الطائر الذي أوقعه جماله في الأسر
ما إن يقترب فصل الشتاء في أماكن تجمُّعنا في أوكرانيا وبعض الدول الأوروبية حتى ننظِّم أنفسنا للهجرة في مجموعات إلى أماكن مختلفة من دول العالم هربًا من البرد القارس وطلبًا للدفء والغذاء.
ومن هناك تكون وِجهتنا إلى الأماكن الدافئة القريبة من تجمُّعاتنا في تلك الدول؛ فقد يكون خط هجرتنا إلى تركيا ومنها إلى سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ثم سيناء وشمال مصر. وقد يكون طريقنا إلى دول المغرب العربي إلى الجزائر وتونس والمغرب.
نبقى في الأماكن التي هاجرنا إليها حتى نهاية فصل الشتاء، ثم تعود مجموعاتنا المُهاجرة سالكةً نفس الطريق الذي أتت منه، وقد يتخلَّف بعض من أفرادنا الذين طابت له الإقامة في بلد المهجر فينضم إلى أقاربه من الحساسين التي استوطنت هناك.
نطير في أسراب عابرةً هربًا من صقيع أوروبا، ونقطع مسافاتٍ طويلةً نتعرَّض خلالها إلى مخاطرَ عديدة، وما إن نصل إلى وِجهتنا في بلد المَهجر حتى تستقبلنا الشِّباك والأفخاخ التي نصَبها لنا الصيادون الطامعون الذين ينتظرون موسم هجرتنا ووصولنا إلى بلدانهم، فنقع في أقفاصهم ويشحنوننا إلى أسواق بيع الطيور حيث يجتمع هناك الهواة والمحترفون الراغبون باقتنائنا وتربيتنا في أقفاص داخل محلاتهم أو بيوتهم بعيدًا عن بيئتنا الطبيعية حيث الفضاء الرحب، والطبيعة الساحرة، والغذاء الوافر المتنوِّع، ونُمضي بقية حياتنا سُجناء داخل أقفاص بالكاد نستطيع فرد أجنحتنا داخلها، مقيدين خلف القضبان وبين الجدران.
أمَّا أسرابنا التي حالفها الحظ ونجت من الوقوع في شِباك الصيادين فتطير في مجموعات تجوب البساتين هناك، مستمتعةً بدفء المكان، منتقلةً من غصن إلى غصن، ومن شجرة إلى أخرى باحثةً عن الغذاء وما أوفره في هذه البلاد!
فنظامنا الغذائي واسع متنوِّع لا يقتصر على نوع معيَّن، وغذاؤنا الرئيس بذور الأشواك البرية.
ونتغذَّى على ما يُصادفنا من بذور أشجار الصنوبر، والتين، والفريز، وثمار الورد، والفاكهة المختلفة وثمار الزعرور.
إضافةً إلى بذور عباد الشمس، وغيرها من بذور النباتات التي يزرعها الفلاحون في بساتينهم كالفجل والقرطم والكَتان والقمبز والشوفان.
ولا يقتصر غذاؤنا على هذه البذور، بل نتغذَّى أيضًا على الحشرات الصغيرة ويرقاتها، إضافةً إلى النباتات البرية المنتشرة كالهِندَباء والخردل والحميض، والنباتات الخضراء التي تزرعونها كالخس والملوخية والملفوف واللفت والسبانخ.
أنعم علينا الخالق بجمال ألواننا المتعدِّدة التي تتوزَّع على أجسامنا بتناسق بين القرمزي والأصفر والأسود والأبيض والبُني وتدرُّجات الرمادي، مع وجود اختلافات بسيطة في درجة تلك الألوان وتوزُّعها بين ذكورنا وإناثنا، ممَّا يساعدكم على سرعة التمييز بيننا.
ففي الذكور يكون اللون الأسود الموجود على رأسها وكتفَي أجنحتها قاتمًا شديد السواد، ويكون اللون الأحمر قاتمًا لامعًا يتوزَّع على رأسها ووجهها وذا مساحة عريضة تحت مناقيرها ويمتد حتى نهاية عيونها.
أمَّا في الإناث فيكون اللون الأسود الموجود عندها باهتًا مشوبًا باللون البني أو الأخضر، ويكون اللون الأحمر باهتًا ذا مساحة قليلة تحت مناقيرها دون امتداده حتى نهاية عيونها.
إلا أن الصفة الأساسية التي يمكنكم الاعتماد عليها للتمييز بين الذكور والإناث هو تغريد الذكر المتواصل والمتكرِّر بعكس الأنثى التي نادرًا ما تُغرِّد؛ ولهذا السبب كانت ذكورنا مطلوبةً من قِبَل الصيادين، فتناقصت أعدادنا في الطبيعة بين الإناث، وانخفض معدَّل التكاثر، وقلَّت أعدادنا، الأمر الذي أثار انتباه الناشطين في مجال حماية البيئة، فسارعوا إلى إنشاء جمعيات تهتم بالمحافظة على حياتنا من الانقراض، وعقدوا الندوات والملتقيات، والمحاضرات، وأصدروا قرارات تمنع صيدنا وحيازتنا ونقلنا والمتاجرة بنا.
يبدأ تكاثرنا في منتصف فصل الربيع عند اعتدال الحرارة، فما إن يبدأ شهر نيسان حتى تبدأ الإناث ببناء الأعشاش ووضع البيوض.
فتضع الأنثى من ٣ إلى ٦ بيضات.
تحضنها مدة ١٤ يومًا. تفقس البيوض عن فراخ صغيرة. يقوم الوالدان بتغذيتها مدةً لا تقل عن أسبوعين أو أكثر حتى تكبر وتصبح قادرةً على الاستقلال والطيران والتغذية معتمدةً على نفسها.
ويمكن للأنثى أن تُعاود وضع البيض مرتين أو ثلاث مرات في السنة.
أنواعنا عديدة تختلف عن بعضها بالشكل والحجم؛ فقد تُصادفون حسون الشوك.
وقد تشاهدون حسون الكرز.
أو حسون لورنس.
والحسون الأمريكي.
والحسون الصغير.
وطائر الحسون الأوروبي، إضافةً إلى أنواع أخرى عديدة للحسون حسب أماكن تواجدها.
أسماؤنا عديدة تختلف من بلد إلى آخر، فيُطلقون علينا الحسون، والمقنين، وملك المقنين، وبو مزين، والبليق، وعروسة التركمان، وحبة عروس، وعروس الجبل، والزكزوك، والقرديل، وعصفور الشوك، وسطيلة، ومزيوقة، وأسماءً كثيرة غيرها، ومهما اختلفت أسماؤنا وتعدَّدت فنحن الحساسين حبانا الله سبحانه بصوت عذب، وألوان متناسقة جميلة جذابة، جعلتنا أحد أجمل الطيور في العالم، ومطلبًا لهواة تربية الطيور وإكثارها.
ننتمي إلى جنس الحسونيات من فصيلة الشرشوريات رتبة الجوثم صف الفقاريات شعبة الحبليات في المملكة الحيوانية.