الفصل الأول
خلق الله الماضي والحاضر والمستقبل معًا، لكُلٍّ له بُعدُه الخاص، إلا أننا نرى البُعد الذي نعيش فيه فقط.
١
كان الجو صحوًا في المدينة، الساعة تُشير إلى العاشرة والنصف صباحًا، سربٌ من النسور يحلِّق في السماء على ارتفاع شاهق. حينها كان مروان ناجي الراعي في منزله، الكائن في حي عطان، لا يزال مستلقيًا على فراشه، لم يصحُ من نوم.
سقطت قُنبلة مُرعبة بالقرب من منزله، وأخذَتْه من عالم الجحيم إلى عالم الفردوس (عالم الإنسان الكامل). وجد نفسه في ذلك العالم يُقلِّب بصره في دهشة فيما حوله، ينظر إلى أشجار تتدلى منها فواكه مخالفة. يُحدِّث نفسه: «تُرى هل أنا في الجنة؟!» نهض بصعوبة من مكانه وهو مستلقٍ على سجادة من العشب الأخضر؛ ليقطف برتقالًا. تفاجأ أن يده تغوص في الفاكهة، وهو يحاول الإمساك بها. حاول مرة أخرى أن يقطف ثمرة جوافة، أيضًا لم يستطع! نظر إلى جسده العاري، حدَّث نفسه: «هذه يدي، لماذا لا أستطيع أن ألتقط الفاكهة؟ تُرى أيَّ جسد أملك، هل أنا شبح؟! أم هكذا نُبعث يوم القيامة وتتشكل أجسادنا فيما بعد؟» لم يستغرب من عُريه؛ فالمرء كما قيل له «يُبعث على ما كان عليه عند موته»، وهو كان قبل لحظة عاريًا في غرفة نومه.
جلس مذهولًا ينظر فيما حوله! والفاكهة تتدلى من أشجار لم يرَ مثلها في حياته، كُلٌّ منها تثمر عدة أنواع من الفاكهة؛ تفاحًا، رمانًا، برتقالًا، جوافة .. استلقى على الأرض والرائحة العطرية تُشبه رائحة الريحان. نظر نحو الشمس، فرآها تقترب من كبد السماء، مخلوقات في الجو تُشبه الإنسان تطير بأجنحة رقيقة كأجنحة الخفاش. حدَّث نفسه: «إنهم الملائكة. نعم، أنا في الجنة. حقًّا مَن مات قامت قيامته! تُرى، هل صورهم جميلة كما قيل لنا؟! كم اشتقت لمعرفة ذلك! تساءل أين حور العين؟ لماذا لا يستقبِلْنني؟! أين أهل الجنة؟ لماذا أنا وحيد؟!» شاهد خلية نحل على شجرة، والعسل يقطر من أقراصها. مشى مسافة، فإذا به يرى شجرة يتدلى منها خوخ، أناناس، مانجو. قال: «سبحان الله، هكذا الجنة، فيها فاكهة الشتاء والصيف معًا!»
طاف ببصره فيما حوله بدهشة، فشاهد سبع نساء جميلات يقتربن نحوه، يتدلى شعرهن حتى الأرداف، يبدو من وجوههن أنهن من جنسيات مختلفة. ابتهج فرحًا، وقال لنفسه: «ها قد أقبلن حور العين أخيرًا؛ ليأخذنني إلى قصري.» تساءل: «لماذا يلبسن ملابس رجالية؟! كنت أظن أن الحور يلبسن فساتين الفرح.» توارى خلف شجرة ليستر عريه، وهو يراقب النسوة، يحدث نفسه: «سبحان الله حور الجنة يشبهن نساء الدنيا، تُرى، هل نساء الأرض يتحولن إلى حور في الجنة؟!» تشجع ونادى الفتيات: هيه .. أنتن، أريد لباسًا، أرجوكن أريد لباسًا!
كان يشاهدهن وهن يقتربن نحوه أكثر، وصاح عاليًا: أريد ثوبًا، أنا عرياااان! .. هل أنتن حور العين؟ أليست هذه هي الجنة؟
سمعهن يتحدثن بلغة غريبة، لم يفهم منها شيئًا. غطَّى منطقته الحساسة بكفَّيه، وظهر أمامهن وهتف: هيه .. أنتن ألا تسمعنني؟! ألا ترينني؟ هييييه، أنتن، انظُرْنَني!
تقدم نحوهن أكثر، وهو يهتف بصوت مرتفع .. لكنهن لم يلتفتن نحوه، وهن يعتنين بأشجار الفاكهة. تراخت يداه ذهولًا عن منطقته الحساسة. عرف أن جسده لا يراه الغير، وليس له صوت! هكذا وجد نفسه روحًا دون جسد لا يراه سوى نفسه.
٢
حزن مروان على حاله، وهو يرى نفسه في الجنة روحًا دون جسد. حدَّث نفسه: «ما الفائدة من الجنة يا مروان، وأنت فيها روحٌ دون جسد؟» وراح يندب حظه، إنه عذاب من نوع آخر.
جلست النساء يسترحن؛ فإذ به يشاهد ما يؤكد له أنه في الجنة وليس في الأعراف؛ شاهد أكوابًا من العصير تُوضع أمام كل فتاة، وفاكهة لم يرَ مثلها في حياته، ولم يرَ ثمة أحدًا يُقدم ذلك. لم يستطع أن يسيطر على نفسه، وهو يشاهد الحسناوات أمامه، فاقترب منهن والتصق بإحداهن فلم تشعر به، وهو كذلك لم يشعر بإحساس اللمس! ابتعد عنهن، ثم صاح بأعلى صوته، وهو يقلِّب وجهه في السماء: «لماذا أرسلتني يا ربِّ إلى الجنة روحًا دون جسد؟!»
مشى أمامهن بتوتر ذهابًا وإيابًا، يتفرج على حسنهن الخلاب، وهن يقُمن بعملهن بهمة ونشاط. قبل غروب الشمس سمع أصغر الفتيات تقول: «لقد أكملنا عملنا اليوم.» وإذ بمركبة دائرية غريبة تهبط أمامهن فجأة، كأنها تكثفت من الهواء. ركبن جميعًا، وانطلقت تلك المركبة بسرعة مُحلِّقة في الجو، وهو يتساءل في ذهول: «هل توجد صحون طائرة في الجنة؟!»
أزِف المغيب، واستلقى على ظهره تحت الشجرة التي وجد نفسه أول مرة تحتها، وهو في حيرة من أمره في أي عالم هو؟! هل هو لا يزال على الأرض؟! أم في السماء؟! أم في عالم الجن الموازي لعالمنا؟! ولماذا هو روح دون جسد؟! تذكر بحزنٍ الانفجارَ الرهيب بالقرب من منزله، وانتقل بعده إلى العالم الذي فيه هو الآن. يتساءل: «هل انفجر مخزن أسلحة تحت الجبل ودمَّر المنازل حوله؟! وما هو مصير أهله؟!» تخيل السكان والعابرين بين الأنقاض، وصراخ الجرحى وعويل النسوة، وأناسًا نجت من الهلاك، يكسوهم الغبار كأنهم قاموا من الأجداث لا تكاد تُعرف. وأخذ يلعن صُنَّاع الدمار، تجار الموت، وكراسي الحُكم المخضبة بالدماء. كانت معركة دخول الحوثيين صنعاء شرسة جدًّا.
بينما كان مروان في عالمه الفردوسي، كانت زوجته حميدة في تلك اللحظة أمام حمَّام منزلهم تصرخ: «أبوكم مات يا أولادي!» أسرع الأولاد: عُمر، سليم، سالم، نبيل، وابنتها فاطمة، وتحلَّقوا حوله وهم لا يزالون في حالة ذهول من هول الانفجار. أمَّا على ومعاوية؛ فقد كانا يعملان في السوبر ماركت، وكان نادر وسامي — أولاد فاطمة — لا يزالان منبطحَيْن أرضًا إثرَ الهزة القوية التي ضربت المنطقة.
لاحظوا البسمة مرسومة على شفتي والدهم، لم يكن هناك ثمة جرح في جسده. ألبسوه ثوبه ثم حملوه إلى خارج البيت ليُسعفوه. وجدوا سيارتهم مقلوبة .. إطاراتها نحو الأعلى .. الشارع خالٍ من المارة ومطمور بالحصى والأتربة. كانت العيون المرعوبة تشاهد المنازل التي حولها، وقد سقطت نوافذُها. بعضها في وضع مائل والسكان يُهرعون بالخروج منها. بعضهم شبه عُراة، نساء حاسرات الرءوس دون عباءات. كلٌّ يجري لينجو بنفسه كأنه يوم القيامة. نصف ساعة من الانتظار وأسرة مروان في كرب عظيم، أوقفوا سيارة مسرعة لنقل البضائع، وأسعفوا والدهم على متنها إلى المستشفى .. والبسمة لا تفارق شفتيه، كأنه في حلم جميل.
لم يبالِ السائق بصوت حميدة، وهي تطلب منه ألا يسرع بسيارته، وهي تهتز حين تعبر على الأحجار الصغيرة المتناثرة، تغطي مساحات واسعة من الشوارع المسفلتة، لم يلتفت لأناس يكسوهم الغبار، كأنهم خرجوا من الأجداث، وهم يشيرون إليه لينجو بهم؛ خوفًا من سقوط قنابل عشوائية على المنطقة. وهناك بعض الجُثث مُلقاة في الشارع، أغلبها بجوار حيطان المنازل؛ نتيجة لارتطامها بها. قوافل نزوح السكان إلى خارج المدينة على سياراتهم، وآخرون راجلون يحملون أطفالهم. والمعركة مشتعلة بين الحوثيين والمدافعين عن صنعاء.
وصلوا المستشفى، وهناك شقُّوا الزحام عند الباب. وضعوا مروان على سرير المعاينة، ثم حضر الطبيب متأخرًا. أثناء فحص مروان كان الدكتور تبدو عليه علامات التعجب! سمع قلبه لا يزال ينبض رغم تنفسه البطيء، تبين أنه سليم من الناحية العضوية، ثم أجرى له فحوصات أخرى، وتبين أنه لا يعاني من جلطة أو نزيف في الدماغ، التي تؤدي إلى غيبوبة. أمر بنقله إلى غرفة الإنعاش لتزويده بالأكسجين. ابتسم الطبيب وقال: «لا تخافوا! سيبقى تحت العناية المركزة لمراقبة تنفسه.»
أغلق علي ومعاوية السوبر ماركت، وأسرعا إلى المستشفى، لم يجدا سيارة أجرة، فركبا مع الآخرين إحدى سيارات النقل العام، تنقل الراجلين العالقين في الشوارع حسب وجهتها مجانًا، يريدون العودة إلى منازلهم البعيدة. توقفت شبكة الهاتف، خلت الشوارع من المارة، أَغلقت الدكاكين والمحلات أبوابها هربًا من المعارك.
مرَّ علي ومعاوية بشارع الستين بجانب طابور طويل من السيارات، تقف منذ ثلاثة أيام أمام محطة الوقود للتزود بالبترول، وقد لاذَ أصحابها بالفرار وغادروا إلى منازلهم، وكان هناك آخرون يفرون من منازلهم التي بُنيت عشوائيًّا عرضَ جبل عطان الجهة الشرقية، مقابل شارع الستين. النساء يُهرعن نزولًا من الجبل، لم يلبسن عباءاتهن، إلى داخل مدرسة في أسفل الجبل؛ خوفًا من تهدُّم منازلهن من سقوط القذائف عليها.
وصل عليٌّ ومعاوية إلى المستشفى للاطمئنان على والدهما. شقَّا زحمة المترددين ليصلا إلى الباب، وكان هناك رجل يصيح: «لقد مررت بابني خمسة مستشفيات، وكلها ترفض استقباله، ليس لديهم غرف عناية مركزة كافية. أرجوكم أنقذوا ابني!» استقبل المستشفى الحالات التي يمكن أن يتركوها في الممرات. دخل معاوية إلى غرفة العناية، فرأى أباه مستلقيًا على السرير والبسمة على شفتيه.
حضر منير خطيب فاطمة يستقل دراجة نارية؛ ليزور مروان في المستشفى وبقي بجانب أسرته يواسيها. كان يرشق فاطمة بنظرات العطف والحب معًا. كان قد أكمل تأثيث منزل الزوجية، وقد تأخر زواجهما ثلاث سنوات. اقترب من فاطمة ورأى عيني حبيبته تفيضان بالدموع. بقي مع الأسرة في المستشفى حتى الساعة الثامنة مساءً. ثم عاد إلى منزله يلعن الحرب التي وقفت في طريق حُبه، ولولا مثابرته في العمل لكان سُرِّح من عمله في القطاع الخاص كما سُرِّح الكثيرون.
٣
حينها كان مروان في عالمه الفردوسي يشاهد النجوم ومواقعها، شاهدها كما كان يشاهدها في حياته، مما يدل على أن الجنة في الأرض، أو أنها قريبة منها. رأى أغصان الأشجار تترنح، فعرف أن هناك عاصفة مُقبلة، ثم أعقب تلك العاصفةَ مطرٌ غزير. حاول في البدء أن يبقى بجانب جذع الشجرة ليحتمي من المطر. مد يدَه تحت قطرات المطر، فلم يشعر بها. مشى تحت وابل المطر، يحدث نفسه: «لم يخبرنا أحد عن وجود أمطار في الجنة، بل أنهار من عسل ولبن، أظنني سأجدها فيما بعد.» شاهد أشجارَ نخيلٍ يتدلى منها رطب كبيرة الحجم، سقطت إحداها أمامه، وطفَتْ على الماء، قدَّر وزن الثمرة بما يُقارب ربع كيلو. شاهد الشمس تميل للغروب. حدَّث نفسه: «هل تسقط الصلاة في الجنة؟ كيف يعبد المرء ربَّه وهو روح دون جسد؟!» داهمه الليل فنام في البستان.
استيقظ في منتصف الليل، رأى القمر فيه منطقة صغيرة كروية الشكل بلون أخضر، عليها حمامة تفرد جناحَيْها، وفي فمها زهرة اللوتس. حدَّث نفسه: «هذا القمر يُشبه قمر الأرض.» ثم ذهب في غفوة تحت الشجرة، وعاد المطر ينهمر دون أن يشعر به.
أقبلت النسوة في الصباح يترنمن بأصوات رخيمة. اندسَّ بينهن وهن يتحدثن تارة بالعربية، وتارة بلغة غريبة. أخذ يتأمل جمالهن الفاتن بحسرةٍ، واستغرب من اللغة التي لم يفهمها. حدَّث نفسه: «في الجنة لُغات عدة، ليس كما قيل لنا إن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية.» سمع امرأة سمراء تبدو الأصغر سنًّا والأجمل منهن، شعرها ينسدل كالحرير، لكنها لا تبدو سعيدة، تقول: «بستان بلقيس ينتج الفاكهة أكثر من غيره من بساتين صنعاء!»
اندهش مروان، وضع كفيه على صدغيه، يحدِّث نفسه: «ماذا تقول هذه الفاتنة الهندية؟! لا يمكن أن أكون أنا في صنعاء، أظنني في حلم داخل حلم طال أمده.» استمع لفتاة ذات ملامح صينية، وهي تقول: طبعًا مدير المقاطعة «نبيلة فاتن الزَّبيدي» تهتم بالبستان كثيرًا، وتوزع الكثير من خيره للناس.
حدَّث مروان نفسه بدهشة: «إذا كانت هذه صنعاء حقًّا، فمتى أصبحت النسوة تحكم الرجال؟! هذا هراء.» ثم ذهب يجري نحو نخلة باسقة. لم يصدق نفسه كيف وصل إلى النخلة بسرعة الريح! لم يستغرب؛ فقد أصبح كل شيء عنده غريبًا.
تسلَّق النخلة بخفة كأنه ريشة ترتفع إلى الأعلى، أسرع من قرد رشيق. شاهد جبلًا يُشبه جبل «نُقم» تكسوه الخضرة، وعلى قمته قصر منيف، يبدو، من رخام أخضر. ارتفع قليلًا فوق النخلة، وطاف ببصره في كل اتجاهٍ، رأى أبراجًا عالية، مركبات كثيرة تطير في الجو، أناسًا تحلِّق في الجو في أماكن عدة .. في غمرةِ دهشتِه اتجه ببصره نحو غرب المدينة، فشاهد جبل «عيبان» بحلَّة خضراء، تعلوه أبراج شامخة، وكذلك الجبال المحيطة بصنعاء تكسوها الخضرة كأنها أدغال. سقط من فوق النخلة وسقط إلى الأرض كالريشة. تساءل: «أين أنا يا رب؟!»
٤
عند الغروب راح مروان في نوم عميق حتى منتصف الليل. هطل المطر عليه بغزارة. ضحك وهو يقول للسماء: «أمطري كما يحلو لك، فلن تُبللي روحي.» ظل مستلقيًا تحت وابل المطر حتى الصباح. كانت الحيرة تكاد تسلب عقله «هل هو في حلم، أم في علم؟!» لكنه لم يفكر أنه في حالة رؤية للمستقبل. حدَّث نفسه: «إنه دخل البُعد الرابع، أو إنه عالم الجن الخفي!» مما عزز رأيه الأخير أنه شاهد في الصباح الباكر رجلًا وسيمًا، يرتدي نظارة أنيقة وولدًا صغيرًا يتبعه. وقف الرجل والولد أمام شجرة عملاقة كثيفة، قدَّر مروان طولها بحوالي عشرة أمتار، مثقلة بالثمار المختلفة. أخرج الرجل من جيبه شبكة صغيرة، وتحولت إلى سلة كبيرة، يمكن أن تحمل مائة كيلو من الثمار. خاف مروان وهو يشاهد يدي الرجل تزدادان طولًا وتمتدان ليجمع الثمار بخفة. أمَّا الولد الصغير فذهب يتنقل فوق فروع الشجرة كالقرد، ولم يعمل شيئًا غير ذلك.
أسرع مروان يواري نفسه خلف شجرة، فهو كما يرى أن الجن أرواح والروح ترى الروح، ومما زاد من دهشته وكاد يذهب بعقله، حين شاهد أقدام الرجل عند جذع الشجرة ورأسه في أعلى غصن في الشجرة. ملأ الرجل الغريب السلة، وحملها بخفة ويسر وغادر المكان. ذهب مروان يتجول في البستان المترامي الأطراف، وهو في حيرة مما لم يجد تفسيرًا له.
في اليوم الثالث قرر مروان أن يذهب مع حورياته السبع، سواءً كنَّ من عالم الإنس أو الجان؛ ليعرف هذا العالم الشبيه بالجنة، ولو أنه لن يستطيع أن يستمتع بالملذات، وراح يتتبعهن. قبل غروب الشمس رأى المركبة تظهر أمام النسوة فجأة. لم يندهش هذه المرة؛ فقد كانت الثلاثة الأيام التي قضاها في البستان كلها مفاجأة. ركب مع حورياته وأفتى لروحه أن يُقبِّل، ويحضن ما شاء من النساء اللاتي أمامه.
ارتفعت المركبة إلى الأعلى دون أن تصدر صوتًا وحلَّقت في الجو. عمَّته الفرحة والدهشة وهو يطوِّف بنظره فوق المدينة الرائعة، بأبراجها السداسية العالية، ولونها الزاهي البديع. لم يرَ مشهدًا مثله في حياته. الزهور تتدلى من شُرُفات النوافذ، الجو معطَّر برائحة زكية، كأنه في غرفة نومه مع زوجته حميدة قبل اللقاء الحميمي. شاهد الناس وهي تمشي في الشوارع النظيفة المزينة بالزهور المختلفة، وخالية تمامًا من السيارات. ليس هناك أعمدة كهرباء، لا قمامة ولا دخان في الجو. زادت دهشته من الجمال الذي لم يكن يحلم برؤيته به في حياته. شاهدها مدينة كحديقة الزهور مترامية الأطراف. كانت المركبات الدائرية البديعة المنظر تطوف في كل مكان في سهولة ويسر، بعضها تدخل وتهبط في نوافذ كبيرة خاصة للهبوط في تلك الأبراج العالية، كأنهن نحل يدخل خلاياه. شاهد أناسًا تحلق في الجو كالطيور، تفرد أجنحتها الرقيقة وأخرى تضمها لتسرع في الطيران. رأى نهرًا صغيرًا، يشق المدينة في الوسط يمتد حتى الجبال جهة جنوب المدينة. شاهد هناك مدينة صغيرة معلقة في الجو، بتشكيلاتها البديعة. لم يُصدِّق عينيه أنها مدينة فوق السحب. تمنى لو أن تلك القذيفة المرعبة أخذت أسرته معه؛ ليشاهدوا العالم الفردوسي الذي يعيشه. حدَّث نفسه: «إنها جبال صنعاء، ولكنها ليست صنعاء التي أعرفها! فأنا فارقتها منذ ثلاثة أيام فقط.» مكث يفكر: «تُرى، هل يمكن أن يكون لكل بلد جَنَّتُها وجهنَّمُها؟! وأنا الآن في جنة صنعاء تقع في البعد الرابع.»
٥
عند الغروب وصلت المركبة إلى شُرفة منزل بجوار حديقة صغيرة للزهور، في الدور العشرين من برج عالٍ. استقبلتهم فتاة جميلة، ليس لها ثديان بملامح غير مُعبرة عن بهجة الاستقبال، تشبه فتاة صينية. خدُّها وردي، بشرتها ناعمة، تلبس ثوبًا وسروالًا طويلًا، مؤخرتها مغرية. سأل مروان نفسه: «تبدو هذه الفتاة حزينة، أهي مدبرة المنزل؟! سبحان الله تبدو أجمل منهن!»
ترجَّلت النسوة عن المركبة، وكذلك هو. دخل المنزل، فُغِر فوه دهشةً وهو يشاهد جدرانه وأثاثه تتغير ألوانها، لم يرَ مثلها في حياته! زهور في الجدران تتفتح، تفوح نسيمًا عطرًا في أرجاء المنزل. رأى بأن المنزل يُرحب بالنسوة، تجوَّل في المنزل والدهشة تلفه، لم يجد أبوابًا للغرف حتى الحمام ليس به باب، رأى صالة أنيقة فيها ثمانية كراسي وطاولة مدهشة، تتفتح الزهور على سطحها كأن الحياة تدب فيها، فراشات ترفرف فوق الزهور. في البدء شاهد سطحَ الطاولة شاشةَ تليفزيون، لكن حين جال بنظره في المنزل، رأى تحفًا جميلة وستائر زاهية الألوان، والأَسِرَّةَ والفُرُشَ تدبُّ في أسطحها الحياة، أيضًا الحمَّامَ واسعًا، تتمايل الورود في جدرانه، في سقفه ثماني مَرشَّاة للمياه. ظن مروان هذه المرة أنه في عالم الجن، كما حدثته جدته عن مُدن الجن الخفية تحت الأرض.
رأى النسوة يمرحن ويضحكن كعاشقات لبعضهن. خلعن ثيابهن فاتسعت عيناه أكثر من اللازم، حدَّق بذهول، وأخذ يقول: «الله أكبر، ما هذه الفتنة؟!» وقف خلف عمود في الصالة حتى لا يرى عُريهن. وهن تحت مَرشَّاة المياه ينهمر الماء العطر عليهن. خجل من التلصُّص عليهن، وأغمض عينيه. كان المشهد مغريًا؛ فهو لم يشهد امرأة أخرى في حياته غير زوجته حميدة تغتسل. شاهد كُلًّا منهن تُصَوْبِن الأخرى، فأعجبه كثيرًا وهنَّ يحتضِنَّ بعضهن تحت رذاذ الماء، وهو يتجمع بين أثدائهن. حدث نفسه: «هكذا الجنُّ تعيش حياة أفضل منا نحن الإنس؟!» راحت عيناه تتمتع بمشاهدة ذلك الجمال، والحسرة تنهش قلبه.
أقبل رجل يشبهه في الصورة، لكنه أمرد الخدين ناعم الجلد كالنسوة. يلبس سروالًا إلى فوق الركبة وفانلة تُظهر صدره الأمرد. شاهد مروان مرة أخرى: الكراسي، الطاولات، الكنبات، التحف .. يتغير شكلها ولونها، وتعزف موسيقى مختلفة عمَّا سمعه في المرة السابقة عند دخوله المنزل من النساء!
خرجت النسوة من الحمام، وهن يلبسن ثيابًا شفافة، ورائحة عطرية تملأ المنزل، ورحبن بالرجل. جلس البعض بجواره ورحن يقبِّلنه. حسده مروان على الحور اللواتي حوله، وتمنى لو يستطيع أن يحل محله.
٦
جلسوا جميعًا في صالة الطعام يتحدثون بلغةٍ لم يفهمها مروان، وقليلًا باللغة العربية، حتى أقبلت مُدبِّرة المنزل تقدم طعام العشاء. يحتوي أحد الأطباق على قطعة كبيرة تشبه اللحم، وأطباق أخرى تحتوي على أطعمة نباتية، وصحن عسل وأكواب فيها سائل أبيض، وأرغفة خضراء، وخضراوات لم يشاهِد مثلها في حياته. تناولوا عشاءهم وهم يتحدثون عن قناة مأرب المائية، التي يجرى ربطها بساحل شبوة في محيط إقليم آسيا.
بعد تناول وجبة العشاء جلسوا في الصالة معًا. أخذت إحداهن شيئًا يُشبه القلم، وأشارت به إلى سطح الغرفة، حيث يوجد بها جهاز صغير مثبت هناك. بحثت كمن يبحث عن قناة فضائية؛ إذ برجل يظهر في الصالة فجأة، كأنه هبط من السطح، يتحدث بلغة لم يفهمها مروان. ثم ظهرت امرأة تخطب في مجلس ضخم أمام أناسٍ معظمهم نساء. هتف مروان غاضبًا (لكن لا صوت له) وهو في دهشة مما يشاهده في الصالة: «امرأة ترأس الرجال هناك في المجلس، وهنا في الصالة أمامي رجل وسبع نساء، هل عالم الجن تحكمه الأنثى؟! كما هو عالم البشر يحكمه الرجل، ولماذا الإناث أكثر عددًا من الذكور؟!»
رأى المجلس كأنه انتقل إلى الصالة، الحضور يمشون بالقُرب من النسوة، أو يدورون حولهن. قامت إحدى النساء تمشي في الصالة، واخترقت الأطياف الكثيفة. فكَّر مروان أنهم أرواح مثله! أو ربما هم من عالم الجن. شاهد إعلانات يعرضها رجال وِسام بملابس مغرية لمنتجات جديدة: عطور، شامبو، مواد غذائية، مَرْكبات .. لم يشاهد امرأة تقوم بهذا الدور، هذا الأمر حيَّره! كيف أخذت النساء دور الرجال والعكس؟!
خلع الرجل ثيابه وجلس بجوار النسوة، وبقي في سرواله الداخلي، جسده ناعم يخلو من الشعر تمامًا، ودون عضلات تُشاهَد. ضحك مروان وقال كأنه يُحدِّث الرجل: «هل تستطيع أن تلبِّي رغبات السبع النساء؟! سأشاهدك الليلة ماذا ستفعل معهن؟!» انتهى مشهد المجلس، ثم نهضت النسوة يرقصن بلباسهن الشفاف أمام الرجل. ظل مروان يستمتع بالنظر إلى الحور الحِسان، ويراقب الرجل الذي لم يحرك ساكنًا، كأنه مصاب بفتور جنسي. دعته أكبرهن إليها، حدَّث مروان نفسه: «لماذا لا يبدأ مع الصغرى الفاتنة؟! وهل اللقاء سيكون أمام الجميع؟!» جلس الرجل أمامها وتلامست ركبتاهما، ثم أخذت المرأة سماعة ووضعتها في أذنها، وسماعة أخرى أعطتها الرجل ليضعها في أذنه، وهو يضع ركبته اليمنى بين فخذيها. قبضت بيدها اليمنى على ذكورته، ووضعت يدها الأخرى على صدره، والرجل وضع يده اليمنى أسفل بطنها. بقي الاثنان ينظران إلى عيون بعضهما، ثم أغمض كل منهما عينيه، وأخذا يتنفسان بعمق وهدوء، والأخريات يتفرجن عليهما بشبَق.
كان مروان يسأل نفسه: لماذا لم ينتصب عضو هذا الرجل؟! يتنفس بسرعة، يبدو في ذروة النشوة الجنسية، وكذلك المرأة. استمر الاثنان في تلك النشوة نصف ساعة. تساءل مروان: «ما هذ اللقاء الحميمي الغريب، وكيف تستمر ذروة النشوة لفترة طويلة؟!»، بينما اللقاء الذي يعرفه في حياته، فيه الإحساس بالذروة الجنسية، لا تتجاوز مدته ثلاث ثوانٍ! هكذا جلست النسوة الأخريات أمام الرجل واحدة تلو الأخرى، يتمتعن كُلٌّ منهن مع الرجل بذروة جنسية لمدة نصف ساعة. رأى مروان هذا العالم يعيش متعته الجنسية، دون هدر للطاقة أو الشعور بالتعب. هذا لا يحدث إلا في الجنة مع حور العين، كما قيل له في حياته السابقة. عَصَرَهُ الشوق ليعرف ما هذا اللقاء، وسخر من تفكيره السابق حين قال: «من أين لهذا الرجل الأنثوي القوة؛ حتى يشبع رغبات السبع النساء في ليلة واحدة؟!»
٧
غضب مروان من حرمانه التمتع في هذا العالم، الذي يرى مرة أنه في عالم الجن ومرة في الجنة. مشى إلى نافذة المنزل وتفاجأ بالمدينة، وهي تغير لونها السابق، وتلبس حُلَّة ليلية جديدة، كأنها امرأة حسناء تحتفل بليلها بجوار حبيبها، ثم نظر نحو النجوم وصاح: يا رب، في أي عالم أنا؟! لماذا أرسلتني إلى هذا العالم روحًا دون جسد؟ أريد قالبًا روحيًّا؟!
لم ينم تلك الليلة وهو يشاهد جمالًا أخَّاذًا، يُحدِّث نفسه بصوت عالٍ، يتمنى أن يسمعوه: «سبع نساء يرقدن مع رجل واحد، يتمتع بنشوة غامرة لمدة أربع ساعات في اليوم. إنها حياة تشبه الجنة إن لم أكن أنا فيها حقًّا.»
طلع الفجر ولم يسمع أذانًا ينادي للصلاة، انطلق إلى شرفة المنزل؛ ليشاهد إن كان هناك صوامع مساجد في الجوار، لكنه لم يشاهد أي صومعة. أطلَّت الشمس على المدينة، وفي غمرة تساؤله تفاجأ بالمدينة تستبدل لونها بلون آخر، كأنها تستقبل نهارها بثوب جديد. تنسم نسيم الصباح العطر بعد ليلٍ ماطر. كان يحدِّث نفسه بصوت عالٍ: «لست أدري ماذا أرى؟! عالم الجن، أم أنني أعيش حلمًا، سرعان ما أصحو منه؟» عاد إلى غرفة النوم، ورمى بروحه فوق إحدى النساء، ثم انتقل إلى الثانية؛ علَّه يجد لذته المنشودة. قامت النسوة صباحًا، وأدَّين تمارين رياضية لمدة ساعة كاملة مع الرجل، بينما مدبرة المنزل الجميلة التي لا تبدو السعادة على وجهها تُعد وجبة الإفطار. تناول الجميع وجبة الإفطار، ثم انطلقوا بمركبتهم خارج المنزل.
بقي مروان في المنزل كشبح، يشاهد أجهزة المنزل وأثاثه الغريب، ومدبرة المنزل التي لم تكن تتحدث كثيرًا مع النسوة، تقوم بتنظيف المنزل. ظن أنها غاضبة من عملها كمدبرة للمنزل، أو أنها تشعر بالنقص وهي دون ثديين.
٨
خرج مروان إلى الشُّقق المجاورة لمسكنهم في البرج؛ ليعرف أكثر عن العالم الذي انتقل إليه. وقف أمام باب مغلق، حاول أن يمسك بمقبضه؛ ليفتح الباب فغاصت يده فيه، ثم وجد نفسه ينفذ من خلال الباب إلى داخل المنزل! شعر بالسعادة أنه يستطيع النفاذ من خلال الحواجز الصلبة. تجول في الشقة، شاهد فتاة تشبه الفتاة مدبرة المنزل التي في منزل النسوة. استغرب من ذلك التشابه العجيب حتى في اللباس! وأيضًا ترتيب المنزل وجدرانه وأثاثه وأجهزته، كأن المنازل نسخة واحدة. تنقَّل من منزل إلى آخر بنفس الطريقة، شاهد نفس الفتاة تقوم بترتيب وتنظيف المنزل. لم يشاهد أطفالًا كُثُرًا ولا شبابًا، غير العجزة في المنازل. جلس قليلًا يشاهد منزلًا به رجل وولد صغير يداعبه والفرح في عينيه.
عند الظهيرة شاهد المدينة وهي تغير حلَّةً أخرى، بلون أشجار الزيتون، والجو يعبق برائحة زكية. هكذا وجد المدينة تغير لونها بين الحين والآخر خلال اليوم والليلة. نظر إلى الشارع، شاهد الإناث أكثر من الذكور، ومركبات تُحلق في السماء، كأنها طيور عملاقة أو صحون طائرة. شعر بالحزن على نفسه، فهو لا يستطيع أن يستمتع في هذا العالم الساحر! شعر أن الحرمان عذاب آخر.
دخل أحد المنازل وشاهد رجلًا وسيمًا يقوم بتنظيف المنزل، يلبس بذلة كالنساء. تساءل: «لماذا يوجد هنا رجل يقوم بعمل مدبرة المنزل، غير ما شاهدته في المنازل الأخرى؟!» سار يراقبه في المنزل إلى أن حضرت أربع عشرة امرأة، متوسطات العمر والجمال. جلسن يمرحن ويضحكن في المنزل. قدَّم الرجل عصيرًا لهن، ثم جلس بجوارهن دون أن يداعبهن أو يُقبِّلهن. قالت إحدى النساء للأخريات: «ما رأيكن أن نشاهد متحف التراث الروحي الإنساني؟»
أخذت إحداهن ما يشبه القلم، وأشارت به نحو جهاز في سطح الغرفة، إذا برجل أسود بملامح صينية يهبط، ويمشي وسط الصالة بأبعاده الرباعية. قدَّم نفسه دليلًا سياحيًّا، مما أدهش مروان! طلبت منه إحدى النساء أن يحدثهن عن الديانة الهندوسية لإقليم آسيا. تحرك الدليل في مكان محدد من الصالة، ثم أشار إلى صورة بارزة بدت أمامه في الصالة لأحد كهنة الهندوس، وبدأ يتناول الحديث عن الديانة «البراهيمية» المعروفة بالهندوسية. وأخذ يقول: «ظهرت الديانة الهندوسية في مقاطعة دلهي بعد الديانة الشامانية المعتمدة على طقوس سحرية، وعبادة الأرواح. يرجع تاريخها لأكثر من ٤٥٠٠ ق.ج. مؤسسها كان يُدعى براهِما، بدأت بالتوحيد وانتهت بتعدد الآلهة، ثم التثليث عند معتقدي التري مورتي. ومن هذه الديانة تفرعت ديانات عدة حول العالم، كل ديانة تتَّخذ أسماءً أُخر لآلهتها المتعددة حسب ثقافتها، ومنها فضَّلت التوحيد على تعدد الآلهة وعبدت إلهًا واحدًا.»
جلس مروان بين امرأتين ووضع يده اليمنى على إحداهن واليسرى على الأخرى، وراح يشاهد الدليل، وهو يشير بقلمه في سماء الصالة، فظهر كتاب عتيق تعلَّق في الجو وقال: ذلك هو «الفيدا» كتابها المقدس، وصحُفه هي: «ريك-فيدا»، «ياجور-فيدا»، «أثارفا-فيدا»، «ساما-فيدا». يقولون إنه مُنزَّل من السماء، يصفونه بأنه كتاب أزلي. كهنتها يُدعَون ﺑ «البراهمة» يعتقدون أنهم يتصلون في طباعهم بالعنصر الإلهي، وصفوة خلق الإله. في ديانتها نزعة تعدد الآلهة ونزعة وحدانية. أثناء عبادتهم أحد الآلهة تغيب عندهم جميع الآلهة الأخرى، ويصير إلههم الوحيد. يؤمنون باتحاد الآلهة الثلاثة: «براهما» الخالق، و«فيشنو» الحافظ، و«شيفا» المدمر والمسيطر، في إله واحد عند معتقدي التريمورتي. يرون أن كلًّا منهم يُمثِّل الكُلَّ، فإذا دعوت أحدهم فكأنك دعوت الثلاثة جميعًا. ثم أشار إلى رجل مصلوب شبه عريان وقال: «هذا هو الإله «إنديرا» صُلب للتكفير عن خطايا البشر في النيبال. كان الهندوس يجلُّون البقرة كثيرًا، كما كانت البقرة هاتور في الديانة الفرعونية القديمة لها مكانتها، وكذلك هناك مكانة للثعبان في الديانة الهندوسية، كما هي عند الفراعنة، يظهر وهو يحيط بالرب راع. كانوا يؤمنون بتناسخ الأرواح، وبأن جزاء الإنسان يُقام في الأرض، يرون أن الروح تتجسد مرة أخرى في شكل حيوان أو ثعبان إذا اقترف السيئات في حياته، أو في رجل عظيم لطالما سيرة حياته الأولى كانت خيِّرة. يعتقدون أن الآلهة مذكَّرة، ومؤنثة، وأخرى تدعى أفاتار، وهي آلهة تنزل من السماء إلى الأرض في شكل إنسان، مثل الإله: مانسيا، كورما وغيرهم الكثيرون …»
تقدم الدليل يمشي في مسرح الصالة، وأشار إلى تمثال ضخم له أربع أيدي، يجلس على عرش. أخذ الدليل يقول: «ذاك هو الإله براهما، كان الهندوس يعتقدونه خالق الكون، سيد الآلهة، يمثل إله الخير، والذي يُرجى رحمته وكرمه وعطفه، أوجد شيفا وفشنو؛ ليساعدوه. وقد أدخل الهندوس أساطير المجتمع إلى صُحف الفيدا التي كتبها براهما الآري، ثم هاجر هو وزوجته «سارا سواتي» إلى إقليم الشرق الأوسط حيث أسموه هناك «إبراهيم».»
غضب مروان وقام من مكانه، ليلطم الدليل، وحاول كسر ما يجده أمامه، لكنه لم يستطع. يتساءل: «كيف يقول الدليل، إن بارهما هو إبراهيم، وسارا سواتي هي سارة؟! آه لو يعطيني الله من جسدي حتى يدًا واحدة!» مشى بعصبية في الغرفة، وهو يشتم الدليل.
اختفى المشهد السابق، ثم أشار الدليل إلى تمثال آخر له أربع أذرع في جلسة تأمل، يداه الأماميتان مبسوطتان حتى الخصر. وافترش جلد حيوان مفترس. قال الدليل عنه: «ذاك هو الإله شيفا.» ثم طغى على ذلك المشهد تمثال بلون السحاب الأزرق الغامق له أربع أذرع، الذراع الأولى تمسك بزهرة اللوتس، والثانية بمشكاة، والثالثة بقوقعة، والرابعة بحلقة، إلى جواره ثعبان ضخم، قال الدليل: «هو الإله فيشنو أو وِشْنُ، الإله الأعلى أو الحقيقة العليا في الهندوسية الفيشنوية. يُوصف بأنه الجوهر في كل الكائنات، ورب الماضي والحاضر والمستقبل. خالق ومدمر كل الموجودات، زوجته الإله لاكشمي، وله منها أبناء ذكور وبنات .. نجد الإله فيشنو يماثل الإله بَعل في مهمته، كان ملك الآلهة عند الكنعانيين الذي انتصر عليها كلها، وأصبح الإله صاحب العرش. وكذلك الإله هُبل عند العرب وزوجاته اللات ومناة والعُزَّى.»
اقترب مروان غاضبًا من الدليل يود أن يصفعه، ثم اخترقه عدة مرات كأنه يخترق شعاعًا ذا كثافة، وهو يقول: اصمت يا لعين. كيف تُشبِّه كرشنا بالمسيح؟! أو أنك تخلط بين الأديان؟ اختفى ذلك المشهد، وظن مروان أنه أثَّر في الدليل، لكن ظهر أمامه تمثال عملاق غاضب مما أخافه، مع صوت ريح عاصف، يحمل سيفًا بيده. والدليل يقول عنه: «ذلك هو الإله إندرا، إله الحرب والطقس، ظهر عند الفرعونية باسم الإله سخمت وحورس، وعند الكنعانية باسم الإلهة حرون، وعند اليونانيين باسم الإله أريس، وعند ديانة المايا باسم الإله كاكوباكات، ومن حيث وظيفته في الطقس ظهر عند الآشوريين باسم الإله إيل، إله المطر، وبيتيل إله منبع الأنهار، وأيضًا ظهر باسم الإله داجون عند الكنعانيين إله المطر والأسماك، وأحيانًا يوصف كإله الطقس.»
قام الرجل الجالس بين النساء وذهب إلى المطبخ، أحضر صحنًا يحمل به أربعة عشر كوبًا من العصير. ركل مروان الصحن برجله فاهتز الصحن بيد الرجل. فكرر مروان الركلة مرة أخرى فرحًا بأنه يمكن أن يؤثر في الأشياء حين يكون غاضبًا، يرى أنه يمكن أن يكون له جسد. وزَّع الرجل العصير على النساء، حينها توقف الدليل عن الحديث وهن يشربن، ثم رحن يضحكن وهن يشاهدن إنسانًا برأس فيل يمشي في مسرح المتحف وسط الصالة. قال الدليل لهن: «لا تضحكن، هذا الإله الذي لم يظهر له إله يشابهه في العالم، إنه الإله غانيش في معتقدات الهندوس، ابن الإله شيفا. تقول أسطورته: إن غانيش كان يقاتل إله الشر فقُطعت رأسه، ولم يجد حينها والده الإله شيفا أمامه غير فيل، فقطع رأسه ووضعه مكان رأس غانيش، فعاش على ذلك النحو! كان يُقام له في مقاطعة الهند احتفال كبير كل سنة ويُرمى في البحر، يعتقدون بأنهم يرمون بالشر.» حدَّث مروان نفسه: «نعم، سمعت هذا في حياتي، ولا يزالون يمارسون تلك الطقوس؛ لكن لماذا هذا الدليل يقول كانوا، كانوا؟! فهم لا يزالون على معتقداتهم.» فجأة ظهرت امرأة بيضاء جميلة ترتدي فستانًا أبيض، بأربع أذرع، تتزين بالجواهر، تطوف على واجهة المسرح. باشر الدليل يتحدث عنها: «هي لَكْشِمِي إلهة المال والحظ في الهندوسية، زوجة الإله فيشنو. كان معظم الهندوسيين يصلُّون لها في عيد الديوالي .. لها عدة أفاتارات يتزوجون عادة من أفاتارات فيشنو، منهم: سيتا زوجة راما، رادها العاشقة، وروكميني الملكة، وزوجة كريشنا الأولى، سَتِيِ أو داكشايَني هي إلهة السعادة الزوجية وطول العمر في الهندوسية. نجد أن لاكْشِمي ظهرت عند الفراعنة باسم إيزيس إلهة الأمومة والسحر، وكذلك في الحضارة الإغريقية ظهرت باسم الإلهة أفروديت. وعند الكنعانيين ظهرت باسم الإله «إيل» تزوج الإلهة «عشتار» وأنجبا الإله «بعل».»
ثم ظهر في الصالة، امرأة بعشر أذرع مما أخاف مروان من ذلك المشهد، كأنها أخطبوط، في كل ذراع تحمل نوعًا مختلفًا من السلاح. تحدث الدليل عنها قائلًا: «هي الإلهة دُرْغا التي لا تُقهر، الإلهة العليا في الهندوسية، تقاوم الشيطان بتلك الأسلحة. تعتبر أم غانيش وساراسواتي ولاكشمي، وهي أيضًا الوجه القوي المحارب للشيطان، ظهر ذلك عند الديانات الإبراهيمية باسم إبليس.»
إله الموت ظهر عند الفراعنة باسم الإله «ست»، و«أوزاريس» وعند الزرادشتية «أنجرا ماينو»، وعند المايا «هون أهوا»، وعند الإغريق الإله «هدز» إلهة الموت، وعند الديانات الإبراهيمية باسم «عزرائيل» .. غضب مروان أكثر، وذهب إلى المطبخ يحاول كسر الأطباق ثم عاد يصفع الدليل.
بينما كان مروان غاضبًا في عالمه الفردوسي، كان في عالم الجحيم مستلقيًا في غرفة العناية المركزة. خرج أحد الممرضين يُدعي «راجح» يعمل من غرفة العناية، شق زحام الممرات يبحث عن عائلة مروان خارج المستشفى. هتف لمعاوية فحضر سريعًا، وهو يظن أن أباه تُوفِّي. لكن الممرض أفاده بأن أباهم بخير، لكن وجهه يبدو غاضبًا جدًّا. كانت أسرة مروان قد اشترت العلاج من الصيدلية فأعطته، ومنحوه مكافأة سخيَّة للعناية بوالدهم.
بعد ساعة عاد الممرض مسرعًا إلى أسرة مروان ينادي معاوية، وقال له: يا أخي، أبوك هذا مرضه غريب. ساعةً يبدو غاضبًا وساعة مبتسمًا، لم أشاهد مريضًا مثل حالته خلال عملي في العناية المركزة! ثم أعطى معاوية وصفة أخرى لشراء علاجات أخرى لوالدهم.
خلت الشوارع من المارة كأنها مدينة أشباح، والنازحون على المركبات لا يزالون يغادرون المدينة المنكوبة. حضر منير في اليوم الرابع لزيارة عمه مروان في المستشفى. كان على توافق معه، رغم أنهما من حزبين متناقضين في أفكارهما، لكن الغاية وحَّدتهما. وكان منير معجبًا بفاطمة لحماسها في ساحة التغيير أثناء الثورة الشبابية. تعرَّف عليها في ساحة التغيير عام ٢٠١١م. حينها كان لا يعرف أنها أرملة، قُتل زوجها في إحدى مسيرات ثورة التغيير. كانت فاطمة — بتشجيع من أبيها — تخرج مع مسيرات النساء. تقف أمام منصة الحشود في ساحة التغيير. كانت تعود مساءً إلى منزلها، بينما هو يبقى مع المعتصمين الذين خيَّموا في ساحة التغيير، لا يفارقونها ليلَ نهار. يرون أن الشباب هم صانعو المستقبل، وعلى الكبار أن يتركوا لهم المجال الآن؛ فقد فشلوا في تسيير عجلة التطور، بل يدفعونه للوراء طوال عشرات السنين. تبادلا نظرات الحسرة والحب معًا، ثم جلسا يتحدثان عن تأجيل الزفاف إلى أن يُشفى والدها، ويسود السلام.
بينما كانت فاطمة وخطيبها منير يتحدثان عن خيبة الأمل في عالمهما، كان مروان في عالمه الفردوسي يحدث نفسه أن ما يراه سحر، أو أنه في عالم الجن. يشتم ويلعن الأمم التي ما زالت تعبد الأصنام، رأى ما جعله يلعن أكثر؛ فقد شاهد أصغر النسوة سنًّا تخلع ثيابها، ودعت الرجل الذي قدَّم لهن العصير للقاء حميمي معه أمام النسوة. حاول مروان أن يغطي عينيه بكفَّيه، لكنه كان يرى من بين أصابعه، وهو يقول: «عالم فاجر، فاسق، ولو أنه عالم جميل. لم يخبرنا أحد أن الجن بهذا الفجور، إذن أنا في عالمهم. تُرى هل سيواقعهن جميعًا هذا العفريت؟!»
كان صوت الرجل مثيرًا وتعبيرات وجهه تدل على الإثارة. استمرَّا نصف ساعة والنسوة ينظرن إليهما، إلى أن أشارت المرأة للرجل بالتوقف. كان مروان يحدث نفسه: «هذا اللقاء الحقيقي، لكنه مستحيل لهذا الرجل أن يلبِّي رغبات جميع النسوة اللاتي أمامه! تقدمت امرأة أخرى تبدو أكبر سنًّا من الأولى، ودعته إليها. استمر الرجل مع الأخريات دون كلَل، ومروان يذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا بتوتر، يحدث نفسه: «سبع نساء إلى الآن، ولم يتعب هذا الرجل، وهو يقف خلفهن على ركبتيه. مستحيل! هل أنا في الجنة حيث لا يشعر الإنسان بالتعب؟ يا إلهي أين جسدي لأستمتع بهذا العالم؟! لا أستطيع أن أعيش شبحًا معذَّبًا في هذا العالم، لا بد أن أمتلك جسدًا. تُرى ماذا لو أنفذ إلى جسد هذا الرجل، وأجعله قالب روحي؟! لقد أصبحت أعرف أين مركز الروح في الجسد.»
حث مروان روحه لخوض المغامرة. نظر إلى الرجل وقد التقى بثلاث عشرة امرأة، والمرأة الأخيرة تنتظر دورها وهي الأجمل فيهن. وثب مروان بقوة على سُرة الرجل، لا سيما وقد عرف مركز الروح هناك؛ إذ بمروان يتفاجأ بصدمة أذهلته. لم يجد داخل الرجل غير أسلاك وأجهزة دقيقة وتروس صغيرة وأنابيب هيدروليكية. تخبطت روح مروان هناك بين تلك الأجهزة، محاولًا الخروج من هذه الآلة الشيطانية. وفي الوقت نفسه ازداد نشاط الرجل الآلي مما آلم المرأة. خرج مروان، وقد أصيب بالغثيان، مندهشًا مما وجده!
٩
عاد مروان إلى المنزل مذهولًا بما شاهده، كان يعبر خلال الجدران وهو يحدث نفسه: «أي عالم هذا الذي أنا فيه؟ آلة تضاجع النسوة أفضل من الرجال الأشداء! أين أنا يا رب؟!» وصل إلى المنزل الذي أتى منه، وقف حزينًا أمام مرآة المنزل، كما كان يقف في حياته حين كان يمشط شعره، أو يشذِّب لحيته والحزن يملأ روحه، يدعو الله ألا يعذب روحه الهائمة في هذا العالم. جلس على الكنبة، يقول لنفسه: «كيف سأبقى شبحًا في هذا العالم الجميل؟ لا أنا في عالمي الذي أعرفه، ولا أظنني في الجنة، ولا في عالم الجن. لطالما وجدتُ آلة تقوم مقام عشرة رجال وأكثر!» وأخذ يفكر أنه في كوكب آخر نسخة من الأرض، سماؤهما واحدة.
حضرت النسوة قبل الغروب وكذلك شريكهن. أخذوا حمَّامهم جميعًا، ذهبوا يتناولون عشاءهم، ثم قاموا إلى الرقص والمتعة. كان مروان يراهم آليين يتراقصون أمامه، لو نفذ إلى داخلهم لوجدهم مُلئوا بالتروس والأنابيب. يسأل نفسه: «هل هذا الكوكب يقطنه آليون، أم أنني أعيش حلمًا جميلًا؟!»
قبل منتصف الليل ذهب الجميع إلى النوم، واقترب هو من الرجل ينصت إلى تنفسه ونبض قلبه. كرر ذلك كثيرًا، وذهب يسرع لفحص النسوة جميعًا؛ هل هن بشر أم آليون؟ فرح حين وجدهم بشرًا، حثَّ نفسه أن يكرر التجربة، ليمتلك جسد الرجل الشبيه به في الصورة. وثبت روح مروان إلى سُرة الرجل الذي كان في سُبات عميق، فوجد مروان روحه تسري في جسد الرجل، وتذوب كالملح في الماء. ثم راح في سُبات عميق، لم يستيقظ من نومه إلا اليوم التالي ظُهرًا. قام يمشي عريانًا وهو يشعر بالدوار وبثقل رأسه وبحرارة الجو، ليس كما كان يشعر سابقًا أنه نسمة هواء. مشى في الصالة فارتطم بأحد الكراسي وأحس بألم؛ فتراجع إلى الخلف في دهشة! ثم حاول أن يمر عبر جدار المطبخ، كما كان يفعل سابقًا؛ فإذا به يرتطم بقوة في الجدار! كادت الفرحة أن تذهب بعقله، وصاح: شكرًا لك يا ألله، لقد سمعت دعائي، صار لي جسد في هذا العالم.
حضرت مُدبِّرة المنزل من المطبخ تبدو مرعوبة، قالت له: «لماذا تصيح يا كريم؟!» لم ينتبه لكلامها، لكنه شعر بالخزي من عريه، فذهب يفتش عمَّا يستر عريه أولًا، فوجد ملابس ذلك الرجل فارتداها سريعًا وهو يشعر بالإحراج؛ لارتداء ملابس تشبه ملابس النساء، الصدر عارٍ والسروال إلى فوق الركبة .. سألته مُدبِّرة المنزل مرة أخرى بلغة لم يفهمها، ثم بالعربية: «لماذا تتفرج كثيرًا على ثيابك يا كريم؟! ولماذا تتصبب عرَقًا على غير عادتك؟ هل لديك حُمى؟ اقتربت منه لتحس جبينه، وقالت: «حرارتك عادية، لكنك تتعرق كثيرًا، ماذا أصابك يا كريم؟!» .. قال مروان لها: أنا جائع.
أحضرت له مشروبًا أبيض اللون، قطعة صغيرة تشبه اللحم، خبزًا أخضر اللون. التهمهما جميعًا، وهو لا يدري ماذا أكل، ثم طلب المزيد من القطعة التي وجدها لحمًا لذيذًا. كانت المُدبِّرة تستغرب من طريقة أكله وشراهته على غير عادة كريم. لم يستخدم الملعقة ولا السكِّين .. وقررت أن ترفع تقريرًا للنسوة عند العودة عمَّا جرى لشريكهن كريم نورين.
جلس في بهجة كبيرة ينتظر عودة النسوة، وفضَّل الصمت عند مقابلتهن وهو يرتدي ثياب شريكهن. وصلن وهو يقف أمام مدرج مركبتهن. قبَّلته الأولى، وهي تستغرب من العرق في جبينه! لكنها لم تشعر أنه مصاب بالحُمى، ثم قبَّلنه واحدة تلو الأخرى، وهو لم يبتسم، كما شاهد تصرف ذلك الرجل معهن سابقًا. قدمت مُدبِّرة المنزل تقريرًا للنساء عما شاهدته عن شريكهن كريم. سألته إحداهن: ماذا جرى يا كريم؟ كلام المدبرة أخافنا عليك!
– شكرًا، لم يحدث لي شيء.
– لماذا تغيِّر صوتك وتتصبب عرَقًا؟! هل عاودتك الأحلام الليلة الماضية؟ فقد كنت تهذي الليلة الماضية وتقول كلامًا غريبًا؛ فسلامتك تهمنا ونحن مسئولات عنك.
ظل مروان صامتًا والحيرة تعصف به، يفكر إلى متى سيظل يكذب عليهن، وهو قد عاش حياته يمقت الكذب ويراه من صفة الشيطان. خلعن ثيابهن أمامه فنَعَظَت ذكورته أمامهن، ورحن يتفرجن على سلوكه الهمجي لأول مرة، ينظرن إلى ما بين فخذيه وذكورته منتفخة، وهو جالس وعروة الصبر تكبِّلُه. وأخيرًا تحدث بضجر، وقال: «أنا لست «كريم»، أنا «مروان»، أعيش معكن منذ أربعة أيام. كريم لن يعود ثانية.»
اندهشت النسوة، ماذا جرى لشريكهن؟ أخذ يحدثهن بفرح غامر، والعرق يقطر منه عمَّا شاهده منذ أن أتى إلى هذا العالم. حدثهن عن عملهن في البستان، وعن حديث تحدثن به هناك، وماذا أكلن، و … تهامست النسوة في حيرة: «كيف عرف كريم عن حديثنا في البستان، ولم يكن هناك معنا؟ كيف عرف بهذا؟! هذا خطير. لا بد أن يعالج من فيروس التجسس، ومن أين أتى هذا الفيروس، ولم يعد له وجود؟» خِفن أن يكون أصابه فيروس جديد كالفيروس الذي هاجم البشرية قبل قرون عدة، وأحدث خللًا في النسل البشري. في الوقت نفسه كان مروان يحدِّث نفسه: «ماذا أقول لهن؟ هل كنت روحًا؟! لن يصدقن ذلك!» صمت وأخذ يتظاهر بالنوم، والفرح يملأ قلبه، يفكر بطريقة كيف يقنع النسوة بأنه مروان، وليس الرجل المدعو «كريم»، وأفتى لنفسه التقبيل والعناق فقط، إلى أن يرى في أمر الزواج منهن؛ فهو يريدهن حلالًا.
بينما كان مروان في غبطة في عالم الفردوس، يفكر كيف يتزوج النساء، كان في الوقت نفسه في عالم الجحيم مستلقيًا على سرير في غرفة العناية، والممرض راجح يتصل بأسرته يخبرهم أن مروان بخير. وجهه يبدو مشرقًا، والطاقم الطبي يدرسون حالته بعناية، واشترى له علاجات أخرى، وينتظر أن يسددوا المبلغ غدًا. استيقظت الأسرة من نومها مبتهجين من تلك البشارة. قامت غصون تصلي لشفاء ابنها، والزوجة تحمد الله بأن مروان سيعيش وينظر في أمر أملاكه؛ فعلي ومعاوية لن يتفقا على إدارة السوبر ماركت، وقد بدأ النزاع بينهما وأبوهما على قيد الحياة. وراحت تدعو الله أن يعيش ليقسِّمها بين الورثة، وهو على قيد الحياة؛ حتى لا يحدث خلاف بين أولادها على التركة مستقبلًا كما حدث بين أولاد خالها. تنازعوا على الثروة بعد موت أبيهم، وذهبت معظمها إلى أيدي المحامين والحُكام.
حضر منير إلى بيت عمه، استقبلته حميدة، كانت تبدو غاضبة مما يجري بين أولادها، ففكر بأنها غاضبة منه، لكنه عذَرها على سلوكها؛ فالحرب أوجدت سلوكًا ليس من صفات المجتمع. حين عرف سبب الشجار في البيت ضحك في سرِّه .. جلست فاطمة بالقرب منه، وولداها نادر في عمر الرابعة، وسامي في عمر الخامسة يلعبان أمامهما.
فاطمة أحبت «منير»، ترى أنها لن تجد زوجًا يرتبط بها يقاربها في السن ولديها أولاد، إلا رجلًا كبيرًا في السن، يأتي عن طريق أبيها في زمن الحرب التي وقودها الشباب.
١٠
ذهب مروان إلى النوم باكرًا، وهو يُحدِّث نفسه: «ماذا جرى لكريم؟ كيف اختفى فجأة من المنزل؟!» شكر القدر الذي أحضره إلى حيث رجل يشبهه. لم يعرف أن روحه الآتية من عالم همجي سيطرت على جسد ذلك الرجل، كما يسيطر بعض البشر على بشر آخرين، ويصير الجسد عبدًا له.
فكرت النسوة بأمر شريكهن كريم. قالت إحداهن: «لا بد من الإسراع لنبلِّغ الجهات الصحية عمَّا جرى لشريكهن كريم، وعن تجسسه عليهن.» نهض الجميع صباحًا، وأفتى مروان لنفسه التقبيل، وذكورته منتصبة، يدعوهن بالحوريات. أدهش النسوة حين حمل إحداهن بين ذراعيه، وجرى بها في الصالة! من أين أتت لكريم تلك القوة فجأة؟! أمرٌ حيَّر النسوة حقًّا.
تأكد للنسوة أن شريكهن كريمًا أصبح شخصًا آخر قويًّا، مرحًا، بطباع جديدة، صوته مختلف قليلًا، وكذلك بشرته. يتساءلن فيما بينهن: «تُرى ماذا جرى له، وقد كان نائمًا معهن؟!» قالت إحداهن لمروان: «كيف نصدق أنك شخص آخر، ولست «كريم» شريكنا؟» حكى لهن قصته منذ أن مات شهيدًا في غرفة نومه في حي عطان، الساعة الحادية عشرة ظهرًا قبل أربعة أيام، إثر انفجار مُرعب أخذه إلى هذا العالم، تساءل عن تاريخ اليوم قائلًا: «هل نحن اليوم في ٢٤/ ٤ / ٢٠١٥م؟» كانت النسوة تسمع بصمت وحزن، وهو يحدثهن كيف قابلهن في البستان أول مرة، وكيف ركب معهن إلى أن وصلن هنا وبقي معهن!» سألته إحداهن: «وكيف لم نرَك وقد ركبت معنا؟!» رد فجأة: «لم يكن لي جسد حينها، كنت روحًا في هذا العالم.» ضحكن من نكتته، وقالت إحداهن: أنت تمزح معنا يا كريم، أصبحت رجلًا ظريفًا أيضًا، ولك قوة لم نعهدها فيك، لا ندري كيف حصل هذا؟! ماذا جرى لعضوك ينتصب مرارًا؟! هل استعملت دواء شجرة «الخُلد»، من غير إذن الجهات الصحية؟!
لم ينتبه مروان لكلمة شجرة الخُلد، ولم يعد قادرًا على أن يسيطر على انفعالاته، وهن لم يصدِّقْنه. غضب وقال في صوت مرتفع: «أنا لست «كريم»، أنا مروااان، لماذا لا تصدِّقْنَني وقد أثبتُّ لكنَّ ذلك؟!»
اندهشت النسوة بخوف من غضبه، يتساءلن من أين أتاه فيروس الغضب؟! وقد انقرضت هذه الأمراض منذ مئات السنين. هذا الأمر حيَّر النسوة. إحداهن قالت بأسًى: «كريم أصيب بازدواج الشخصية، يتقمص شخصية رجل يعود سلوكه إلى آخر العصور الهمجية، آخر مرحلة بشرية كانت تسودها الأنانية المقيتة.» اقترحن مراقبة تصرفاته، وإخبار البروفسور ماري حَنان الذماري، أستاذة عِلم السلوك البشري.
ذهب مروان إلى النوم وهو يفكر: «مَن يتزوج منهن ومَن يختار؟!» نام نومًا عميقًا، لم يستيقظ إلا في الصباح وهو يتصبب عرقًا. ذهب الجميع يتناول إفطارهم، وتفاجأت النسوة وقد التهم ثلاثة أضعاف ما يأكله كريم؛ ثلاثة أقداح من الحليب، وعدة أرغفة من الخبز الأخضر، كوب عسل لعقه بإصبعه بشراهة، كان يكفي الجميع. طريقة أكله غريبة عليهن وهو يتناول الطعام بيده. تهامسن عن عزل شريكهن كريم في الشقة إلى أن يتم عرضه على البروفيسور ماري. أخبرْنَه أن يبقى في المنزل؛ فحالته هذه لا تسمح له بالخروج إلى أي مكان آخر.
بقي مروان يتجوَّل في المنزل، يشاهد مُدبِّرة المنزل الجميلة في المطبخ الإليكتروني الرائع، وهي تقوم بتقطيع البطاطا والطماطم بسرعة مذهلة، تؤدي عملها بخفة ومهارة. ضحك مروان حين تذكر زوجته «حميدة» حين أحضر لها خدامة حبشية شابة، قالت له: «صغيرة يا مروان، أريد خدامة كبيرة في السن، فأولادنا في سن الشباب.» والحقيقة هي أنها كانت تخشى على الخدامة منه.
جلس مروان في صالة المنزل، يحدِّث نفسه: «سأتزوج بأربع نساء، والثلاث الأخريات سأطلب منهن أن يكُنَّ ملك يمين.» بقي ينتظر عودة النسوة بشوق غامر. يحدث نفسه عن متعة جديدة في عالم آخر. حين وصلن من العمل وقف وفاجأهن، بسؤاله: أريد أن أتزوج منكن. ها .. ما رأيكن؟
– يا كريم، من أين أتتك هذه الكلمة الغريبة «أتزوَّج»؟ وهي ليست موجودة في قاموسنا اللغوي؟!
– كيف أُثبت لكنَّ أنني مروان، ولست المُخنث «كريم» هذا.
كان غاضبًا من مناداته بكريم. ذهبت النسوة في تخاطُرهن على أن يعاملنه أنه مروان حسب ادعائه؛ حتى يأخذنه إلى الرقابة الصحية؛ لمعرفة ما أصابه. قالت إحداهن: نعم يا مروان، سنرتبط بك، وتصير شريكًا لنا.
– شريك، دون عقد زواج؟ ما هذا الهراء؟!
– ما معنى عقد زواج؟!
– أتزوج بأربع منكن بعقد شرعي، والأخريات ننظر في أمرهن.
– لا، سنكوِّن معك أسرة نحن الجميع، وليس أربع نساء!
اندهش مروان وهو يحدِّث نفسه: «يتحدثن بلغة غريبة وبالعربية، ولا يعرفن معنى كلمة زواج. في أي زمن أنت يا صنعاء؟!» ثم قال ضاحكًا: «عقد زواج يعني أن تصبحن زوجاتي ملكي، لا يمسسكن غيري، وتحت إمرتي وطاعتي، وأنفق عليكن أنا.» ضحكن من كلامه، وقالت إحداهن: «نحن لا نعرف ما معنى زواج. وليس في هذا العصر من يمتلك أحدًا، وارتباطنا معك هو أن تكون شريكًا معنا في الحياة، والنسوة هن من يُنفقن على الرجال وليس العكس.» ثم ذهبن للتشاور فيما بينهن: «من أين أتى شريكهن كريم بهذه الأفكار الغريبة؟!» وكان مروان يحدث نفسه: «ماذا يقلن هؤلاء النسوة! الرجال هم القوامون على النساء، وليس العكس، ثم كيف أرتبط شرعًا بسبع نساء معًا؟ وما نوع هذا الارتباط؟ صحيح أن رسول الله محمد ﷺ تزوج تسع نساء معًا، لكنه رسول الله لا يماثله أحد، وكان ذلك لحكمة يعلمها الله وأنا لست رسولًا.» سألت إحداهن: ماذا جرى لك يا كريم، عفوًا يا مروان؟! أنت تعرف أن كُل سبع نساء يعِشن معًا، ويشكِّلْن أسرة مع رجل واحد فقط، وعلى قاضي المدينة أن يبحث لكل سبع راشدات عن رجل، إن لم يجدن شريكًا لهن. سأل مروان بغضب: مَن هذا القاضي الزنديق الذي يعقد بسبع نساء معًا على رجل واحد؟!
– ماذا؟ زنديق! ما معنى زنديق؟
– معناها يُحلِّل الحرام.
كُنَّ في دهشة من كلمات لم يسمعن مثلها من قبل. ضحكن كثيرًا وتحدثن فيما بينهن: «فعلًا هذا الرجل ليس «كريم»، إنه لا يعرف عن عالمنا شيئًا، أو أن فيروسًا غريبًا أصابه قد يلوث هذا العالم أجمع.» قالت إحداهن له: «أنت لا تعرف معنى مصطلح قاضٍ، هو ليس إنسانًا.»
– ومن هو إذن؟!
– هيوموروبوت، يقوم بتشكيل الأسر في المدينة وحول العالم أيضًا، يبحث لهن عن شريك، وإنه يعرف كل شيء عن الإنسان منذ مولده. نحن السبع الآن نشكِّل أسرة حسب قانون العصر.
– ما هذا القانون الذي يُشرِّع الزواج بسبع نساء؟!
بينما النسوة في حيرة من أمر شريكهن، يتخوفن من اللقاء الحميمي معه، بقي مروان يفكر: «أربع زوجات وثلاث مِلْك يميني، لا ضير في ذلك! هكذا أجمع السبع تحت ظلي، لا يهمني أي دين تدين به البلاد، سأبقى على ديني في هذا العالم وأحاول نشره؛ لأحصل على الأجر والثواب من الله.» ثم سألهن وهو يبتسم هذه المرة: «ممكن أن أرتبط بأسرتين أو ثلاث؟» أجبنه بما أدهشه، بأنه يستطيع ذلك تحت ظروف خاصة. شعر مروان ببهجة وفرح غامر، وأخذ يحدث نفسه: «ثلاث أسر تساوي إحدى وعشرين امرأة، أربع زوجات والباقي ملك يمين، وبنفس طريقة اللقاء الحميمي التي شاهدتها أستطيع لقاءهن جميعًا في يوم واحد. إنها الجنة فعلًا، لا أظنني على وجه الدنيا.» ثم ضحك عاليًا وقال: «لم يتبقَّ لي إلا أن أتعرف على جهنم أين موقعها.»
حذرته النسوة من خطورة الضحك عاليًا في الأماكن العامة، لكنه لم يُعِرْ لتحذيرهن أي اهتمام؛ فالضحك يعبر عن السعادة. كان يرى نفسه حينًا في الدنيا، وحينًا آخر في الجنة، لا سيما حين يرى ما لا يخطر على بالِ بشر، أناس تمر من أمامه في الجو كالطيور العملاقة، وهي تطوي أجنحتها دون أن تسقط، ومدينة لم تكن حتى في الخيال، وسبع نساء للرجل الواحد!
١١
تأكدت النسوة أن فيروسًا جديدًا هاجم شريكهن، لا سيما بعد أن شاهدن شعره بدأ ينبت في ذقنه وفي صدره وسيقانه. قمن بتصويره بأبعاده الرباعية؛ لأخذ قياس ملابس جديدة له، فالتي يلبسها ضيقة عليه، وخلال ساعة وصل المطلوب مما أدهش مروان. شعر مروان بالخزي وهو يرتدي تلك الملابس، وأبدى ممانعة من الخروج بها، لكنه لم يجدْ مناصًا من لبس تلك الثياب. انطلقت مركبتهن برفقة مروان، وحلَّقت في الجو الدافئ كبساط الريح الخيالي. خاف من التصادم بالمركبات اللاتي تقترب منهم مسرعة، فكان يغمض عينيه خوفًا، ويقول لسائقة المركبة أن تحذر، وهي تضحك قائلة: أتخاف من التصادم؟
– نعم، سنسقط أرضًا!
– لا تخَفْ، لا يحدث تصادم.
– كيف؟!
أسرعت السائقة بالمركبة نحو مركبة أخرى، فأغمض مروان عينيه بقوة وازداد توتره، وضغط بقدمه على أرضية المركبة، لكن المركبة توقفت آليًّا بالقرب منها فجاءة، دون أن يكون هناك كوابح للمركبة. قالت السائقة له: «لكل مركبة مجال مغناطيسي يحميها من التصادم، حتى مع المنازل، ويمكن أن تطير المركبة بدون سائق، تذهب إلى السوق وتحضر شيئًا، وتعود إلى المنزل.» سألها: «لماذا لا يُسمع ضجيج المحركات؟!» قالت: «المركبات الهوائية تعمل ضد الجاذبية الأرضية، وبطاقةِ الاندماج النووي؛ لدفعها للأمام، وهناك طاقة البرق، والطاقة الكونية المتحولة.»
شاهد مزيدًا من الأبراج الزاهية، والحدائق المُعلَّقة تتدلى من شرفاتها ونوافذها، والكثير من خلايا النحل تعرش في أماكن عدة من شرفات المنازل، لكنه لم يشاهد طيورًا في الجو. شاهد صحنًا طائرًا عملاقًا يقف فوق جبل عيبان، قلن له: «ذلك هو مطار مقاطعة صنعاء الدولي.» تذكر مطارها في حياته، وشعر بالأسف. شاهد ما أذهله؛ إحدى ناطحات السحاب تنكمش إلى حجم كرة ملعب، كأنها خدعة بصرية. أخبرته النسوة أن هناك طاقة كونية، تُسلط بواسطة الأقمار الصناعية التي تنقل الطاقة الكونية على أي مبنًى حين ينتهي عمرها الافتراضي، تضغطها لتصبح بحجم كرة قدم، لا تستطيع أية آلة حملها. لم يكن لمروان من خيار إلا أن يُصدِّق ما يشاهده؛ حتى لا يفقد عقله.
بينما كان مروان مندهشًا في عالمه الفردوسي، كان الطبيب قد نقله من غرفة العناية المركزة إلى غرفة خاصة، وبقيت حميدة بجواره، وأخبرتهم عن طرد الممرض راجح الذي كان يبتزهم بشراء الأدوية، ويخبرهم أن صحة أبيهم جيدة. كان أولاده يقفون أمام جسده الملقى في غرفة العناية، يستغربون من علامات الدهشة المرسومة على وجه أبيهم، وذلك اللون الوردي الذي طغى على جسده. ومما زاد من دهشتهم أن والدهم ساعةً يبدو على وجهه الغضب، وتارة ترتسم على شفتيه الابتسامة، حتى إن الدكتور اندهش من ذلك. يقول إنه لم يواجه حالة مثل حالة أبيهم. القلب يعمل ببطء شديد، وكذلك الرئة، وسيظل يعتمد على جهاز التنفس الاصطناعي. وجميع أطباء المستشفى لم يعرفوا حتى الآن التشخيص الحقيقي لحالته الغريبة.
ذهب علي ومعاوية إلى الطبيب المعالج، يستوضحان منه الأمر أكثر. قال الطبيب: «أبوكما في وضع حرج جدًّا، يعاني من حالة مرضية نادرة. لا يستجيب للأدوية، سنعمل بكل ما لدينا، وسنستعين بخبرات أجنبية عبر النت بأطباء من الخارج. لا تقلقوا». عاد علي ومعاوية إلى والدتهما مختلفيْن في الرأي كعادتهما. عليٌّ لا يريد أن يخبر والدته عن الخبر السيئ، ومعاوية يريد أن يضع أمه أمام الأمر الواقع. كادَا أن يتشاجرا في المستشفى كما يتشاجران في إدارة السوبر ماركت، لا سيما والأسعار ترتفع أثناء الحرب. وصلا إلى غرفة والدتهما فتوقفا عن الشِّجار، وهما يشاهدان وجه أبيهما مرسومًا عليه علامات الذهول. أما حميدة فكانت تذرف الدموع، وهي ترى زوجها يموت ببطء. تقول لهم: «أبوكم جسده بارد كالجثة الهامدة، وبشرته كما ترون بدأت تتحول إلى لون أزرق. جهزوا له قبرًا.» ثم جلس علي ومعاوية في شرفة الغرفة ينظران إلى رحى الحرب التي تدور، ليست بعيدة منهم في المدينة.