٦» بمحلة الجلوم، له مخطط في الوجه «١٢».
محرابه صورة صادقة لمحراب الفردوس.
(١-٦٦) جامع الخسروية
المنطقة «٨»، المحضر «٩٤٦ / ٥» قبالة القلعة، له مخطط في الوجه «١١».
(١-٦٧) جامع الطواشي⋆١٣٣
المنطقة «٨»، المحضر «١٤٩٤ / ١» بباب المقام، له مخطط في الوجه «١٢».
بناه الطواشي صفي الدين سنة ١٥٣٧م / ٩٤٤ﻫ.
وقد جُدِّد داخله بعدئذ، ولكن جبهته ما تزال رائعة. وكذلك منارته الرشيقة وباباه وشبابيكه الأربعة المنقوشة وأعمدته المضفورة.
(١-٦٨) بيت رجب باشا١٣٤
المنطقة «٧»، المحضر «١٦٢٧ / ٣»، محلة: البندرة، له مخطط في الوجه «١٢».
بقية بيت من القرن السادس عشر للميلاد.
جبهته جميلة مزخرفة بنقوش رائعة. أما الغرف الثلاث التي تقع وراء الجبهة فلا قيمة لها. يمكن نقل الجبهة.
(١-٦٩) بيت جانبلاط١٣٥
المنطقة «٧»، المحضر «١٧١١ / ٣»، محلة: البندرة.
أما بقية البيت فلا قيمة أثرية لها.
ويظهر أن صيانة القاشاني متعسرة إذا ما بقي البيت مسكونًا.
(١-٧٠) خان الدرج١٣٧
المنطقة «١٢»، المحضر «٦١٥ / ٢» باب المقام، له مخطط في الوجه «١٢».
هو بقايا بيت جميل من القرن السادس عشر.
له إيوان وقاعة بقبة، وفيه نقوش جميلة.
(١-٧١) خان الوزير
(١-٧٢) خان الكمرك١٤٠
المنطقة «٧»، محلة سويقة علي، له مخطط في الوجه «١٣».
بناه محمد باشا في القرن السابع عشر للميلاد.
وقد أُقيمت فيه أبنية كثيرة محدثة إلى درجة أنها لم يعد يمكن معها إعادته إلى حالته الأولى، ولم يبق من بنائه القديم إلا المدخل والجبهة والمسجد الصغير في صحنه، ويحسن العناية بها جميعًا.
(١-٧٣) المدرسة العثمانية⋆
المنطقة «٧»، المحضر «٣٧٨٤ / ١» بباب النصر، لها مخطط في الوجه «١٣».
(١-٧٤) بيت غزالة١٤٥
المنطقة «٦»، المحضر «٢٢٣٩ / ٩» بمحلة الصليبة في الجديدة، شارع قسطل أبشير، لها مخطط في الوجه «١٢».
هو بيت جميل من القرن السابع عشر للميلاد تحوَّل اليوم إلى مدرسة للأرمن في، صحنه نقوش بديعة محفورة على الحجر. وقاعاته مغطاة بخشبيات مدهونة، وقد نُقل أجمل هذه الخشبيات — إلى برلين — ووضع في متحف القيصر فريدريك.
(١-٧٥) الشيخ أبو بكر
أقترح لصيانة هذا الأثر أن تُصان كافة المحاضر المرقمة من ١٩١١ إلى ١٩١٤، ومن ١٩١٤ إلى ١٩٥٤، ١٩٥٧، ١٩٦٦، ١٩٦٩. كما تُصان الأراضي الخاصة بأملاك الدولة في هذه المنطقة.
وتجب العناية بالمجاري العامة في هذه المنطقة وبشجرات السرو القديمة التي تعطي هذه البقعة رونقًا فنيًّا.
(١-٧٦) حمَّام النحاسين
يجب العناية بها مثل العناية بالأثر ذي الرقم ٤٤.
(١-٧٧) الأسواق
المنطقة «٧»، القسم الثاني.
- (أ) الوحدة الأولى هي الأسواق التي تشكل خطين متوازيين مع الحائط الجنوبي للجامع الأموي الكبير، وهي:
- سوق الحبال: من محضر ٢٩٦٢ إلى ٢٩٣٨، ومن ٢٨٤٩ إلى ٢٨٧١.
- سوق الصرماياتية: من محضر ٢٩٨٤ إلى ٣٠٠٠، ومن ٢٧٥٣ إلى ٢٧٧٥.
- سوق العتقية: من محضر ٢٨٧٢ إلى ٢٨٩٥، ومن ٢٨٩٨ إلى ٢٩٢١.
- سوق الباطية: من محضر ٢٧٧٦ إلى ٢٨٠٠ و٢٧٥١ و٢٧٥٢، ومن محضر ٢٨٠١ إلى ٢٨٢٩.
ويمكن أن يُضاف إلى هذه الوحدة.
سوق الذراع؛ من محضر ٢٦٥٦ إلى ٦٦٨٩ ومن محضر ٢٦٩١ إلى ٢٧٢٢.
الذي يرجع إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، ويظهر لي أنه حسن الصيانة ولذلك لم أضعه في صلب هذه الوحدة.١٥١ - (ب)
الوحدة الثانية هي السوق المحاذي لجبهة خان الكمرك، فإن الناحية الجنوبية منه لما كانت مشغولة بدكاكين مستخرجة من الخان (الأثر رقم ٧٢)، أمكن أن نضعها مع «رقم ٣٠٩٨ و٣٠٩٨». انظر المخطط في الوجه ١٣.
إن هذا السوق، المبني دفعة واحدة — وهو بلا شك مبني في زمن واحد مع خان الكمرك — يحتوي على مدخل أثري، وسبيل بإطار مزخرف، وعدة قباب جميلة، وقيسارية بحالة جيدة (المحضر ٣٠٩٧)؛ فعندنا إذن مجموعة مكونة من «سوق + خان + القيسارية»، وهذه المجموعة هي وثيقة عمرانية مهمة لدراسة تاريخ الريازة العمرانية وتنظيم الأعمال الاقتصادية في الشرق الإسلامي.⋆١٥٢أقترح تنظيف هذه القيسارية (المحضر ٣٠٩٧ العلوي)، فهي اليوم مهملة ومستعملة مستودعات للأقذار من قبل التجار المجاورين.
هوامش
أقول: الملك الظاهر غازي هو ابن الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب، وُلِد بالقاهرة عام ٥٦٨، وملَّكه أبوه حلب عام ٥٨٢ ومات بها عام ٦١٣، ودُفن بالقلعة. راجع ابن الأثير في حوادث سنة ٦١٣، وإعلام النبلاء (٢: ٢١٧).
ويقول الأستاذ الطباخ في إعلام النبلاء (٢: ٢١٦) في حوادث سنة ٦١٠ نقلًا عن الزبد والضرب: «وفي سنة عشر وستمائة أتم الملك الظاهر بناء باب اليهود بحلب، وكان قد شرع في هدمه وحفر خندقه وتوسعته وبناه بناء حسنًا، وغيَّره عن صورته التي كان عليها، وبنى عليه برجين عظيمين وسماه: باب النصر.» قلت: وقد ذكر ابن شداد أنه كان يُعرف قديمًا بباب اليهود؛ لأن اليهود تجاوره بدُورهم، ومنه يخرجون إلى مقابرهم.
مكتوب على جدار باشورته بقلم عريض: «بسملة أمر بعمارة هذا الباب والأسوار بعد خرابها ودثورها ومحو رسومها، مولانا السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، سيد سلاطين العرب والعجم، سلطان البرَّيْن وخاقان البحرين، وخادم الحرمين الشريفين، سلطان الإسلام والمسلمين، ناظر الغزاة والمجاهدين، العالِم العادل الملك المؤيد المنصور، خلد ملكه في كفالة المقر الأشرفي السيفي …» قلت: فالمفهوم من هذه الكتابة أن عمارة هذا الباب كانت في أيام الملك المؤيد شيخ، لكن داخل الباب ليس من آثاره لعدم وجود الشبه بين البناءين الداخلي والخارجي.»
وقال الغزي في تاريخه (٢: ١٧): «الباب الأول من جهة الجنوب هو باب قنسرين، وهو أعظم الأبواب، ومحله قديم قبل الإسلام يتألف من أربعة أبواب: باب يلي المدينة، وباب يلي البرية، وبابان بينهما، وهو لصيق قلعة الشريف، ولم يظهر لي من آثار أي ملك هو، وقرأت على أحد جدران باشورته الموجه جنوبًا سطرًا صورته: «بسملة فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا … إلخ الآية.» وفي وسط هذا السطر دائرة كُتِب فيها: «أبو النصر مولانا السلطان الملك المؤيد.» قلت: وهذا الجدار لا تشابه عمارته الباب المذكور؛ فلذا لم أجزم بأن الباب من آثار الملك المؤيد شيخ، وكان مكتوبًا على جدار الباشورة شرقًا قبالة الباب الخارجي ما صورته: «أمر بعمارته مولانا السلطان الملك المؤيد شيخ في شهور سنة ٨١٨.» وقد هُدم هذا الجدار سنة ١٣٠٣، ونُقِلت حجارته إلى الرباط العسكري المعروف بالشيخ براق، ومكتوب على جدار الباشورة الموجه غربًا، لكن أول الكتابة من قفاه الموجه جنوبًا: «أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه، عز نصره ودام اقتداره بمحمد وآله، وذلك بتاريخ شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعمائة.» ثم يأخذ السور من هناك غربًا حتى يكون تجاه مقبرة الكليباتي فيكون فيه برج متشعث له شباك مكتوب فوق نجفته: «بسملة مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.» وليس بين هذا البرج وبين باب قنسرين سوى برج واحد متداعٍ للخراب ثم يمر السور من البرج المذكور حتى يكون تجاه أتانين الكلس في محلة الكلاسة التي كانت تُعرف بالحاضر السليماني، فينعطف شمالًا ويمشي قدر غلوة فيكون فيه ثلمة تُعرف بالخراق، أظن أن في محلها أو فيما قاربه كان باب السعادة.»
وقنسرين هذه Khalcis هي عاصمة الأقطار الحلبية، وقد كانت قبل الفتح الإسلامي تضارع أنطاكية عظمةً واتساعًا وفخامة بناء، وقد ظلت كذلك بعد الفتح الإسلامي، وفيها كان مقر الجند الإسلامي وهو جند قنسرين. يقول ياقوت في «معجم البلدان»: «قنسرين … كان فتحها على يد أبي عبيدة بن الجراح — رضي الله عنه — في سنة ١٧، وكانت حمص وقنسرين شيئًا واحدًا … أتى قنسرين وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فقاتله أهل مدينة قنسرين ثم لجئوا إلى حصنهم وطلبوا الصلح، فصالحهم، وغلب المسلمون على أرضها وقراها … وهي كورة بالشام منها حلب … بينهما مرحلة من جهة حمص بقرب العواصم، وبعضهم يدخل قنسرين في العواصم، وما زالت آهلة إلى أن كانت سنة ٥١م، وغلبت الروم على حلب وقتلت جميع مَن كان بربضها، فخاف أهل قنسرين وتفرقوا في البلاد، فطايفة عبرت الفرات، وطايفة نقلها سيف الدولة إلى حلب … فليس بها اليوم إلا ما كان ينزله القوافل وعشار السلطان وفريضة صغيرة. قال بعضهم: كان خراب قنسرين في سنة ٣٥٥ قبل موت سيف الدولة بأشهر، كان قد خرج إليها ملك الروم وعجز سيف الدولة عن لقائه، فأمال عنه، فجاء إلى قنسرين وخربها وأحرق مساجدها ولم تعمر بعد ذلك. وحاضر قنسرين بلدة باقية إلى الآن.»
وقال في «الحاضر»: «حاضر قنسرين: قال أحمد بن يحيى بن جابر: كان حاضر قنسرين لتنوخ منذ أول ما أناخوا بالشام ونزلوا وهم في خيمة الشعر، ثم ابتنوا به المنازل، ولما فتح أبو عبيدة قنسرين دعا أهل حاضرها إلى الإسلام فأسلم بعضهم …»
وقد زار قنسرين الرحالة ابن جبير الأندلسي في سنة ٥٨٠ﻫ، فقال: «وهذه البلدة المشهورة في الزمان، لكنها خربت وعادت كأن لم تغن بالأمس، فلم يبق إلا آثارها الدارسة ورسومها الطامسة، ولكن قراها عامرة منتظمة؛ لأنها على محرث عظيم مد البصر عرضًا وطولًا، وتشبهها من البلاد الأندلسية «جيَّان»؛ ولذلك نذكر أن أهل قنسرين عند استفتاح الأندلس نزلوا جيان …»
وقنسرين اليوم خربة تمامًا تقع خرائبها إلى جنوبي حلب عند منتهى مصب نهر قويق في سهل الجبول، وليس ثمة أثر لمدينة أو بناء، إنما هي تلال عالية من التراب، هي في ظننا أطلال تلك المدينة العظيمة قد طمرتها الأتربة. وإلى جانب التل الكبير قرية حقيرة فقيرة على نمط القرى الجبلية ذات القباب الترابية تُسمى قرية «العيس»، وقد زرتها وأرجو أن يتاح لدائرة الآثار أن تقوم بالحفر في هذه المنطقة؛ لتكشف عن كثير من آثار هذه المدينة العريقة الغريقة في الرمال.
وباب قنسرين هذا من أجمل الأبواب وأروعها، ويُعَد من خير ما خلفته لنا البراعة في فنون التحصين العسكري الإسلامي.
وقد ظهرت في سنة ١٩٥٥ على الحائط الغربي صور ثلاثة رنوك مستديرة «تحمل شعار قايتباي». وقد اشترطت مصلحة الآثار على أصحاب البناء المجدَّد هناك أن يحافظوا على الحائط وما ظهر عليه من الرنوك.
ويقول في (٢: ٢٢): «باب المقام مكتوب في دائرةٍ بجانبه: «عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر برسباي عز نصره.» وكان ابتداء عمارة هذا الباب في أيام برسباي المذكور، وكملت عمارته في أيام الملك الأشرف أبي النصر قايتباي، ومكتوب على سور هذا الباب الموجه جنوبًا: «أمر بتجديد هذا السور المبارك، السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي، عز نصره، سنة ٨٧٠.» ومكتوب في دائرة بجانبه: «عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قايتباي، عز نصره.» وهذا الباب وأسواره متوهنة جدًّا ويمشي السور منه حتى يتصل بقلعة الشريف من شرقيها.»
قلت: يقول الهروي في كتاب «الإشارات» المطبوع بدمشق سنة ١٩٥٣، ص٤: «وبها عند باب الجنان (لصيق السور) مشهد علي بن أبي طالب — رضي الله عنه — رؤي في المنام.»
وهي في هذا الوقت عامرة مصانة قد رُممت أسوارها، وأُصلحت أبراجها، ويُراد إعادة بناء مسجدها الكبير وسقف قاعتها العظمى لتُتخذ متحفًا شعبيًّا.
أما المسجد الكبير، وهو القريب من منارتها، فقد شيَّده الملك الظاهر غازي ابن السلطان صلاح الدين يوسف، وقد كُتِب على بابه: «أمر بعمله مولانا السلطان الملك الظاهر، العالم العادل المجاهد المؤيد المظفر المنصور غياث الدنيا والدين، أبو المظفر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، خلَّد الله ملكه، سنة عشر وستمائة.»
«كتاباتها»: كُتِب على بابها الأول المصفح بصفائح الحديد الجميل: «أمر بعمارته مولانا الملك الظاهر غازي بن يوسف، سنة ثمان وستمائة.» ومثل ذلك كُتب على الباب الرابع، إلا أن تاريخ الكتابة على هذا الباب هو سنة ست وستمائة، وحروف الكتابة من الحديد ولها مسامير أُدخِلت في حفر الخشب وطُرقت من الطرف الثاني.
وكُتِب على الباب الثاني: «أمر بعمارتها بعد دثورها السلطان الأعظم الملك الأشرف صلاح (٢) الدنيا والدين خليل محيي الدولة الشريفة العباسية ناصر الملة المحمدية عز نصره.»
وتحت هذه الكتابة حجر كبير، هو قنطرة الباب، وقد كُتِب عليه: «جُددت بعد إهمال عمارتها وإشرافها على الدثور في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق (٢) … وشرف بوجوده وأدام دولته … العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن يوسف أرسلان، نائب السلطنة بها، في شهور سنة ست وثمانين وسبعمائة.» وكُتب على ظاهر البرج العظيم الذي يحمل القاعة العظمى بقلم كبير: «أمر بعمارتها بعد دثورها مولانا السلطان الأعظم الملك الأشرف العالم العادل الغازي … المنصور (٢) صلاح الدنيا والدين، ناصر الإسلام والمسلمين، عماد الدولة، ركن الملة، مجير الأمة، ظهير الخلا (٣) فة، نصير الإمامة، سيد الملوك والسلاطين، سلطان ﺟﻴ (٤) ﻮش الموحدين، ناصر الحق بالبراهين، محيي العدل في العالمين، قاهر الخوارج والمتمردين، (٥) قاتل الطغاة والمارقين، قامع عَبَدة الصلبان، إسكندر الزمان، فاتح الأمصار، هازم جيوش الفرنج والأرمن والتتار، هادم عكا والبلاد الساحلية، محيي الدولة الشريفة العباسية، ناصر الملة المحمدية والدين؛ مولانا السلطان الملك المنصور قلاوون، أعز الله أنصاره، وذلك سنة إحدى وسبعمائة.»
وكُتب على صدر مطلع القلعة فوق الكتابة السابقة الآية: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وتحت ذلك: «بالإشارة العالية المولوية الأميرية الكبيرية الشمسية قراسنقر الجوكندار المنصوري الأشرفي كافل المملكة الحلبية، أعز الله أنصاره.»
وعند الباب مصطبة مرتفعة فيها مقام الخضر، ومصطبة فيها محراب وتربة يقال إنها تربة ضيفة خاتون بنت الملك العادل.
وكُتِب على نجفة الباب الرابع: «بسملة (٢) أمر بعمله مولانا السلطان الظاهر العالم (٣) العادل المجاهد المرابط المؤيد المظفر المنصور عماد الدنيا، (٤) ملك الإسلام والمسلمين، سيد الملوك والسلاطين، قامع الكَفَرة والمشركين، (٥) قاهر الخوارج والمشركين؛ أبو المظفر الغازي ابن الملك الناصر صلاح الدين (٦) يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين، أعز الله أنصاره … الملك الظاهري، (٧) وذلك في سنة ست وستمائة.»
ومكتوب على باب الدار العظيمة التي بناها فيها الملك العزيز سنة ٦٢٨، وقد درست ولم يَبْقَ منها إلا الباب وعليه: «بسملة (٢) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٣) ساق الماء إلى هذه القلعة المباركة في أيام مولانا … (٤) السلطان الملك الأشرف ناصر الدنيا والدين شعبان أعز الله (٥) أنصاره، بالإشارة العالية المولوية المالكية المخدومية السيفية منكلي بغا (٦) … كافل الممالك الشريفة الحلبية، أعز الله نصره بولاية العبد (٧) الفقير إلى الله محمد … الأشرفي أعزه الله، في شهر المحرم سنة سبع وستين وسبعمائة.» وإلى جانب ذلك جنوبًا باب دار الزردخاناه، وعليه حجر مكتوب كتابة قد انطمست حروف أكثر كلماتها لا يمكن قراءة شيء منه سوى «الزردخاناه» و«سنة عشر وستمائة».
وعلى قنطرة القاعة العظمى: «بسملة، وبه نستعين، أمر بإنشاء هذا القصر المبارك مولانا السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، المالك الملك قايتباي حامي الذمار، أعلى ملوك الأرض، علا شرفًا بخدمة الحرمين الشريفين، سلطان الإسلام والمسلمين، قامع الكَفَرة والمشركين، عز نصره، بتاريخ شهر ربيع الآخر سنة ثمانٍ وثمانمائة.»
وفوق شباك هذه القنطرة شعار قايتباي هكذا: وعلى قنطرة القاعة الوسطى: «جدَّد هذه القبة عند تلاف بنفقة مولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري (٢) في أيام المقر الأشرف نائب القلعة وكيل المقام الشريف، أعز الله أنصاره بتاريخ …»
وتحت الشباك الكبير من خارج القاعة العظمى حجر كبير كُتِب عليه: «أمر بعمارة هذا القصر المبارك بعد دثوره، مولانا السلطان الملك الأشرف قايتباي عز نصره … بتاريخ سبعين وثمانمائة.»
وعلى باب المسجد الذي يتوسط القلعة كُتب: «أمر بعمارته الملك الصالح نور الدين أبو الفتح (٢) إسماعيل بن محمود بن زنكي بن آقسنقر ناصر أمير المؤمنين (٣) بتولي العبد شاذبخت سنة خمس وسبعين وخمسمائة.»
وعلى يمين باب القلعة: «بسملة، أمر بإنشاء هذا (٢) المسجد المقام العادل نور الدين (٣) الفقير إلى رحمة الله أبو القاسم محمود بن زنكي بن أقسنقر، غفر الله له ولوالديه (٥) وأحسن ختامه، في سنة ثلاث (٤) وستين وخمسمائة.» وعن يسار باب القبلة حجر عليه: «وقف العبد الفقير إلى الله تعالى، شيخ الإسلام، محب (٢) الدين محمد بن الشحنة الحنفي، عامَلَه الله بلطفه، نصف فدان (٣) بقرية أورم الكبرا من جبل سمعان على فرش وتنوير ومصالح (٤) مقام الخليل بقلعة حلب، بتاريخ جماد الأول سنة أحد عشر وثمانمائة.»
وقد كان في هذا المسجد محراب خشبي بديع مثل محراب المدرسة الحلوية، إلا أنه قد سُرِق منه بعد الاحتلال الفرنسي.
وشمالي هذا المسجد مسجد آخر على بابه: «بسملة، أمر بعمله مولانا السلطان الملك الظاهر (٢) العالم العادل المجاهد المؤيد المظفر المنصور، غياث الدنيا والدين، أبو المظفر (٣) الغازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، خلَّد الله ملكه في ستة عشر وستمائة.»
وكُتب على قنطرة الباب: «أدام الله العز والبقاء، لمولانا الملك الظاهر (٢) أبي سعيد خشقدم عز نصره، برسم الأمير الكبير المخذومي (٣) تغري بردي الظاهري نائب القلعة عين عز نصره، بأن لا (٤) يسكن أحد في هذا الجامع ولا يُستعمَل لغير الصلاة، ومن يحدث خلافًا ويغير (٥) عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين إلى يوم الدين.»
وبلصق هذا المسجد منارة لها ٧٨ درجة، ومن تحتها البرج المطل على الجهة الشمالية، وقد كُتِب عليه بالكوفي: «أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره، سنة ٨٧٧.»
وبجانب المنارة تكة واسعة إلى شرقيها تقع الساتورة التي تبلغ درجاتها ٢٠٣، وكُتِب على البرج الجنوبي للقلعة: «أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري في أيام المقر السيفي سيباي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب عز نصره، سنة ٩١٤.» وكُتِب على البرج الشمالي: «جدد هذا السور مولانا الملك الأشرف قانصوه الغوري عز نصره، في أيام المقر الأشرفي الأمير السيفي عين مقدمي الألوف بالديار المصرية سيباي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب عز نصره، سنة ٩٣٥.»
وفي سنة ٥٦٤ أيام نور الدين زنكي أحرقته الإسماعيلية مع الأسواق التي حوله فاجتهد نور الدين بعمارته وقطع الأعمدة الصفر من بعادين، ونقل إليه عُمد سور قنسرين … ولم يكن المسجد على التربيع فأحب نور الدين أن يجعله مربعًا فاستفتى في ذلك الفقيه علاء الدين أبا الفتح عبد الرحمن بن محمود الغزنوي، فأفتاه بجوازه فنقض السوق — سوق البز — وأضافه إلى الجامع فاتسع به. وفي سنة ٦٧٩ أحرقه صاحب سيس، فلما كان قراسنقر نائب حلب عمَّره بتولي القاضي شمس الدين بن صقر الحلبي، وفرغ منه في رجب سنة ٦٨٤. ويُقال إن الحائط الشمالي من القبلية التي تلي الصحن كان إذ ذاك من بقايا عمارة نور الدين.
وفي سنة ٨٢٤ وقعت الغربية وكان سقفها جملونًا، فعزم الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب على عمارتها قبوًا، وشرع في ذلك ثم تُوفي فعُمرت من مال الجامع.
ولما ملك السلطان الملك الظاهر حلب أمر بتكليس الحائط القبلي، وكذا الغربي من صحن الجامع، وعمل له سقفًا، وكان المحراب الأصفر يُعرف بمحراب الحنابلة، والمحراب الكبير في يمين الحفرة ويسار المنبر مختصًّا بالشافعية، والمحراب الغربي الكائن في أواخر قبلية الحنفية مختصًّا بالحنفية، ومحراب الغربية مختصًّا بالمالكية.
ولا بأس من إيراد مقتطفات من وصف رحلة ابن جبير محمد بن أحمد الكناني الأندلسي الذي زار هذا المسجد في سنة ٥٨٠، فقال في وصفه: «وهذا الجامع من أحسن الجوامع وأجملها، قد أطاف بصحنه الواسع بلاط كبير متسع مفتح كله أبوابًا قصرية الحسن إلى الصحن، عددها ينيف عن الخمسين بابًا … وفي صحنه بئران معينان، والبلاط القبلي لا مقصورة فيه فجاء ظاهر الاتساع … وقد استفرعت الصنعة القرنصية جهدها في منبره، فما أرى في بلد من البلاد منبرًا على شكله وغرابة صنعته، واتصلت الصنعة الخشبية منه إلى المحراب فتجللت صفحاته كلها حسنًا على تلك الصفة الغربية وارتفع كالتاج العظيم على المحراب، وعلا حتى اتصل بسمك السقف وقد قوس أعلاه وشرف بالشرف الخشبية القرنصية، وهو مرصع كله بالعاج والأبنوس واتصال الترصيع من المنبر إلى المحراب مع ما يليهما من القبلة دون أن يتبين بينهما انفصال، فتجتلي العيون منه أبدع منظر يكون في الدنيا، وحسن هذا الجامع المكرم أكثر من أن يوصف.»
حالته الحاضرة: موقع الجامع في غربي القلعة وبينهما مسيرة نصف ميل تقريبًا على خط مستقيم، وهو عمارة عظيمة طولها من الغرب إلى الشرق مع ثخانة جدران الجهتين الخاصتين بها «١٣٠» ذراعًا، وعرضها كذلك من الجنوب إلى الشمال «١١١» ذراعًا و«١٢» قيراطًا … لها أربعة أبواب: (١) موجه قبلة ويعرف بباب النحاسين؛ لأنه كان يخرج منه إلى سوق النحاسين … (٢) موجه شرقًا ويُعرف بباب سوق الطيبية … (٣) متجه إلى الشمال ويُعرف بباب الجراكسية … مكتوب في أعلاه «إنشاء الملك المظفر في عصر السلطان مراد خان عز نصره» … (٤) موجه غربًا، ويعرف بالمساميرية؛ لأن في حضرته الحدادين الذين يصنعون المسامير، وتجاه هذا الباب باب المدرسة الحلاوية (الحلوية) … وقد اشتمل داخله على أربع جهات في كل منها عمارة.
«الجهة الأولى» جنوبية تتجه إلى الشمال … وتستوعب هذه الجهة قبلية الحنفية وقبلية الشافعية، بينهما ممر من الباب القبلي إلى صحن الجامع، سقفهما قبو عظيم محمول على ثمانين عضادة مصطفة من الغرب إلى الشرق أربعة صفوف، كل صف منها عشرون عضادة مربعة محيط كل واحدة «٥» أذرع و«٨» قراريط … وفي قبلية الحنفية محراب ومقصورة على بابها مكتوب «بسملة جددت هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر عماد الدنيا والدين محمد خلد الله ملكه.» وفي سنة ١٣٣٦ هُدمت هذه المقصورة وأُلحقت بأرض القبلية، ومكتوب في أعلى الجدار ما بين العضادة السابعة والثامنة «جددت هذه المقصورة المباركة في أيام المقر العالي المولوي الملكي الشمسي قراسنقر المنصوري كافل المملكة الحلبية عز نصره.» وفيما بين العضادة الثامنة والتاسعة حجرة سعتها من الداخل نحو ذراعين … في أعلى نجفتها مكتوب «جددت هذه المقصورة في أيام مولانا السلطان الملك الصالح عماد الدنيا والدين أبي الفداء يلبغا بن محمد بإشارة المقر الأشرف العالي المولوي السيفي يلبغا كافل المملكة الثانية الحلبية عز نصره سنة ٧٤٦.» ويليها المنبر، وهو من الخشب المصنع الجميل العديم النظير في مساجد حلب، قد اشتمل على رقاع مخمسة ومسدسة، ومحيطها بضعة قراريط بديعة صنعة التنجير قد نزل فيها قطع رقاق من العاج والصفر الذي يلمع كأنه الذهب، ومن جملة خشب هذا المنبر الآبنوس المشهور وارتفاعه عن أرض القبلية إلى كرسيه الذي هو بعد آخر درجة منه «٣» أذرع و«١٢» قيراطًا، ثم تكون قبته. وقد كُتب على تاج بابه «عمل في أيام مولانا السلطان الملك الناصر أبي الفتح محمد عز نصره.» وتحته «عمل العبد الفقير إلى الله محمد بن علي الموصلي.» وعلى مصراعيه «بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن عثمان الحداد.» وعلى صدر معبره «أمر بعمله المقر العالي الأمير الشمسي قراسنقر الجو كندار الملكي المنصوري عز نصره.» وقال في الروضتين نقلًا عن العماد الكاتب ما خلاصته: أنه كان بحلب نجار يُعرف بالأختريني من ضيعة تُعرف بأخترين، ولم يُلق له في براعته وصنعته قرين، فأمره نور الدين بعمل منبر لبيت المقدس، وقال له اجتهد أن تأتي به على النعت المهندم والنحت المهندس، فجمع الصناع وأحسن الإبداع وأتمه في سنين واستحق بحق إحسانه التحسين. واتفق أن جامع حلب في الأيام النورية احترق فاحتيج إلى منبر يُنصب فنُصب ذلك المنبر وحسن المنظر، وتولى حينئذ النجار على المحراب على الرقم وشابه المحراب المنبر في الرسم. ومَن رأى حلب شاهد منه على مثال المنبر القدسي الإحسان.»
ويقول الطباخ في إعلام النبلاء (٢: ١٦٥) بعد إيراد عبارة الروضتين … أما المنبر الذي هو الآن به فعُمل في أيام السلطان الملك الناصر محمد وصانعه محمد بن علي الموصلي بتولي محمد بن عثمان بن الحداد. وهذا المنبر غير المنبر الذي كنت سمعتُ عنه أن صانعه كان فلاحًا من قرية أخترين من قرى حلب، وأنه مات قبل تركيبه وعجز الناس عن تركيبه فرآه ولده في النوم، فقال له عجزتم عن تركيبه؟ قال نعم. فأراهم كيفية التركيب فأصبح ولده وركَّبه. وقد تقدم وصف ابن جبير للمنبر القديم، وهذا قد احترق حينما دخل صاحب سيس إلى الجامع وأحرق الجانب القبلي منه، وذلك في سنة ٦٨٤، وبقي إلى أن جُدد في أيام الملك الناصر محمد في أوائل القرن الثامن وهو الموجود الآن، وهو من خشب الأبنوس بديع الصنعة، قد تخلل أجزاءه قطع رقاق صغار من العاج على براعة صانعه ورقى الملك الصنعة في ذلك العهد، لكنه على مقتضى وصف ابن جبير لم يأتِ مثل المنبر القديم.»
ثم يلي المنبرَ المحرابُ الكبير الذي كان مختصًّا بالشافعية، ويُعرف الآن بالحنفية من الحجر الأصفر البعاديني، مكتوب عليه «أمر بعمارته بعد حريقه مولانا السلطان الأعظم الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون.» وعلى جانبه «بالإشارة العالية المولوية الأميرية الشمسية قراسنقر الجو كندار الملكي المنصوري كافل المملكة بحلب المحروسة أدامه الله وحرسه في رجب ٦٨٤.»
وتجاه المحرابِ السدَّةُ، وعليها «بالإشارة العالية العلائية الطنبغا كافل المملكة الحلبية أعز الله أنصاره بإشارة المقر العالي العلائي سيدي عبد الرزاق عز نصره.»
وبجانب المحرابِ الحضرةُ النبويةُ في حجرة مربعة تبلغ «٤» أذرع في مثلها، وسقفها قبة لها على سطح الجامع كوات بشبكات حديد، وفي قاعدة القبة شبكة كالسقف مفتوحة من النحاس بعيون مربعة، وجدران الحجرة الثلاثة الغربي والشرقي والجنوبي من أجمل أنواع الخزف والقاشاني، وباب هذه الحجرة قنطرة عالية حجارتها سود وصفر محمولة على عمودين عظيمين لها غلق يستوعبها من النحاس الأصفر المشبك، ذو مصراعين ومكتوب على زنار مشبكة الباب شِعر تركي للشاعر نابي المشهور ذكره في ديوانه، وآخر مصراع منه يبلغ بحساب الجمَّل سنة ١١٢٠، وهو تاريخ تجديد الحضرة، أما صندوق الجرن الشريف فهو في وسط الحجرة من الخشب على صفة ضريح عليه كسوة من المخمل المزركش، بعث بها السلطان عبد العزيز سنة ١٢٩١ﻫ، وفوق سنام الضريح عدة شالات ثمينة عجمية وهندية، وفي الحضرة مصحف شريف مكتوب على قفا أول صفحة منه «هذا المصحف الشريف بقلم المغيرة بن شعبة الصحابي — رضي الله عنه — بخط كوفي.» ومكتوب تحتها «بسملة الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين يقول كاتب هذه الأحرف حسين بن علي الشهير بابن البجاقجي الحلبي الحنفي بأنه وقف هذا المصحف الشريف بالجامع الكبير بحلب المحروسة ابتغاء لوجه الله تعالى وصلى الله على محمد وآله تحريرًا في أواخر صفر الخير سنة ١٠٦٤ﻫ.» على أن خط المصحف مغربي لا كوفي، ولا دليل فيه على أنه خط المغيرة بن شعبة. ويوجد في الحضرة عدة مصاحف بخطوط استانبولية معتبرة وغيرها مع نسخة من صحيح البخاري، وعشرة قناديل فضة كبار وقنديلان من الفضة وقنديل ذهب، وشمعدان فضة، وقمقم ومبخرة فضة، وغير ذلك من البلور والسجادات والبقج والشالات.
دفين هذه الحضرة: قال ابن شداد وابن الشحنة وابن الخطيب عن تاريخ العظيمي: إنه في سنة ٤٣٥ﻫ ظهر ببعلبك في حجر منقور رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام، فنقل إلى حمص ثم إلى حلب ودُفن بهذا المقام — يعني المقام الأعلى في القلعة — وجرن من الرخام الأبيض، ووضع في خزانة إلى جانب المحراب وأُغلقت … قال ابن الشحنة نقلًا عن ابن بطلان: ولما احترق المقام في حادثة التتر سنة ٦٥٩ عمد سيف الدولة أبو بكر بن إيلبغا الشحنة بالقلعة المذكورة … وشرف الدين أبو حامد بن النجيب إلى رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام فنقلاه من القلعة إلى المسجد. والأقوال في هذا الدفين مضطربة، فارجع إلى نهر الذهب (٢: ٣٤٦) إذا شئت. وفي سنة ١١١٩ﻫ تولى حلب الوالي التركي عبدي باشا، وقد جُددت في عهده تربة دفين هذا الجامع.
يقول الشيخ الطباخ في إعلام النبلاء (٦: ٤٥٩)، في ترجمة علي بن أسد الله بن عالي، العالم الفاضل (١٠٤٨–١١٣٠): وكان إذ ذاك متوليًا على جامع بني أمية، وفي أيام توليته أمر بمرمات الجامع المذكور ومرمات بعض حيطانه، فظهر من أحد الحيطان لما قشروا عنه الكلس رائحة تفوق المسك والعنبر، وإذا فيه صندوق من المرمر مطبق ملحوم بالرصاص مكتوب عليه «هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام.» فاتخذوا له هناك في ناحية القبلة قبرًا في مكان الآن وحُمل الصندوق إليه … سنة ١١٢٠ﻫ.
ويقول الشيخ الطباخ في إعلام النبلاء (٣: ٣٠٩): «قال قاضي حلب عبد الرحمن بن مصطفى البكري الذي تولى القضاء فيها هذه السنة (سنة ١١٢٠ﻫ) في آخر رسالة له، ذكر فيها نبذة من تاريخ حلب أغلبها مما يتعلق بالجامع الكبير: وفي زماننا هذا — وهو زمان السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان — أمر الوزير الأعظم علي باشا في زمان حكومة الفقير بتوسيع المرقد المقدس فشرعنا في تنفيذ أمره في اليوم الرابع من شعبان سنة عشرين ومائة وألف، وهُدم الحائط الشرقي (أي شرقي المنبر)، وهو محل المقام ووراء الصندوق الذي هو ستر جلالة من قديم الأيام؛ إذ ظهر هذا الجرن بين الحائط المرئي والحائط القديم، وهو من الرخام الأبيض، فلما أخذنا في حمله فاح منه رائحة طيبة … فحملناه بالتسليم ووضعناه في خزانة … إلى أن تم ذلك المقام. ولما كان يوم الجمعة قبل العصر حادي عشر ذلك الشهر اجتمعنا مع الوالي وقتئذ … ورفعنا الجرن المبارك … ووضعناه في جرن أكبر منه موضوع فوق بناء مؤسس مرتفع عن الأرض، ووضعنا فوقه من الرخام والتراب الذي كان معه من الأزمنة الماضية وغطيناه بالرخام والتراب … وقد حققنا … إن المدفون هنا هو رأس سيدنا يحيى — عليه السلام — لا سيدنا زكريا — عليه السلام — كما هو مستفيض ومشهور بين الناس.»
والجهة الثانية: شرقية تتجه إلى الغرب وفيها رواق طوله «٣٦» ذراعًا وعرضه «١٧»، وسقفه قبو محمول على عضادات تشاكل عضادات الجهة الجنوبية، وفيه بعض الغرف، وفيه الحجازية، وهي مصلًى طوله ٢٩ ذراعًا وعرضه ١٨ ذراعًا.
والجهة الثالثة: شمالية متجهة إلى الجنوب، وفيها رواق طوله «٧٤» ذراعًا وتسع قراريط، وعرضه «١٤» ذراعًا و«٢١» قيراطًا وسقفه قبو محمول على عضادات وفيه غرف وقسطل، وفيه باب دار القرآن العشائرية، وإلى يمين القسطل حجر مكتوب عليه «أمر بإنشائه مولانا المقام المعظم الملك الظاهر أبو سعيد برقوق عز نصره في أيام المقر السيفي تغري بردي كافل المملكة الحلبية عز نصره بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى حمزة الجعفري الحنفي في شهور سنة ٧٧٧.» ومحل منارة هذا الجامع في أواخر الصحن المتجه إلى الجنوب من جهة غربية لها باب صغير، وهي مربعة الشكل يبلغ محيطها «٢١» ذراعًا و«٢١» قيراطًا، وارتفاعها من أرض الجامع إلى موقف المؤذن «٥٢» ذراعًا و«٦» قراريط، ومحيط مكبسها «١٤» ذراعًا و«٢» قيراط، وارتفاعها من موقف المؤذن إلى ختم القبة من داخل سبع أذرع.
والجهة الرابعة: متجهة إلى الشرق، وفيها أيضًا رواق فضاؤه «٥٣» ذراعًا و«١٧» قيراطًا، وعرضه كذلك، وسقفه محمول على عضادات وفيه غرف. وصحن الجامع يبلغ طوله من الغرب إلى الشرق «٩٨» ذراعًا و«٥» قراريط، وعرضه «٦٠» ذراعًا و«١٨» قيراطًا فُرشت بالرخام الأصفر والأسود على صفة جميلة والأروقة مفروشة بالأصفر، وكان تبليط الصحن سنة ١٠٤٢. ويشتمل الصحن على حوض مدور عليه قبة من الخشب، ومحراب تجاهه مصطبة بدرابزين حجر، وبسيط لمعرفة وقتي الظهر والعصر وضعه عبد الحميد دده بن حسن بن عمر الحلبي سنة ١٣٠٠.
وما يُحب ذكره أن دائرة الأوقاف الإسلامية قد جددت الباب الشمالي وبنته على الأسلوب العربي الجميل المزخرف وجعلت أمامه حديقة واسعة، وكان هذا في أواخر عام ١٩٥٣م، كما جددت الواجهة الشمالية الخارجية، وتم هذا العمل بإشراف مديرية الآثار العامة.
وهو الآن رحبة صغيرة وقبلية، وفي وسط رحبته بئر، وفي ظاهر جداره الشمالي مما يلي الزقاق حجرٌ منقوش بخط هيروكلفي، «يزعم الناس» أن النظر فيه يزيل اليرقان.»
والصحيح أن هذه الكتابة حثية وعبرية كما ذكر سوفاجه.
ويقول عن ابنه الفضل بن صالح إنه تولى حلب من سنة ١٥٢ إلى ١٥٤، وإنه اختار له العقبة بحلب فسكنها. وينقل عن المؤرخ أبي ذر في الكواكب المضيئة في الذيل على تاريخ ابن خطيب الناصرية «سكن الفضل بن صالح حلب واختار محلة العقبة فبنى دوره فيها، وهي من أشرف نواحي حلب وأفضلها.»
ثم في أيام الملك الظاهر غياث الدين غازي بن صلاح الدين يوسف وقع الحائط الشمالي فأمر ببنائه، وفي أيام الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر وقع الحائط القبلي فأمر ببنائه وعمل الروسن الدائر بقاعة الصحن. ولما ملك التتر حلبَ قصدوا هذا المشهد ونهبوا ما كان فيه من الأواني والبُسط، وخرَّبوا الضريح والجدار ونقضوا الأبواب، فلما ملك السلطان الظاهر حلب أمر بإصلاح المشهد وجعل فيه إمامًا.»
ويقول الطباخ في إعلام النبلاء (١: ٢٨٠) نقلًا عن الدر المنتخب المنسوب لابن الشحنة: قال يحيى بن أبي طي في حوادث سنة ٢٥١ من هذه السنة، ظهر مشهد الدكة، وكان سبب ظهوره أن سيف الدولة كان في أحد مناظره بداره التي بظاهر المدينة، فرأى نورًا … إلى آخر الكلام الذي أورده الغزي.
ونقل الطباخ في إعلام النبلاء (٢: ٧١) عن الدر المنتخب المنسوب لابن الشحنة «أن مبدأ عمارتها في سنة أربع وأربعين، والصواب ثلاث وأربعين كما هو مكتوب على جدار بابها … وبعد أن عدَّد مدرسيها الذين تعاقبوا عليها منذ ذلك التاريخ إلى سنة ٦٥٠ تقريبًا، قال: ولم يزل المدرسون ينتقلون بها إلى أن اتصلت إلى سيدي الوالد — ابن الشحنة — ثم إليَّ خاصة بتوقيع شريف في سنة ٨٢٤.» ويعلِّق الطباخ على هذا بقوله: «والذي يظهر أن أمرها كان جاريًا على السداد إلى أوائل القرن الماضي حينما تولاها أحفاد محمد أفندي الطرابلسي مفتي حلب، فأُهمل أمر التدريس فيها؛ لأنهم لم يكونوا من أهل العلم، وتداعت أبنيتها إلى الخراب، وقد أدركناها والأتربة مالئة وسطها. وفي أواخر القرن الماضي كان المتولي عليها الأخوين السيد محمدًا أبا الفتح والسيد محمودًا ابني السيد عبد الوهاب بن الشيخ مصطفى الطرابلسي، ففرغا التولية سنة ١٢٩٤ﻫ إلى الشيخ مصطفى بن الشيخ محمد طلس، ولما استلم المدرسة كانت خرابًا يبابًا، وليس فيها من القديم سوى مكان الصلاة والمحراب البديع الذي في إيوانها، ولم يبق لها من العقارات سوى دارين داخل المدرسة وأربعة دكاكين … ولما تولى المدرسة الشيخ مصطفى المذكور … صار يعمر المدرسة … ولما توفي سنة ١٣١٥ جرى ولده الشيخ محمد الذي صار متوليًا عليها على تلك الطريقة إلى أن توفي سنة ١٣٣٣ … ثم قام بأمرها الشيخ عبد الوهاب أفندي طلس، فجرى على تلك الطريقة إلى أن عُمرت المدرسة جميعًا وفُرشت بالرخام في أماكنها كافة … وصار للمدرسة من العقارات ٦٢ عقارًا.»
ويقول الغزي في (٢: ٢٢٠) من نهر الذهب تحت عنوان «الكلام على تشخيصها في الحالة الحاضرة»: «هي الآن عمارة واسعة بابها موجه شرقًا كان مكتوبًا فوقه «بسملة مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا جدَّد هذه المدرسة البنية السعيدة المباركة وأنشأها مدرسة للفقهاء على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه مولانا الأمير الأسفهسلار الأجل السيد الكبير الملك العالم العارف العادل المجاهد المؤيد المنصور المظفر الأعز الكامل مؤيد الدين ومظهر الملة الإسلامية بسيفه صفي الأنام بنصره قسيم الدولة وعماد ما اختاره الأنام رضي الخلافة تاج الملوك والسلاطين وجلالها حافظ بلاد المسلمين شمس المعالي وفلكها قاهر المشركين وقامع الملحدين وقاتل الكفرة والمشركين … أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين على يد عبد الصمد الطرسوسي الفقير لرحمة ربه في شوال سنة ٥٤٣.» وتشتمل من جهتها الشمالية على إيوان طول فضائه «٩» أذرع و«١٥» قيراطًا وعرضه «٦» أذرع و«١٣» قيراطًا، وفيه محراب مخشب ظاهره وباطنه بخشب مصنع جميل منقوش حفرًا بنقوش لم ترَ العين أجمل منها، مكتوب على دائره «بسملة جدد هذا المحراب في أيام مولانا السلطان الملك الغازي المجاهد المرابط المؤيد المنصور الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين منصف المظلومين من الظالمين رافع ألوية العدل في العالمين قامع الكفرة والملحدين أبي المظفر يوسف بن محمد ناصر أمير المؤمنين خلد الله ملكه وأعز أنصاره وأعلا رايته وأنار برهانه بولاية الفقير إلى رحمة الله تعالى عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن أبي جرادة غفر الله له ولوالديه سنة ٦٤٣.» ومكتوب تحت سقف المحراب «صنعة أبي الجيش محمد بن الحراني.» وتحته «نجارة العبد الفقير إلى رحمة ربه …» وفي جانب الإيوان قبلية المدرسة، وسقفها قبة مشادة على أربع قناطر تحت رجلي كل قنطرتين عمود من الرخام الأصفر البعاديني، وفوقه قاعدة من الحجر الأحمر السماقي مؤزرة بتآزير عديمة النظير في زاوية من زواياها دائرة منقوش فيها صورة صليب … وأما الجهة الشرقية، ففيها محل للتدريس وقد جدده متولي المدرسة ومدرسها الأسبق حضرة العالم الفاضل الشيخ مصطفى بن الشيخ محمد بن الشيخ مصطفى طلس. ثم يذكر الوقفيات والإصلاحات التي قام بها عمي الشيخ محمد بن الشيخ مصطفى ووالدي الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ مصطفى طلس.
وقال الغزي (٢: ٨٩) من نهر الذهب: هذا المسجد الآن سماوي صغير مشتمل على حوض في غربيه، ينفذ منه الماء إلى القسطل الذي على بابه، أحدثه أهل المحلة، وله منارة قصيرة فوق بابه، وفيه قبلية صغيرة في شرقيها شبه حجرة فيها قبر لأحد الصالحين، وبعض جدرانه باقية من آثار نور الدين والقدم ظاهر عليها، وهو عامر تقام فيه الصلوات والجمعة وأوقافه جزئية.
ثم قال الطباخ: أقول: هو الآن خراب لم يبقَ منه سوى بابه وجدران أطرافه يأوي إليه الفقراء من الغرباء. ومن الغريب أن معتمد إيطاليا آدولف صولا عمَّر فوق باب البيمارستان المذكور قنطرة جعل طرفها تحت أطراف قصر داره التي هي تجاه البيمارستان المذكور حفظًا للقصر، وذلك منذ خمس عشرة سنة، وكان ذلك في ليلة واحدة ولم ينتطح لذلك عنزان، غايته أن المتولي على البيمارستان رفع الأمر إلى الحكومة وإلى المجلس البلدي فلم يُلتفت إليه.
وقال الغزي (٢: ٦٤): البيمارستان هو لصيق البهرامية من جنوبيها الشرقي … مكتوب على نجفة بابه أنه عمَّره نور الدين بتولي ابن أبي الصعاليك. وكان فيه قاعة للنساء مكتوب عليها «عمر هذا المكان في دولة السلطان صلاح الدين يوسف ابن العزيز محمد بتولي أبي المعالي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن العجمي في شهر رمضان سنة ٦٥٥.» وعلى إيوان فيه أنه عُمر في أيام الأشرف شعبان، وأن هذا الإيوان وقاعة النساء الصيفية أنشأهما سبط ابن السفاح، وعلى الشباك الذي على بابه أنه أحدث سنة ٨٤٠ على يد الحاج محمد المارستان، وكانت قاعة المنسهلين سماوية فسقفها القاضي شهاب الدين بن الزهري.
أقول: هذا البيمارستان في أيامنا معطل مائل للخراب، بل داخله خراب، قد صارت حجراته تلالًا ولم يبقَ منها إلا بعض حجر متشعثة متوهنة يسكنها بعض العبيد العتقاء، وقد استولى بعض الناس على قطعة عظيمة من جهته الجنوبية وأدخلها في العمارة المعروفة بالباكية، وقد ضاعت أوقافه … مكتوب على بابه «بسملة أمر بعمله المولى الملك العادل المجاهد المرابط الأعز الكامل صلاح الدنيا والدين قيم الدولة رضي الخلافة تاج الملوك والسلاطين ناصر الحق بالبراهين محيي العدل في العالمين قامع الملحدين قاتل الكفرة والمشركين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ناصر أمير المؤمنين أدام الله دولته بمحمد النبي وآله بتولي العبد الفقير إلى رحمة مولاه عتبة بن أسعد بن الموصلي.»
وباب هذه المدرسة موجه غربًا، وهي مشتملة الآن على قبلية وحجرات في غربيها مشرفة على الخراب، وطول صحنها من الشمال إلى الجنوب «٤٣» ذراعًا وعرضها «٤٢» ذراعًا و«١٢» قيراطًا، وأول مَن درَّس فيها برهان الدين أحمد بن علي الأصولي السلفي ثم محمد بن أبي جرادة الحلبي.
راجع كتاب الأستاذ صبحي الصواف Alep، ص١٠١، ١٠٢.
قلت: الذي فهمته من عبارة ابن أبي طي على ما فيها من الاضطراب أن المشهد الذي نسميه الآن بالشيخ محسِّن هو مشهد الدكة، وأن الذي نسميه المشهد هو مشهد الحسين، وتؤيد هذا الكتابةُ الموجودة في صدر إيوان المشهد وهي «بسملة أمر بعمل هذا الإيوان المبارك العبد الفقير إلى رحمة الله أبو غانم ابن أبي الفضل عيسى البزاز الحلبي رحمه الله وذلك في شهور سنة ٥٧٩.» فهذه الكتابة ربما تعضد قول ابن أبي طي: «وبنى الإيوان الذي في صدره الحاج أبو غانم.» على أن مشهد الشيخ محسن لا إيوان فيه، ومعلوم أن كلا المشهدين قائم على سفح جبل الجوشن بينهما مسافة غلوة، فالقبلي منهما «الشيخ محسن» والشمالي هو «المشهد».
ويقول الطباخ في إعلام النبلاء (١: ٣١٩): «قال أبو ذر: هذه المدرسة بدرب العدول، وهو سوق النشابين، أنشأها الأمير جمال الدين … ومحرابها عجيب وبها إيوان وخلا للفقهاء … بنى بحلب مدرستين هذه والأخرى ظاهر حلب شماليها، وكانت تُعرف بمشهد الزرازير، ثم إن الدولة هدمته وأخذت أحجاره لعمارة سور حلب …»
ويقول في إعلام النبلاء (١: ٨٤) نقلًا عن الدر المنتخب: «هذه المدرسة أنشأها الأمير جمال الدين شاذبخت الخادم الهندي الأتابكي … وأول مَن درَّس بها موفق الدين أبو الثناء محمود بن النحاس، ثم عمر بن العديم، قال ابن الشحنة: ولم يزل المدرسون يتنقلون بها إلى أن اتصلت إلى سيدي الوالد ومن بعده إليَّ بورود توقيع شريف باسمي بعرض الأمير سيف الدين قصروه نائب حلب …»
مكتوب على بابها «بسملة وقف هذه المدرسة على أصحاب الإمام (٢) الأعظم سراج الأمة أبي حنيفة — رضي الله عنه — في أيام (٣) الملك الظاهر غازي بن يوسف عز نصره العبد الفقير إلى رحمة (٤) ربه شاذبخت عتيق الملك العادل محمود بن زنكي في سنة تسع وثمانين وخمسمائة.»
وهي مبنية بالحجارة الهرقلية المحكمة ومحرابها من أعاجيب الدنيا في جودة التركيب وحسن الرخام، وأراد تيمورلنك أخذه فقيل له إنه إذا أزيل لا يتركب على حاله الأول فأبقاه، وهي كثيرة الخلاوي للفقهاء، وبركتها ينزل إليها بدرج …
وقال الطباخ في إعلام النبلاء (٢: ٢٢٣): «حالتها الحاضرة؛ لم يزل باب المدرسة قائمًا على حاله، وعليه الكتابة المتقدمة وفوق الباب منارة ضخمة وعن يمين الباب ويساره خمس حُجَر صغيرة بعضها جُدد في أوائل هذا القرن ورُممت جميعها منذ ثلاث سنوات، وكان عن يمين المدرسة ويسارها حُجَر للطلبة علوية وسفلية أدركناها وهي مشرفة على الخراب، والآن قد خربت بالكلية والحائط الشرقي خرب بتاتًا … ومنذ سنتين صار بعض أهل الطريقة الرشيدية يقيمون الذكر في قبلية المدرسة، فجمعوا من بعضهم نحو ثلاثين ألفًا أقاموا فيه هذا الحائط من أنقاض المدرسة وأصلحوا الدرج الذي يُنزل منه إلى باب المدرسة؛ لأنه أصبح منخفضًا لتعلية الأرض التي حول المدرسة.
وكان في وسط المدرسة حوض مركب من ثمانية أحجار بديع الشكل، وقد خرب … وأما القبلية فقد كان جدارها المشرف على صحن المدرسة أصابه الوهن فاهتم جميل باشا منذ أربعين سنة في إصلاحه، ومحراب المدرسة بديع جدًّا، وهو مؤلف من ثلاث عشرة حجرة من الرخام الملون، وفي طرفي المحراب عامودان من الرخام الأزرق، ويعلو المحراب أحجار ملونة مشتبكة على أجمل وضع، وقد استغرقت فيه الصنعة جهدها. وعن يمين القبلة صخرة واسعة لعلها كانت موضع إلقاء الدروس، وعن يسارها حجرة واسعة أيضًا، وهناك في وسطها أربعة قبور يتلو بعضها بعضًا، اثنان يعلوان الأرض شبرًا، والآخران بعض أصابع، وأحد هذه القبور قبر السلطان الملك الظاهر غازي، لكن لا يُعلم أي قبر هو، كما أني لم أقف على اسم مَن دُفن في القبور الثلاثة.»
ويقول الغزي في نهر الذهب (٢: ١٢٤) بعد أن يورد وصفها وكتاباتها كما أسلفنا: كان لها شهرة عظيمة في القرن السابع وما بعده إلى العاشر، ثم اضمحل حالها وضاعت أوقافها … وظهر من كتاب وقف أن دار المرحوم السلطان صلاح الدين الأيوبي كانت في محلة ساحة بزه قرب جامع السلطانية، وقد ذكرنا أن دُور بني الشحنة كانت تحت القلعة قرب السلطانية.
أما الأتابك طغريل هذا، فقد كان أميرًا صالحًا مملوكًا للملك الظاهر غازي، قام بأمر الملك العزيز أحسن قيام. قال ابن خلكان في آخر ترجمة القاضي بهاء الدين بن شداد: تُوفي الأتابك شهاب الدين طغريل ليلة الاثنين الحادي عشر من محرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بحلب، ودُفن بمدرسة الحنفية خارج باب الأربعين، وكان خادمًا أرمني الجنس.
وينقل الطباخ في إعلام النبلاء (٢: ٥٢٥) عن الدر المنتخب، في الكلام على مدارس الشافعية التي بظاهر حلب، أن أولها المدرسة الظاهرية، أنشأها السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب، وانتهت عمارتها في سنة عشر وستمائة، أي بعد وفاته … ويعلق على حالتها الحاضرة بقوله: أقول وهذه المدرسة الآن خربة وحُجرها التي كانت عن اليمين والشمال تهدمت، وعواميدها العظيمة مع كثير من أنقاضها ملقاة في أرض المدرسة، ولم يبقَ من آثار عمرانها سوى محرابها مع عمودين من الرخام، وليس على بابها شيء من الكتابة، وفي وسطها حوض مثمن بديع الصنعة، وحالتها الحاضرة تُعرب عن عظمة شأنها وجلالة قدر بانيها … فإن أهل تلك المحلة لفقرهم قد تسلطوا على أحجار تلك الآثار وهم يسرقون منها شيئًا بعد شيء وإذا طال الحال ولم يُتلافَ ذلك تصبح هذه الأماكن التي هي من مفاخر الآباء والأجداد أثرًا بعد عين.
راجع أيضًا إعلام النبلاء (٤: ٣٥٥).
وراجع أيضًا الحوليات الأثرية السورية المجلد الثالث، ص٤٩ من القسم الفرنسي، و١٠٨ من القسم العربي.
ويقول الغزي (٢: ١٩٨) من نهر الذهب: هو جامع قديم حافل له منارة مربعة الشكل عالية مبنية بالحجارة الهرقلية، وله بابان: أحدهما من شرقيه يُدخل منه إلى قبليته، والآخر من غربي شماليه يُدخل منه إلى صحنه، وفي شرقي شماليه قبور تاريخ أحدها سنة ٨٠٧ والصحيح «٨٨٧» كما يقول الطباخ (٥: ٢٢٠).
ومكتوب على الباب سطر جيد جدًّا مدحه الشعراء وهو «أمرت بإنشائه ضيفة خاتون في أيام السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن الملك العزيز محمد بن السلطان الملك الظاهر غازي بتولي عبد المحسن العزيزي الناصري في سنة ٦٣٣.» ومما قاله الشعر في هذا السطر:
وعلى الجدار الشرقي خارج المدرسة «بسم الله يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ هذا ما أمر بإنشائه الشرف الرفيع والجناب المنيع الملكة الرحيمة عصمة الدنيا والدين ضيفة خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب تغمدهم الله برحمته وذلك في أيام مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل المجاهد المرابط المؤيد المظفر المنصور صلاح الدنيا والدين يوسف بن الملك العزيز محسن بن الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين عز نصره بتولي العبد الفقير عبد المحسن العزيزي الناصري رحمه الله في سنة ٦٣٣.»
راجع الغزي في نهر الذهب (٢: ٢٧٩)، والطباخ في الإعلام (٢: ١٦٢)، والصواف في كتابه Alep، ص٩٧.
ومما يُحب ذكره هنا أن دائرة البلدية في حلب قد شرعت في سنة ١٩٥٢ بإخلاء العرصات المحيطة بهذا الأثر الجميل وهدم الدور المقامة عليها؛ ليظهر رونقه الأصلي، فيجب إتمام ذلك المشروع وإحاطة المكان بحدائق.
يقول الطباخ في إعلام النبلاء (٢ : ٢٥-٢٦): الخانقاه العادلية … في الكلام على خوانك النساء … لم تزل هذه الخانكاه في هذا الدرب تجاه المدرسة المعروفة الآن بالهاشمية والجامع المعروف بالزينبية، وبابها تنزل إليه بدرجة، وهو مؤلف من ثلاثة أحجار سوداء كبيرة، وهو باقٍ من عهد بنائه … وتجد بعد الباب دهليزًا تدخل منه إلى صحن مربع طوله «٤٠» قدمًا وعرضه كذلك، تجد في شماليه إيوانًا واسعًا عظيم الارتفاع قنطرته مبنية من حجارة ضخمة، في الجنوب قبلية فيها محراب بديع بلغت فيه الصنعة منتهاها من الهندسة والهندام، يكتنف المحراب عمودان من الرخام الأزرق، يعلو كل واحد منها تاج مرخم ترخيمًا بديعًا يدل على صنعة وبراعة، وعلى القنطرة أحجار مدورة تتخللها قطع صغيرة من الفسيفساء وهي ملونة تلوينًا حسنًا … وعن يمين القبلية ويسارها حجرة صغيرة يعلوها طابق آخر فيه حجر، لكن معظمها متهدم … وفي وسط الصحن حوض صغير مؤلف من سبعة أحجار على شكل الحوض الذي في رباط الفردوس … ومن هذا الصحن تدخل في دهليز آخر تخرج منه إلى صحن فيه أربع حُجر أيضًا.
راجع كتاب الصواف ALEP، ص١٠٢.
قال الغزي في نهر الذهب (٢: ٩٧): محله تجاه حمَّام الجوهري قرب سوق باب قنسرين، وكان يُعرف بمسجد المحصب، يقال إنه بُني في أيام أحد العمرين، وجُدد على يد عبد الرحمن بن عبد الرحيم من بني العجمي، واسمه مكتوب عليه، ومنارته بناها ابن أبي سوادة، وجدده أيضًا، وزاد فيه زيادة كثيرة الشيخ عبد الكريم الصوفي … ثم توهن وأشرف على الخراب إلى أن جُدد جدار قبلته مما يلي الصحن سنة ١٣٠٢ﻫ، وهو فسيح القبلية والصحن، وفيه حوض فوق عشر بعشر، وفي شرقيه رواق، وغربيه حجرة واسعة تعلم فيها الأطفال، وفي شرقي شمالي القبلية مزار الشيخ عبد الكريم، وفي الجدار الجنوبي من القبلية شرقي المحراب حجر فيه صورة قدم غائص يقولون إنه أثر قدم النبي ﷺ … وهذا الجامع له في جبهته الغربية بابان: أحدهما من شمالها وهو الباب القديم، والآخر في جنوبها وهو حديث … وعلى الباب الشمالي «بسم الله … جددت هذه البنية المباركة في دولة مولانا السلطان الأعظم والملك المعظم مالك رقاب الأمم سيد ملوك العرب والعجم العالم العادل المجاهد المرابط المظفر المنصور الملك الناصر صلاح الدنيا والدين حافظ بلاد الله ناصر عباد الله معين خليفة الله يوسف بن المظفر محمد خليل أمير المؤمنين خلد الله ملكه وأعز أنصاره بمحمد وآله بتولي العبد الفقير إلى رحمه الله عبد الرحمن (بن عبد الرحيم بن العجمي الشافعي) في شهور سنة ٦٥٤ من الهجرة النبوية.» وعلى شباك الحجرة المدفون فيها الشيخ عبد الكريم «أنشأ هذا المكان المبارك بعون الله وحسن توفيقه العبد الفقير إلى الله تعالى الراجي عفو ربه مؤملًا فضله العميم السالك على المسلك القويم أبو الخير الشيخ عبد الكريم بن عبد العزيز بن عبد الله الحنفي مذهبًا الخوافي معتقدًا أمتعنا الله ببركته ونفعنا والمسلمين بصالح أدعيته في الدارين في سنة ٨٥٥.»
وقال الطباخ في إعلام النبلاء (٥: ٣٠٣) في ترجمة الشيخ عبد الكريم الخافي المتوفى سنة ٨٨٤ … أقول: إن بابه القديم لا زال موجودًا، وقد ذكرنا في ترجمة الشيخ عبد الرحيم العجمي المتوفى سنة ٦٥٤ ما هو مكتوب عليه، إلا أن هذا الباب مغلق الآن لا يفتح إلا في بعض الأحيان، وكان جدار القبلية مما يلي الصحن متوهنًا فاهتم في تجديده المرحوم جميل باشا سنة ١٣٠٢، ورقم القبلية وبلَّط صحن الجامع ووسَّع الحوض، إلى غير ذلك من الإصلاحات.
وعلى يسار الداخل إليه باب تخرج منه إلى ساحة واسعة كانت قديمًا مخزنًا للملح الذي يُؤتى به من الجبول، والقبلية ذات أربع سوار في وسطها مبنية من الحجارة، ولا أثر للعواميد هناك، غير أن ثلاثة منها شكل بنائها يفيد أن تحت القواعد عواميد، وأُخبرت أنه كان حصل هناك حريق فأصاب العواميدَ شيء من التوهن، خلف كل عمود بسارية من الحجر حفظًا له، والقبة التي فوق المحراب ذات هندسة بديعة حفظتها لنا الأيام مع ارتفاع بنائها وضخامة أحجارها … وحصل في الجامع في هذه السنة (سنة ١٣٤٠ﻫ) شيء من الترميم، وكان أُحدث أمام الباب الصغير الشرقي ميضأة بحيث منعت الدخول إلى الجامع من هذا الباب، وقد أُزيلت سنة ١٣٤٠، ومن هذا الباب خرج إلى الخندق القديم الذي كان محيطًا بسور البلد، وقد طُم هذا الخندق، وصار الآن جادة واسعة، ووراء هذه الجادة المحلة المعروفة ببرية المسلخ. وجدار القبلية الشرقي هو داخل في بناء السور؛ ولذا كُتب عليه من خارجه «البسملة أمر بعمارة هذا السور في أيام مولانا السلطان الملك الناصر أبي السعادات بن محمد بن الملك الأشرف قايتباي عز نصره المقر الكريم جان بلاط كافل حلب المحروسة ويتولى السيفي مصر باي نائب القلعة الحلبية بتاريخ جماد الآخر سنة ثلاث وتسعمائة.»
ويقول الغزي في نهر الذهب (٢: ٣٧٦): هو جامع الساحة، وهو جامع الطنبغا الصالحي … ويوجد باتصال هذا المسجد من شماليه مكان عظيم كان يُخزن به الملح، والآن يُستعمل لطبع المناديل. قال ابن الشحنة: أظنه كان خانقاهًا للمسجد المذكور، وكان المتولي يأخذ أجرته ويصرفها على المرتزقة وتربة الطنبغا في زقاق ضمامة اللؤلؤ، وتُعرف الآن بالمدرسة بناها الطنبغا المذكور، وكانت تربة حافلة لم يبقَ منها الآن سوى رسم قبلية في جنوبيها محراب ليس إلا.
ومكتوب عليه أيضًا «لما كان بتاريخ ربيع سنة خمس وعشرين وثمانمائة اطلع المقر الأشرفي السيفي المالكي الصالحي مولانا الآمر عز نصره وهو الناظر الشرعي على البيمارستان السيفي أرغون الكاملي بحلب المحروسة على ما شرطه الواقف أثابه الله في كتاب وقفه فمنع ما هو بغير شرط الواقف وملعون بن ملعون من يحدث فيه بغير شرط الواقف أثابه الله تعالى وغفر له ولمن كان السبب فيه وللناظر فيه بإحسان.» وبجانبه «بحسب المراسم الشريفة العالية السلطانية الملكية الناصرية خلد الله ملكه وأدام اقتداره وملعون بن ملعون من يتعرض إلى وقفه أو يجدد عليه مظلمة ويكون خصمه رسول الله بتاريخ جمادى الأولى سنة عشر وثمانمائة.»
ويقول الطباخ في إعلام النبلاء (٢: ٤٣٧): تدخل إلى هذا البيمارستان فتجد عن يسارك حجرة هي الآن خربة، ثم تدخل الباب الثاني فتجد عن يمينك حجرة أخرى، وكانت هاتان الحجرتان لقعود الأطباء ووضع ما يحتاجون إليه من الأدوية والأشربة، ثم نجد صحنًا واسعًا يحيط بطرفه القبلي والشمالي رواقان ضيقان مرفوعان على أعمدة ووراءهما حُجر صغيرة هي محل حبس المجانين فيها، ثم تدخل من الجهة الشمالية في دهليز وبعد خطوات تجد دهليزين: الذي عن اليمين يأخذك إلى باب آخر للمارستان تخرج منه إلى بوابة صغيرة هو مغلق الآن، والدهليز عن يسارك يأخذك إلى صحنين وحولهما حُجر صغيرة وهي معدة لحبس المجانين … وكان بلاط الصحن متوهنًا فاهتم جميل باشا في سنة ١٣٠٢ في تبليطه وتجديد حوضه وترميمه داخلًا وخارجًا … وكان لبابه الكبير حلقتان كبيرتان جميلتا الشكل من النحاس الأصفر، قُلعتا منذ خمس عشرة سنة وأُخذتا إلى متحف الأستانة ولا ندري وصلتا إليه أو لا.
وعلى جدار البيمارستان على يسار الباب حجر مكتوب عليه «لما كان بتاريخ ثاني عشرين ربيع الآخر سنة ستة وأربعين وثمانمائة أبطل المقر الشريف العالي المولوي المخدو[مي] (٢) الزيني عمر السفاح الشافعي صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالمملكة الحلبية المحروسة أخذ موجب ما يجلبه نصارة مدينة قارة إ[لى] (٣) … المحروسة من القماش والثمار خارجًا من الفاكهة في معلوم كتابة السر … بحلب ابتغاء لوجه [الله] (٤) تعالى فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.» وقد كتب جدار خان القاضي أمام هذا البيمارستان ما نصه «لما كان بتاريخ مستهل سنة خمس … المقر الكريم العالي القضائي المحبي القاضي محب الدين ابن الشحنة الحنفي (٢) أسبغ الله ظلاله قد أبطل ما على مدينة نصارا مدينة قارا من الموجب الذي على بضايعهم المباعة بمدينة حلب (٣) من القماش والثمار خارجًا عن الفاكهة حسب المرسوم الشريف الذي بيدهم ملعون من يجددها (٤) أو يسعى في تجديدها عليه اللعنة إلى يوم الدين.»
ويقول الطباخ (٥: ١٨): الحسن بن بلبان حسام الدين ابن المهمندار أخو الأمير علاء الدين … الذي كان حاجب الحجاب بحلب والأمير ناصر الدين محمد أحد المقدمين بحلب ثم نائب القلعة بها، بنى جامعًا حسنًا داخل باب اليهود المعروف الآن بباب النصر … ولما زلزلت حلب سنة ٨٠٦ انهدمت قبلية الجامع المذكور فأعادها بعض التجار، وقال أبو ذر: جامع المهمندار بناه الحسن بن بلبان … وهذا الجامع نير كثير المياه له منارة لم يوجد في مملكة الشام أحسن منها، بل ذكر لي أن ولا في مصر أطرف منها، وله منبر من الرخام الأصفر وكذلك سدته، وهذه المنارة فيها من الصنائع من أولها إلى رأس قبتها بحيث إن الناظر لا يميز حجرًا من حجر عن الأشكال المختلفة في نحتها وتركيبها ودرابزينها من الأحجار المخرمة. وإلى جانب هذا الجامع مسجد قديم لم يغيره الواقف، إنما جعله جانب جامعه من الغرب وفتح بينهما … وعلى أثر الزلزلة سنة ١٢٣٧ تخربت أروقة الجامع، ولم يبقَ منه سوى قسم من القبلية … وعمر رواقه الشرقي والشمالي وبلط صحنه بالرخام.
ويقول الغزي في نهر الذهب (٢: ١٠٩): هو جامع حافل … غاية بالبهاء والإتقان، ومحرابه من الرخام الملون والفسيفساء … ومنبره نهاية في الحسن من الرخام الأبيض وكذا سدته، وهو شرقي التربة الصفوية المعروفة الآن بمسجد الشيخ صفي الدين.
ويقول الطباخ في إعلام النبلاء (٥: ١٠٧): «طرنطاي مجدد المدرسة الطرنطائية المتوفى سنة ٧٩٢ هو طرنطاي بن عبد الله الأمير سيف الدين نائب دمشق، كان أولًا من جملة أمراء دمشق ثم ولي حجوبية الحجاب، وتولى نيابة دمشق سنة ٧٩١ … قُتل سنة ٧٩٢ﻫ، جدد بحلب المدرسة خارج باب النيرب وعمل لها خطبة … ومكان هذه المدرسة في آخر محلة باب النيرب … وهي مدرسة شاهقة البناء تضارع القلاع في إحكام البناء وإتقانه، ومكتوب على بابها كتابة حديثة استُند فيها — على ما أُخبرت — على ما رُؤي ببعض الكتب، وهي «أوقف هذين الجامع والمدرسة عفيف ابن محمد شمس الدين سنة ٧٨٥.» وفي شرقي المدرسة وغربيها رواقان ضيقان، في كل واحد منهما أربعة عواميد عظيمة، ووراءها أربع حجر، وفوق هذين الرواقين رواقان آخران ضيقان أيضًا، ووراء كل منهما خمس حجر، وشمالي المدرسة إيوان كبير لم تزل قنطرته القديمة موجودة. وقد سُد من القنطرة إلى الأرض، واتُخذ زاوية يقيم فيها الأذكار بنو البادنجكي. وهناك في قبلي المدرسة إيوان عن يمينه حجرة واسعة في شماليها ضريح لبعض مشايخ الأوسيَّة.»
أما قول المسيو سوفاجه إن هذه المدرسة هي المدرسة الكمالية العديمية التي بناها مؤرخ حلب ابن العديم، فيريد به كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة المعروف بابن العديم العقيلي الصاحب المتوفى سنة ٦٦٠ﻫ. راجع ترجمته المطولة في إعلام النبلاء (٤: ٤٦٤–٤٩٩).
أما المدرسة العديمية الكمالية هذه، فقد نقل الطباخ عن كنوز الذهب: أنها خارج باب النيرب، أنشأها الصاحب كمال الدين عمر بن العديم، وبنى إلى جوارها تربة وجوسقًا وبستانًا، ابتدأ بعمارتها سنة ٦٣٩ وتمت في سنة ٦٤٩، ولم يدرس بها أحد؛ لأن الدولة الناصرية انقرضت قبل استيفاء غرضه منها، وهي الآن يُقام فيها الجمعة، وكان يخطب بها الشيخ الصالح أحمد الزركشي.
فالظاهر أن المراد بهذا السبيل المتصل بإقميم الحمَّام المتقدم ذكره في هذه المحلة.
ويقول الشيخ الطباخ في الإعلام (٥: ٨٩): محمد بن بيلبيك الصروي كان محبًّا لأهل الخير والصلاح، وأنشأ جامعه المعروف به بالبياضة، تُوفي سنة بضع وثمانين وسبعمائة … قال أبو ذر: هذا الجامع بالبياضة أنشأه الحاج ناصر الدين محمد بن بيلبيك الصروي في سنة ٨٧٠، وهو جامع لطيف له محراب من الرخام الأصفر وكذلك منبره وسدته، وفي أيام وسع قبلتيه وصحنه … الأقباعي، وتُلقب هذه المحلة بالبياضة بالتخفيف … أقول: قبلية هذا الجامع متوسطة في السعة وصحنه كذلك، ومن نحو عشر سنين عمل في وسط الصحن حوض يُنزل إليه بدرج جُلب إليه الماء من القسطل الذي هو خارج الجامع التابع له … ومكتوب على باب منارة الجامع «وقف الفقير إلى الله تعالى أحمد بن عبد الجليل المصحف المكرم على روح ابن عمه صدقة بن يوسف الدباغ ليُقرأ فيه بالجامع السروي … وقد يكون عليه نظر الإمام والبواب فلا يخرج منه أبدًا سنة خمسين وثمانمائة.»
ويقول الطباخ في إعلام النبلاء (٢: ٥٠٥ و٥١٢) إن الذي أكمل بناء هذا الجامع هو دمرداش في ولايته على حلب سنة ٨١١، وإن قبر أقبغا لا زال موجودًا في تربته عن يمين الداخل إلى الجامع، وللتربة قبة مرتفعة البناء جدًّا، وهي من الحجر المنحوت كُتب في أعلاها بين الكوتين «صنعة جعفر بن أبي غانم رحمه الله»، وكُتب على الباب الغربي «عمر هذا الجامع المقر الأشرف العالي المولوي العالمي العادلي المخدومي الكافلي السيفي دمرداش الناصري مولانا ملك الأمراء أبو المساكين والفقراء كافل المملكتين الشريفتين الحلبية والطرابلسية أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره محمد وآله ابتغاء لوجه الله تعالى في العشر الأخير من شوال المبارك سنة أحد عشر وثمانمائة من الهجرة النبوية.» وكُتب على الباب الشمالي «عمر هذا الجامع المبرور ابتغاء لوجه الله تعالى المقر الأشرف العالي المولوي المخدومي الكافلي [السيفي دمرداش الناصري مولانا ملك الأمراء كافل المملكتين الشريفتين الحلبية والطرابلسية أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره] بمحمد وآله بتولي العبد الفقير إلى الله تعالى يوسف الأشرفي وكان الفراغ منه سلخ شعبان المكرم من سني اثني عشر وثمانمائة.» وفي السنة الماضية، وهي سنة ١٣٤١ أُقيم جدار القبلية وأُصلحت المنارة.
ويقول الصواف في كتابه عن حلب Alep، ص١١١: لعل هذه الحمَّام أجمل حمَّامات حلب، بل سورية جميعها، وقد علمنا أن النية متجهة لهدم الحمَّام وإشادة القصر العدلي مكانه، وهذا أمر لا يصح أن يقع؛ لما لهذا الحمَّام من القيمة الأثرية والأهمية التاريخية.
وقد تولى الأمير قصروه بن عبد الله الظاهري الأشرفي سيف الدولة نائب طرابلس ولاية حلب في سنة ٨٣٠، وظل إلى سنة ٨٣٧، ومات سنة ٨٣٩.
ويقول الطباخ في إعلام النبلاء (٥: ٣١): أغلبك بن عبد الله الجاشنكير حاجب الحجاب، كان أميرًا دَيِّنًا، تُوفي بحلب سنة … وستين وسبعمائة. وقال أبو ذر: تربة أغلبك ملاصقة للتربة البلقاء (أي خارج باب المقام)، وهي مشتملة على قبو على بابها، وحوض ماء كان يأتي إليه الماء من دولاب داخل التربة وقد عُطل، ويدخل من باب هذه التربة إلى حوش وبه إيوان صغير وبيت للدولاب وعليه قبة، ويدخل من هذا الحوش إلى حوش آخر به قبر الواقف وغيره … تُوفي بعد الستين وسبعمائة. ثم يقول الطباخ: لم أقف على مكان هذه التربة ولعلها دثرت!
ويقول الطباخ في الإعلام (٥: ٨٦): أحمد بن حمدان بن عبد الواحد الشيخ شهاب الدين الأذرعي أبو العباس ولد بأذرعات الشام في وسط سنة ٧٠٧ … ومات سنة ٧٨٣. ثم يذكر له ترجمة حافلة يعدد فيها فضائله وآثاره العلمية ويقول: إن قبره على قارعة الطريق في محلة المقامات بظاهر باب المقام، وقد جدده محمد هلال بن فخرو من أهالي هذه المحلة سنة ١٣١٢.
راجع ترجمة بانيها في إعلام النبلاء (٥: ١٨٩)، ويقول الطباخ (٥: ١٩٣): لم يزل باب هذا الجامع باقيًا من عهد الواقف، وكذا منارته البديعة التي هي فوق الباب، وقد كان موقف المؤذنين فيها متهدمًا … وقد رُممت سنة ١٣٤٤، وقبليته ليست واسعة، ومنبرها الآن خشب، ولا سدة هناك، وفي الجهة الشرقية من القبلية ساحة مبلطة فيها ثلاثة قبور، أحدها مما يلي القبلة قبر الناصري ناصر الدين محمد بن السفاح، والثاني قبر صالح بن السفاح المتوفى سنة ٩٤٦، والثالث قبر القاضي أبي بكر أحمد بن السفاح المتوفى سنة ٩٢٣.
ويقول الطباخ (٥: ٤٣١): عمر بحلب عدة خانات، منها خانة الأعظم، وكان مما دخل فيه دور بني العديم، وهو بيت مشهور بحلب خربها فإذا فيها دفين استعان به في عمارته، وعمر بها داره المشهورة بمحلة سويقة علي، ولم تكن قاعتها العظمى من إنشائه وإنما كانت من جملة الدار التي أدخلها في داره.
وفي جدار التربة الغربي من الخارج كتابة حسنة الخط بقلم جاف، وهي بعد البسملة «أنشأ هذه التربة المباركة المقر الأشرف الكريم العالي المولوي الكافلي السيفي خاير بك الأشرفي كافل المملكة الحلبية المحروسة أعز الله تعالى أنصاره بتاريخ شهر ربيع الأول عام عشرين وتسعمائة.» وهذه الكتابة البديعة بخط الشيخ أحمد بن الداية الدهان المتوفى سنة ٩٥١، وهذا البناء وتلك الكتابة يُعدان في جملة الآثار القديمة التي بحلب، غير أن المكان مشرف على الخراب.
بنت مديرية الأوقاف بناء حديثًا في الواجهة المطلة على شارع خان الوزير فشوهت الإيوان وأزالت معالمه القديمة، فيجب المحافظة على قنطرة هذا الإيوان التي ما تزال موجودة، كما يجب صيانة الشعارات المحيطة بها.
راجع كتاب الصواف Alep، ص١١٣.
ويقول الطباخ في الإعلام (٢: ٢١٤): إن منارة الجامع مرتفعة جدًّا تعد من المنارات العظيمة كانت قد سقطت، فأُعيدت سنة ١١١١ﻫ.
أما جان بلاط (جانبلاد) فهو الأمير جان بلاط بك بن الأمير القاسم الكردي القصيري المشهور بابن عربو أمير لواء أكراد حلب، من كبار رجال الدولة العثمانية، له ترجمة مطولة في در الحبب، لرضي الدين الحنبلي، وإعلام النبلاء (٦: ٨٧).
ويقول الطباخ (٣: ٥٠): الحوارنة هم طائفة كانت لهم فتن كثيرة في حلب في القرن التاسع.
راجع كتاب السيد الصواف Alep، ص١١٣؛ ودليل حلب، ص٢٣.
وقد ورد وصف هذا الخان في وقفية محمد باشا بن جمال الدين سنان المعروف بوقف إبراهيم خان المؤرخة في سنة ٩٨٢ والمنشورة في نهر الذهب (٢: ٥١٦) كما يلي: «وأنشأ في حلب خان الكمرك السابق ذكره، مشتملًا على خمسين مخزنًا سفليًّا و٧٧ علويًّا، وعلى بابه قاعة فسيحة فيها ٤ مخازن، وفيه إصطبل فوقه قاسارية تشتمل على ٢٣ مخزنًا.»
راجع كتاب السيد الصواف Alep، ص١١٤.
وقد أوجبت على المدرسة عدم استعمال تلك القاعة وعدم شغلها بالطلاب، ولكن رجال المدرسة قد أعادوا الطلاب إليها، وهذا قد يسبب إفسادها مجددًا، وفي هذه الدار حمَّام جميلة متقنة.
كما كان في هذا الأثر الجميل نوافذ زجاجية ملونة محاطة بالجص الجميل المزخرف، وقد أُتلفت مؤخرًا حين رُمم هذا الأثر مجددًا من قبل الأوقاف.
ويقول الطباخ في الإعلام (٥: ٢٨٨) عن سوق النحاسين: لا زال هذا السوق يُعرف بسوق النحاسين حتى إن الخان الذي هناك يُسمى خان النحاسين، والحمَّام التي أمامه تُعرف بحمَّام الست التابعة لوقف المدرسة الخسروية تُعرف أيضًا بحمَّام النحاسين.
وفي إعلام النبلاء (٣: ٥٣١) نقلًا عن كنوز الذهب لأبي ذر: حمَّاما الست إحداهما قد تعطلت الآن.
أما حالة بعض هذه الأسواق قبل حريقها الذي أشرنا إليه في الصفحة السابقة، فقد ذكرت في وقفية محمد باشا بن جمال الدين سنان، المعروف بوقف إبراهيم خان، التي نشرها الغزي في تاريخه (٢: ٥١٥) والمؤرخة سنة ٩٨٢، قال: «وأنشأ في حلب خان الكمرك (وبعد أن وصفه، قال) وأنشأ على الأسواق المتصلة بالخان من شرقيه وشماليه قاسارية تشتمل على ٥٤ مخزنًا، وعلى سوق السقطية الذي أنشأه مكانًا يشتمل على ميدان فيه «١٥» مخزنًا وإصطبلًا، وأنشأ باتصال الخان سوقًا مشتملًا على «١٢٠» دكانًا، فجملة المخادع — عدا الخان وإصطبله — «٣٤٤» مخدعًا ما بين دكان ومخزن وميدان وإصطبل، وقد اشتملت هذه المباني على «١٣» قبة شاهقة تحت كل واحدة منها رحبة فسيحة، واشترى وقف سوق الدهشة، وهو «٨٨» دكانًا … وأنشأ الواقف سوق القطن قرب الخان الكبير على سبع قناطر.»
راجع كتاب الصواف Alep، ص١١٢-١١٣.