استغلال الفرص
تتمثَّل المهمة الأساسية لرائد الأعمال، كما رأينا في الفصل الأول، في حشد الموارد اللازمة وإدارتها لاكتشاف الفرصة وخلقها واستغلالها. يواجه روَّادُ الأعمال تحدياتٍ كبرى لحشد الموارد التي يحتاجون إليها وتهيئتها لاستغلال الفرص وتحويلها إلى منتجاتٍ أو خدماتٍ مُدِّرة للربح. وتشتمل هذه الموارد على مواردَ ريادية متعلِّقة بمهارات رأس المال البشري والإمكانات والمعرفة، وكذلك الموارد المتعلقة بالتكنولوجيا والتمويل والسُّمعة التجارية وشبكات الاتصال ورأس المال الاجتماعي. تُعزى التحديات جزئيًّا إلى ندرة الموارد التي يمتلكها روَّاد الأعمال عمومًا في البداية. وما يمثِّل تحديًا أيضًا هو إقناع الأطراف الخارجية مثل المموِّلين بالإسهام بالموارد عندما تتمثَّل الفرصة في منتَج أو خدمة ربما تتعدَّى مجرَّد كونها فكرةً من شأنها أن تخدُم سوقًا غير موجودة بعد. علاوةً على ذلك، ربما يصعُب على نحوٍ بالغ تحديدُ حجم السوق بأي قدر من اليقين، وتحديد الوقت الذي سيستغرقه تطوير المنتَج أو الخدمة المقدَّمة إلى تلك السوق. في قطاع تكنولوجيا المعلومات، قد تُطوَّر المنتجات بسرعة بالغة. وعلى النقيض من ذلك، قد يستغرق تطوير المنتجات في قطاعَي الطب الحيوي والصحة عدةَ سنوات. هذا لأنه من الضروري مواصلة تطوير العلم، وإجراء التجارب السريرية، والتغلب على مختلف العقبات التنظيمية. وحتى بعد تطوير كل هذه الموارد، قد يظل من الصعب تحقيق النجاح على مدًى أطول.
الموارد والإمكانات
تطرَّقنا من قبل إلى مفهوم الموارد. الموارد عبارة عن رصيد من الأصول التي يمتلكها أو يتحكَّم فيها رائدُ الأعمال. وهي لها خصائص الأصول (أو رءوس الأموال) الملموسة أو غير الملموسة التي تمكِّن رائد الأعمال من تطوير الاستراتيجيات اللازمة لتحقيق ميزة تنافسية. ولكي تكون الموارد ذات قيمة، يجب أن تكون ذات خصائص مميَّزة وغامضة وفريدة من نوعها.
يُعنى رأس المال النقدي بحجم الأموال والمهارات المتخصِّصة التي يسهِم بها مقدِّمو التمويل للمساعدة في تطوير المشروع التجاري. وقد يكون التمويل ضروريًّا لاكتساب أو خلق موارد أخرى ضرورية لاستغلال الفرص، مثل تعيين موظفين مختصين وإجراء التجارب السريرية، كما في حالة شركة «رينوفو». والشركات التي تتمتَّع بالموارد المالية القوية لديها وفرة موارد يمكن أن تيسِّر لها تطوير الابتكارات.
تشمل موارد رأس المال التقني براءات الاختراع والتراخيص وغيرها من الإجراءات المتخصِّصة المتعلقة بالملكية الفكرية. بعضُ التقنيات يمكن تضمينها في براءات الاختراع؛ في حين يكون البعض الآخر ضمنيًّا وذا علاقة وثيقة بمجال خبرة رائد الأعمال المعني. فعلى سبيل المثال، قد تتيح تقنيات المنصات أو التقنيات الواسعة النطاق المعتمدة على مجموعة من براءات الاختراع لروَّاد الأعمال تطوير مجموعة من المنتجات المحتمَلة. وهذا قد يجعل المشروعَ التجاري أكثرَ قيمةً من حيث توليد الإيرادات المستقبلية، وفيما يخصُّ التمتع بالجاذبية بالنسبة إلى شركة كبرى في المجال ترى إمكانات التعاون.
يتعلق رأس المال المادي بالموارد الملموسة الخاصة بالمباني والتجهيزات والمعدات المتخصِّصة.
أما رأس المال البشري فهو عبارة عن مجموعة من المهارات والإمكانات والخبرات والمعرفة الشخصية المتعلِّقة بإحدى المهام، والقدرة على زيادة هذا النوع من رأس المال من خلال التعلُّم من جانب روَّاد الأعمال. وتتشكَّل قدرةُ الأفراد على استغلال الفرصة وتحقيق مكسب لشركاتهم من خلالِ ما يتمتعون به من محفِّزاتٍ وإمكاناتٍ ومهاراتٍ ومعرفة وقدرة على التعلُّم. أما رأس المال النفسي، فيتعلق بالموارد التي يمتلكها روَّادُ الأعمال فيما يخصُّ الثقة بالنفس (أو الكفاءة الذاتية)، والطاقة الموجَّهة نحو الأهداف والتخطيط لتحقيق هذه الأهداف، والتفاؤل والمرونة (أي القدرة على التعافي). كما تستطيع الجوانبُ الإدراكية والمعرفية لدى الفرد أن تشكِّل عمليةَ استغلال الفرصة المنطوية على درجاتٍ متنوعة من المخاطرة. ونناقش في الفصل الرابع مواردَ رأس المال البشري المرتبط بالسلوكيات الريادية.
يرتبط رأس المال الاجتماعي بالموارد المتعلقة بالثقة والعلاقات وشبكات جهات الاتصال. وهذا النوع من رأس المال الاجتماعي عبارةٌ عن حصيلة رأس المال الاجتماعي الداخلي للشركة (أي العلاقات بين الأفراد) ورأس مالها الاجتماعي الخارجي (أي العلاقات مع المؤسسات الخارجية والأفراد الموجودين في الشركة المركزية). ويمكن لرأس المال الاجتماعي الخاص برائد الأعمال أن ييسِّر الوصول إلى مواردَ ومعرفة إضافية. ويمكن استغلال هذا النوع من رأس المال لبناء وحشد الإمكانات اللازمة لخلق الفرص و/أو اكتشافها، وكذلك تعزيز الميزة التنافسية المستدامة للشركة. في المؤسسات الأكبر حجمًا، يستطيع الأفراد الرائدون، ذوو المهارات الاجتماعية المطوَّرة جيدًا الذين يخلُقون الفرص أو يكتشفونها، الحصول على الموافقة على المشروعات التي تتطلب مواردَ مشتركة بين الأقسام من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
تصوغ البيئة الخارجية قدرةَ روَّاد الأعمال على اكتشاف الفرص أو خلقها، وكذلك قدرتهم اللاحقة على استغلال هذه الفرص بهدف تحقيق نجاح تنافسي. علاوة على ذلك، قد تحتوي البيئة الخارجية (أو البيئة المحيطة) على مجموعةٍ من الموارد النادرة والقيِّمة. ويُطلق على مستوى وفرة الموارد في بيئةٍ معينة، التي يمكنها دعم استمرار الشركة واستقرارها و/أو نموها، مصطلح «الوَفرة السخية». والوفرة السخية لبيئةٍ ما مرهونةٌ بالسياق الخاص بالشركة. فرُواد الأعمال (وشركاتهم) يدخلون في علاقاتٍ تبادليةٍ مع البيئة الخارجية؛ لأنهم يعجزون عن توفير جميع الموارد اللازمة داخليًّا.
وفي البيئات الديناميكية، يحرص بعض روَّاد الأعمال والشركات على تطوير العلاقات والشبكات ورأس المال الاجتماعي، وحشد كلِّ هذا من أجل الوصول إلى الموارد اللازمة التي يوفِّرها الشركاء. وبعد ذلك، يجمعون هذه الموارد أو يدمجونها معًا لاستغلال الفرص. يمكن وضع الاستراتيجيات التعاونية مثل تكوينِ تحالفاتٍ لبناء القدرات وتعزيز الميزة التنافسية. يمكن أن تتبادل الشركات الكبيرة والصغيرة الأفكارَ والمعارفَ والخبراتَ والفرصَ لتيسير سُبُل الابتكار التعاوني.
يتمثَّل أحدُ الآثار السلبية المحتمَلة في أن بعض شركات الريادة قد تواجه صعوباتٍ فيما يتعلَّق بتأمين الموارد لأنها تفتقر إلى الشرعية أو المصداقية. ومن الجدير بالذكر أن بعض المورِّدين أو المستثمرين المحتمَلين ربما لا يكونون مقتنعين بأن الفرصة قابلة للتطبيق، أو/وربما يكونون قلقين من أن رائد الأعمال لا يتمتع بالقدرة على استغلال الفرصة، وهو ما قد يجعل المستثمرين الخارجيين يُحجِمون عن المشاركة.
تجميع الموارد
في مطلع القرن العشرين، أشارَ ألفريد مارشال إلى أنَّ المهام الإدارية سِمةٌ أساسية للنشاط الريادي ومَورِد في حد ذاته كذلك. ويؤدي اضطلاع رائد أعمال بدور التنسيق داخل شركة ريادية إلى الإبداع وعدم الاستمرار كذلك. وهذه الفكرة الثاقبة مهمة؛ نظرًا لأن الموارد في حد ذاتها لا تقود إلى استغلال الفرصة. وعوضًا عن ذلك، ينبغي أن يتحلَّى روَّادُ الأعمال بالقدرة على اختزان وحشد وجمع الموارد الخاصة اللازمة لاستغلال الفرصة التي أوجدوها أو اكتشفوها. مع تطوُّر شركات الريادة، يطوِّر البعضُ القدرة على استغلال الموارد ومزْجها من خلال الإجراءات الروتينية المؤسسية. وعلى ضوء البيئة المشوبة عادةً بعدم اليقين والديناميكية التي يعملون فيها، يجب على روَّاد الأعمال أن يُنمُّوا المزيدَ من القدرات التي تمكِّنهم من إعادة تشكيل الموارد اللازمة للتكيُّف مع ظروف السوق المتغيِّرة.
يختلف روَّاد الأعمال وشركات الريادة في قدراتهم على التعامُل مع تنوُّع الموارد التي يحتاجون إليها. وهذا التباين في الموارد هو مصدر اختلاف قدراتهم على استغلال الفرص بنجاح، واختيار الفرص التي يستغلونها.
بعض المدخلات في عملية الريادة تكون قابلة للتبادُل بين أي مشروع وآخر، في حين أن بعضها يقدِّم إسهامًا محدَّدًا لقيمة مشروع رائد الأعمال. تتمثَّل رؤية جاي بارن في أن تحقيق ميزة تنافسية مستدامة للمشروع الريادي يقتضي وجودَ مواردَ تميِّز الشركة على نحو خاص، وتتسم بكونها قيِّمة ونادرة، ولا يمكن تقليدها بإتقان (أي مَورِد قيِّم تتحكَّم فيه شركة واحدة فقط)، ولا يمكن استبدالها دون بذل جهدٍ كبير. قد تكون هذه الموارد ملموسة أو غير ملموسة، ومتراكمة من البيئة الداخلية والخارجية المحيطة بالمشروع التجاري. وتختلف الشركات في الموارد التي تتحكَّم فيها، وربما لا تنتقل هذه الموارد بين الشركات.
ريادة الأعمال الاستراتيجية
تركِّز ريادةُ الأعمال الاستراتيجية الاهتمامَ على فهم الكيفية التي يمكن بها لروَّاد الأعمال وشركات ريادة الأعمال تحقيقُ ثروة من خلال الجمع بين مجموعاتٍ فريدة من الموارد لاستغلال الفرص التي أوجدوها أو اكتشفوها. وتنطوي ريادة الأعمال الاستراتيجية على الدمج بين المنظورَين الريادي والاستراتيجي في تطوير واتخاذ إجراءاتٍ ينتج عنها قيمةٌ ما. يمكن تعريف المنظور الريادي باعتباره سلوكًا يسعى إلى البحث عن الفرصة، في حين أن المنظور الاستراتيجي هو سلوك يسعى إلى البحث عن المزايا، ويتضمَّن ابتكار ميزة تنافسية واحدة أو أكثر والحفاظ عليها باعتبارها السبيلَ الذي يمكن من خلاله استغلال الفرص. يحفِّز هذا النهجُ الاستراتيجي الشركاتِ الكبرى القائمة بالفعل للتعلُّم كي تصير أكثرَ ريادةً، ويحفِّز الشركات الريادية الأصغر حجمًا للتعلُّم كيف تصير أكثرَ استراتيجية.
يمكن للشركات ذات الثقافة الريادية التي تشجِّع الأفكارَ الجديدة والإبداع وخوض المخاطر والتعلُّم المؤسسي، أن تتَّبع سلوكَ السعي وراء الفرصة. القيادة الفعَّالة للشركات مطلوبةٌ لتطوير المشروعات الجديدة وتنميتها، ولقيادة المؤسسات القائمة من الناحية الريادية. ربما يؤثِّر هذا النوع من القيادة في الآخرين؛ فيعزِّز لديهم سلوكياتِ السعي وراء الفرصة وسلوكياتِ السعي وراء المزايا.
للانخراط في ريادة الأعمال الاستراتيجية، يُشترط توافر الموارد البشرية والاجتماعية والمالية والتكنولوجية المبيَّنة آنفًا. فرأس المال البشري والاجتماعي مهمَّان لتحقيق الميزة التنافسية والحفاظ عليها، في حين أن رأس المال النقدي عادةً ما يكون مصيريًّا للحصول على الموارد اللازمة لاستغلال الفرص أو خلْقها. يمكن لأهداف الفرد ورغبته ورأس ماله البشري وعقليته أن تشكِّل أيضًا النشاطَ الريادي من خلال اكتشاف الفرص الجديدة وخلْقها. وكما أوضحنا في الفصل الثاني، يمكن أن ترتبط عمليةُ اكتشاف الفرص الجديدة بمنظور كيرزنر القائم على اليقظة والانتباه (أي البحث عن الفرص واكتشافها). بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يرتبط خلْق فرص جديدة بمنظور ساراسفاثي القائم على التوليد والابتكار (أي خلْق الفرص وتوليدها).
تنظيم الموارد
تتعلَّق الإجراءات التي تنظِّم مجموعةَ الموارد الخاصة بالشركة بالحصول على الموارد وتجميعها وبيعها لتوفير السيولة النقدية لأغراض أخرى. علاوةً على ذلك، يمكن تجميع الموارد على هيئةِ إمكاناتٍ. وقد يشمل هذا التجميع ترسيخَ الإمكانات الموجودة بالفعل، وتعزيز الإمكانات الحالية وابتكار إمكاناتٍ جديدة. يمكن حشدُ الإمكانات بعد ذلك لخلق قيمة للعملاء. ومن ثمَّ، يمكن لسلسلة من الإجراءات أن تسهِم في خلق وتنسيق ونشر مجموعة الإمكانات المناسبة اللازمة لضمان استراتيجيةٍ ناجحة. يعتمد الشكل القائم لتنسيق الموارد على المرحلة التي وصلت إليها الشركة خلال دورة حياتها، والاستراتيجيات المتبَعة داخلها، ومستوى الشركة.
فيما يخصُّ دورةَ حياة شركة ريادة الأعمال، يمكن تنمية الكفاءة أو القدرة على تحسين الفرص — على سبيل المثال — أثناء مرحلة إدراك الفرصة. وهذا يمكِّن رائدَ الأعمال من حشد أو بناء العلاقات مع جهات الاتصال من داخل المجال والذين يتمتعون بالخبرة في هذا القطاع بالذات. تساعد كفاءات الحصول على الموارد أو الالتزام تجاه شركةٍ ما، أي القدرة على الدعم، في دفعِ الشركة إلى الأمام. ويمكن بناء هذه القدرة مبدئيًّا من خلال بناء علاقاتٍ مع الزملاء. على سبيل المثال، في حالةِ روَّاد الأعمال الأكاديميين، قد يتمثَّل هذا في بناء علاقاتٍ مع زملائهم العلماء الذين أقاموا مشروعاتٍ سابقة. خلال المراحل الأولى من دورةِ حياة الشركة، لا بد من وجودِ مهارات الإعداد لتحديد إلى أيِّ مدًى يمكن للموارد التكنولوجية أن تصبح منصةً لإطلاق تقنياتٍ جديدة، ولتحديد طبيعة المنتجات التي يمكن أن تنبثق منها.
الاستراتيجيات
يمكن لشركات ريادة الأعمال أن تنخرطَ في استراتيجياتٍ متناقضة. فمن ناحية، قد تنطوي الاستراتيجية على الرغبة في أن تصبح الشركة رائدةً على مستوى العالم من خلال اختراق الأسواق العالمية وإدراجها في سوق الأوراق المالية في نهاية المطاف. ومن ناحيةٍ أخرى، تستطيع الشركات المعنية بنمط الحياة المتوازن اتِّباع استراتيجية لخدمة إحدى الأسواق المحلية. في الفئة الأولى، قد تكون شركات ريادة الأعمال قادرةً على تنمية كفاءة «إدراك ميزة التجديد». ذلك أن حداثة الشركة يمكن أن تمنحها مرونةً تنظيميةً أكبر؛ مما يمكِّنها من التكيُّف سريعًا مع الأسواق الخارجية المتقلِّبة. يمكن لآثار تعزيز الكفاءة الخاصة بالتدويل المبكِّر أن تمنح هذه الشركات حينئذٍ ميزة فيما يخصُّ تطوير أسواقها المحلية.
قد تكون شركات الريادة الناشئة التي تم تدويلها عُرضةً للخطر إذا ارتكبت أخطاءً فادحةً بسبب نقص الخبرات. ومن ثمَّ، فإن تكوين شراكاتٍ وتحالفاتٍ مع شركات وعملاء رأس المال المُغامِر الذين يتمتعون بخبرة دولية هو السبيلُ إلى تعويض هذا النقص في التعلُّم من الخبرات السابقة. كما أنه قد يمكِّن بعضَ شركات الريادة الناشئة من تنظيم الموارد اللازمة للتدويل الناجح. يتمثَّل البديل في اجتذاب أعضاء الفِرق ذوي الخبرات الدولية ليصيروا شركاء في الفريق المؤسِّس للشركة.
على مستوى المؤسسات القائمة الأكبر حجمًا والمنخرِطة في ريادة الأعمال المؤسسية (انظر الفصل السادس)، يشتمل تنظيمُ الموارد على التنسيق بين خبرات الإدارة العليا والوسطى والدنيا. فعلى سبيل المثال، يمكن وضْعُ أفراد الإدارة الدنيا الأقرب إلى عملاء معينين في موضعٍ جيد لإيصال المعرفة التي تساعد في تنظيم الموارد وتوجيهها لخدمة السوق على أفضلِ وجه.
في شركات ريادة الأعمال الجديدة، مثل الشركات الأكاديمية المنبثِقة (انظر الفصل السادس)، قد يشمل التنظيم بناءَ موارد تجارية وموارد رأس المال البشري التقني على نحوٍ أعمق. لا بد من تنمية هذه الموارد على نحوٍ متزامن حتى تتمكَّن هذه الشركاتُ المنبثِقة من تحديد احتياجات السوق الجديدة، وتشكيلها، وإشباعها. وربما يتحقَّق هذا التزامن من خلال تكوين مجالس وفِرَق إدارية، وكذلك من خلال السياق الحاضِن الذي نشأت فيه الشركةُ المنبثِقة.
كثيرًا ما تحتاج الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الفائقة، مثل الشركات المنبثقة الأكاديمية المنشأ، إلى تطوير مجلس تنفيذي من المديرين ومجلس استشاري علمي يتمتَّع بالكفاءات العلمية اللازمة لاستغلال فرص معينة. ربما لا يتمتع المديرون التنفيذيون الحاليون أنفسهم في الشركة المنبثِقة، وخصوصًا إذا كانت خلفياتهم على غرار خلفية العلماء الأكاديميين، بالمعرفة التجارية أو الإمكانات اللازمة لفهمِ الساحة التنافسية المتقلِّبة والتحديات المحدَّدة الخاصة بالمجال والأسواق. وقد يحسِّن انتقاءُ المزيج المناسب من المديرين ذوي المهارات أو العلاقات الفريدة والمفيدة من الميزة التنافسية للشركات المنبثِقة. كما أن مجالس الإدارة في الشركات المنبثِقة ربما تصبح أكثرَ فاعلية عندما يُعيَّن المديرون المؤهَّلون ممن يعرِفون كيفية تسويق التكنولوجيا في مراحلها المبكرة؛ ليساعدوا الشركةَ في تحقيق إمكاناتها بالكامل. يتمثَّل أحدُ العيوب الرئيسية في صعوبة التغلُّب على معارضة مؤسسي الشركات المنبثقة لإدلاء غرباءَ بآراءٍ مختلفة حول أفضل طريقة لتنظيم الموارد.
إنَّ استغلالَ الفرصة بنجاح يُغْري المنافسين بالمحاكاة والتقليد. وإجراءات الحماية الاستباقية مثل حقوق الملكية الفكرية وحماية براءات الاختراع وعقود التفاوض يمكن أن تعيق التقليد. يمكن لحماية براءات الاختراع أن تزيد من قدرة الشركة على الحصول على عائدٍ مقابل استخدام الآخرين للابتكار الخاص بها. ويستطيع روَّادُ الأعمال أن يستعينوا بحقوق الملكية الفكرية وحماية براءات الاختراع ليحموا أفكارهم ومواردهم أو يمنعوا الآخرين من الاستيلاء على القيمة الخاصة بهم. وحماية حقوق الملكية الفكرية والموارد التكميلية هو أمرٌ بالغ الأهمية للحصول على القيمة التي تخلُقها عملية تنظيم الموارد.
الفوائد
يمكن أن تولِّد العمليات والإجراءات التي تشتمل على ريادة الأعمال الاستراتيجية عدةَ نتائج مفيدة ومحتمَلة. فبالإضافة إلى الثروة المالية، يستطيع روَّادُ الأعمال كأفرادٍ أن يحقِّقوا ثروةً اجتماعية وعاطفية (أي تحقيق الذات والشعور بالرضا النابع من تطوير مشروع تجاري مستقل). فالتعلُّم الريادي القائم على التجارب يمكِّن روَّادَ الأعمال من تعزيز مواردهم المعرفية (أي حدة الإدراك، الذاكرة). والأخيرة تمكِّن روَّادَ الأعمال من بناء مخزون معرفتهم الشخصية، وهو ما يقود بدوره إلى المزيدِ من الدقة في إدراك المزيد من الفرص التجارية الإضافية وتقييمها واستغلالها.
توجد عدة فوائد تجنيها الشركات. على سبيل المثال، قد تقتحم الشركات سوقًا قائمةً بالفعل أو تخلُق سوقًا جديدة لنفسها. وقد تطوِّر منتجًا أكثرَ تميُّزًا عن بقية المنتجات الموجودة ومنتجًا يخلق قيمةً كبيرة للعملاء. وربما تبتكر الشركات تقنياتٍ جديدة أو تطوِّر ابتكاراتٍ ثورية لها القدرة على خلْق القيمة التي تمكِّنها من تحقيق ميزة تنافسية. وبعد أن تحتل الشركات مكانةً رائدة في الأسواق، كثيرًا ما تنخرط في ابتكاراتٍ متزايدة لتطوير منتجها لتبقى في مركز الصدارة والتفوُّق على المنافسين. وعلى النقيض من ذلك، تستطيع الشركات التي تقدِّم تقنياتٍ وابتكاراتٍ جديدة أن تنتج معارفَ جديدة. وهذا بدوره قد يوفِّر فرصًا جديدة للسوق من أجل تقديم منتج جديد أو خلق سوق جديدة.
يمكن أن ينطوي هذا على فوائدَ مجتمعية كثيرة. فقد يُسهم تأسيس شركاتٍ جديدة وتحقيقُ ميزة تنافسية مُستدامة ونمو إسهامًا إيجابيًّا في النشاط الاقتصادي الإضافي (أي خلق فرص العمل، والتقدُّم التكنولوجي، وتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصاديَّين)، وكذلك إمكانية تحقيق فوائد اجتماعية أخرى. علاوةً على ذلك، قد يشجِّع هذا على انبثاق ثقافة جديدة لريادة الأعمال الاجتماعية (انظر الفصل السادس)؛ مما يسفِر عنه تأسيسُ شركاتٍ جديدة غير هادفة للربح تُثري البيئة الطبيعية و/أو مصمَّمة للتغلب على التأثير السلبي للشركات الأخرى على البيئة المادية، أو الحد منه.
خطة العمل ونموذج العمل
القسم | السمات الأساسية |
---|---|
الملخص التنفيذي | موجز قصير يستعرض غرض الخطة والجوانب الأساسية للخطة، بما في ذلك التمويل المطلوب لتنفيذها (أي المراحل الرئيسية للمشروع) |
المشروع التجاري | نبذة عن تاريخ المشروع، والتقدُّم المُحرز، وسبل التنظيم ذات الصلة بمستقبل التطوير |
الإدارة والموظفون | تفاصيل خاصة بالخبرات السابقة لفريق الإدارة ودورهم المستقبلي، فجوات الإدارة التي يجب سَدُّها، عدد الموظفين، ومزيج المهارات |
المنتجات/الخدمات | وصفٌ للمنتجات أو الخدمات، كفاءة المنتجات/الخدمات في السوق، حالة التكنولوجيا المتضمَّنة، نطاق المنتجات/الخدمات (الحالية والمستقبلية) |
السوق والمنافسة | حجم السوق ومعدَّل نموه المتوقَّع، المزيج المحلي والعالمي، قطاعات السوق، العملاء الحاليون والمحتمَلون |
التسويق | الأساليب الحالية والمتوقَّعة للتسويق والتسعير |
العمليات واستراتيجية الإنتاج | مَرافق الإنتاج الحالية، والتطويرات المستقبلية، والمورِّدون |
مقترحات الاستثمار (العروض الاستثمارية) | مبالغ التمويل المطلوبة، حصص المِلكية المتوقَّعة، التقديرات والعوائد، الوقت المتوقَّع لتحقيق المكاسب المستقبلية للمستثمرين، وطبيعة هذه المكاسب |
المعلومات المالية | المعلومات المالية لثلاث سنوات سابقة على الأكثر، والتوقُّعات المالية المفصَّلة لثلاث سنوات قادمة على الأكثر، بما في ذلك بيانات التدفُّقات النقدية، والترتيبات المصرفية، وحالة سجل طلبيات البيع والشراء، تحليلات الحساسية والافتراضات المتضمَّنة لها؛ طبيعة أنظمة الرقابة المالية |
المخاطر والمراحل الرئيسية | المجالات الأساسية للمخاطرة، والمراحل الرئيسية، وكيفية التعامل معها مستقبلًا |
الملاحق | تفاصيل السِّير الذاتية الخاصة بالإدارة، وبراءات الاختراع، إلى غير ذلك حسبما تقتضي الضرورة |
قد يلجأ رائدُ الأعمال إلى الاستعانة بنصيحةٍ مهنية ومستقلة من جهاتٍ خارجية لصياغة خطة العمل. يمكن لرائد الأعمال استغلالُ هذا التصديق الخارجي للترويج لمقترَحه الاستثماري لدى إحدى شركات رأس المال المُغامِر. ومع ذلك، سترغب شركةُ رأس المال المُغامِر في رؤية أفكار رائد الأعمال (أو الفريق المالِك للمشروع الريادي) وخبراته المُبيَّنة بكل وضوح في خطة العمل، وليس أفكار شخص آخر وخبراته. تتمثَّل نقاط الضعف الأساسية في خطة عمل الشركات القائمة على التكنولوجيا الجديدة في التسويق وفريق الإدارة، ثم النواحي المالية، ويُعزى ذلك في الأساس إلى أن روَّاد الأعمال المشاركين في هذه المشروعات يأتون عادةً من خلفية تكنولوجية، وليست تجارية.
على الرغم من أن روَّاد الأعمال يستعينون بخطط العمل على نطاق واسع، فإن جدواها تُعدُّ مسألةً خِلافية. تتمثَّل إحدى المشكلات المحتمَلة في أنها وثائق جامدة، ربما يكون بها أوجه قصور شديدة بالنسبة إلى الشركات التي في مراحل تأسيسها الأولى؛ حيث لا يكون المنتج ولا السوق قد تحدَّدا على نحوٍ جيد. وقد يتضح أن الافتراضات التي تستند إليها خطة العمل مضلِّلة على نحوٍ خطير عندما يتعامل رائد الأعمال مع واقع السوق. تؤكِّد الممارسات الحديثة على ضرورة تطوير رائد الأعمال لنموذج عمل محدَّد. وهذا من شأنه أن يوجِّه تركيز رائد الأعمال نحو التفكير في الكيفية التي سيخلق بها المشروع قيمةً ويقدِّمها إلى العملاء ويحقِّقها لهم. يعكس نموذج العمل افتراضاتِ الإدارة بخصوصِ ما يريده العملاء، وكيف يريدونه، وكيف يمكن للشركة أن تنظِّم جهودها لتلبِّي تلك الاحتياجات على أفضل وجه. وتتمثَّل قيمةُ نموذج العمل في إبراز كيفية التنسيق بين أجزاء المشروع لإنتاج المنتج/الخدمة، وكيف سيتم الوصول إلى الإمدادات، وكيف سيتم توزيع المنتج/الخدمة على العملاء، وكيف ستتدفَّق الإيرادات إلى المشروع مع مرور الوقت. يشجِّع هذا المنهج القائم على نموذج العمل روَّادَ الأعمال على التعامُل مع السوق المحتمَلة في مرحلةٍ مبكِّرة. ويُمكِّن رائدَ الأعمال من تطوير رؤًى أكثرَ واقعية بخصوص نموذج الإيرادات، والتسعير، والموارد، والتكاليف المرتبطة باكتساب العملاء والمورِّدين. على سبيل المثال، يتضمَّن نموذج العمل التجاري المختلط الوجودَ الفعلي (عبْر منافذ البيع بالتجزئة الفعلية) والوجود الإلكتروني (عبْر شبكة الإنترنت) للشركة في سوق العمل. فعلى سبيل المثال، يمكن لمتجر متعدِّد الفروع (سلسلة متاجر) أن يتيح للعميل طلب المنتجات عبْر شبكة الإنترنت، لكنَّ تَسلُّم طلبه يكون من المتجر المحلي.