يد بيد
عند ذلك وقفت اللايدي بنتن وتقدمت نحو اللورد إدورد، فنهض في الحال وتقدم إليها، فممدت إليه يدها فقبَّلها وكان وجهها يطفح سرورًا، وقد انقشعت غياهب الخيلاء عن محياها، وتراءت أودع من الحمامة، وقالت له ودمع الفرح يطفر من عينيها: لا أقدر أن أصف لك يا حبيبي إدورد سروري الآن — فخفق قلب إدورد عند سماع هذه الكلمة — سرور يقابل حزن عشرين سنة قضيتها في الحسرات على أبيك؛ ذلك لأني أعتبر أن الله ردَّ لي أخي في جسم ابنه، فلك الآن عندي معزة الأخ وابن الأخ، وأزيد أيضًا معزة الصهر؛ لأني أعرف الحب الشديد المتبادل بينك وبين لويزا ابنة عمتك، وأنا أعتبر أنك كنت تستحق يدها بلا لقب، فكيف وأنت الآن شريف وقريب بل ابن؟ وإني لأفخر بك يا حبيبي إدورد بما رأيته من ارتقائك السريع العجيب في الهيئة الاجتماعية، وعلى الخصوص في السياسة والصحافة، وآمل أن ارتقاءك لا يقف عند هذا الحد، بل يستمر إلى أن يتم لك كل متمنًّى. ثم إني أشكر عناية خالك المستر هوكر الذي رباك وعلمك لكي تكون أهلًا للقب سميث الشريف، بل إني أهنئه بك لأنك ابن أخته كما أنك ابن أخي.
فأجابها اللورد إدورد قائلًا: إني أشكر الله لإلهامه إياي أن أحب ابنة عمتي حبًّا فوق العبادة؛ لأني أعتقد أن هذا الحب كان مفتاح أسراري ومرقاتي إلى مجدي. نعم، إن لخالي الفضل الأول في تربيتي وتعليمي، ولكن لحبي للويزا الفضل الأعظم في طِلاب العلى والمجد، بل إن تمسكك يا مولاتي بشرف أجدادنا وحرصك عليه استكدَّا قواي لكي أطاول هذا المجد الأثيل وأسعى إليه، فقلبي ربيب آل بنتن، كما أن عقلي ربيب خالي الفاضل.
عند ذلك تقدم المستر هوكر إليها فمدت إليه يدها، فقبلها قائلًا: إني أحمد الله على أن حرصي على ابن أخيك يا حضرة اللايدي لم يُفضِ إلى نتيجة غير محمودة، فها هو لائق لأن يتلقب باسم آل سميث النبلاء.
– لا ريب عندي يا مستر هوكر أنك قصدت كل خير له، وقصدك يبرر عملك، فالماضي مضى ونحن الآن أصدقاء.
– إني أمتنُّ جدًّا لفضلك يا سيدتي.
– تأذنون لي أن أترككم دقيقة؟
ثم خرجت اللايدي بنتن إلى خدر ابنتها لويزا فوجدتها تقرأ، والحقيقة أن لويزا كانت تتظاهر قارئة؛ لأنها كانت عالمة بوجود إدورد وخاله في القاعة ومنتظرة نتيجة المقابلة بقلب خافق. فقالت أمها باسمة: أتريدين أن تقابلي اللورد إدورد سميث يا لويزا؟
– أتوبخينني يا أماه؟
فضحكت اللايدي بنتن وقالت: كلا بل أسألك غير مازحة.
– لماذا أقابله؟
– لأنك تحبينه.
فاحمرَّ وجه لويزا وكاد الدم يقطر منه.
– لا تتورد وجنتاك يا لويزا، لم أجهل حبكِ لإدورد، ولكني جهلتُ أنه ابن خالكِ وأنه لا يقل عنك في شرف حسبه.
فصاحت لويزا: هل ثبت نسبه يا أماه؟
– إذن أنتِ عالمة بحكاية نسبه.
– نعم قرأت تحرير خاله لكِ فسامحيني.
فابتسمت اللايدي بنتن وأمسكت لويزا بيده وأدخلتها إلى القاعة، وقدمتها إلى إدورد وكان إدورد قد دنا منها فقالت اللايدي: قدِّمي يدك يا لويزا إلى خطيبك اللورد إدورد سميث ابن خالكِ، فإنه يستحقكِ بشخصيته أكثر مما يستحقكِ بنسبه.
فتناول إدورد يد لويزا وقبلها وقلبه يَثِبُ في صدره خفوقًا، ثم قالت اللايدي بنتن: إنها الآن خطيبتك يا حبيبي إدورد، وغدًا تكون زوجتك إن شاء الله فقبِّلها يا إدورد وقبِّليه يا لويزا.
فتعانق الحبيبان في العلانية العناق الذي كانا يشتهيانه في الخفاء ويكفهما عن العفاف، ثم صافحت لويزا المستر هوكر فهز يدها والدمع ملء عينيه قائلًا: إني أسرُّ جدًّا يا حضرة اللايدي لويزا أن أرى إلى جنب إدورد الذي ربيته ابنًا وحيدًا لي أبهى نبيلات إنكلترا وأجملهنَّ خُلُقًا وخَلْقًا.
– كنت يا مستر هوكر أبا اثنين، فصرت أبا ثلاثة.
– أشكر لطفك أيتها العزيزة.
عند ذلك قالت اللايدي بنتن: في هذا المساء نتعشى في هذا القصر جميعًا، ونفرح معًا.
فقال إدورد: وسترين يا عمتي المحبوبة ابنة خالي، بل أختي أليس وتسرين بأدبها وجمالها.
– لا ريب عندي أنها تضاهيك في كل محمدة؛ لأنكما غرس يد واحدة.
ثم خرج المستر هوكر، وبقي إدورد في بيت عمته حتى المساء.