مرسوم منف أو حجر رشيد١
يحتوي مرسوم «منف» الذي عُثر عليه في رشيد على ثلاثة نصوص؛ وهي: النص الإغريقي، والنص الديموطيقي — لغة الشعب، والنص الهيروغليفي أو الكتابة المصرية المقدسة. وقد كان المفهوم أن كلا من هذه النصوص الثلاثة يُعتبر ترجمة حرفية للآخر، غير أن الواقع غير ذلك إذ نجد بعض الاختلاف في كل منها عن الآخر، ويرجع السبب في ذلك إلى أن لكل لغة من هذه اللغات مصطلحاتها وتعابيرها الخاصة بها، ومن أجل ذلك كان لزامًا علينا أن نورد هنا ترجمة كل نص من هذه النصوص الثلاثة بقدر المستطاع.
(١) النص المصري القديم
(١-١) التاريخ
في السنة التاسعة، الرابع من شهر قسندقس الذي يقابل شهر سكان مصر الثاني من فصل الشتاء، الثامن عشر منه في عهد جلالة «حور-رع» الفتى الذي ظهر بمثابة ملك على عرش والده، «ممثل» السيدتين، عظيم القوة، والذي ثبت الأرضين، ومن جمل مصر، ومن قلبه محسن نحو الآلهة «حور» المنتصر على «ست»، ومن يجعل الحياة خضرة للناس، وسيد أعياد «سد» مثل «بتاح تنن»، والملك مثل رع، ملك الوجه القبلي والوجه البحري (وارث الإلهين المحبين لوالدهما، المختار من «بتاح»، روح (كا) رع القوية، وصورة «آمون» الحية)، ابن رع (بطليموس معطي الحياة أبديًّا، محبوب بتاح)، الإله الظاهر سيد الطيبات ابن «بطليموس» «وأرسنوي» الإلهين المحبين لوالدهما — عندما كان كاهن الإسكندر، والإلهين المخلصين والإلهين الأخوين والإلهين المحسنين والإلهين المحبين لوالدهما والإله الظاهر سيد الطيبات المسمى «أيادوس» بن «أيادوس»، وعندما كانت «برات» ابنة «بيلينس» حاملة هدية النصر أمام «برنيكي» المحسنة، وعندما كانت «أريات» ابنة «دياجنس» حاملة السلة الذهبية أمام «أرسنوي» محبة أخيها، وعندما كانت هرنات ابنة «بطليموس» كاهنة «أرسنوي» التي تحب والدها.
(١-٢) المقدمة
في هذا اليوم قرر المشرفون على المعابد، والكهنة خدام الآلهة، والكهنة السريون، والكهنة المطهرون الذين يدخلون في المكان المقدس «قدس الأقداس» ليلبسوا الآلهة ملابسهم، وكتبة كتب الآلهة ورفاق بيت الحياة، والكهنة الآخرون الذين أتوا من شِقَّيْ مصر نحو الجدار الأبيض «منف» لأجل أن يتسلم — في عيد ملك الوجه القبلي والوجه البحري رب الأرضين — «بطليموس العائش أبديًّا، محبوب بتاح» الإله الظاهر رب الطيبات، مملكة والده، وقد جمعوا أنفسهم في معبد ميزان الأرضين وأعلنوا:
(١-٣) الملك بوصفه محسن للمعابد المصرية، وكذلك لجميع الناس، وبوجه خاص لجيشه أيضًا
ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وريث الإلهين اللذين يحبان والدهما، الذي اختاره «بتاح»، وروح (كا) رع قوية، وصورة «آمون» الحية»، ابن رع «بطليموس العائش أبديًّا، محبوب بتاح» الإله الظاهر، رب الطيبات، ابن ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بطليموس» والأميرة سيدة الأرضين «أرسنوي»، والإلهين المحبين لوالدهما، الذي عمل كل الأشياء الطيبة والعظيمة (= العديدة) في أرض «حور» ولكل أولئك الذين كانوا فيها ولكل الناس الذين يُوجدون تحت حكمه الممتاز جميعًا — أنه كان إلهًا وابن إله وأوجدته في العالم آلهة، فهو مثل «حور» بن «إزيس» وابن «أوزير» وهو الذي يحمي والده «أوزير»، وكذلك كان جلالته قلبه محسنًا نحو الآلهة — وعلى ذلك أهدى كثيرًا من الفضة وكثيرًا من الحبوب لمعابد مصر، وأعطى كثيرًا من الأشياء الثمينة لأجل أن يهدئ مصر، ويجعل الشاطئين يمكثان، وأعطى مكافآت للجنود الذين يعملون تحت سيادته.
(١-٤) تخفيف الضرائب والعفو عن المذنبين
كل الضرائب والجزية الخاصة بالأمراء … وهي التي كانت تثقل عاتق مصر؛ فإنه خفض بعضها والأخرى ألغاها كلها (؟)؛ وعلى ذلك فإن الجنود والناس في زمنه كانوا سعداء بحكمه، وكل المتأخرات التي كانت تثقل عاتق سكان مصر وكذلك (؟) كل الناس كانوا جميعًا تحت حكمه الممتاز؛ فإن جلالته قد نزل عنها بكثرة يخطئها العد، وقد أفرج عن السجناء الذين كانوا في السجن، وكذلك كل الناس … الذين.
(١-٥) تثبيت الدخل القديم للمعابد والضرائب القديمة التي كان يدفعها الكهنة
وقد أمر جلالته بالآتي: أن ما يتعلق بقربان الآلهة، وكذلك الفضة والحبوب التي كانت تُعطى سنويًّا للمعبد، وكل أشياء الآلهة من كروم وأراضي بساتين، وكل شيء يخصهم كانوا يملكونه في عهد والده المبجل؛ يجب أن يُترك ملكًا لهم، وأمر كذلك أن يُنزل عن الضريبة التي كانت تؤخذ من يد الكهنة أكثر من الضرائب التي كانت تُدفع في عهد جلالة والده المبجل.
(١-٦) الإعفاء من الرحلة السنوية إلى الإسكندرية ومن الخدمة البحرية، الإعفاء من توريد ثلثي الكتان الملكي
وكذلك أعفى جلالته كهنة الساعة للمعابد من الرحلة التي كانوا يقومون بها إلى جدار الإسكندرية سنويًّا، وكذلك أمر بألا يُجند البحارة.
ونزل جلالته عن ٢ / ٣ نسيج الكتان الملكي الذي كان يورد له من المعابد.
(١-٧) إعادة السكينة الداخلية وضمان العفو الشامل
وكذلك أعاد جلالته استعمال كل الأشياء التي كانت منذ زمن طويل غير منظمة إلى نظامها الحسن، وقد كان مهتمًّا جدًّا بكل الأشياء التي كانت تُعمل عادة لمنفعة الآلهة، وكذلك عمل ما هو حق للناس مثل ما فعل الإله «تحوت» المزدوج العظمة.
وأمر كذلك (أن يترك بعد ذلك) … وعلى ذلك فإن ممتلكاته تبقى في حوزته.
(١-٨) حماية البلاد من الأعداء الأجانب
وكذلك حمل هم إرسال مشاة وفرسان وسفن ضد أولئك الذين كانوا يأتون من المدن أو من البحر، ومنح فضة كثيرةً وغلالًا لأجل أن يهدأوا أراضي حور (= المعابد) ومصر.
(١-٩) قهر الثائرين في «ليكوبوليس»
وقد زحف جلالته نحو … بوساطة الأعداء الذين كانوا في داخلها؛ لأنهم عملوا أضرارًا كثيرة في مصر، ولقد تعدوا الطريق التي كان يحبها جلالته، والتي هي تصميم الآلهة، وعلى ذلك فإنه سد كل القنوات التي تجري في هذه المدينة، ولم يعمل مثل ذلك بوساطة الملوك السابقين، وقد أعطى فضة كثيرة من أجل ذلك.
وعين جلالته مشاة فرسانًا على هذه الترع لحراستها وحمايتها — الباقي ترك — … عميقة جدًّا، وقد تغلب جلالته على هذه المدينة، وأخضع الأعداء الذين كانوا في داخلها، وقد أوقع فيهم مذبحة عظيمة (؟) كما فعل «رع» «وحور» بن «إزيس» مع عدوهما قبل ذلك في هذا المكان.
(١-١٠) معاقبة زعيم الثورة التي قامت على «بطليموس فيلوباتور»
تأمل، لقد جمع العدو الجنود، وكان على رأسهم، وتخبطوا في المقاطعات، وضربوا أرض «حور» (= المعابد) وتعدوا طرق جلالته وطرق والده المبجل، وقد أمر الآلهة أن يقهروا في «منف» في العيد، وهناك كذلك يتسلم مملكة والده، وقد قتلهم عندما طعنهم بالخشب (؟).
(١-١١) الإعفاء من الجزية المتأخرة وضرائب المعابد
وأن ما يستحقه جلالته من المعابد حتى العام التاسع … فضة وغلال التي نزل عنها جلالته، وكذلك الكتان الملكي الذي يستحقه بيت الملك (= الخزانة) من المعابد والفرق الذي كان قد قرر فعلًا عما وردت حتى هذا الوقت، وقد نزل عن أرادب الحنطة التي كانت تؤخذ من أرورات الآلهة، وكذلك مكاييل النبيذ التي كانت تُجبى من الكروم.
(١-١٢) الاهتمام بالحيوان المقدس وعبادة الآلهة
ولقد عمل طيبات كثيرة للعجل «أبيس» والعجل «منيفيس» (من ور) وكل الحيوان الإلهي المقدس أكثر مما عمله الأجداد، واهتم قلبه بأحوالها في كل لحظة، وقدم كل شيء طُلب من أجل معيشتها بكثرة وبكرم، وأحضر (؟) كل ما يُطلب من أجل معابدها (؟) في ذلك العيد الكبير الذي يقدم فيه الإنسان القربان المحروق، والذي يقدم فيه قربان الشراب، وكل شيء اعْتِيدَ عمله، والأمجاد التي في المعابد وكل الأشياء العظيمة الخاصة بمصر فإن جلالته تركها تبقى على حالتها على حسب القانون، وقد منح فضة كثيرة وغلة وكل الأشياء لأجل بيت سكن «أبيس» الحي، وزينه جلالته بشغل ممتاز من جديد، وكان جميلًا جدًّا، وقد ترك «أبيس» الحي يشرق فيه، وقد أتم مقصورة المعبد ومائدة القربات من جديد للآلهة (…) عندما كان قلب جلالته نحو الآلهة محسنًا، وعلى ذلك اعتنى بالمعابد وجمالها، فجددها في زمنه الحاكم الأوحد، ومكافأة على ذلك أعطته الآلهة والإلهات القوة والسلطان والحياة والعافية والصحة وكل الأشياء الطيبة جميعها في حين كانت وظيفته الكبرى معه وأولاده أبديًّا.
(١-١٣) عزم الكهنة على تمجيد الملك وأجداده
بالحظ السعيد: لقد ذهب إلى قلب كهنة جميع معابد الوجه القبلي والوجه البحري لإكثار أمجاد ملك الوجه القبلي والوجه البحري (بطليموس العائش أبديًّا، محبوب بتاح) الإله الظاهر، رب الجمال الذي في آراضي «حور» (= المعابد)، وكذلك الخاصة بالإلهين المحبين لوالدهما الذين أوجداه، والإلهين المحسنين اللذين أوجدا ما عمله، والإلهين الأخوين الذين أوجدا ما فعله، والإلهين المخلصين والدي من أنجبه.
(١-١٤) إقامة مجموعة تماثيل للملك والآلهة المحليين في كل المعابد وتمجيدها
ويجب إقامة تمثال للملك «بطليموس» العائش أبديًّا والإله الظاهر الذي أعماله جميلة، ويدعى «بطليموس» حامي مصر، وترجمته «بطليموس» الذي يحمي مصر، وكذلك تمثال لإله المدينة (الإله المحلي) وأن يمنح سيف النصر الملكي في كلا الشاطئين (القطرين) في كل محراب مشهور في الردهة العامة للمعبد، من صناعة نحاتين مصريين، وعلى كهنة بيت الإله في كل معبد من الذين عُينوا بوجه خاص أن يتعبدوا لهذه التماثيل ثلاث مرات يوميًّا، وأن يضعوا أدوات المعبد أمامها، وأن تُعمل كل تعليمات موافقة لها كما يفعل ذلك لآلهة المقاطعات في عيد أول السنة وأيام الأعياد (و) الأيام الخاصة بها.
(١-١٥) إقامة تمثال من الخشب للملك في محراب من الذهب
وكذلك يجب عليهم أن يصنعوا تمثالًا مقدسًا لملك الوجه القبلي والوجه البحري «بطليموس»، الإله المشرق، رب الجمال، ابن ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بطليموس» والأميرة سيدة الأرضين «أرسنوي»، والإلهين المحبين لوالدهما، ومعه محراب مقدس من السام (الذهب) ومرصع بكل الأحجار الكريمة في كل المعابد المعينة بوجه خاص، والتي توجد في المدن المحترمة، ومع محاريب آلهة المقاطعات، وعندما يُقام العيد الكبير وهو الذي يظهر فيه الإله في محرابه المحترم ويخرج من بيته؛ فعندئذ يجب أن يظهر المحراب المحترم لهذا الإله الظاهر «وهو فيه».
وعلى ذلك ينبغي أن يكون هذا المحراب من اليوم إلى أجل من السنين لا حد له معروفًا به.
ويجب أن توضع عشرة تيجان لجلالته، ويكون أمام كل واحد منها صل، كما هو المتبع في جمع صور التيجان، وتوضع على المحاريب بدلًا من الأصلال التي كانت قبل على المحاريب، وبذلك يكون التاج المزدوج في وسطها، في حين أن جلالته بذلك يكون مشرقًا في بيت «بتاح» بعد أن يكون قد عُمل له كل حفل لدخول الملك في بيت الإله، وعلى ذلك يتسلم وظيفته الكبرى. ويجب أن يُوضع على الجانب الأعلى للمربع (؟) الذي خارج هذا التاج وقبالة هذا التاج المزدوج نبات الوجه القبلي ونبات البردي للوجه البحري. هذا، ويجب أن يُوضع نسرٌ على سلة ونبات الوجه القبلي تحتها في الركن الأيمن من هذا المحراب، وكذلك يُوضع صل على سلة وتحته ساق بردي على جانبه الأيسر، ومعناه هو: أنه حامل التاج الذي أضاء الوجه القبلي والوجه البحري.
(١-١٦) إقامة العيد على شرف الملك
فلما كان اليوم الثلاثون من الشهر الرابع من فصل الصيف هو يوم ولادة الإله الطيب العائش أبديًّا، فإنه كان يُعقد بمثابة عيد وحفل في أراضي «حور» (= المعابد). وكان كذلك يُعقد في اليوم السابع عشر من الشهر الثاني من فصل الفيضان، وهو الذي كان يُعمل فيه حفل تتويج الملك عندما كان الملك يتسلمه من والده (أي التاج). تأمل، إن بداية جميع الأشياء العديدة الممتازة الخاصة بسكان الأرض هي ولادة الإله الطيب العائش أبديًّا، وتسلمه وظيفته الممتازة، ويحتفل بها في اليوم السابع عشر واليوم الثلاثين من كل شهر في كل معابد مصر، ويجب أن يُقدم فيهما قربات محروقة، وكذلك قربات سائلة، وكل شيء كان يُعمل كما ينبغي أن يُعمل في الأعياد في هذا العيد من كل شهر، وكل ما يُقدم في هذا العيد يجب أن يتناوله كل الناس الذين يقومون بخدماتهم في المعبد.
ويجب على الإنسان أن يقيم عيدًا وحفلًا في كل معابد مصر لملك الوجه القبلي والوجه البحري «بطليموس» العائش أبديًّا، محبوب بتاح، الإله الظاهر سيد الجمال، سنويًّا من اليوم الأول من الشهر الأول من فصل الفيضان مدة خمسة أيام عندما يكون على رأسهم إكليل، وموائد القربان يجب أن تُمد بسخاء بكل شيء كما يليق.
(١-١٧) اللقب الجديد لكهنة الملك
وكهنة الملك في كل معبد من المعابد التي ذكرت بوجهٍ خاص يجب أن يكونوا خدامًا للإله الظاهر سيد الجمال، ويذكرون خارج وظائف الكهنة، ويجب أن تُكتب (الألقاب في مرسومهم)، ويجب أن تُنقَش وظيفة كهنة الإله الظاهر سيد الجمال على الخاتم الذي في أيديهم.
(١-١٨) يجب كذلك على الأفراد العاديين أن يشتركوا في تمجيد الملك
تأمل، يجب على الناس الذين يريدون منح صورة من هذه المقصورة للإله الظاهر أن يقيموها ويحفلوها في بيوتهم، كما يجب عليهم أن ينظموا هذا العيد والحفل في كل شهر وفي كل سنة، وبذلك يُعلم أن سكان مصر قد مجدوا الإله الظاهر سيد الجمال، كما ذُكر أعلاه.
(١-١٩) نشر المرسوم
ويجب أن يُحفر هذا المرسوم على لوحة من الحجر الصلب بكتابة من كلم الإله، وبكتابة الرسائل، وبالكتابة الإغريقية، (ويجب على الإنسان) أن ينصبها في المكان المقدس (المحراب) في المعابد الخاصة المبينة من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، وذلك بجوار تمثال ملك الوجه القبلي والوجه البحري «بطليموس العائش أبديًّا، محبوب بتاح» الإله الظاهر سيد الجمال.
(٢) ترجمة النص الديموطيقي
(٢-١) التاريخ
(٢-٢) مقدمة
قرار في هذا اليوم: أن الكهنة الإداريين، والكهنة خدمة الإله، والكهنة الذين يذهبون إلى قدس الأقداس (أي الذين لهم حق الدخول في قدس الأقداس) ويلبسون الآلهة، وكتبه أسفار الإله، وكتبة بيت الحياة، والكهنة الآخرين الذين أتوا من معابد مصر إلى «منف» في عيد الملك «بطليموس» العائش أبديًّا، ومحبوب «بتاح»، الإله المشرق صاحب الطيبات الجميلة، ومن تسلم وظيفة ملكه من يد والده، وهم الذين جمعوا أنفسهم في بيت الإله في «منف» وقالوا:
(٢-٣) الملك بوصفه محسنًا للمعابد المصرية، وكذلك لجميع الناس، وبوجه خاص لجيشه أيضًا
حدث أن الملك «بطليموس» العائش أبديًّا، والإله الظاهر صاحب الطيبات الجميلة (ابن) الملك «بطليموس» والملكة «أرسنوي» الإلهين المحبين لوالدهما؛ كان من واجباته أن يفعل طيبات كثيرة لمعابد مصر ولكل أولئك الذين تحت حكمه، وذلك عندما أصبح إلهًا وابن إله وابن إلاهة؛ لأنه كان مثل الإله حور بن «إزيس» «وأوزير»، الذي حمى والده «أوزير»، ولأن قلبه كان ممتازًا نحو الآلهة «ومن ثم» أعطى نقودًا كثيرة وغلة كثيرة لمعابد مصر، وأنفق مصاريف كثيرة ليوجد الطمأنينة في مصر ثانية، وليجعل المعابد تصبح في نظام ثانية، وكذلك منح الأعطية لكل الجيش الذي كان تحت إمرته.
(٢-٤) تخفيف عبء الضرائب، والعفو عن المذنبين
فالضرائب والجزية التي كانت موجودة في مصر قد خُفف جزء منها، وجزء آخر أُعفي كلية؛ وذلك ليجعل الجيش وكل الناس الآخرين يصبحون في حالة حسنة، أما الأفراد المصريون الذين كانوا مدينين للملك، وكذلك أولئك الذين تحت حكمه؛ فقد نزل لهم عن باقي المبالغ التي كانت مستحقة عليهم، وكانت كثيرة.
(٢-٥) تثبيت دخل المعابد القديم والضرائب القديمة
وفيما يخص أملاك قربان الآلهة والفضة والغلال التي كانت في يد الكهنة سنويًّا، وهي التي كانت تُعطى للمعابد، وكذلك فيما يخص الجزء الذي يأتي إليها من الكروم والحدائق، وكل الأشياء الأخرى التي كانوا يملكونها في عهد والده فإنها تبقى ملكًا لهم، وكذلك أمر فيما يخص الكهنة ألا يدفعوا ضريبة الكهانة أكثر مما كانوا يدفعونه حتى السنة الأولى من حكم والده.
(٢-٦) الإعفاء من الرحلة السنوية إلى الإسكندرية، ومن الخدمة البحرية. والإعفاء من توريد الكتان الملكي
أعفى الأفراد الذين كانوا يشغلون وظائف في المعبد من الرحلة التي كانوا يقومون بها سنويًّا إلى بيت الإسكندرية، وأمر بألا يسخر بحارة، ونزل عن ٢ / ٣ الكتان الملكي الذي كان يورد لبيت الملك من المعابد.
(٢-٧) إعادة السكينة في داخل البلاد وضمان عفو شامل
وكل الأشياء التي كانت قد أهملت منذ زمن طويل قد وُضعت في موضعها الصحيح؛ وذلك عندما كان يوجه كل اهتمام بأن يؤدي الإنسان ما كان معتادًا أداؤه للآلهة بطريقة صحيحة، وكذلك جعل للإنسان حق العدالة كما فعل «تحوت» المزدوج العظمة، وكذلك أمر فيما يخص العائدين إلى بلادهم من الجنود المحاربين، وفيما يخص سائر أولئك الذين ضلوا السبيل خلال الاضطرابات التي كانت في مصر؛ أن يعودوا إلى أماكنهم ثانية، وأن تبقى أملاكهم ملكًا لهم.
(٢-٨) حماية البلاد من الأعداء الأجانب
ولقد صرف كل عناية في الحال ليجعل جنود المشاة والفرسان والسفن تصد كل من يأتي عن طريق البر والبحر لشن حرب على مصر، وقد أنفق من أجل ذلك مصاريف باهظة من الفضة والغلال، وبذلك جعل المعابد والناس الذين في مصر يصبحون في طمأنينة.
(٢-٩) قهر الثائرين في ليكوبوليس
وقد زحف على مدينة «شكان» التي كانت محصنة بكل الأعمال (الممكنة)؛ لأنه كان يوجد بداخلها أسلحة كثيرة وكل معدات الحرب. وقد أحاط العدو الذي كان في المدينة المذكورة بالجدران والسدود من جوانبها الخارجية، وهؤلاء كانوا قد ارتكبوا أوزارًا كثيرة بالنسبة لمصر؛ وذلك لأنهم لم يعملوا على حسب أمر الملك أو أمر الآلهة.
وقد سد (الملك) القناة التي تحمل المياه للمدينة المذكورة، ولم يكن في استطاعة الملوك السالفين أن يأتوا بمثل ما فعل، وقد أنفق نقودًا كثيرة على ذلك، وأمر المشاة والفرسان أن يحرسوا القناة المذكورة، وأن يتنبهوا لفيضان المياه (النيل) التي كانت مرتفعة في السنة الثامنة؛ وذلك لأن القناة المذكورة التي كانت تجري لري حقول كثيرة جدًّا كانت منخفضة عنها، وقد استولى الملك على المدينة المذكورة بالقوة في زمن قصير، وقد حاصر الأعداء الذين كانوا في الداخل وسلمهم للمقصلة (؟) مثل ما فعل «رع» و«حور» بن «إزيس» مع أولئك الذين قاموا في وجههما من الأعداء قبل ذلك في المكان المذكور.
(٢-١٠) معاقبة زعماء الثورة الذين قاموا على «بطليموس الخامس»
أما الأعداء الذين جمعوا الجنود وقادوهم ليشيعوا في المقاطعة الفوضى، وخربوا المعابد، وكذلك الذين اعترضوا طريق الملك ووالده؛ فإن الآلهة جعلتهم في قبضته في «منف»، وذلك في عيد تسلمه وظيفة ملك والده، وقد جعلهم يُضربون بالخشب (؟).
(٢-١١) الإعفاء من الجزية المتأخرة وضريبة المعابد
وقد نزل الملك عما كان مستحقًّا له من ضريبة المعابد حتى السنة التاسعة (من حكمه) من مبالغ، وكان ذلك يبلغ مقدارًا عظيمًا من الفضة والغلال، وكذلك نزل عن قيمة النسيج الملكي الذي كان دينًا على المعابد لبيت مال الملك، وكذلك التكملة لقطع النسيج التي لم تُورد، وهي التي كانت تُحسب فعلًا حتى الوقت الذي أعلن فيه ذلك، وأمر كذلك برفع أرادب القمح التي كانت تُجْبَى على كل أرورا من الأراضي الخاصة بالقُرُبات، وكذلك برفع كراميون من النبيذ عن كل أرورا من أرض الكروم الخاصة بملكية قربات الآلهة، وأن يبتعد عن ذلك.
(٢-١٢) الاهتمام بالحيوان المقدس وعبادة الآلهة التي كوفئ من أجلها الملك
وأدى أعمالًا طيبة كثيرة للعجل أبيس والعجل منيفيس (من ور) وكل الحيوانات المصرية المقدسة أكثر مما عمله سابقوه، وكان قلبه في كل وقت مهتمًّا بأحوالها.
وقدم كل ما يلزم لدفنها بسخاء واحترام، وأحضر ما تحتاج إليه معابدها في الأعياد الكبيرة حيث تُقدم أمامها القرابين المحروقة والقربات السائلة وسائر ما هو لازم لها، أما المكرمات الواجبة للمعابد والمكرمات الأخرى الخاصة بمصر؛ فإنه جعلها تبقى كما هي على حسب القانون.
ومنح ذهبًا وفضة وغلالًا كثيرة وأشياء عدة أخرى لمقر العجل أبيس، وأمر بإقامة العمل من جديد بما جعله عملًا غاية في الجمال.
وأمر بإقامة معابد ومقاصير وموائد قربان من جديد للآلهة، وأمر بإقامة أخرى كما كانت عليه من قبل، في حين أن جعل قلبه نحو الآلهة بمثابة إله محسن، وسأل عن أمجاد المعابد بأن تُجدد في زمن حكمه على حسب ما يليق بها.
ولذلك فإن الآلهة منحوه النصر والشجاعة والقوة والعافية والصحة، وكل الأشياء الأخرى الطيبة، في حين أن يبقى سلطانه ثابتًا له ولأولاده أبد الآبدين.
(٢-١٣) قرار الكهنة بتمجيد الملك وأجداده
مع الحظ السعيد: لقد دخل في قلب الكهنة أن يزيدوا — في المعابد — الأمجاد الخاصة ﺑ «بطليموس» العائش أبديًّا الإله الظاهر صاحب الأعمال الطيبة في المعابد التي عملها الإلهان اللذان يحبان والدهما، وهما اللذان أنجباه، والتي عملها الإلهان المحسنان اللذان أوجدا ما وُجد له، والتي عملها الإلهان الأخوان اللذان أوجدا ما أوجدا له، والتي عملها الإلهان المخلصان وآباء آبائهما.
(٢-١٤) إقامة مجموعة من تماثيل للملك وللآلهة المحليين في كل المعابد وتمجيدها
ويجب أن يقام تمثال للملك «بطليموس» العائش أبديًّا، الإله الظاهر، صاحب الأعمال الطيبة، وهو الذي يُسمى «بطليموس» حامي مصر، ومعنى ذلك: «بطليموس» الذي يحمي مصر، مع تمثال إله المدينة، وفي يده سيف النصر في المعبد، وكذلك في كل معبد في الموضع البارز منه، على أن يُعمل على حسب الطراز المصري، وعلى الكهنة أن يقوموا للتماثيل بصلوات ثلاث يوميًّا في كل معبد، ويجب أن تُوضع أمامها أدوات المعبد، وأن يقوموا لها بأداء الأشياء الأخرى كما يجب، وكما كانت تُعمل للآلهة الأخرى في الأعياد والمواكب في الأيام المذكورة.
(٢-١٥) إقامة تمثال من الخشب للملك في داخل محراب من الذهب
وكذلك يجب أن يظهر تمثال للملك «بطليموس» الإله الظاهر صاحب الأعمال الطيبة ابن «بطليموس» والملكة «أرسنوي» وكذلك للإلهين اللذين يحبان والدهما في مقصورة من الذهب، وكذلك في كل معبد، ويجب أن يُوضع في قدس الأقداس مع المقاصير الأخرى المصنوعة من الذهب، وعندما تقام الأعياد الكبيرة التي يظهر فيها الآلهة يجب أن تظهر فيها مقصورة الإله الظاهر صاحب الأعمال الطيبة، ولأجل أن تعرف المقصورة الآن وفي المستقبل يجب أن يوضع عليها عشرة تيجان من الذهب الخاصة بالملك، يُثَبَّتُ عليها صل كما هي الحال في التيجان التي على هيئة صل في مقاصير أخرى، ولكن يُوضع في وسطها التاج المسمى «سخمتي» (= التاج المزدوج) وهو الذي يلبسه الملك عندما يظهر في معبد «منف» عندما كان يقوم بما يجب أن يعمله عند تسلم مقاليد الحكم، وسيوضع على السطح المربع حول التيجان بجانب التاج الذهبي المذكور بردية وبشنينة، كما ينبغي وضع نسر على سلة، وتحته على اليمين بشنينة في الغرب (أي على اليمين) في الركن على المقصورة الذهبية، ويجب أن توضع سلة على بردية في الشرق (على اليسار) ومعنى ذلك: الملك الذي جعل الوجهين القبلي والبحري مضيئين.
(٢-١٦) إقامة عيد على شرف الملك
واتفق أن اليوم الثلاثين من الشهر الرابع من فصل الصيف هو الذي وُلد فيه الملك، واحتُفِلَ فيه كذلك بولادته، ويعتبر عيدًا، يُحفل به دائمًا في المعابد، وكذلك كانت الحال في اليوم السابع عشر من الشهر الثاني من فصل الفيضان، وهو الذي كان يُقام فيه الحفل بتسلم وظيفة الإمارة، وكان فعلًا بداية الشيء الطيب الذي يشترك فيه الناس. أي: يوم ولادة الملك ويوم تسلمه الملك، وعلى ذلك يكون هذان اليومان — أي يوم ١٧ ويوم ٣٠ من كل شهر — هما باستمرار عيدين في كل معابد مصر، ويجب أن تُقدم فيهما القربات المحروقة والقربات السائلة، كما هو متبع في الأعياد الأخرى في كل من العيدين شهريًّا، وما يقدم قربات يجب أن يكون قاصرًا على الذين يخدمون في المعبد.
ويجب أن يُحفل بعيد وبوليمة في المعابد في مصر قاطبة للملك «بطليموس» العائش أبديًّا الإله الظاهر صاحب الأعمال الطيبة على التوالي سنويًّا في اليوم الأول من الشهر الأول من فصل الفيضان لمدة خمسة أيام يُتوج في خلالها بالأكاليل، وتُقدم له القربات المحروقة والقربات السائلة والأشياء الأخرى اللائقة.
(٢-١٧) لقب جديد لكهنة الملك
وكهنة المعابد المميزون خاصة في كل معبد وهم الذين يجب أن يكونوا خدامًا للإله الظاهر صاحب الطيبات الحسنة؛ تُقيد أسماؤهم بعد أسماء الكهنة الآخرين، ويجب أن يُكتب لقبهم في كل الوثائق الرسمية، ويجب أن تُحفر وظيفة كاهن الإله الظاهر صاحب الطيبات الحسنة على أختامهم.
(٢-١٨) يجب كذلك على الأفراد العاديين أن يعلنوا الأمجاد المذكورة أعلاه
وينبغي السماح كذلك للأفراد العاديين لمن أراد منهم أن يظهر صورة المحراب الذهبي المذكور أعلاه للإله الظاهر صاحب الطيبات الحسنة؛ فيجعلونها توضع في بيوتهم، وكذلك ينبغي لهم أن يقيموا الأعياد والولائم التي وُصفت أعلاه (في كل شهر) وفي كل سنة، وبذلك يمجدون — أهل مصر — الإله الظاهر صاحب الطيبات الحسنة كما هو المتبع عمله.
(٢-١٩) نشر المرسوم
(٣) النص الإغريقي
(٣-١) مرسوم
إن رؤساء الكهنة والكهنة خدمة الإله، وأولئك الذين في المحراب الداخلي (= قدس الأقداس) لإلباس الآلهة، وحاملي الريش والكتاب المقدسين، وكل الكهنة الآخرين الذين أتوا معًا للملك من المعابد التي في أنحاء البلاد إلى «منف» من أجل عيد تسلمه الملك، وهو عيد «بطليموس» العائش أبديًّا محبوب بتاح والإله «أبيفانس» (= الظاهر) «أيوكاريستوس» (= الذي أشياؤه الطيبة حسنة) الذي تسلمه من والده؛ قد اجتمعوا في المعبد بمنف في هذا اليوم، وأعلنوا: لما كان الملك «بطليموس» العائش أبديًّا محبوب «بتاح» الإله «أبيفانس يوكاريستوس» ابن الملك «بطليموس» والملكة «أرسنوي» (الثالثة) الإلهين المحبين لوالدهما؛ قد أفاد كثيرًا المعابد والذين يسكنونها وكذلك أولئك الذين هم رعاياه بوصفه ملكًا انحدر من إله وإلهة (مثل «حور» بن «إزيس» و«أوزير» الذي انتقم لوالده «أوزير») وبوصفه يميل بالإحسان نحو الآلهة، فإنه قد أهدى المعابد دخلًا من المال والغلال، وقام بمصاريف كثيرة؛ ليجعل مصر في فلاح، ولتأسيس المعابد، وكان كريمًا بكل موارده وبالدخل والضرائب التي كان يجبيها من مصر؛ فقد نزل عن بعضها قاطبة وخفف بعضها، وذلك لأجل أن يصبح في استطاعة الناس (يقصد المصريين الأصليين) وجميع الباقين (يقصد المقدونيين والإغريق والأسيويين الذين يسكنون البلاد المصرية) في سعادة مدة حكمه.
وقد نزل عن جميع ديون التاج التي كانت دينًا له في مصر وسائر دولته، وكانت كثيرة العدد، وكذلك أعفى أولئك الذين كانوا في السجون والمتهمين منذ زمن طويل زمن التهم التي نُسِبَت إليهم، وقد أمر بأن يبقى دخل المعابد وكل الهبات السنوية التي تُمنح لها من الغلال والمال، وكذلك النصيب الخاص بالآلهة من النبيذ والأرض والحدائق وأملاك الآلهة الأخرى؛ في حوزتهم كما كانت في زمن والده، كذلك وصى فيما يخص الكهنة بألا يدفعوا ضريبة التدشين أكثر مما كان مقررًا عليهم زمن والده وحتى السنة الأولى من حكمه، وأعفى أعضاء الطوائف المقدسة من السفر سنويًّا في النهر إلى الإسكندرية، وأوصى بأن الخدمة في الأسطول لا يكون لها وجود بعد، وأن ضريبة نسيج الكتان الملكي التي تدفعها المعابد للتاج تُخفض بمقدار الثلثين، وكذلك أية أشياء مهما كانت قد أُهملت في الأزمان فإنها قد أعيدت إلى حالتها الطبيعية، على أن تكون هناك عناية بكيفية دفع الضرائب التقليدية للآلهة، وكذلك فإنه وزع العدالة مثل ما فعل «هرميس» (= تحوت) المزدوج العظمة.
وكذلك أمر بأن أولئك الذين عادوا من طائفة المحاربين وسائر أولئك الذين ضلوا السبيل في ولاتهم في زمن الاضطرابات يجب عند عودتهم أن يحتلوا أملاكهم القديمة، وذلك على شرط أن الفرسان والمشاة وكذلك السفن يجب أن يُرسَلوا على أولئك الذين يهاجمون مصر بحرًا وبرًّا، ويخضعوهم لغرامة عظيمة من المال والغلة؛ لأجل أن تكون المعابد وكل ما هو في البلاد يصبح في أمان (المقصود بالذين يهاجمون مصر هنا هم السليوكيون الذين على رأسهم «أنتيوكوس» الثالث). هذا، وكان الملك قد زحف على «ليكوبوليس» الواقعة في المقاطعة البوصيرية (المقاطعة التاسعة من مقاطعات الوجه البحري) وهي التي كانت قد احتُلت وحُصنت لمقاومة حصار مجهز بمستودعات أسلحة وبكل الموارد الأخرى، ولما رأى أن أمد العصيان كان طويلًا بين الرجال الكفرة المتجمعين فيها، وهم الذين كانوا قد ألحقوا ضررًا بالغًا بالمعابد وبكل سكان مصر؛ فإنه بعد أن عسكر أمامها أحاطها بالتلال والخنادق والتحصينات المنيعة، ولكن لما كان النيل قد ارتفع ارتفاعًا عظيمًا في السنة الثامنة «من حكمه» وقد كان في العادة يفيض على السهول فإنه منعه، وذلك بسده عند نقط عدة عند فتحات مجاري المياه، وقد أنفق على ذلك مبلغًا من المال ليس بالقليل. هذا، وقد أقام على حراستها فرسانًا ومشاة — يقصد هنا إما السدود وإما جيشه الذي وضعه ليحاصر الثوار بعد أن حجز الفيضان بعيدًا، وكان الثوار أمَّلوا أن يرفع فيضان النيل الحصار. وفي الحال استولى على البلدة بالهجوم، وقضى على كل الرجال الكفرة الذين كانوا فيها، وذلك مثلما أخضع سابقًا «هرميس» و«حور» بن «إزيس» «وأوزير» العصاةَ في نفس الإقليمة، أما مضللو العصاة في زمن والده وهم الذين عاثوا في الأرض فسادًا، وألحقوا أضرارًا بالمعابد، فإن هؤلاء عندما أتى إلى «منف» عاقبهم انتقامًا لوالده ولبلاده بما يستحقون عندما وصل إلى هناك ليؤدي الأحفال اللازمة لتسلمه التاج، وقد نزل عما كان يستحقه التاج من المعابد حتى العام الثامن «من حكمه»، ولم يكن هذا بالقدر الصغير من الغلال والمال، وكذلك الغرامات عن نسيج الكتان الملكي الذي لم يُورد للتاج، وكذلك الغرامات عن تكاليف تحقيق ما قد ورد لنفس المدة، وكذلك أعفى المعابد من ضريبة إردب عن كل أرورا من الأرض المقدسة، وجرة النبيذ عن كل أرورا من أرض الكروم.
أما العجلان «أبيس» و«منيفيس» فإنه منحهما هبات كثيرة، وكذلك الحيوانات الأخرى المقدسة في مصر أكثر مما منحه أي ملك آخر قبله، هذا مع تقدير ما كانت تملكه (الآلهة) من كل وجه. وقد أعطى لدفنها ما هو مناسب بسخاء وفخامة، وكذلك ما كان يُدفع بصفة منتظمة لمحاريبهم الخاصة، بالإضافة إلى الأضاحي والأعياد وكل الشعائر المتبعة، وكذلك أبقى على أمجاد المعابد ومصر على حسب القوانين، وكذلك زخرف معبد «أبيس» بالأشغال الثمينة منفقًا عليه الذهب والفضة والأحجار الثمينة مبلغًا ليس بالقليل.
ولما كان اليوم الثلاثون من شهر «مسرى» وهو الذي احتُفل فيه بيوم ميلاد الملك، وكذلك اليوم ١٧ من شهر بابه وهو اليوم الذي تسلم فيه الملك من والده؛ فإنهما قد اعتُبرا أسماء أيام في المعابد، ولما كانا مناسبتين لرحمات عظيمة؛ فإنه سيُقام عيد في المعابد في كل مصر في هذين اليومين من كل شهر، وسيكون فيهما أضاحي وقربات سائلة، وكذلك كل الأحفال المعتادة في كل الأعياد الأخرى.
وسيُقام عيد للملك «بطليموس» العائش أبديًّا محبوب «بتاح» الإله «إبيفانس-يوكاريستوس» سنويًّا في كل معابد البلاد من أول شهر «توت» لمدة خمسة أيام، وستُرْتَدى فيها أكاليل وتُؤدى أضاحٍ والتزامات أخرى عادية، وسيدعي كهنة الآلهة الآخرين كهنة الإله «إبيفانس-يوكاريستوس» بالإضافة إلى أسماء الآلهة الآخرين الذين يقومون بخدمتهم، وستُدون في الوثائق الرسمية طائفة كهانته، (وتُحفر على الخواتم التي يلبسونها)، وسيُسمح للأفراد العاديين أن يقيموا العيد، ويقيموا كذلك المحراب السالف الذكر، ويكون عندهم في بيوتهم، ويؤدون الاحترامات المعتادة في الأعياد شهريًّا وسنويًّا؛ وذلك لأجل أن يكون معروفًا للكل أن رجال مصر يعظمون ويمجدون الملك «إبيفانس-يوكاريستوس» على حسب القانون.
وهذا المرسوم سيُدون على لوحة من الحجر الصلب بالأحرف المقدسة والوطنية والإغريقية، ويُقام في كل المعابد التي من الدرجة الأولى والثانية والثالثة عند تمثال الملك العائش أبديًّا.
(٤) تعليق
حاولت عند ترجمة مرسوم «منف» وهو المعروف في عالمنا الحديث بحجر رشيد أن أضع أمام القارئ تراجم للنصوص الثلاثة التي دُوِّنَ بها هذا المرسوم؛ وهي اللغة المقدسة القديمة التي تضرب بأعراقها إلى عهد «مينا»، واللغة الديموطيقية وهي لغة الشعب التي بدأت تظهر منذ العهد الكوشي — حوالي ٧٥٠ق.م — واستمرت تنمو وتتطور على حسب الأحوال حتى نهاية العهد الروماني ثم احتلت مكانتها اللغة القبطية، وأخيرًا اللغة الإغريقية وهي اللغة التي كانت تُعتبر في وقت إصدار المنشور اللغة الرسمية للبلاد. ولا بد أن المطلع على تراجم هذه المتون سيلحظ فروقًا محَسة بين كل ترجمة وأخرى، وإن كان المعنى العام الذي من أجله صدر هذا المنشور يمكن الوصول إليه من أي متن من هذه المتون الثلاثة على حدة. غير أنه يلحظ في كل متن تعابيره الخاصة ومصطلحاته الخاصة؛ ومن أجل ذلك نجد أن هذا المنشور عند نقشه قد رُوعي فيه أن يصل إلى أذهان كل سكان مصر عامة؛ فالمتن الهيرغليفي قد دُوِّنَ لجماعة الكهنة الذين كانوا يُعدون طائفة خاصة تكاد تكون بمعزل عن الشعب من حيث الثقافة والتفكير، هذا على الرغم من أن هذه الطائفة كانت هي المسيطرة على عقول الشعب المصري الأصيل من الوجهة الدينية. والواقع أنه كانت لهم لغتهم المقدسة التي كانت تُستعمل في صلواتهم وفي نقش معابدهم وتعاليمهم الخاصة التي كانت معرفتها قاصرة عليهم في معظم الحالات.
أما المتن الديموطيقي فقد كُتب لعامة الشعب المصري الأصيل، وقد نقشه الكهنة باللغة العامية التي يفهمها هؤلاء ويتخاطبون بها في رسائلهم ومعاملاتهم العامة، ولا نزاع في أن عامة الشعب كان لا يفهم اللغة المصرية المقدسة إلا القليل منهم، يضاف إلى ذلك أن مثل هذا المرسوم كان يُنشر في المعابد التي من الدرجات الأولى والثانية والثالثة، وبعبارة أخرى كان يقرأه كل الشعب المصري المثقف وغير المثقف منهم، ولذلك كان لزامًا إصداره باللغة التي يعرفها المصريون أهل البلاد.
وأخيرًا دُوِّنَ المنشور باللغة الإغريقية وهي — كما قلنا — كانت لغة الحكومة المصرية.
ولما كان من مصلحة الكهنة أن يفهم الإغريق ما احتواه هذا المنشور من مقررات تمس صميم مالية البلاد وأحوالها الاجتماعية؛ فإن المرسوم قد تُرجم إلى اليونانية، أو على الأقل نُقلت كل معانيه إلى الإغريقية، وبتعابير إغريقية نُقلت عن المصرية، وهذا ما يُلحظ في بعض التعابير التي عبر عنها الإغريقي في المتن الإغريقي، وقد كانت ترجمة بعض هذه التعابير تستعصي على الكاتب الإغريقي، ولقد كان من أوجب الواجبات أن يُكتب مثل هذا المنشور بالإغريقية، وبخاصة عندما نعلم أن الملك كان على دين المصريين ويُعد فرعونًا في نظرهم، وذلك على الرغم من أن مواطنيه الإغريق في مصر كانوا على ملة آبائهم.
ولا نزاع في أن من يقرن المرسوم الذي نُقش على «حجر رشيد» بالمرسوم الذي نُقش على لوحة «كانوب» منذ ثلاث وأربعين سنة خلت؛ يجد أن الفرق ظاهر وواضح لا يحتاج إلى تفسير عميق، فيشاهد أن كل الدلائل تشير في مرسوم حجر رشيد إلى أن علاقة الملك مع رجال الدين وكذلك مع الشعب المصري كانت أحسن حالًا مما كانت عليه من قبل.
وتفسير ذلك أننا نلحظ أولًا أن مجمع الكهنة كان قد بدأ يُعقد في «منف» عاصمة ملك الفراعنة القديمة، وذلك بدلًا من «كانوب» مقر سلطان البطالمة، وكانت «كانوب» هذه في الواقع ضاحية من ضواحي الإسكندرية التي كانت هيلانستيكية النزعة لحمًا ودمًا، ومن ثم فإن هذه كانت أول خطوة خطاها الكهنة المصريون إلى الأمام في تثبيت أقدامهم وإعلاء شأن ديانة آبائهم وأجدادهم الذين كانوا يترسمون خطاها منذ أقدم العهود الفرعونية. على أنه لم يكن بالأمر الغريب أن أصبح الملك يتزيا بالزي الفرعوني في بلدة فرعونية الأصل. حقًّا، كان أجداد «بطليموس» الخامس يتزيون بزي الفراعنة عند تتويجهم، ولكن كان يحدث ذلك في بلد لا تعرف لهذا الزي معنى، وأنهم قد أُجبروا على لبسه مجاراة لسياسة الملك ومقتضيات الأحوال، غير أن ملوك البطالمة بدأوا الآن يضعون الأمور في مواضعها الطبيعية، وبخاصة عندما نعلم أن جميع الشعائر التي كانت تُقام قد أصبحت تؤدى على حسب التقاليد المصرية عند تنصيب الملك البطلمي فرعونًا على البلاد، وهذا هو نفس ما حدث في الاحتفال الذي أُقيم لتنصيب «بطليموس» الخامس فرعونًا على مصر.
ويُلحظ أن هذه الشعائر التي أُديت لهذا الملك لم تكن قد أُديت في مرسوم «كانوب» بنفس الصورة الفرعونية الفنية. يُضاف إلى ذلك أن طائفة الكهنة قد أُعفوا هنا من كثير من الضرائب التي كانت تثقل عاتقهم في الماضي، وفضلًا عن ذلك لم يكن لزامًا على الكهنة المصريين أن يتحملوا مشاق السفر من «منف» حتى الإسكندرية لتجديد ولائهم وإخلاصهم للفرعون بمناسبة عيد ميلاده، فقد جمع الكهنة منذ حكم هذا العاهل الجديد في «منف» مجلسهم الذي كان في العادة يُعقد في «كانوب» كما كانت تقام فيها الأعياد، ومن المحتمل أنها كانت قد أصبحت عاصمة الملك، ولا نزاع في أن تسامح البطالمة إلى هذا الحد كان فاتحة سياسة جديدة في داخل البلاد تنطوي على اللين وعدم المغالاة في معاملة الشعب بالشدة والقسوة، ويرجع السبب في ذلك إلى ما لاقاه رجال الحكم في الإسكندرية من مقاومة عنيفة أثناء الثورات التي اندلع لهيبها في طول البلاد وعرضها، وكلفت حكومة البطالمة ثمنًا باهظًا، وقدمت لهم درسًا لم يتلقوه من قبل، عرفوا منه أن الشعوب لا تُقهر ولا تُستغل بالقوة، وأنه لا بد من أن تنال حقها في الحياة مع الكرامة والإباء، وبخاصة الشعب المصري الذي لم يتغلب عليه فاتح إلا إذا اندمج فيه وأصبح يكون وحدة معه.
وأن من يقرأ مرسوم «منف» يتضح له أن مصر الحقيقية في عهده لم يؤثر فيها الغزو البطلمي؛ بل الواقع أنها لم تُغز في أخلاقها وعاداتها ومعتقداتها، وقد ظلت ثابتة على حالتها الأصلية التي كانت عليها في عهد البطالمة حتى جاء الفتح الإسلامي؛ فغير بعض الظواهر، ولكن الجوهر لا يزال كما هو إلى درجة عظيمة.