حالة البلاد قبل تولي بطليموس الخامس عرش الملك
كان آخر ما ذكرناه في الجزء السابق من هذه الموسوعة أن «بطليموس الرابع» أصبح في آخر
أيامه مسلوب الإرادة خاضعًا لسلطان أسرة «أجاتوكليس» التي ضربت الرقم القياسي في
فني
الدعارة والخلاعة، والواقع أن «أجاتوكليس» وأخته «أجاتوكليا» هما اللذان كانا يقبضان
على زمام الحكم في داخل البلاد وخارجها، يعاونهما في ذلك وزيره الماكر «سوسيبيوس»
الذي
كان الضلع الكبير في السياسة والحرب وحياكة المؤامرات على كل من كان يَشْتَمُّ منه
رائحة أية قوة أو نفوذ في البلاد مهما كانت علاقته مع بطليموس، والواقع أنه هو الذي
ساعد على قتل الملكة «أرسنوي» بعد أن وضعت ذكرًا أصبح وريثًا للعرش، ومن ثم خاف
«سوسيبيوس» نفوذها في المستقبل عندما تصبح وصية على ابنها بعد وفاة والده، وهكذا
نجد أن
إعلان موت «بطليموس الرابع» وزوجه «أرسنوي الثالثة» — التي لم تكن مريضة — كان يحيطه
الشك والغموض، كما شرحنا ذلك من قبل في الجزء الخامس عشر من هذه الموسوعة، وكان هذا
الحادث الغريب بل الفريد في بابه في تاريخ البطالمة سببًا في هياج الشعب الإسكندري،
غير
أن «أجاتوكليس» استطاع تهدئة الثائرين عليه وعلى أسرته وعلى «سوسيبيوس» إلى حين،
وفي
تلك الأثناء تُوفي «سوسيبيوس» بالشيخوخة، وهو الذي — كما ذكرنا آنفًا — قد ارتكب
جرائم
فظيعة طوال مدة وزارته. وعلى أية حال فإنه بعد موت هذا الأثيم خلا الجو لزميله
«أجاتوكليس» وأسرته.
وتدل كل الظواهر على أن أسرة «أجاتوكليس» هذه قد أصبحت الحاكمة في البلاد دون منازع
باسم الطفل «بطليموس الخامس» وهو الذي عُرف فيما بعد باسم «إبيفانس» — الظاهر. وقد
توصل
«أجاتوكليس» إلى القبض على زمام الأمور في داخل البلاد بما بذله من مال وفير في سبيل
ذلك، فقد حدثنا المؤرخ المعاصر لهذا الملك وهو «بوليبيوس» في هذا الصدد فاستمع لما
يقول: إن «أجاتوكليس» بعد أن وارى رفات الملك «بطليموس الرابع» وزوجه «أرسنوي الثالثة»
في المدافن الملكية أمر بوقف الحداد، ثم وزع أولًا على الجنود مرتب شهرين كاملين؛
وذلك
لأنه كان مقتنعًا بأن قوة المال لدى السواد الأعظم من الناس كفيلة بمحو ما في نفوسهم
من
بغضاء وكراهية، وبعد أن هدأت النفوس بهذه الكيفية بين رجال الجيش أملى عليهم صيغة
اليمين الذي كانوا قد تعودوا حلفه عند إعلان تولي ملك جديد عرش الملك. أما خطوته
الثانية التي دبرها لسلامة الأحوال في الداخل؛ فكانت تدل على بعد النظر، وآية ذلك
أنه
أبعد «فيلامون» الذي كان قد أخذ على نفسه الإشراف على قتل الملكة «أرسنوي الثالثة»
فعينه حاكمًا على إقليم «لوبيا» أو بعبارة أخرى «كرنيقا»، أما الملك الطفل فقد وكل
أمر
تنشئته والعناية به لأمه «أونانتا» وكانت امرأة جبارة، ولأخته «أجاتوكليا» حظية الملك
السابق المفضلة.
بعد ذلك فكر في أن يعمل على أن يصفو له الجو تمامًا من كل من يخاف شره أو خيانته،
ومن
ثم أرسل «بيلوبس» Pelops بن «بيلوبس» إلى آسيا على زعم
أن يكون على مقربة من الملك «أنتيوكوس الثالث»، وذلك لأجل أن يطلب إليه اتباع سبيل
الود
والمصافاة مع مصر، وألا يخرق حرمة الاتفاقات التي كان قد أوثقت عراها مع والد الطفل
الذي يتربع على العرش الآن. هذا ونرى «أجاتوكليس» بعد ذلك يرسل «بطليموس» بن «سوسيبيوس»
إلى «فيليب» ملك مقدونيا؛ ليطلب إليه أن يمد يد المساعدة لمصر إذا ما هاجمها «أنتيوكوس»
خارقًا بذلك حرمة المعاهدات المبرمة بينه وبين مليكها السابق. هذا، ويقال إنه كلف
كذلك
بإتمام مسألة الزواج، غير أن العبارة التي جاءت عن هذا الزواج غامضة؛ وذلك لأن
«بطليموس» لم يكن وقتئذ في سن الزواج من جهة، هذا إلى أن «فيليب» من جهة أخرى لم
تُعرف
له ابنة لتتزوج، يضاف إلى ذلك أن «أجاتوكليس» أرسل «بطليموس» ابن «أجيساركوس»
Agesarcos إلى مجلس شيوخ الرومان، وأومأ إليه بألا
يتعجل إتمام المأمورية التي كُلف بها؛ بل أفهمه أنه عندما يستقر به المقام في بلاد
اليونان في طريقه ويقابل هناك الأهل والأصدقاء عليه أن يبقى هناك.
والواقع أن «أجاتوكليس» كان يقصد من إبعاد هؤلاء الشخصيات هو لأجل أن يتخلص من جميع
أولئك الرجال البارزين الذين كان يخشى معارضتهم؛ وذلك لأنهم كانوا يعرفون مخازيه.
وقد
كان آخر من أبعده عنه «سكوباس» الأتولي، فقد أرسله إلى بلاد الإغريق بحجة تجنيد جنود
مرتزقين، وفعلًا زوده بكمية كبيرة من الذهب لدفع أجور المجندين مقدمًا، وكان
«أجاتوكليس» قد اتخذ هذا القرار لسببين: أولهما: أنه كان قد عزم على أن يستخدم هؤلاء
الجنود الجدد لمحاربة «أنتيوكوس» ملك السليوكيين، والسبب الآخر: هو أنه أراد أن يرسل
الجنود المرتزقين القدامى المرابطين في الإسكندرية — وكان يخشى بأسهم — إلى المعاقل
التي في داخل البلاد المصرية أو إلى المستعمرات. أما الجنود المرتزقون الجدد؛ فكان
يرمي
إلى استخدامهم في حاميات المدينة ليكونوا حرسًا للقصر الملكي وللملك نفسه، وكان يخيل
إليه أن رجالًا مثل هؤلاء المرتزقين الجدد لا بد أن يكونوا طوع بنانه؛ لأنهم سيتقاضون
أجورهم منه مباشرة، وفي الوقت نفسه لم يكونوا على علم بالأحداث التي سبقت مجيئهم،
وعلى
ذلك لن يتدخلوا في شيء، وظن أنهم سيضعون كل آمالهم فيه، وبذلك يكونون له أعوانًا
مطيعين، وعلى استعداد لحمايته إذا قام الأهلون بثورة عليه، وبهذا يعيدون له النظام
وينفذون كل ما يأمرهم به.
والواقع أن «أجاتوكليس» كانت لديه أسباب وجيهة تدعوه للشك واتخاذ الحيطة من أولئك
الذين كانوا حوله سواء أكانوا من عظماء القوم أم من صغارهم، وبعبارة أخرى: كان يعيش
في
جو ملؤه الخوف والرعب، ومن أجل ذلك بث عيونه في كل مكان، ولا ريب في أن رجال شرطته
كانوا كلهم بصرًا وسمعًا لكشف ما قد يُحاك من مؤامرات حوله، فمن ذلك أن فردًا يُدعى
«دينون»
Dinon١ وهو من الذين اشتركوا في جريمة قتل الملكة «أرسنوي الثالثة»، نراه بدلًا من
أن يظهر إخلاصه لسيده «أجاتوكليس» قد أخذ يدلي لكل من هب ودب بأسرار مفزعة عن تلك
الجريمة أقضت مضجع «أجاتوكليس»، ومن أجل ذلك أمر بإعدامه في الحال، وكان هذا العمل
بلا
نزاع أعدل حكم بين مظالمه. غير أن «أجاتوكليس» — لسوء حظه — لم يَكْتَفِ بالقضاء
على
شركائه في الجرائم التي ارتكبها بل تخطى ذلك، وكانت عادته في مقاومة الرأي العام
قد
جعلته ينسى ما كان يجب أن يكون عليه من حزم وحذر، وكان كل ما يُشاع عنه وقتئذ ينحصر
في
ألوان تهتكه وخلاعته ومغامراته مع النسوة المتزوجات والمخطوبات والعذارى، فقد دنس
الكثيرات منهن بهتك أعراضهن، هذا فضلًا عن شهرته بالكبرياء والصلف، مما أدى به إلى
الإفراط والتفاني في الموبقات، ومع ذلك نجد أن القوم لم يجدوا بدًّا من كم أفواههم
والصبر على تحمل مظالمه وشروره، إلى أن يقيض الله لهم الرجل الذي يكون عنده من الشجاعة
والإقدام؛ ليتكلم فيعبر عن شعور القوم.
٢ والواقع أن الشعب كان على استعداد للترحيب بأي شخصية تخلصه من هذا الطاغية،
وكان ظهور مثل هذه الشخصية متوقعًا، ولم يمض طويل زمن حتى ظهر الرجل المرتقب وهو
«تليبوليموس»
Telepolimus، وقد كان قبل الآن في زوايا
الإهمال مبعدًا أيام حياة الملك «فيلوباتور»، وكان عليه أن يقوم بقيادة فرقة الجنود
في
إحدى جهات القطر، ثم غضب عليه، ومن ثم عاد إلى الحياة الحرة، غير أن حياة الجندية
كانت
في دمه كما كان فضلًا عن ذلك مغرمًا بالمناورات — كما يقول المؤرخ «بوليبيوس». وعلى
أثر
موت «فيلوباتور» ظهر أن الغضب عليه كان سبب في جعله محبوبًا بين أفراد الشعب، يُضاف
إلى
ذلك أن مصر وقتئذ كانت مهددة بالغزو من قبل ملك سوريا «أنتيوكوس الثالث».
ومن أجل ذلك أصبح «تليبوليموس» الرجل الذي تحتاج إليه البلاد لحمايتها من هذه
الناحية، ولذلك لم ير «أجاتوكليس» بدًّا من إرساله إلى «بلوز» الواقع على الحدود
—
الفرما — للإشراف على تخوم مصر هناك، وهي المكان الذي كان ينتظر منه الهجوم على مصر،
وقد كان «أجاتوكليس» يأمل من وراء ذلك أن ينهمك هذا القائد في شئون «سوريا»؛ وبذلك
يبتعد عن مجريات الأمور في الإسكندرية، وألا يكون له ضلع فيها، غير أن خطر قرب
«تليبوليموس» من بلاط الإسكندرية وإبعاده عنه — كما ظن «أجاتوكليس» — كان ضربًا من
الأوهام؛ إذ برهنت الحوادث التي تلت على أن إعطاءه القيادة في «بلوز» كان ينطوي على
نفس
الخطر الذي كان ينجم لو كان في الإسكندرية؛ وذلك أنه على بعده قد قام بمعارضة
«أجاتوكليس»، وعمل على استمالة الجنود الذين تحت إمرته إلى جانبه بإقامة الولائم
لهم،
ودعوتهم لمشاركته في مائدته دون أي تحفظ، لدرجة أنه كان يشرب في حضرتهم نخب مزين
الولائم والعازف على العود والحلاقة، كما شرب في صحة الغلام الحظي الذي كان وهو لا
يزال
فتيًّا يصب الخمر للملك، هذا وكان بعد انتهاء حفلات معاقرة بنت الحان يباح كل شيء
من
أنواع الموبقات والمتع الجسدية، وعندما علم «أجاتوكليس» بما كان يدبره له هذا القائد
حاول أن يسبقه فينصب حبائله التي يفسد بها عليه مؤامرته، وكان أول مكيدة دبرها له
أن
نشر شائعة مفادها أن «تليبوليموس» على وشك أن يخون بلاده ومليكه، وأنه سيسلم حكومة
مصر
إلى يد «أنتيوكوس». غير أن هذه المكيدة لم تلق قبولًا حسنًا عند الشعب المصري الذي
كان
يعلم أن «أجاتوكليس» كان يخاف منافسة هذا القائد له، ومن أجل ذلك افترى عليه هذه
الفرية، فزادت في حب الشعب له، هذا وكان «أجاتوكليس» في تلك الفترة في وجل، وقد أراد
أن
يتأكد على الأقل من ولاء جنود حامية الإسكندرية في حالة قيام الشعب بثورة عليه، ومن
أجل
ذلك أخذ يناشد وطنية الجنود المقدونيين وإخلاصهم للملك الطفل الذي اضطرته خطورة الموقف
أن يعرضه بين يديه أمامهم وهو يبكي مستدرًّا بذلك عطفهم، غير أن هذا المشهد الذي
أراد
به «أجاتوكليس» هو وأخته «أجاتوكليا» — مربية الملك المزعومة — استدرار عطف الجنود
والشعب معًا؛ قد أخطأ المرمى، وكان من جراء ذلك أن استهزأ بهما الشعب، وصرخ في وجهيهما
صرخة غضب وسخط. يضاف إلى ذلك أن «أجاتوكليس» قد قوبل بنفس السخرية من فرق الجنود
الآخرين عندما كان يريد أن يستميل كل فرقة على حدة، وكانت الطامة الكبرى أن بعض جنود
حاميات المديريات الكبيرة وهم الذين كان قد وضعهم فيها بعد أن أجلاهم عن الإسكندرية؛
قد
عادوا بكثرة إلى الإسكندرية، وحرضوا أصدقاءهم وأقاربهم على «أجاتوكليس» وبطانته؛
بسبب
ما أصاب مصر من بؤس وتعاسة؛ ومن ثم عقدوا العزم على ألا يتركوا البلاد تُهان على
أيدي
طغمة من الناس بلغت بهم الحقارة والدناءة إلى هذا الحد المخزي المشين. ولما رأى القائد
«تليبوليموس» أن الأمور قد تطورت إلى هذا الحد كان هو من جانبه قد اتخذ للموقف عدته؛
فجوع أهالي الإسكندرية بمنع المئونة عنها، وذلك ليسرع في تعجيل قيام الثورة التي
كانت
على وشك الانفجار.
ومن سخرية القدر أن «أجاتوكليس» نفسه قد عمل على تقريب اندلاع نار هذه الثورة؛ وذلك
بما ارتكبه من أعمال العنف والظلم؛ فمن ذلك أنه كان يرغب في أن تكون في يديه رهائن
من
بين أعدائه، فأمر بالقبض على «دانايس» Danaes حماه
«تليبوليموس»؛ ثم حرر قائمة بأشخاص آخرين ليقبض عليهم. يضاف إلى ذلك أنه قد شك في
أن
القائد «موراجين» Moeragene كان على اتصال في الخفاء مع
«تليبوليموس» وأنه يتآمر كذلك مع قريبه «أداوس» Adaeos
حاكم مدينة «بوبسطه»، ومن ثم أمر بالقبض عليه على أن يُعذَّب حتى تُنتزَع منه
الاعترافات التي تدل على الجريمة المنشودة.
وقد كان هذا الحادث الأخير الشرارة الأولى التي أشعلت نار الثورة في البلاد، وقد أفلت
«موراجين» في اللحظة الأخيرة التي كان سيُقَدَّم فيها إلى آلة التعذيب، وذلك أنه
انتهز
فرصة الارتباك والفوضى التي كانت سائدة في القصر وولى هاربًا عاري الجسم كما وضعته
أمه،
وملتجئًا إلى الجنود المقدونيين الذين كان سرادقهم مُقامًا على مسافة قريبة من القصر
الملكي.
والواقع أن هؤلاء الجنود لم يكتفوا بإجارته؛ بل أهاج مشاعرهم هذا العمل الوحشي،
ونادوا بحمل السلاح لمحاربة «أجاتوكليس» الفاسق اللعين. ولم تَمْضِ إلا برهة قصيرة
حتى
كان كل الأجناد في ثورة عارمة، وقد حذا سكان مدينة الإسكندرية حذوهم حتى انتشرت الثورة
في كل أنحائها.
هذا، ويصف لنا المؤرخ «بوليبيوس» الذي نتتبع خطاه في كتابة تاريخ هذه الفترة من تاريخ
أرض الكنانة — لأنه يُعَدُّ مصدرنا الرئيسي تقريبًا — بشيء من المتعة — الفظائع الخارجة
عن حد المألوف التي ارتكبها الإسكندريون ورجال الجيش في اليوم التالي لقيام الثورة.
ومن
المدهش أن «أجاتوكليس» كان قد صادر أثناء الليل منشورًا وجهه «تليبوليموس» لجنوده،
وبعد
ذلك عكف على إغراق مخاوفه وهمومه في شرب الخمر واللهو غير حاسب حساب ما يجري من أحداث
في أنحاء المدينة التي كانت تعجُّ بالثائرين، وفي أثناء ذلك كانت أمه «أونانتا» قد
ملأ
قلبها الخوف والفزع، ومن ثم أسرعت إلى «تسموقورنيون»، معبد الإلهة «ديمتر»؛ حيث كان
يُحْتَفَلُ بالتضحية السنوية، ونجدها قد خاطبت هناك الآلهة متضرعة واليأس يغمرها،
وبعد
ذلك جلست عند قاعدة المذبح. وفي خلال ذلك تأمل نسوة البلاط هذا الحزن الذي كان يغمرها
في سكون وبدون إظهار أي ألم، غير أن بعضهن ممن كن لا يعرفن ما قدره لها الغيب اقتربن
منها يعزينها ويواسينها.
وهؤلاء النسوة كن قريبات «بوليكراتيس» الذي كان آنذاك حاكم قبرص، غير أن «أونانتا»
التفتت إليهن في غضب وحنق وصاحت قائلة: المارقات! إني أعرف سر صلواتكن الخفية الخبيثة،
ولكن أقسم بحياة الآلهة ستأكلونن لحم أبنائكن. ثم أمرت الخدم بضربهن بالسياط، وعندئذ
ولت النسوة الأدبار رافعات أيديهن للآلهة قاذفات من أفواههن اللعنات على
«أونانتا».
وعلى أية حال نجد «أجاتوكليس» في نهاية الأمر يخرج من غفوته وتقاعسه ويتنبه للخطر
الذي كان محدقًا به، فنراه ومعه كل أقاربه أي كبار موظفي البلاد عدا «فيلامون» يذهبون
توًّا إلى جوار الملك، ويقودونه إلى قاعة عمد كانت توصل بين القصر الملكي والمسرح،
وكان
«أجاتوكليس» وقتئذ مزمعًا الفرار من هذا المنفذ، وإلا فإنه كان عليه أن يقيم المتاريس
خلف ثلاثة الأبواب الضخمة القائمة في محور البهو، وقد اتضح له أن الهرب كان أمرًا
غير
ممكن؛ وذلك لأن القصر كان كجزيرة تتلاطم على جوانبها الأمواج الهائجة من الثائرين،
فقد
كان يحتوي على جمهور من الناس الذين احتشدوا فيه حتى درج السلم؛ بل وحتى أسقف المنازل
في الأماكن المجاورة، وكل أولئك كانوا يطلبون رؤية الملك. غير أنه حتى طلوع الفجر
لم
يظهر الملك الذي كان يطالب به الشعب. وعلى أثر ذلك اجتاح الجنود المقدونيون قاعة
المجلس
الكبرى، وعندما عرفوا المكان الذي فيه مليك البلاد هشموا أبواب الدهليز الأول، وعندما
وصلوا إلى البوابة الثانية طلبوا رؤية الملك بأصوات مرتفعة. وقد طلب «أجاتوكليس»
عندما
رأى نفسه في خطر مداهم من الجنود الذين كانوا قد حوصروا معه أن يذهبوا إلى الجنود
المقدونيين ويخبروهم على لسانه بأنه مستعد لأن ينزل عن وصايته على الملك وعن كل سلطته
وجميع ألقابه وما ملكت يداه مقابل منحه الحياة وما يقيم به أوده، وأنه عندما يعود
إلى
زمرة الشعب فلن يكون في مقدوره — حتى لو أراد — إلحاق أي أذى بأي إنسان.
في هول هذا الموقف أراد أحد الأجناد — بعد شيء من التردد — أن يلعب دور الحكم، وهو
«أريستومنيس» Arestomenes الأكاراني، غير أنه لسوء حظه
عندما أراد أن يقوم بدوره هذا لم ينج من أيدي الشعب الثائر إلا بأعجوبة؛ إذ قد أمره
الثوار بالانصراف وألا يعود ثانية إلا والملك معه، أما الجنود المقدونيون فإنهم بعد
أن
صرفوا هذا الوسيط هاجموا الباب الثاني واقتحموه، وعندما رأى «أجاتوكليس» اشتداد حنق
المقدونيين عليه ذهب لينظر إليهم من خلف القضبان وهو يتضرع إليهم بكلتا يديه.
وفي تلك الأثناء أخذت أخته «أجاتوكليا» تتوسل إليهم بكل الطرق التي تستدر العطف حتى
إنها كشفت عن ثدييها اللتين أرضعت منهما الملك، وكل ما كانت ترجوه من هذه التضرعات
والتوسلات هو النجاة بحياتها، وفي نهاية الأمر لما لم يجد «أجاتوكليس» وأخته فائدة
من
توسلاتهما وانتحاباتهما، وأن ذلك لم يغير شيئًا في موقفهما قررا إرسال الملك مع الجنود
للشعب، وفي الحال استولى الجنود المقدونيون على الملك، ووضعوه على صهوة جواد، وقادوه
إلى الاستاد — الملعب العام. وعندما شاهده الشعب الثائر انطلقت صيحاته إلى عنان السماء،
وقوبل بالتصفيق من كل مكان. وبعد ذلك أُنزل الملك الطفل من على صهوة الجواد، وأُجلس
على
عرش الملك. والواقع أن مجموع الثوار قد ارتسمت على وجوههم سيما الفرح والحزن في آن
واحد؛ فقد فرحوا لأنهم استردوا مليكهم من أيدي طغمة فاسدة، وحزنوا لأنه لم يُقبض
بعد
على أولئك المجرمين الذين عاثوا في الأرض فسادًا لكي يُوقع عليهم ما يستحقون من عذاب؛
ومن ثم كانت تتعالى صيحات مستمرة من بين مجموع الثوار مطالبة بوجوب سوق كل أولئك
المجرمين الذين ارتكبوا هذه الفظائع والآثام، وعرضهم على مرأى من الشعب، وقد كاد
اليوم
أن ينتهي ولم يكن لدى الشعب هدف إلا الحصول على المجرمين؛ ليصبوا عليهم جام غضبهم
وسخطهم.
وفي تلك اللحظة الرهيبة ظهر «سوسيبيوس» الصغير ابن الوزير «سوسيبيوس» وكان وقتئذ قائد
الجيش، وحسمًا للموقف وتهدئة للخواطر اتخذ قرارًا في صالح الكل؛ وذلك أن هذا القائد
لما
رأى أن لا وسيلة لتهدئة غليان نفوس الشعب — هذا بالإضافة إلى أن الملك الصبي كان
مرتبكًا لما كان يحدث حوله من رجال حاشيته، ولم يكن قد تعود رؤيتهم من قبل، كما أنه
لم
يشهد من قبل صخب الجمهور وهياجه — سأل الملك إذا كان يقبل تسليم أولئك الذين نغصوا
حياته وقتلوا والدته لتهدئة السخط العام، ولما أومأ الملك بالرضى قال «سوسيبيوس»
لبعض
الجنود الذين كانوا حوله بأن يلعنوا الإرادة الملكية، وعلى إثر ذلك صاحب «سوسيبيوس»
الملك الطفل إلى بيته هو وكان قريبا جدًّا من القصر الملكي؛ وذلك ليعيد له طمأنينته
وقواه.
هذا، ولم يكد أمر الملك يُعلن حتى دوت صيحات الفرح وتعالت الهتافات، وفي خلال تلك
الفترة كان «أجاتوكليس» وأخته «أجاتوكليا» منزويين في عقر دارهما، ولكن لم تكد تُعلن
الإرادة الملكية حتى أخذ الجنود يبحثون عنهما من تلقاء أنفسهم أو بتحريض من الشعب
الثائر، ولم يمض طويل زمن حتى وقعت حادثة محزنة كانت البداية لمذبحةٍ مريعة أودت
بحياة
«أجاتوكليس» ومن كان في ركابه من الذين عاثوا في الأرض فسادًا؛ وذلك أن أحد أتباع
«أجاتوكليس» الموالين له ويدعى «فيلون»
Philon ظهر في
الاستاد — الملعب العام — وهو مخمور، وعندما رأى الشعب في حالة هياج صاح قائلًا:
إذا
سحب «أجاتوكليس» نفسه من هذا الموقف فإن القوم سيندمون كما حدث ذلك من قبل، ولم يكد
«فيلون» ينتهي من جملته هذه حتى أخذ بعض المتجمهرين يسبونه، كما أخذ بعضهم الآخر
يطوحون
به في عنف، ولكنه عندما أبدى مقاومته للشعب الثائر؛ فإنهم مزقوا عباءته ثم طعنوه
بحربة.
هذا ولم يكد أفراد الشعب يشاهدونه يُجَرُّ مضرجًا في دمائه في هذا المكان وسط عاصفة
من
السخط حتى استولت عليهم شهوة حب سفك الدماء، وكانوا ينتظرون تلك اللحظة بفارغ الصبر
ليصبوا جام غضبهم على تلك الضحايا التي كانوا ينتظرون وصولها. ولم تمض برهة حتى وصل
«أجاتوكليس» زعيم أولئك الأوغاد مُصفَّدًا في السلاسل والأغلال، ولم يكد يمثل أمام
الشعب حتى انقض عليه بعض الثوار، وطعنوه بحرابهم في الحال، والواقع أن قتلته قد قدموا
له خدمة عظيمة؛ وذلك أنه بدلًا من أن يلقى النهاية التي كان يجب أن يلقاها أمثاله
من
تعذيب وتنكيل فإنه مات بطعنة حربة وحسب، ثم جيء من بعده بالقائد «نيكون» وهو أحد
أقارب
«أجاتوكليس» ثم سيقت بعده «أجاتوكليا» عارية الجسم ومعها أخواتها وكل أفراد أسرتها،
وقُضي عليهم جميعًا، وأخيرًا جاء دور الفاجرة «أونانتا» أم «أجاتوكليس» فسيقت عارية
على
صهوة جواد إلى مصيرها المحتوم. وهكذا رأينا كل هؤلاء التعساء الأوغاد قد قُدموا إلى
الشعب لينتقم منهم. والواقع أن فريقًا من الثوار كانوا ينهشونهم بأنيابهم، وفريقًا
آخر
يطعنونهم برءوس الأسنة، وآخرون منهم كانت تقتلع أعينهم من محاجرها. وعندما كانت تخر
منهم ضحية صريعة كانوا يقطعونها إربًا إربًا. وهكذا مُزِّقَ كل هؤلاء المجرمين بهذه
الصورة البشعة، ولا غرابة في ذلك؛ فإن قسوة المصريين عند إثارة حفيظتهم وغضبهم كانت
فظيعة إلى درجة الوحشية، وخلال تلك المذبحة الدامية قامت طائفة النسوة اللائي كن
الصديقات المخلصات للملكة «أرسنوي الثالثة» وقصدن بيت «فيلامون» الذي كان له ضلع
كبير
في تدبير مؤامرة قتل الملكة، وكان وقتئذ قد أعلن وصوله من «سيريني» إلى الإسكندرية
منذ
ثلاثة أيام، ومن ثم أسرعن إلى بيته وهجمن عليه وقتلنه رجمًا بالحجارة وضربًا بالعصي،
ثم
قضين على ابنه الذي كان لا يزال طفلًا غيظًا وحنقًا عليه، وأخيرًا جرت امرأة «فيلامون»
عارية الجسد إلى قارعة الطريق حيث ذُبحت. وهكذا كانت نهاية «أجاتوكليس» وأخته
«أجاتوكليا» وأمهما «أونانتا»، وكل الأسرة، ومن كان في ركابها من المجرمين «عام ٢٠٢ق.م».
٣
ومما سبق نشاهد أن غضب الشعب قد طوَّح دفعة واحدة بكل أولئك الأفراد دون أن ينتظر
الوصول إلى معرفة من كانت تقع عليه المسئولية من بين أولئك الأوغاد الذين كانوا ملتفين
حول العرش في عهد الملك السابق.
على أننا من جهة أخرى نرى أن «تليبوليموس» الذي مجد الملكية قد أُسندت إليه الوصاية
على الملك، أو بعبارة أخرى: أصبح المربي للملك الصبي «بطليموس الخامس»، وهو الذي
خف
بجيشه الذي كان يرابط به على الحدود في «بلوز» إلى الإسكندرية، وقد أتى ليحل محل
«أجاتوكليس» بطبيعة الحال؛ لأنه كان وراء كل التدابير التي أُحكمت للقضاء على
«أجاتوكليس» وأسرته.
ويحدثنا «بوليبيوس» — مؤرخ هذه الفترة ومعاصرها — أن الوصي الجديد على العرش كان لا
يزال في ميعة الشباب صاحب شمم وإباء وشجاعة وإقدام، كما كان مشهودًا له بحسن القيادة،
وعلى أية حال فإن منصبه الجديد كان مدعاة إلى أن ينسب إليه الملتفون حوله كل ضروب
الفطنة والذكاء وينفوا في الوقت نفسه عنه كل نقيصة أو رذيلة. والواقع أن هؤلاء الذين
مجدوه من إخوانه لم يفقهوا إلا فيما بعد بأنه رجل غر مخدوع بنفسه وقح منكب على الألعاب
والتمتع بأجساد الغواني، ومما زاد الطين بلة أنه قد برهن على أنه إداري فاشل قصير
النظر
في تصريف شئون الدولة؛ فقد برهنت الحوادث على أنه كان متعودًا على إفلاس خزانة الدولة؛
وذلك بأن يأخذ منها ملء يديه ليرضي أصدقاءه ومالقيه وقواده، والظاهر أن «تليبوليموس»
لم
يُعْطِ نفسه كل سلطة الوصي في بادئ أمره؛ فمن ذلك أنه وَكَّلَ أمر حراسة الحاشية
الملكية وما يتبعها وكذلك حراسة الملك نفسه إلى «سوسيبيوس» الصغير الذي قام بعمله
بكل
حزم وكرامة، غير أنه بعد فترة قصيرة أخذت العلاقات تسوء بين الوصي وبين رجال البلاط
الذين لم يرغبوا في الانخراط في سلك الرجال الذين كانوا يملقون «تليبوليموس» ويكيلون
له
الثناء جزافًا؛ ومن ثم نرى أنه في حين كان الوصي يضيع وقته في لعب الكرة والمبارزة،
وإقامة الولائم مع أصدقائه، والانهماك في ميدان اللهو والخلاعة؛ نجد أن الساخطين
عليه
ينهالون عليه بالنقد والتقريع، ثم أخذوا في الواقع يوازنون بين خلاعته وإسرافه وبين
استقامة «سوسيبيوس» ومحافظته على كرامته وحسن سمعته.
وفي خلال تلك الفترة كان «بطليموس» أخو «سوسيبيوس» قد عاد من مقدونيا حيث كان قد
أرسله «أجاتوكليس» في رسالة خاصة — كما ذكرنا آنفا — وقد حاول «بطليموس» هذا إثر
عودته
إحداث انقلاب صغير خاص بالوصي الذي كان يقظًا، هذا مع العلم أن «بطليموس» لم يكن
قد حصل
على شيء ما من «فيليب الخامس» ملك مقدونيا لمساعدة مصر على عدوهما «أنتيوكوس الثالث»؛
بل نجد أنه في مدة إقامته في «بلا» عاصمة مقدونيا قد اختلط بشباب البلاط هناك، وظهر
بمظهر الفخفخة والأناقة، هذا فضلًا عن أنه كان معجبًا بنفسه قبل سفره، والواقع أنه
كان
قد تسلط عليه الغرور بسبب المكانة التي كان قد وصل إليها بوساطة والده الوزير
«سوسيبيوس» الكبير، وقد خُيل إليه أنه قد بلغ مبلغ الرجال منذ أن قام برحلته هذه
إلى
مقدونيا واتصل بالمقدونيين الحقيقيين، ومن ثم رأى — بعد أن عاش بينهم — أن مقدونيِّي
الإسكندرية كانوا لا يزالون عبيدًا مخبولين. والواقع أن «تليبوليموس» عندما رأى ما
عليه
«بطليموس» من غرور وكبرياء، ذلك بالإضافة إلى المؤامرات الدنيئة التي كان يدبرها
«سوسيبيوس» مع مناهضه لإقصائه عن وصاية الملك؛ أخذ في إظهار احتقاره له، غير أنه
في
نهاية الأمر عندما علم أن «سوسيبيوس» تآمر عليه في اجتماع سري، وأن أعداءه قد اجترءوا
في غيبته على اتهامه علنًا بأنه قد أساء إدارة البلاد؛ فإن هذا المسلك حز في نفسه،
ومن
ثم جمع مجلس الدولة، وأعلن في خطبة ألقاها أنه إذا كان خصومه سيغتابونه ويذمونه فيما
بينهم فإنه لا بد عازم على اتهامهم علنًا في مواجهتهم. وبعد خطبته الرنانة هذه أمام
المجلس استرد الوصي خاتم المالية من «سوسيبيوس» وحفظه عنده، ومنذ تلك اللحظة كانت
كل
شئون الدولة في يديه.
هذا، ولما أصبح «تليبوليموس» دكتاتورًا على البلاد على الرغم من أنه لم يَمْضِ على
ذلك طويل زمن رأى تدهور شعبيته ونهايته في أعين الذين كانوا يناصرونه ويؤازرونه ويفخر
بهم.
ومما يُؤْسَفُ له جد الأسف أن هذا القائد الشجاع لم يبحث أبدًا عن الفرصة التي يمكنه
بها استعراض شجاعته في ميدان القتال؛ بل تقبل بسهولة بالغة نصيبه من المصائب التي
حلت
بالسياسة المصرية في داخل البلاد وخارجها.
والواقع أن الحوادث كانت تجري سراعًا خارج مصر مما أدى إلى ضياع ممتلكاتها التي كانت
مفخرة ملوك البطالمة، ولقد كان من السهل عليه أن يتنبأ بها، ومع ذلك فإنها قد باغتته
وهو في غفلة من أمره.
ضياع ممتلكات مصر في الخارج
لم يتنبأ السفير المأفون «بطليموس» الذي عاد من مقدونيا بشيء — على ما يُظن — مما
كان يدور بين «فيليب الخامس» ملك مقدونيا وبين «أنتيوكوس الثالث» ملك سوريا، ولا
شك
في أن «أجاتوكليس» كان يتوقع الهجوم على أملاك مصر في «سوريا الجوفاء» من قبل
«أنتيوكوس» غير أنه كان يمني نفسه بالأمل الكاذب في أن يجعل ملك مقدونيا حليفًا
له
على ملك «سوريا»، غير أنه في خلال هذه الفترة كان كل من ملك مقدونيا وملك سوريا
يطمع في مد سلطانه على حساب ممتلكات مصر؛ ومن ثم كان كل منهما يعد مصر فريسة له،
وأنهما سيقسمانها فيما بينهما إذا وصلا إلى اتفاق على ذلك. وفي ذلك يحدثنا المؤرخ
«بوليبيوس»
٤ بشيء من الغرابة؛ فاستمع لما يقوله: «إنه لمن المدهش أن «بطليموس
الرابع» عندما كان حيًّا كان في مقدوره أن يستغني عن مساعدة «فيليب الخامس»
«وأنتيوكوس الثالث»، وكانا هما من جانبيهما مستعدين لمساعدته، ولكن بعد أن حضرته
الوفاة تاركًا وراءه طفلًا صغيرًا؛ فإنه كان من واجبهما أن يعملا على مساعدته
للبقاء على عرش والده، غير أننا نجد أن كلًّا منهما في هذا الظرف يشجع صاحبه على
الإسراع في تقسيم ممتلكات هذا الطفل فيما بينهما والقضاء على ملكه جملة، والواقع
أن
مثلهما في ذلك كمثل السمك الذي من نوع واحد يأكل الكبير منه الصغير.» ولا شك في
أن
«بوليبيوس» لم يكن مبالغًا في تمثيله هذا من حيث شره هذين العاهلين.
والواقع أنه كان من الصعب عليهما أن يتفاهما فيما بينهما على تقسيم مصر نفسها،
ولا نزاع في أن ما كان يريده كل منهما في قرارة نفسه، وما يمكن أن يكون أساسًا
لقيام محالفة حقيقية فيما بينهما هو تقسيم أملاك البطالمة خارج حدود مصر، وذلك على
أساس أن يأخذ كل منهما ما كان في متناوله، وعلى هذا المبدأ كان يستولي «فيليب» على
إقليم «تراقيا» الذي كان — على ما يُظن — قد بدأ يستحوذ عليه لنفسه في عام ٢٠٤ق.م،
وفي عام ٢٠١ق.م استولى أسطوله على «ساموس» كما قام بغزو إقليم «كاريا». أما
«أنتيوكوس» فكان مقصده الاستيلاء على «سوريا الجوفاء» و«فنيقيا»، وقيل كذلك: إن
هذين العاهلين قد تعاهدا سويا على القيام بحملة بالتبادل؛ فيقوم «فيليب» مع
«أنتيوكوس» بغزو مصر وقبرص من جهة، وكذلك يقوم «أنتيوكوس» «وفيليب» بحملة على
سيريني «لوبيا» وجزر «سيكلاديز» و«إيونيا». غير أن هذا النبأ ليس مؤكدًا. وعلى أية
حال فإن هذه الخطة قد عزيت إليهما، ولم يكن هناك في حقيقة الأمر حاجة إلى أن يساعد
الواحد منهما الآخر بضم جيشهما سويًّا لتنفيذ خطتهما، فقد كان يكفي أن يسيرا في
وقت
واحد لملاقاة الجيوش المصرية، وهذا في الواقع ما تم.
وقد برهنت الأحوال على أن «فيليب» كان دائمًا شاكي السلاح مترقبًا دائمًا الفرص،
ومن ثم كان هو السابق في الاستعداد لخوض غمار الحرب؛ فقد رأيناه منذ عام ٢٠٢ق.م
ينقض على «تراقيا» دون إعلان سابق للحرب، وذلك في حين كان القراصنة الذين في خدمته
— وهم الذين كان على رأسهم «ديسارق»
Decearque
الآتولي — قد أشعلوا النار في جزر «سيكلاديز» وأسالوا فيها الدماء، وكذلك عملوا
بالمثل في المدن النهرية التي على الدردنيل
Hellespont. وعلى ذلك فإن عملاء مصر لما رأوا
أنها قد هجرتهم ولم تمد إليهم يد المساعدة لم يروا بدًّا من الالتجاء إلى الحلف
«الآتولي» لحمايتهم، ومن ثم نجد أن «ليزيماكيا»
Lysimachia و«كالسيدوين»
Chalcedoine قد وكلا أمر الدفاع عنهما لقواد آتوليين.
٥ وقد كان من جراء تدخل أعداء «فيليب» الأبديين أن اشتد حنقه على هذه
البلاد، وشدد عليها الخناق؛ فسقطت «ليزيماكيا» في قبضته، ثم تلتها «برينيت»
Perinethe، ومن بعدها «كالسيدوين». يُضَاف إلى
ذلك أن أخاه «بروسياس» قد ساعده على الاستيلاء على «سيوس»
Cios، ثم إنه في عودته فتح «تاسوس»
Thasos، وبذلك نقض الميثاق الذي كان قد أخذه
على نفسه لأهالي «تاسوس» هذه وهو أن يمنحهم استقلالهم التام. وعلى أية حال فإن هذا
العاهل قد أظهر في كل أعماله سوء النية، هذا فضلًا عن أنه كان رجلًا قاسي القلب
خائنًا.
وقد قام في العام التالي كما ذكرنا من قبل — ٢٠١ق.م — بتجهيز أسطول عظيم، وكان
أول ما استولى عليه هو جزيرة «ساموس» التي كانت تُعد أهم الممتلكات المصرية عند
ساحل آسيا الصغرى، وتدل الظواهر على أن «ساموس» قد استسلمت دون امتشاق
الحسام.
وبعد ذلك نرى أن «فيليب» ولى وجهه شطر «خيوس» فجأة ظنًّا منه أنه سيستولي عليها
على حين غفلة من أهلها، ولكن المدينة قاومته وطلبت النجدة من مصر، غير أن الأخيرة
لم تنصفها؛ ويرجع السبب في ذلك إلى أن الدسائس في البلاط الإسكندري قد شغلت بال
الحكومة. وبعد ذلك جاء دور «رودس»، وكان أهلها بعد أن احتجوا عبئًا على تعدي هذا
القرصان الذي لا ضمير عنده ولا قانون يردعه عن النهب والسلب؛ بل كان فوق ذلك من
ديدنه أن يبيع من يقهرهم بيع السلع، والقضاء على حريتهم، ومن ثم فإن أهالي «رودس»
قد وطدوا العزم وعقدوا النية في آخر الأمر على أن يدافعوا عن مصالحهم وحريتهم
بالسلاح مستعينين في ذلك بالضمير الدولي وقتئذٍ، وفي أثناء ذلك كانوا قد ضموا إلى
جانبهم بالتحالف «خيوس» و«سيزيق» و«بيزنطة»، وأخيرًا «أتالوس» ملك «برجام»، وفعلًا
توجه أسطولا «رودس» و«برجام» لفك حصار «خيوس».
هذا، ولما كان «فيليب» يحاول وقتئذ استرداد جزيرة «ساموس»، فإن «أتالوس» هاجمه
ومعه أمير البحر الروديسي المسمى «تيو فيلسكوس»
Theophelescos في المضيق الذي يكون بين «خيوس»
وساحل «آسيا الصغرى» رأس «أرجينون» Argenon، وقد
هُزم في هذه البقعة الأسطول المقدوني بعد أن خسر خسارة عارمة في العتاد، غير أن
«أتالوس» عندما رأى نفسه قد انفصل عن سائر أسطوله اضطر إلى الالتجاء إلى «إرتراي»
Erythrae.
ولما كان القائد الروديسي قد جُرح أثناء المعركة جرحًا مميتًا فإن «فيليب» لما
علم بذلك ادعى لنفسه النصر في المعركة، ومن المحتمل أنه قد بقي على أثر ذلك المسيطر
على ميدان المعركة، وعلى أية حال فإنه قد أخذ لنفسه بالثأر في الحال في «لادي»
Lade الواقعة أمام «ميليتوس»، وليس من شك في أن
الخطأ الذي ارتكبه كل من «أتالوس» والروديسيين كان انفصالهما عن بعضهما البعض. وكان
لا بد إذن أن الأسطول الروديسي قد تحمل عبء كل الصدمة في موقعة «لادي»،
٦ فقد انتصر «فيليب» في هذه البقعة، وعندما سمع أهالي «ميليتوس» بهذا
النصر دب في نفوسهم الرعب، ومن ثم هبوا بفتح أبواب مدينتهم للقاهر المنتصر.
أما «فيليب» فإنه قد اكتفى بما أظهروه من ولاء له، ومن أجل ذلك لم يضع حامية من
جنوده هناك، ويحدثنا المؤرخ «بوليبيوس» عن نتائج نصر المقدونيين الذي كان حاسمًا،
فيقول: إنه بعد موقعة «لادي» وتقهقر الروديسيين انسحبوا من ميدان القتال كلية،
وبذلك كان في مقدور «فيليب» أن يزحف على الإسكندرية دون معارض يقف في وجهه.
والواقع أن هذه الحقيقة تُعتبر برهانًا مُحَسًّا يظهر بأجلى صورة أن «فيليب» كان
يسلك في تصرفاته تصرف الرجل الأحمق،
٧ ومن أجل ذلك فإنه ليس هناك ما يُحمد عليه «فيليب» من كسب نتيجة
لانتصاره في هاتين الموقعتين السالفتي الذكر.
لم ينتهز «فيليب» حقًّا الفرصة التي كانت سانحة أمامه للهجوم على مصر التي كانت
في الواقع لقمة سائغة أمامه؛ بل بدلًا من ذلك انقض هذا الأحمق بوحشية على بلاد
«برجام» فحرق وخرب كل ما اعترضه في طريقه، غير أن كل أعماله هذه كانت عبثًا؛ لأنه
لم يستطع بعد كل أعمال التخريب التي ارتكبها أن يستولي على مدينة «برجام» العاصمة،
كما لم يستطع أن يجعل «أتالوس» يخرج من معقله الحصين فيها لملاقاته وجهًا لوجه.
وأخيرًا عندما وجود أن المؤن قد شحت لديه ليستمر في الحصار فإنه اضطر إلى أن ينكص
على عقبيه خائبًا مخذولًا، وبعد ذلك نراه يزحف على إقليم «كاريا» مشيعًا فيه الدمار
والنهب قاصدًا خرابه لإطعام جيشه الذي كان في مسغبة، ومن ثم كان يعيش عيشة الذئاب،
وقد تقدم في زحفه على هذا المنوال حتى وصل إلى «بيري»
Perée «وكرسونيز»
Chresonese الروديسية.
٨
وعلى أية حال كانت خسارة مصر عظيمة؛ إذ لم يبق تحت سلطانها في تلك اللحظة من كل
أملاكها في «آسيا الصغرى» إلا «أفيسوس» Ephesus ومع
ذلك فإن «فيليب» لم يكن أخطر أعداء مصر؛ وذلك لأنه لما أخذ في مهاجمة كل العالم
في
وقت واحد، فإنه أثار حول تصرفاته ضجة من الغضب والسخط عليه وصلت أصداؤها في نهاية
الأمر بسرعة إلى «روما».
والظاهر أن «أتالوس» ملك «برجام» كان قد رأى وقتئذ أن من واجبه أن يستنجد
بالرومان حلفائه منذ عشرة أعوام مضت، ولكن مما يؤسف له أنه في الوقت نفسه قد قبل
التحالف مع الروديسيين الذين كانوا لا يميلون إلى تدخل الجمهورية الرومانية في
شئونهم، وعلى أية حال وجدنا أن المفوضين الروديسيين قد انضموا إلى مفوضي «برجام»
ليذهبوا سويًّا إلى مجلس الشيوخ الروماني ليستنكروا أعمال «فيليب» العدوانية في
بلاد آسيا الصغرى. هذا وقد تقابل رجال الوفدين في «روما» مع وفدين آخرين؛ أحدهما
«أثيني» والآخر «آتولي»، وكانا يحملان من جانبهم شكاياتهم من «فيليب»، وكان
الأثينيون قد أوغروا صدر الأكارمانيين Acarmanian
مما جعلهم يغزون بلادهم بسبب حادث سخيف، يتلخص في أنه عند احتفال الإغريق بعيد
الشعائر العظيم — سبتمبر عام ٢٠١ق.م — قتل الإغريق شابين من الأكارمانيين الذين
لم
يكونوا يعرفون القواعد الدينية الإغريقية لهذا العيد، ومن ثم فإنهم اقتحموا معبد
«إليوسيس» Eleusis — الخاص بالإلهة «ديميتر» — دون
أن يدربوا على أصوله، وعلى أثر ذلك طلب «الأكارمانيون» إلى الملك «فيليب» أن
يساعدهم على الأخذ بالثأر لمواطنيهما. وفي تلك الفترة كانت الفرصة مواتية لدى
الرومان ليطالبوا المقدونيين الحساب على تحزبهم لجانب «هنيبال» أثناء حروبهم معه،
والواقع أن «روما» في تلك الفترة لم تكن تنظر إلى أن أخطر العدوين المتحالفين على
مصر هو أكثرهما توحشًا وقسوة؛ بل كان الذي أكثرهما مناوأة لها، وفي تلك اللحظة أخذت
حكومة الإسكندرية تشعر بأنها قد أصبحت في أمان بسبب العاصفة التي كانت تهب متجمعة
على رأس «فيليب» من كل الجهات، ومن أجل ذلك لم يكن أمامها إلا أن تترك الأمور تجري
في أعنتها.
استيلاء «أنتيوكوس» على سوريا الجوفاء
على أن الخطر الذي كان يهدد مصر لم يكن قاصرًا على «فيليب»، بل كان هناك في تلك
الفترة رعب — يفوق حد الوصف — يسود الإسكندرية التي كانت حكومتها غير كفء لمقابلة
الأحداث والمخاطر التي كانت تهدد كيان الدولة المصرية، مما أدى إلى جعل «أنتيوكوس»
في حل ليتصرف فيها كما يريد، وفعلًا نجده قد انتهز فرصة وقوع حليفه «فيليب» وأهل
«رودس» في قبضة الرومانيين وغزا «سوريا الجوفاء» — عام ٢٠١ق.م، والظاهر أن هذه
الحملة التي قام بها أولًا «أنتيوكوس» كانت سهلة ميسورة إذ كانت تعتبر بالنسبة له
مجرد نزهة حربية؛ لأنه لم يصادف خلالها أية مقاومة جدية إلا في مدينة «غزة»، وقد
حدثنا «بوليبيوس» عن مقاومة هذه المدينة قائلًا: إنها المدينة الفلسطينية
٩ التي حافظت على ولائها «لبطليموس»، ومعنى ذلك أن أهل المدينة لم يكونوا
راغبين في تغيير الحماية المصرية ليحلوا مكانها السيطرة السليوكية التي كانت في
نظرهم أقل صلاحية من الحكم المصري.
ومن أجل ذلك تحملوا بصبر أعباء حصار طويل، غير أنهم عندما رأوا في نهاية الأمر
عدم وصول أي مدد من مصر سلموا المدينة، وبتسليم «غزة» قد أصبح «أنتيوكوس» على مقربة
من تخوم مصر، ومما لا ريب فيه أنه لولا حماقة «فيليب» وطيشه وتخبطه في حروب لا
فائدة من ورائها؛ لكان في تلك الفترة في مقدوره أن يظهر في الحال بأسطوله أمام
الإسكندرية أو «سيريني»، وقد لاحظ «بوليبيوس» تخبط «فيليب» فأظهر أسفه على ما
ارتكبه من أخطاء، وعلى أية حال فإن الضربة التي أصابت مصر في «سوريا الجوفاء» كانت
أكثر خطورة مما كان متوقعًا، والواقع أن الموقف في مصر أقض مضجع الرومان أنفسهم،
وبخاصة عندما رأوا خمول حكومة «بطليموس الخامس».
والظاهر أنه كانت هناك حالة غريبة تدعو إلى الشك والريبة وهي وجود خيانة في
الأوساط الحكومية العليا في مصر، على أن ما أوجب دهشة الرومان وقتئذ هو أن رجال
بلاط «بطليموس الخامس» لم يطلبوا إلى الرومان مد يد المساعدة، ومن أجل ذلك يدعي
المؤرخ «جوستن»
١٠ أنه على إثر موت «أجاتوكليس» توسل المصريون إلى الرومان لتعيين مربيين
يكونان حاميين للملك الصغير، غير أنه لم يوجد ما يدل على ذلك فيما لدينا من وثائق،
وعلى أية حال لم ير مجلس الشيوخ الروماني بدًّا من أن يقف على مجريات الأمور في
الإسكندرية في تلك الفترة، وقد انتهز مجلس الشيوخ أول فرصة لتنفيذ غرضه، وفعلًا
واتت الفرصة عندما سافر بعث «روماني» إلى الإسكندرية حوالي عام ٢٠١ق.م، وكان يتألف
من «كلوديوس نيرو»
Claudius Nero و«أميليوس لبيدوس»
Aemilius Lepidus و«سمبرونيوس تديتانوس»
Sempromius Tuditanus، وكانت رسالتهم تنحصر في
إعلان الملك «بطليموس الخامس» بهزيمة «هنيبال» و«القرطاجينين» وشكره على إخلاصه
وحسن علاقاته، ويأملون في أن يبقى على محبته للشعب الروماني، تلك المحبة التي حافظ
عليها منذ زمن طويل، وبخاصة أن الرومان رأوا أنفسهم وقد تخلى عنهم حتى جيرانهم
الأقربين، وأنهم إذا اضطرتهم الأحوال فإنهم سيعلنون الحرب على «فيليب».
١١
وكانت مصر في تلك الفترة — كما نعلم — مهددة من ناحيتين فقد هاجمها أخيرًا
«أنتيوكوس» واستولى على «سوريا الجوفاء»، وتدل الأحوال على أن رجال السياسة في روما
وقتئذ كانوا يتحاشون مقابلة «أنتيوكوس» بالقوة أو بالتهديد؛ وذلك لأنهم كانوا قد
وطدوا العزم على هزيمة «فيليب» أولًا؛ لأنهم لم يكونوا يريدون منازلة عدوين في وقت
واحد، ومن أجل ذلك تصنعوا مصادقة «أنتيوكوس» بل أكثر من ذلك اعتبروه حليفًا لهم.
وعلى أية حال لو فرضنا أن «أنتيوكوس» قد وصل إليه تنبيه ودي بألا يهاجم مصر، فإنه
قد أخذ ذلك على معنى أن منعه من الاستيلاء على الممتلكات المصرية لم يكن إلا أمر
صوري، ومن أجل ذلك لم يُعِرْ هذا التنبيه أي التفات.
وفي معمعة هذه الأحداث الصاخبة رأى الشعب المصري أنه قد أُسيء إليه في وطنيته بما
أحرزه هذان الملكان من انتصارات سهلة أدت إلى ضياع الممتلكات المصرية في الخارج،
ومن أجل ذلك شعر المصريون بالخجل والعار، وبخاصة عندما أحسوا أن الرومان يراقبونهم
عن كثب، وعندئذ فقط ظهر للشعب أنه — دون ريب — قد وضع ثقته في غير موضعها مدة طويلة
في «تليبوليموس» محبوبه القديم الذي تكشف عن بلادة وسوء تدبير. وقد انتهز أعداء
هذا
الرجل غضب الشعب عليه، واستعملوه سلاحًا لعزله، وتعيين وصاية جديدة مؤلفة من
شخصيتين وهما «أريستومين»
١٢ قائد الحرس الملكي و«سكوبوس» رئيس القرصان الأتولي المنبت، وعلى الرغم
من أن الشعب كان يعرف أن «أريستومين» من بين الأفراد الذين رقاهم «أجاتوكليس» منذ
زمن طويل، وكذلك كان عالمًا بما كان يرتكبه «سكوبوس» من أعمال الشره والقحة؛ فإن
أحوال البلاد وما آلت إليه من تدهور قد اقتضت وجود إداري ماهر وقائد نشط لتولي
شئونها، مما أدى إلى عزل «تليبوليموس» الذي برهن على أنه لم يكن يُحسن الإدارة،
ولا
يمتاز بالمهارة في القيادة.
والظاهر أن «سكوبوس» كان رجلًا من أولئك الذين يرضون عن طيب خاطر أن يشاطروا من
حولهم ممن يثقون فيهم نفس الثقة التي كانوا يجدونها في أنفسهم. وفي الحق فإنه قد
سارع في تحقيق ما كان الشعب يأمله فيه؛ إذ هم بعمل استعدادات وتجهيزات خطيرة لإعادة
فتح «سوريا الجوفاء» من مخالب «أنتيوكوس الثالث»، وذلك دون أن ينتظر أي ارتباطات
سياسية، وبخاصة أنه لم يترك مجالًا للرومان إلى الظن بأن «بطليموس الخامس» كان
يعتبر تحت رعايتهم أو وصايتهم، ومن المحتمل أنه في هذه الآونة قام ضباط الحرس
الملكي البطلمي بمظاهرة برهنوا فيها على ولائهم وحبهم ﻟ «بطليموس الخامس» «أبيفانس»
— الظاهر.
ومن الغريب المدهش أنه في تلك الآونة نجد أن الأثينيين الذين كانوا منذ زمن بعيد
يلجئون إلى ملوك البطالمة عندما تحل بهم كارثة قد سعى وفد منهم إلى الإسكندرية لطلب
النجدة عندما رأوا عين الغدر والخيانة من «فيليب الخامس» ملك مقدونيا، ولم يطلبوا
تلك المساعدة من «روما» التي كانت وقتئذ صاحبة جاه وبطش وسلطان، وذلك في فترة لم
يكن في مقدور مصر أن تحمي ممتلكاتها، ومع ذلك نجد أنه في أوائل عام ٢٠٠ق.م ذهب سفير
مصري إلى «روما» ليعلن الحكومة الرومانية أن الأثينيين قد طلبوا النجدة من مصر
لحمايتهم من إغارة «فيليب» عليهم، ولما كانت «أثينا» حليفة «بطليموس» وكان عليه
أن
يمد لها يد المساعدة فإنه مع ذلك لم يكن في مقدوره أن يرسل إليها أسطولًا أو جيشًا
لحمايتها والدفاع عنها دون موافقة الرومان، وعلى ذلك كان عليه إما أن يبقى هادئًا
في مملكته إذا كانت الحكومة الرومانية يحلو لها أن تحمي حلفاءها بنفسها، أو يترك
الرومان وشأنهم ويرسل نجدة لحماية الأثينيين من هجمات «فيليب»، ولكن عندما يفكر
الإنسان في أن مصر في تلك الفترة لم يكن لها أسطول ولا جيش؛ فإنه يفهم في الحال
أن
رسالة مصر إلى روما بهذا الصدد لم تكن إلا مجرد كلام أجوف فاه به «سكوبوس» وصاغه
«أريستومنيس» في قالب سياسي براقٍ أخاذ، وعلى أية حالة يفهم من منطوق ألفاظ الرسالة
التي أرسلتها مصر إلى «روما» من قبل «بطليموس الخامس» أنها ملق سافر، غير أن
الإنسان في مقدوره أن يتبين من بين سطورها أن مصر أرادت بهذه الرسالة أن تعامل
الرومان على قدم المساواة في الشئون السياسية الخارجية، وأنها من ناحية أخرى لم
ترتبك عندما يطلب إليها الضعفاء أن تحميهم.
وقد أجاب مجلس شيوخ روما بنفس النغمة التي تدل على الود والمصافاة قائلًا بأنه
مكلف بحماية حلفائه، ثم قدمت للسفراء الذين حملوا هذه الرسالة الهدايا.
ولقد كان الغرض الذي يرمي إليه «سكوبوس» في تلك الفترة هو أن يضرب الضربة التي
كان يفكر فيها واستولت على مشاعره إرضاء للشعب المصري، وهي إعادة «سوريا الجوفاء»
إلى الحكم المصري، ومن أجل ذلك أخذ في جمع القوات اللازمة لتنفيذ خطته. هذا، ولا
نعرف إذا كان قد أفلح في إنهاء المأمورية التي كان قد كلفه بها «أجاتوكليس» منذ
ثلاثة أعوام مضت أم أخفق فيها، وهي تجنيد جيش مرتزق. فقد حدثنا «بوليبيوس» عن
«سكوبوس» فوصفه بأنه كان شرهًا لدرجة لا حد لها، وأنه لا يتنفس إلا من أجل الذهب،
ولذلك فإنه كان على استعداد ليستولي لنفسه على المبالغ التي كانت مخصصة لتجنيد
المرتزقة، وبخاصة عندما رأى أن «أجاتوكليس» لم يكن هناك لتقديم الحساب له. غير أنه
في هذه الحالة كانت مصلحته في أن يقوم بمهمته بأمانة وجد، وفعلًا أرسله الملك
«بطليموس» من الإسكندرية ومعه مبلغ عظيم من المال إلى بلاده «آتولي» ليحضر معه إلى
مصر ستة آلاف جنديٍّ من الرجالة وخمسمائة من الفرسان المرتزقين.
١٣
وعلى أية حال مكثت الاستعدادات للحرب مدة طويلة، ومن المحتمل أنها استغرقت عام
٢٠٠ق.م، ولحسن الحظ كان هذا التأخير في الاستعدادات من مصلحته؛ وذلك لأن «أنتيوكوس»
بما فطر عليه من ادعاء وقصر نظر ظن أنه فتحه لمصر كان أمرًا مضمونًا، ومن ثم رأى
أنه لا بد أن يقوم بفتوح أخرى في «آسيا الصغرى» مكتفيًا بما حصل عليه في سوريا،
ولكنه مع ذلك أخذ يرقب سير الأحوال على مضضٍ في حيرة من موقفه؛ فكانت الأوهام
تنتابه في كل لحظة فيما يتعلق بالحروب التي كانت دائرة رحاها بين «فيليب» ملك
مقدونيا من جهة، وبين الرومان «وأتالوس» والروديسيين والبيزنطيين وحتى الأثينيين
من
جهة أخرى.
١٤ هذا، ولما كان «أتالوس» يحارب في بلاد الإغريق فإنه ترك بلاده بدون جيش
فيها ليدافع عنها، ومن ثم كانت الفرصة أمام «أنتيوكوس» مغرية جدًّا؛ إذ وجد فيها
سببًا مربحًا يمكن به أن يساعد حليفه دون أن يخلصه مما هو فيه، على أنه في الوقت
الذي كان يعمل فيه على اقتناص فريسة كان لا بد من استردادها على أية حال في فرصة
قريبة على يد الرومان، كان «سكوبوس» قد سار على رأس جيش إلى بلاد سوريا الجوفاء،
واستولى عليها ثانية لمصر، ولما كانت هذه البلاد قد تعودت تقلب الحكام عليها؛ فإن
المدن السورية قد استسلمت بسهولة لحكم الفاتح الجديد، وحتى اليهود الذين كانوا
يتشدقون بولائهم «لأنتيوكوس» فإنهم لم يظهروا أية مقاومة أمام جيش «سكوبوس». وقد
وضع المصريون حامية في بيت المقدس،
١٥ وبعد ذلك عاد «سكوبوس» إلى مصر ومعه بعض رؤساء اليهود، وفي الواقع أن
الأحوال كانت تجري في صالح القائد المصري عن طريق الصدفة لا بذكائه وفطنته وإلا
لفقد سمعته؛ لأنه حاصر موقعًا هناك كان الدفاع عنه ضئيلًا، يضاف إلى ذلك أنه لم
يصل
إلى بلاد اليهود إلا في فصل الشتاء — حوالي عام ١٩٩-١٩٨ق.م — ومن المحتمل أنه قد
حاول الاستيلاء على بعض مدن فنيقيا، كان من السهل الدفاع عنها أمام محاصر ليس لديه
أسطول.
وعلى أية حال فإن أي فخر قد أحرزه «سكوبوس» بانتصاراته هذه لم يكن إلا مجرد سراب
خداع، وذلك لأنه عندما وصلت أخبار انتصارات «سكوبوس» في سوريا الجوفاء إلى
«أنتيوكوس» قفل راجعًا إلى ميدان الحرب، فاخترق جبال «توروس»، وسار لملاقاة عدوه
عام ١٩٨ق.م. وفعلًا تقابل الجيشان في «يانيون» وهي التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى
محارب سامي، وتقع بالقرب من منبع نهر الأردن وهو الذي وحده الإغريق باسم إلههم
«بان» — إله الغابات والحقول. وهناك وقعت واقعة دامية، كان فيها «أنتيوكوس» — بكر
الملك «أنتيوكوس الثالث» — على رأس الفرسان والفيلة التي كانت تسبق المشاة، وقد
أحدث «أنتيوكوس» هذا ثغرة ضخمة في صفوف الجيش المصري. ولما تحقق «سكوبوس» من
الهزيمة المؤكدة — التي مُنِيَ بها — ولى الأدبار بفلول جيشه إلى مدينة «صيدا» حيث
لحقه جيش في الحال يتألف من عشرة آلاف مقاتل وحاصروه في تلك المدينة، وعلى الرغم
من
أن مصر قد أرسلت نجدة يقودها أحسن كبار القواد المصريين نخص بالذكر منهم «أروبوس»
Aeropos و«منوكليس»
Menocles و«دامو كسينوس»
Damoxenos فإنه لم يكن في استطاعتهم اختراق
الحصار، وقد انتهى هذا الحصار بأن هزم الجوع «سكوباس» فسلم المدينة، ثم سمح له هو
وصحبه بالخروج منها دون جيش، أما المؤرخ «بوليبيوس»
١٦ فقد تحدث عن العمليات التي حدثت خلال حصار «صيدا». فاستمع لما يقوله:
وعلى أثر هزيمة «سكوبوس» على يد «أنتيوكوس الثالث» فإن الأخير استولى على «باتاني»
Batanee و«سماريا» و«أبيلا»
Abila و«جاردا»
Garda، وبعد فترة وجيزة سلم له اليهود الذين
كانوا يسكنون حول المعبد المسمى «هيروسوليما»
Hierosolyma، ولم يكن يعترض «أنتيوكوس» في
أعماله الحربية إلا الحامية الصغيرة التي تركها «سكوبوس» في قلعة المدينة، وقد
ساعده اليهود أنفسهم على الاستيلاء عليها، وهكذا يشاهد أن «سوريا الجوفاء»
و«فنيقيا» وفلسطين قد عادت ثانية إلى حكم «أنتيوكوس»، بعد أن طُردت منها مصر، وكان
طرد مصر من هذه البلاد أبديًّا، والظاهر أنه بعد هذه الحروب الطاحنة قد أبرمت
اتفاقية مؤقتة بين حكومة «أنطاكية» وحكومة «الإسكندرية» انتهت — على ما يقال — بحلف
أسري بين البلدين، ومهما يكن من أمر فإن «أنتيوكوس الثالث» قد أصبح بعد هذا النصر
حرًّا في أن يضم إلى إمبراطوريته كل ما كانت تملكه البطالمة في آسيا الصغرى وحتى
في
«تراقيا» دون تمييز بين ما كان قد استولى عليه حليفه «فيليب» المقدوني، بخاصة عندما
نعلم أن «فيليب الخامس» منذ نهاية عام ١٩٨ق.م رأى نفسه محاطًا بأعدائه، ومن ثم طلب
تخفيف وطأة هذا العبء عليه، وهو الذي كان سيبلغ ذروته في «سينو سيفال» في ربيع ١٩٧ق.م.
١٧
أما ما كان من أمر «سكوبوس» الذي كان يعشق الفخار ويحب المال حبًّا جمًّا بكل ما
لديه من قوة وبأس — فإنه عاد إلى الإسكندرية والغيظ يملأ صدره، حتى إنه — على ما
يُحتمل — أخذ يكيل السباب والشتائم والتوبيخ أينما حل، واتخذ منذ تلك اللحظة موقفًا
عدائيًّا من الوصي على العرش «أريستومنيس»، والواقع أنه بعد أن أحس بمرارة ما مُني
به من ضعف وهزيمة منكرة لم يجد لنفسه منقذًا من موقفه المشين هذا إلا القيام
بمؤامرةٍ يصل بها إلى غايته المنشودة، وذلك أنه كان يعمد إلى القيام بانقلاب كالذي
كان يأمل «كليومنيس» الإسبرتي القيام به، وهو الذي — كما ذكرنا من قبل — قد انتهى
بالفشل الذريع (مصر القديمة الجزء ١٥). والواقع أنه كان يلتف حوله مواطنون مخلصون
له كأولئك الذين كانوا يناصرون «كليومنيس»، غير أن «أريستومنيس» الوصي كان يقظًا
متنبهًا للمكيدة التي كان يدبرها له مناهضه، ومن أجل ذلك نجد أنه عمل على التخلص
منه، ولكن عن طريق العدالة لا عن طريق الغدر والخيانة، وقد حدثنا «بوليبيوس» عن
هذه
المؤامرة التي انتهت بإعدام «سكوبوس» وصحبه فاستمع إليه:
١٨ هناك جم غفير من الذين يستميتون في طلب القيام بأعمال البطولة والإقدام
والشهرة، غير أن القليل منهم ينالها، ومع ذلك فإن «سكوبوس» كان لديه من الموارد
تحت
تصرفه لمواجهة الخطر والعمل بجسارة أحسن مما كان لدى «كليومنيس»؛ وذلك لأن الأخير
لم يكن ينتظر المساعدة إلا من خدمه وأصدقائه، ومع ذلك فإنه بدلًا من ترك بارقة
الأمل الهزيلة التي كانت أمامه قام بكل ما كان في قدرته من جهد مفضلًا موتًا شريفًا
عن حياة خسيسة حقيرة، في حين أن «سكوبوس» كان على العكس من ذلك؛ ففي ركابه جم غفير
من المؤازرين له.
هذ بالإضافة إلى أنه كان لديه فرصة سانحة وهي أن الملك كان لا يزال طفلًا؛ ومع
ذلك نجده قد أُخذ على غرة وهو لا يزال يؤجل ويدبر مؤامرته التي كان يزعم القيام
بها، وعندما كشف «أريستومنيس» أنه كان معتادًا على جمع أصحابه في بيته وعقد جلسات
معهم، أرسل بعض الضباط في طلبه للحضور أمام المجلس الملكي. غير أن «سكوبوس» عندما
رأى ذلك فقد صوابه، ومن ثم لم يعد في مقدوره تنفيذ مؤامرته؛ بل وأنكى من ذلك وأقبح
من كل شيء كان رفضه المثول أمام الملك. والواقع أن «أريستومنيس» لما أحس بارتباكه
حاصر بيته بالجنود والفيلة، وبعد ذلك أرسل «بطليموس بن أمنيس» مع بعض جنود ومعهم
الأوامر بإحضاره، وقد جاء فيها أنه إذا كان «سكوبوس» على استعداد لإطاعة الأوامر
فإن هذه هي الطريقة المثلى، ولكن إذا عصى الأوامر فعلى الجنود إحضاره بالقوة.
وعندما اتخذ «بطليموس» سبيله إلى بيت «سكوبوس» وأعلنه بأن الملك يطلبه، فإنه لم
يُعِرْ أذنًا لما طلب إليه، وكان كل ما فعله أن حملق في وجه «بطليموس» مدةً طويلة
كأنه كان يرغب في تهديده مندهشًا من جرأته، ولكن عندما اقترب منه «بطليموس» وأخذ
بتلابيب عباءته بعنف طلب «سكوبوس» من الحاضرين الأخذ بناصره، ولكن لما كان عدد
الجنود الذين كانوا قد اقتحموا بيت «سكوبوس» عظيمًا، وأنه كما أخبره بعضهم كان
محاصرًا من الخارج فلم يَرَ عندئذ بدًّا من التسليم، وتبع «بطليموس» وبرفقته أصحابه
وشركاؤه في المؤامرة، وعندما دخل قاعة المجلس اتهمه الملك أولًا في كلمات موجزة،
ثم
تبعه «بوليكرتيس» Polycrutes الذي كان قد حضر
مؤخرًا من «قبرص»، وأخيرًا اتهمه «أريستومنيس»، والاتهامات التي وُجهت إليه كانت
كلها مشابهة للتي ذُكرت توًّا، وفضلًا عن ذلك ذكر المتهِمون اجتماعاته مع أصحابه
ورفضه إطاعة أوامر الملك؛ ومن ثَمَّ فإنه قد أدين لأسباب مختلفة لا من قبل المجلس
وحسب؛ بل أدانه أولئك السفراء الأجانب الذين كانوا حاضرين المجلس.
يضاف إلى ذلك أن «أريستومنيس» عندما أخذ يتهمه كان قد أحضر معه فضلًا عن ذلك
رجالًا كثيرين من أصحاب المكانة في بلاد الإغريق وهم الرسل الأتوليين الذين كانوا
قد حضروا لعقد صلح، وكان من بينهم «دوريماكوس»
Dorimachos وهو قائد قديم للحلف
الآتولي.
وعندما انتهت كلمات الذين اتهموا «سكوبوس» قام الأخير بدوره وتكلم مدافعًا عن
نفسه، وقد حاول أن يقدم بعض دفاعٍ عن نفسه، غير أنه لما وجد أنه لم يُعِرْهُ أحد
أذنًا صاغية سكت، ثم سِيق إلى السجن مع رفاقه، وعندما أسدل الظلام خيوطه أمر
«أريستومنيس» بقتل «سكوبوس» وكل رفاقه بتجرع السم، وقد استثنى من بينهم «ديكاركوس»
Dicaearchus فقد عذبه ضربًا بالسياط، وبذلك نال
ما كان يستحق من عذاب أليم قبل موته، «وديكاركوس» هذا هو الرجل الذي كان قد عينه
«فيليب الخامس» عندما قرر الهجوم على جزر «سيكلاديز» غدرًا، وكذلك المدن التي على
الدردنيل؛ ليكون قائدًا للأسطول وللحملة كلها.
وقد نفذ هذا القائد مأموريته هذه بطريقة جعلت كل الإغريق يصبون جام غضبهم وحنقهم
عليه، وقد اعتبر موته بهذه الصورة من عمل العدالة الإلهية.
وبعد أن انتهى «أريستومنيس» من إعدام هؤلاء المجرمين أعاد الجنود الآتوليين أو
تركهم يعودون إلى بلادهم، وهؤلاء الجنود هم الذين كان يعتمد عليهم «سكوبوس».
ومن ثم خيم الهدوء والسلام على ربوع الإسكندرية، وقد دلت الإحصاءات التي عُملت
لحصر ثروة «سكوبوس» التي جمعها مدة حياته على أنه لم يكن رجلًا متآمرًا وحسب؛ بل
أثبتت على أنه كان لصًّا تآمر على إفلاس خزينة الدولة بالاشتراك مع مساعده
«كاريمورتوس»
Charimortos الذي كان مشهورًا بوحشيته
ومعاقرته بنت الحان،
١٩ ولا نزاع في أن «كاريمورتوس» هذا هو الذي كان مشهورًا بصيد الفيلة في
نهاية عصر «بطليموس فيلوباتور».
حفل تتويج بطليموس الخامس أبيفانس على عرش الفراعنة
بعد أن خرج «أريستومنيس» من بين أنياب المؤامرة التي حِيكت له، وضرب ضربته
الأخيرة القاضية، وأصبح الجو صافيًا أمامه، وجد أنه من الخير والحكمة أن يسارع إلى
إعلان بلوغ الملك سن الرشد، وذلك بقصد أن يخلص الملك علنًا من هذه الوصاية التي
كان
الرومان — على ما يظهر — يدعون القيام بها على «بطليموس» بصورة ما. هذا، ولم يكن
«بوليكرانيس» آخر من نصح باتخاذ هذا الإجراء؛ وذلك لأنه هو الآخر كانت له آراؤه
التي لم تكن نفس آراء رئيس الوزراء؛ إذ كان بدوره يريد أن يستحوذ على الملك بطريقة
أخرى. وفعلًا احتُفِل بإعلان بلوغ الملك سن الرشد على الطريقة الهيلانية في
الإسكندرية، وذلك بإقامة حفل يليق بعظمة الدولة وسلطانها،
٢٠ وكذلك احتُفِل بتتويج الملك على حسب الشعائر المصرية الفرعونية، وقد
أقيم هذا الحفل في منف بعد ذلك مباشرة، مما جمع حول الملك قلوب الشعب المصري
الأصيل، وهذه هي المرة الأولى التي نجد فيها ملكًا من ملوك البطالمة يتوج نفسه على
الطريقة المصرية في «منف».
والواقع أن هذا العمل الهام لم يَأْتِ عفو الخاطر؛ بل جاء عن قصد وتدبير وتجارب
مرت على ملوك البطالمة جعلت «بطليموس الخامس» يسلك هذه الطريق السوي، ولا نزاع في
أن من يتتبع خطوات تاريخ البطالمة في مصر منذ البداية يتضح له أنه حتى عهد «بطليموس
الخامس» كانت سياستهم في حكم البلاد تنطوي في الخفاء على جعل رجال الدين دائمًا
متكلين على العرش، كما أنهم في الوقت نفسه كانوا يحكمون الشعب حكم القاهر للمقهور،
غير أن البطالمة على مر الأيام رأوا أنهم في نهاية الأمر في حاجة ماسة لمساعدة رجال
الدين الذين كانوا هم في الواقع الممثلين الحقيقيين لكل طبقات الشعب، وأنهم هم
المسيطرون على عقول أفراد الشعب وضمائرهم، والظاهر أن تطور الأحوال في عهد «بطليموس
الخامس» كان دقيقًا؛ ويرجع السبب في ذلك إلى أن مصر كانت قد فقدت أملاكها في
الخارج، كما كانت نار الفتنة مشتعلة في داخلها، وذلك بسبب استيقاظ الشعور الوطني
في
البلاد؛ مما أدى إلى قيام تطاحن بين الوطنيين المصريين الأصليين وبين أسرة البطالمة
التي كانت تعتبر أجنبية في نظر المصريين، ومن ثم ابتدأت هذه اليقظة القومية أو
بعبارة أخرى الثورة المصرية في عهد «بطليموس الرابع» وذلك على أثر موقعة «رفح» التي
انتصر فيها الجنود المصريون على «أنتيوكوس» ملك سوريا، وعلى ذلك شعر المصريون
بعزتهم القومية.
وقد كانت هذه الثورات التي تتألف فيما بعد والتي سنشرحها بالتفصيل في حينها في
بادئ الأمر قاصرة على الوجه البحري، ولكن منذ العام الأول من حكم «بطليموس الخامس»
— وهو الذي أُطلق عليه منذ بلوغه سن الرشد لقب «تيوس أبيفانس»؛ أي: مظهر الإله.
وقد
أُضيف إليه كذلك لقب آخر وهو «أيوكاريستوس»؛ أي: السموح أو الغفور — عام ٢٠٤ق.م
أرسلت جنود من «طيبة» إلى «كوم أمبو» بمصر العليا عند امتداد الثورة إلى هذا القطر
في عهد «أبيفانس»، وفي هذه اللحظة تحدثنا الوثائق الديموطيقية عن ظهور بطلين مصريين
الواحد تلو الآخر حمل كل منهما الألقاب الفرعونية وهما «حرمخيس» — حور. إم-أخت —
و«عنخمخيس»، وقد أسس أولهما مملكة في إقليم «طيبة» وخلفه على عرشها الثاني بعد
مماته، وعلى أية حال يقول بعض المؤرخين الذين يريدون أن يحقروا من شأن هذه الثورة
العارمة إنهما كانا ملكين صغيرين كان من الممكن أنهما ضايقا ملوك البطالمة ولكنهما
لم يستقلا بالوجه القبلي، غير أن فريقًا آخر من المؤرخين يقول عن هذين الملكين
إنهما من أصل نوبي قد أغار أولهما على الحدود المصرية
٢١ كما فعل من قبلهم «بيعنخي» حوالي عام ٧٥٠ق.م.
وتدل شواهد الأحوال على أنه كانت توجد علاقات سرية بين هذين الملكين وبين رجال
الدين في «طيبة»، وكانت نار الحقد قد أخذت تشتعل في صدور رجال الدين، وكذلك كرههم
البالغ لملوك البطالمة لتفضيلهم رجال الدين في منف عليهم. ولما كان ثوار بلاد
الدلتا تحميهم طبيعة بلادهم بما فيها من مستنقعات وأدغال؛ فإن خطرهم إذا ما قورن
بخطر ثوار رجال الوجه القبلي لوجد أنه كان أشد وأكثر خطورة، وقد كان لا بد من قيام
حصار منظم للاستيلاء على «ليكوبوليس» من أيديهم (في المقاطعة ٩ من مقاطعات الوجه
البحري — راجع أقسام مصر الجغرافية في العهد الفرعوني ص٧٨)، وكانت معسكرهم
العام.
وقد احتمى الثوار خلف جدران هذه المدينة فحاصرهم الجيش البطلمي.
والظاهر أن الملك كان حاضرًا مع جنوده أثناء هذا الحصار. وفي عام ١٩٧ق.م كان
النيل عاليًا أكثر من المعتاد مما هدد بإغراق المباني الخاصة بالحصار الذي أقيم
حول
البلدة، وهو الذي أقيم لإجبار جنود الملك على التراجع وتخفيف وطأة الحصار، هذا
ولمنع المياه عن المحاصرين سَدَّ جنود الملك الترع التي كانت تروي الجهات المجاورة
لبلدة «ليكوبوليس» وحولوا الماء إلى جهة أخرى، ولما رأى المحاصَرون أنهم في ضيق
شديد سلموا أنفسهم لرحمة الملك، غير أن الأخير كما يقول «بوليبيوس» عاملهم بقسوة
بالغة، ومن ثم كان ذلك وبالًا عليه، ويحدثنا المرسوم الذين نُقش على حجر رشيد عن
ماهية هذه المعاملة الشنيعة، فقد قُتل رؤساء الثوار في منف، وكان من جراء عناد
الثوار ومقاومتهم ما أحفظ الملك وجعله يقسو في معاملة الأسرى لدرجة أن من بقي منهم
على قيد الحياة، لم يكن لديه أمل في أي تسامح أو عفو، ومن أجل ذلك قاموا بمحاولة
أخيرة جديدة بعد يأسهم التام فأشعلوا نار فتنة عارمة.
ولا نزاع في أن تنفيذ حكم الإعدام في رؤساء الثورة كان مقدمة أو تكملة للاحتفال
الهائل المقدس لتتويج «بطليموس»، وكذلك كان بمثابة تأكيد لجبروت الملك، وهذا الحفل
كان قد أخذ من منبعه من حيث شعائر التطهير والغسل والتقديس والتقليد الرمزي من كل
نوع، وكان يؤدى بالترتيب والإحكام على يد كهنة الإله «بتاح»، ومن ثم كان يستقبل
الإله — بنفسه بين أحضانه — ابنه الذي كان يمثل صورته الحية، وكان يؤدى ذلك بكلمات
سرية تُتلى في أعماق معبده — قدس الأقداس. وقد كان هذا الاحتفال في نظر الشعب
المصري الأصيل بمثابة تكريم للديانة القومية العريقة في القدم، ومما يلفت النظر
أن
هذا التتويج على الطريقة الفرعونية قد جاء في أحوال مناسبة للغاية بالنسبة لحالة
البلاد بوجه عام وقتئذ؛ إذ الواقع أنه كان عمل له خطره؛ لأنه يعد حسنة كريمة من
قبل
أسرة حاكمة كانت تسير منذ قيامها حتى الآن على منهاج شاذ بالنسبة للشعب الذي تحكمه؛
وذلك لأنها لم تكن حتى الآن قد قبلت أن يُتوج ملوكها على حسب التقاليد الدينية التي
كانت تسير على نهجها البلاد منذ أقدم عهودها، ومنذ ذلك اليوم الذي تُوج فيه الملك
على حسب التقاليد الفرعونية نجد أن رجال الدين الذين لم يكن يعترف لهم إلا بالقيام
بواجبات معينة قد أصبحوا أصحاب حقوق ضخمة؛ ولا أدل على ذلك من أن العبادات القديمة
قد بُعثت من مرقدها، وأن الرسميات الدقيقة الخاصة بالشعائر الفرعونية قد أصبحت
تُنَفَّذ حرفيًّا؛ ومن أجل ذلك نجد أن المرسوم الكهني الذي صدر في السنة التالية
لتولية «بطليموس الخامس» عرش الملك بصفة نهائية لبلوغه السن القانونية قد عني بالنص
على أن الفرعون قد تسلم تاج مصر طبقًا للشعائر المتوارثة، وذلك عندما دخل معبد
«منف» لإتمام الأحفال المقررة لأجل الاستيلاء على التاج.
ومما هو جديد بالذكر هنا أنه خلافًا للتقاليد الفرعونية التي نقرؤها في المتون
المصرية، وهي التي يمكن تطبيقها من كل الوجوه على العصر البطلمي؛ ليس لدينا عنها
معلومات نقتدي بها، إلا مقال غريب في بابه وضعه مدرس في العصر المتأخر.
وعلى الرغم مما يحوم من شكوك حول كفاءة هذا المدرس المجهول لنا فإنه من المحتمل
أن يكون قد حفظ لنا ما قصه علينا ملحقًا للصيغ القديمة التي كانت شائعة وقتئذ؛ بل
ومن المحتمل أنه قد عمل خصيصًا لأجل حذف إصلاح التقويم الذي وضعه «بطليموس الثالث»
وهو الذي — كما يقول بعضهم — قد فرضه على الكهنة. ويقول هذا المدرس: إن الاحتفال
بتتويج الملك كان يتم في معبد «منف» بمصر حيث كانت العادة هناك تقديم التاج الملكي
للملك عند بداية حكمه، وعندئذ كان يُلقن الملك الشعائر المقدسة، ويقال: إنه في بادئ
الأمر كان الملك يرتدي قميصًا، كما كان يجب عليه أن يحمل باحترام نير ثور يسميه
المصريون «أبيس»، وكان يعد أعظم إله عندهم، ثم كان يُقاد هذا الملك في كل شارع لأجل
أن يفهم الناس أن الأمراء يعرفون كيف يكدون ويكدحون، وكان هذا هو الشرط الأول
الإنساني، وكان يجب على هؤلاء الأمراء ألا يسرفوا في معاملة من هم أقل منهم من حيث
القسوة، وكان يقودهم كهنة «إزيس» إلى مكان معلوم، ويجبرونهم على عقد قسم بألا
يضيفوا شهرًا أو يومًا، وألا يغيروا يومًا من أيام العيد؛ بل يختموا أيام السنة
التي عددها ٣٦٥ يومًا، وهي التي كانت مقررة عند الأقدمين، وبعد ذلك فُرض عليهم حلف
يمين آخر وهو أن يحصلوا ويحافظوا على الحبوب باستخدام الأرض والماء، وأخيرًا كان
يُوضع بعد ذلك التاج على رأس الملك، ومن ثم يصبح سيد الدولة المصرية.
٢٢
وليس يُخاف أن هذا المتن قد انحدر إلينا من عهد متأخر ولا صلة له بالعهد المصري
القديم، وتدل شواهد الأحوال على أن الغرض من وضعه كان أولًا لإعادة التقويم القديم
إلى ما كان عليه قبل عهد «بطليموس الثالث» الذي حدث في عهده هذا التغيير، ولا ندري
إذا كان الكهنة فعلًا قد أجمعوا على ذلك كلهم أم كان قاصرًا على طائفة منهم فقط
من
غير الذين كانوا يتمسكون بأهداب القديم مهما كان غير مطابق للواقع.
والغرض الثاني من إدخال هذه الشعائر كان لإظهار ما كان لعبادة «أبيس» الذي يُعتبر
الإله الأعظم في الدولة المصرية وقتئذ، وهذا الإله قد اشترك في عبادته المصريون
والإغريق على السواء؛ ومن أجل ذلك ذُكر اسمه في احتفال التتويج بدلًا من الإله «رع»
الذي كان يعد كل ملك ابنه كما حدثتنا بذلك التقاليد المصرية منذ أقدم
العهود.
والظاهر أن تتويج الملك «بطليموس الخامس» قد تم ببعض السرعة نظرًا لتحرج أحوال
البلاد في هذه الفترة؛ وذلك لأن الاحتفال لم يتم بكل ما كان يلزم له من أبهة وعظمة
كما كان يجب أن يتم في مثل هذه المناسبة.
ولكن على أية حال اقتضت العادات القديمة أن يُحتفل بتتويج الملك من الوجهة
الدينية، ومن ثم كان في صالح رجال الدين أن يعلنوا اعترافهم بالجميل للملك بما قام
به نحوهم من تتويجه على الطريقة المصرية، وقد ساعدت حكومة الإسكندرية في ذلك،
وبخاصة عندما وثقت بأن الكهنة قد أصبحوا حلفاء الحكومة؛ ولذلك نجد أنه بعد تتويج
الملك على الطريقة المصرية إرضاءً لهم أخذ الملك في اتباع سبيل اللين والمهادنة
مع
الأهالي، ومن أجل ذلك أيضًا رأى رجال البلاط أنه من الخير أن تقوم الحكومة ببعض
أعمال تدل على التسامح والمهادنة مع أفراد الشعب؛ فمن ذلك إلغاء بعض الضرائب في
بعض
الحالات وفي حالات أخرى خُفضت الضرائب، هذا بالإضافة إلى أن الخزانة الملكية قد
نزلت عن مقدار عظيم من الديون التي كانت مُستَحقة لها، هذا إلى أن سجناء من الذين
مضوا زمنًا طويلًا في غياهب السجن وكانوا ينتظرون محاكمتهم قد أُفرج عنهم، وكذلك
صدر العفو عن رجال المشوش وغيرهم من الذين كان لهم ضلع في الثورة، وكانوا قد عادوا
إلى بلادهم. ومن الجائز أنه بهذه المناسبة أخذ بعض المصريين يشغلون بعض الوظائف
العالية في الدولة في السلك الإداري بعد أن كانوا محرومين من مثل هذه الوظائف
العالية.
ولا أدل على ذلك من أنه في بردية من أواخر القرن الثالث قبل الميلاد — على ما
يظهر — جاء فيها ذكر موظف مصري يُدعى «إمونتيس»
٢٣ Imonthes يشغل وظيفة سكرتير مالي في
المديريات، على أن أهم شيء وجهت الحكومة عنايتها إليه هو إرضاء طائفة الكهنة؛ وذلك
بإغداق إنعامات جديدة وهبات وإمجاد للديانة القومية، وكان من صالح الكهنة أن يقوموا
باحتفال رهيب مظهرين اعترافهم بالجميل؛ لما منحهم الملك من أفضال، وحباهم به من
مكرمات، وقد وجدت حكومة الإسكندرية في ذلك الفرصة التي كانت تبحث عنها، وهي التحالف
مع رجال الدين في كل أنحاء البلاد، وقد تم هذا عندما اجتمع — في ٢٧ مارس عام ١٩٦ق.م
— الكهنة الذين كانوا قد وفدوا من جميع أنحاء القطر، واجتمعوا في حفل مهيب على شرف
الملك، غير أنه لم يكن كالحفل السابق الذي اجتمع في «كانوب» الواقعة على مقربة من
الإسكندرية؛ بل أقيم في «منف» في معبد الإله «بتاح»، وذلك بعد أن تجددت شعائر
التتويج على الطريقة التي كان يحتفل بها على النمط المصري الأصيل.
والمرسوم التالي حُرر على لوحة من البازلت الأسود وهو المعروف لدينا بحجر رشيد،
وهو الذي بما يحتوي عليه من نقوش مصرية قديمة وديموطيقية ويونانية كشف العالم
الفرنسي «شمبليون» رموز اللغة المصرية القديمة، وقد تحدثنا عن هذا الكشف بشيء من
التفصيل في الجزء الأول من هذه الموسوعة.
وقد اتخذ جماعة الكهنة فرصة الاحتفال بعيد يُدعى «عيد سد» عند قدماء المصريين،
وكانت العادة هي أن يُحتفل بهذا العيد بعد مرور ثلاثين عامًا على تتويج الملك أو
—
كما قيل — على ولادته، غير أنه في الواقع كان يُحتفل به أحيانًا بعد تتويج الملك
بعامين أو أكثر، ولا أدل على ذلك من أننا نجد أن كثيرًا من الملوك قد أقاموا
لأنفسهم أعيادًا ثلاثينية عدة مثل «رعمسيس الثاني»
٢٤ وغيره. ومن الغريب أننا لم نجد تسمية هذا العيد «سد» بالعيد الثلاثيني
إلا في النص الإغريقي لحجر رشيد الذي نحن بصدده، والظاهر أن الغرض الأصلي من هذا
العيد هو أن يُمنح الفرعون قوة فوق القوة الطبيعية، وأن تُجدد حياته ثانية ليصبح
فتيًّا قويًّا صالحًا للقيام بأعباء الحكم وتكاليفه. ولكن الغريب في أمر الاحتفال
بعيد «سد» أو كما يسميه الإغريق العيد الثلاثيني هو أن «بطليموس الخامس» لم يكن
قد
مر على تتويجه ملكًا على البلاد إلا أربعة أشهر وحسب، وربما كان قيام الكهنة
بالاحتفال بهذا العيد مبكرًا زيادة في المبالغة في الاحتفاء بالملك، ولأن الاحتفال
الذي أُقيم له لتتويجه في «منف» لم يكن كامل البهجة، وكان قد أقيم على عجل
بالاعتراف ببلوغ الملك سن الرشد قبل أوانه كما أراد «أريستيمونيس» الذي رأى في هذا
العمل مصلحة البلاد التي كانت تفتك بها الفتن وتمزقها المؤامرات، وكذلك للتخلص من
وصاية روما المزعومة، وهي التي كانت تعتبر كابوسًا ترزح البلاد تحت عبثه ما دام
«بطليموس الخامس» لم يكن قد بلغ الرشد، والواقع أن هذا الاحتفال من جهة أخرى كان
يُعد فرصة سانحة لدى الكهنة المصريين ليظهروا فيه ما لهم من نفوذ وسلطان في البلاد؛
وذلك لأن الملك «بطليموس الخامس» قد أصبح فرعونًا حقيقيًّا بكل مظاهره الدينية
للمرة الأولى في عهد البطالمة كما أشرنا إلى ذلك من قبل.