عهد بلا يد
في الساعة الرابعة بعد الظهر كان إدورد في الطريق إلى مونتمار يلوي عِنان جواده، فيسير به طردًا وعكسًا، وهو يترقب قدوم صديقه روبرت بنتن وشقيقته، وما أقبلا عليه حتى نفد كل صبره وكاد يهيم في البرِّيَّة، ولما أوغلوا بين الحقول ترجلوا برهة وتقدم روبرت لكي يقطف بعض الزهور؛ فاغتنم إدورد تلك الفرصة وأسر إلى لويزا الحديث الآتي: أتحبينني يا لويزا؟
وكان القلق مقروءًا في عيني إدورد، فامتقع لون لويزا ولم تتمالك أن تبتسم وتجيب مندهشة: من يسأل هذا السؤال يا إدورد؟
– اعذريني، لي معك حديث صغير مهم، والفرصة قصيرة.
– ماذا؟
– ما غاية حبنا يا لويزا؟
– لا أدري. بالحق لا أدري.
– وأنا لم أكن لأدري، ولكن قيل لي إن الهوى إذا لم ينتهِ بالزواج انتهى بالهوان.
فاقشعرَّ بدن لويزا وانعقد لسانها.
– أترضين بي زوجًا أمينًا يا لويزا؟
فقالت بصوت خافت: آه! لو يمكن!
– إذا رضيتِ فلا شيء يستحيل.
– لا يستحيل يا إدورد ولكن …
– ماذا؟
– أترضى ذلك بعارٍ؟
– معاذ الله! أين العار فيه؟
– لا أكون زوجتك إلا إذا أنكر آل بنتن لويزا، أو إذا زعموا أنها ماتت.
– ألا تنصحين لي أن أطلب يدك من أبويك؟ لعل القدر يكتم لنا أملًا لم نكن ننتظره!
– كلا، أنا أعلم أنه أسهل على أمي أن تقول إن ابنتها ماتت من أن يقال إنها زوجة رئيس الجمهورية الأميركية، أو زوجة كارنجي أو ركفلر إذا لم يكن لوردًا.
– وأبوكِ؟
– أمي فقط أمي.
– ألا يقدر أبوكِ وأخوكِ أن يقنعاها إذا أصررتِ أنتِ؟
– الله وحده يقدر.
– إذن ما العمل؟
– لا أدري.
– أما خطر لكِ هذا الأمر؟
– كل يوم.
– فماذا ارتأيتِ؟
– لم أجد حلًّا لهذه العقدة.
– وماذا نفعل؟
– لا نفعل شيئًا.
– أنبقى كما نحن؟
– أما أنا فأبقى إلى الأبد.
– أترضين حقيقةً بالحالة الحاضرة يا لويزا؛ أي أن نبقى حبيبين أمينين كل الحياة؟
– ماذا أستطيع غير ذلك؟
– حسبي ذلك يا لويزا إذا كان يرضيكِ.
– ذلك أفضل من عدمه.
– ماذا تفعلين إذا طلب يدكِ لورد؟
– إذا كان لأمي أن تمنع يدي عن غير لورد، فليس لها أن تهبها بالرغم مني لملكٍ.
– كيف أقدر أن أكون لكِ كما يجب أن أكون؟
– كن كما أنت.
– أأستحق أن أكون محبك كما أنا؟
– إذا كنت أغبط نفسي على كونك حبيبي حتى ولو كنت ملكةً، فهي نعمة أن تكون محبي وأنا لويزا بنتن.
– أنتِ مغبونة يا لويزا …
– صه! أتقسم أن تثبتَ في محبتي؟
– بل في عبادتك.
– إذن لا تعُدَّ أيامًا، ولا تعتبر أن في الوجود زمانًا يجيء ويمضي، بل اعتقد أن الأبدية ابتدأت منذ حفلة كمبردج، ولويزا التي تلاقيها في عالم الأرواح هي نفس لويزا التي لقيتها في جامعة كمبردج.
فتح إدورد فاه ليتكلم فلم يتكلم، نظر في عيني لويزا، ونظرت في عينيه فكانت نظراتهما حديثًا طويلًا يملأ أسفارًا، مَنْ يقدر أن يعبِّر عمَّا تكلمته عيونهما؟ ومَنْ يشك أن الروحين قد أطلَّتَا من نوافذ العيون في ذلك الموقف؟ ومن لا يعتقد أن معاني الأرواح أسمى جدًّا من معاني العقول؟ تلك هي المرة الوحيدة التي جرى فيها حديث أهل السماء على الأرض من عهد أبينا آدم إلى اليوم.
عن غير روية تناول إدورد يد لويزا، وهي وضعتها في كفه، فرفعها إلى شفتيه فشعرت لويزا كأن نسمة روح قد نَسَمَتْ عليها وجرت في كل بدنها، وشعر إدورد أن نفخة سموية ملأت رئتيه. لم يذكر إدورد ولا لويزا أن عضلات ساعديهما تحركت عند هذا العمل. فماذا حَرَّكهما إذن؟