وعد بمجهول
ذلك كان شأن إدورد في هوى لويزا، وأما شأنه مع خاله ولا سيما مع أليس فكان على الضد، كانت أليس تلاطفه إلى حد التذلُّل، وتتوسَّل إليه لأجل كل أمرٍ، وتستعطف فؤاده بأساليب لطيفة في خلال أحاديثها معه، ولكنَّ تلك التوسُّلات والاستعطافات كانت تنزل على قلبهِ كالكُحل (السبيرتو) الحاد فتصلِّب عضلاته وأوتاره ومصاريعه، خلافًا لابتسامات لويزا فإنها كانت تنزل في فؤاده كإكسير الحياة.
على أن أليس علمت مع الأيام أن إدورد مشغول بحب مس بنتن؛ لتعدُّد زيارته لقصر كنستن ولاجتماعه المتوالي باللورد روبرت صديقه، فكانت تتَّقد غيرة، ولكنها كظمت غيرتها وتجلدت وواظبت على مُحاسنته آملةً أن سعيه إلى مصاهرة آل بنتن يخفق، فإذا ظلت تحاسنه لا يستصعب العودة إليها بعد الفشل من لويزا.
أما المستر هوكر خاله فلم يدَّخر جهدًا في ملاطفته والبذل له وتقديم كل ما يلاحظ أنه يبتغيه؛ فاقتنى له جوادًا ومركبة، وكان يوصي كل الخدم أن يلبوا أي أمرٍ له، وهكذا لم تنقصه حاجة.
مع كل ذلك كان إدورد في غالب الأوقات كاسِفَ البال في بيت خاله، قليل الضحك والمزاح على غير عادته، وإذا بشَّ ظهر التكلف في بشاشته، لا يسرُّه شيء هناك مهما وُفِّرَتْ دواعي السرور له، نعم لا يُسرُّ إذا لم تكن لويزا أمامه بحيث يجثو فؤاده أمام عرش جمالها، وتسكب من روحها ماء الحياة في قلبه.
لم تغِب على خاله حقيقة حالهِ؛ فتأكَّد أن عين لويزا بنتن سحرت لبَّه، وأن التعاويذ لم تَعُد تجدي شيئًا في ذلك السحر.
افتكر المستر هوكر طويلًا في كيف يرقي قلب إدورد ليرفع عنه تأثير السحر، وجرَّب كل الرقى المألوفة، فرقاه تارة بجمال أليس وطورًا بتدلُّلها، وحينًا بتودُّدِها وآخر بتذللها، وآنًا بالجاه وآنًا بالثروة، فلم تنجع فيه رقية من كل هذه الرقى؛ فقال في نفسهِ: «إذن بقيت رقية واحدة ادَّخرتها إلى هذا الحين، فإن لم تنجع فقد خابت كل آمالي وحبطت مساعيَّ في عشرين عامًا وأزيد.»
وفي ذات صباحٍ استدعى المستر هوكر ابن أختهِ إليهِ وهو في غرفته جالس إلى مكتبهِ، فجاءَ إدورد وقعد على كرسي مقابله ينتظر ما يكون من أمرهِ.
– عزيزي إدورد، ماذا تعتبر نفسك في هذا البيت؟
فنظر إدورد إلى خالهِ مندهشًا مستهجنًا: أعتبر نفسي في بيتي، كذا صحوت من طفوليتي، وكذا بقيت حتى هذه الساعة.
– وكذا تبقى إلى الأبد؛ إذ ليس لي ابنٌ سواك، كما أن لا بنت لي سوى أليس. وماذا تعتبرني بالنسبة لك؟
– عجيب يا سيدي! إذا كنتَ تعدُّني ابنك فماذا أعدُّك غير أبي؟
– هل لاحظت ولو مرة واحدة أني أفضِّل أليس عليك بشيءٍ؟
– كلَّا البتة، ولو لم تقُل لي إنك خالي لما عرفتُك إلا أبي الحقيقي.
– هل ضننتُ عليك بشيءٍ في العشرين سنة التي ربيتك وعلمتك، كما يتعلم أبناء الشرفاء؟
– كلَّا. وهل يضن الأبُ على ابنه؟!
– أتعتقد أني أحبك حب الأب لابنه لا حب الخال لابن أخته؟
– لا شك عندي بذلك.
– أتظن أني أضحي شيئًا من سعادتك لأجل سعادة أليس؟
– ما الذي يدعوك إلى هذا التسآل يا سيدي؟ ألاحظتَ مني شكًّا بعواطفك نحوي؟
– كلَّا وإنما آخذ أقوالك هذه مقدمات أبني عليها حديثي الآتي، فلا تجبني إلا الصدق بكل حرية ضمير؛ وإلَّا فسدت النتيجة التي نسعى إليها، فإن كنت لا تشعر بأنك في بيتي بمنزلة ابنتي تمامًا، وأن مصلحتك عندي تساوي مصلحتها، وأني لا أضحي شيئًا من سعادتك لأجلها، ولا أهمل مصلحتك لأجل مصلحتها فقل.
– كلَّا، بل إني أشعر أني ابنك كما أن أليس ابنتك، ولا أعرف نفسي غير ذلك.
وعند ذاك كان إدورد يقول في نفسه: «ألا يمكن أنه يقف في سبيل سعادتي لأجل سعادة ابنتهِ؟»
– إذن أعرني سمعك وتدبَّر ما أقول، أرى يا عزيزي إدورد أنك في ثورة غرام.
فتدفَّعت عضلات إدورد تحت فعل اختلاجٍ عنيف تدفُّعَ الأمواج تحت فعل الرياح، واكمدَّ وجهه حتى لاحظ المستر هوكر اضطراب بدنه وظلماء محياه؛ فأشفق على عواطفه واستدرك قائلًا: نعم أراك في ثورة غرام، ولكني أعذرك لا أعذلك؛ لأن الغرام جُعل لمن هو مثلك وهو سُنَّة الله في القلوب البشرية، وإذا اقتيد الغرام بمِقوَد التعقل كان سعادة حقيقية لذويه.
فاستبشر إدورد قليلًا عند هذا الكلام، ولكنه بقي يوجس شيئًا من خاتمة العظة.
– أتعلم يا إدورد أن الغرام سبيل إلى الزواج، فإن لم ينتهِ بهِ كان ويلًا على صاحبه؟
– الحق أقول لك إني لا أعلم ذلك، وإنما علمتُ أن الحب ثمرة القلب البشري، ومتى نضج القلب أثمر هذه الثمرة لا محالة.
– نعم الحب حتم على القلب، ولا قلب بلا حب حتى قلب الطفل، ولكنك لم تُصِب في تشبيه الحب مع القلب، أنت تتكلم نظريًّا وأنا أتكلم اختباريًّا، الحب داء في القلب ولا علاج لهذا الداء إلا الزواج.
– لا أراني مقتنعًا بصحة هذه القضية يا سيدي، بل أشعر أن الحب هو هو ولا يشفي المحب منه زواج ولا غيره.
– قد يصعب عليك أن تسلِّم بهذه القضية، ولكني أقولها لك كقضية مسلَّمة عند الجمهور بحكم الاختبار. وأنت معذور الآن لأنك لا تزال خياليًّا في الحب، ولكن هذه الثورة الغرامية التي أنت فيها، وتظنُّها دائمةً تخمد على أثر الزواج حالًا.
– هل ذلك كذلك؟
قال إدورد هذه الكلمة، وأصغى إلى خاله لعله ينتهي بنتيجة ترضيهِ.
– إذا كنتَ قد آمنتَ بهذه القضيةِ — وأقول آمنتَ لأنك لا تسلِّم بلا برهان حسي، والبرهان الحسي هو أن تتزوج وعند ذلك تسلِّم فعلًا — إذا كنت قد آمنت، فهاك قضية أخرى: «لا تكون المحبوبة والمخطوبة واحدةً دائمًا.»
ففتح إدورد فاه مستهجنًا هذا القول.
– يا لله! لم أسمع بأغرب من هذه القضية.
– لا تستغرب. تحب فتياتٍ كثيراتٍ، ولكنك لا تتزوجهنَّ كلهنَّ.
– أَحقيق أن الإنسان يحب غير واحدة؟!
يظهر أن إدورد الشاعر الدارس جاهل في الحب، فكان يظن أن المرء لا يحب في حياتهِ إلَّا شخصًا واحدًا، ولا بدع أن يظن كذلك وهو في أول حب؛ لأن كل مبتدئ في الحب يظن حبيبه الحبيب الأول والآخر، على أن خاله برهن له فساد هذا الوهم؛ إذ قال: نعم يحب كثيراتٍ مع الأيام على أنه لا يحب غير واحدة في الوقت الواحد، وكثيرون من الشبان يتزوجون غير الفتيات اللواتي أحبوهنَّ.
– تعني الخونة في الحب؟
– كلَّا، بل الصادقين الأمناء أيضًا.
– كيف ذلك؟
– ذلك أن التي تحبها إما أنها لا توافقك زوجةً، أو أنها تخونك فتغفلها، أو أنها لا تُمنَح لك لسبب اجتماعي: كأن تكون أشرف أو أغنى منك، أو أن تكون أوضع فتستنكف أن تأخذها زوجة أو نحو ذلك. وإذ تصمم على الزواج تبحث عن فتاة أخرى تلائم حالك وترضي عقلك قبل أن ترضي قلبك، وتوافق مصلحتك لا هواك.
– كل هذا يتعذَّر عليَّ فهمه يا سيدي، وجُلُّ ما أعقله من فلسفة الحب أني إذا أحببتُ أُحِبُّ واحدةً فقط كل حياتي، وأتأكد أنها تحبني، وإذ ذاك لا أسلم أنها تخونني أو تتغيَّر عليَّ، وسواء كنت أرفع منها مقامًا أو أدنى؛ فلا أنا ولا هي نستنكف أن نكون زوجين، وإن قامت في سبيل زواجنا موانع بقينا حبيبين أمينين إلى الأبد بلا زواج. هذا ما أعقله وأشعر بهِ ولا أقدر أن أتحوَّل عن الاعتقاد به.
فسكت المستر هوكر برهةً، وهو يتأمل كيف يقنع إدورد بفساد اعتقادهِ، وبعد هنيهة رفع رأسه ونظر إليه قائلًا: أتظن أني أغشك أو أكذب عليك يا إدورد، أو أني أقصد إغراءَك؟
– لا.
– أتظنني غرًّا قليل الاختبار؟! أترى أني مكابر في مناقشاتي؟
– كلَّا البتة.
– فأنا أكلمك عن اختبار تام، وأقول لك حقيقة راهنة يعتقد بها كل الجمهور، ولسوف تعلمها بنفسك وهي أن الزوجة قد تكون غير الحبيبة، ومتى صارت زوجةً صارت هي الحبيبة الوحيدة إذا كان الزوج ذا مبادئ قويمة.
– عجيب! كيف يحب المرء من يشاء؟! هل الحب تحت أمر الإرادة؟
– منشأ الحب حب النفس، فحيث يكون للنفس مصلحة يتجه القلب بقوة الحب، وفي الزوجة الفاضلة المستوفية كل صفات الزوجية أعظم مصلحة للنفس، فإذا حكَّمت عقلك فقال لك إن هذه الفتاة أفضل لك كزوجة من تلك انصرف حبك عن تلك إلى هذه، وأما إذا استسلمتَ لهواك عميتَ عن مصلحة نفسك طبعًا.
وساد السكوتٌ نحو دقيقتين، وكل منهما يتأمَّل: المستر هوكر يتأمل في ماذا يكون تأثير كلامهِ على إدورد، أيرعوي وينقاد أم أنه يصرُّ على هواه. وإدورد يتأمل في ماذا تكون خاتمة هذه العظة. وفي كيف يكفُّ خاله عن نصحه. ثم استعاد المستر هوكر الحديث قائلًا: أظن أن قلبك في قصر كنستون يا إدورد؟
– نعم هناك مُوْدَع يا سيدي.
فعيرت لهذا الجواب رجَّة تغيُّظٍ في صدر المستر هوكر، ولكنه أخفاها عن إدورد وقال: ونعم المُسْتَوْدَع، لا تظن أنه يُسيئني أن تُودعه مس بنتن يا إدورد، فقد برهنت بإيداعه هناك على كبر نفسك وأنك نشأة علاء ومجد، وما ذهبت عنايتي فيك سدًى، ولكن أتعلم أن حبك لابنة اللورد بنتن أو بالأحرى اللايدي بنتن عقيم ويستحيل أن يثمر، وأن خاتمتهُ الهوان لك؟
– أما أنه عقيم فأعلم، وأما أن عاقبته الهوان فلا أظن.
– بماذا تظنُّ هذا الحب ينتهي؟
– لا أدري.
– أنا أدري، إذا لم ينتهِ بزواج فلا بد أن ينتهي بخِذلان، وبما أنه لا يُنتظر أن اللايدي بنتن تنزل عن كبريائها، وترضى أن تزوِّج ابنتها لغير لورد مهما كان غنيًّا فلا بد أن تشعر يومًا من الأيام بصلة الهوى التي بينك وبين ابنتها؛ فتخذلك بل تخزيك بل تطردك من منزلها طردًا.
عند ذلك ابتدأ إدورد يشعر باشمئزاز من خاله ويحس بمثل الكره لهُ، واستتم هذا كلامه قائلًا: وإلا فماذا تظن نهاية حبكما تكون؟
– لا أظنهُ ينتهي في هذا العالم ولا في الآتي.
فضحك المستر هوكر وهزَّ رأسهُ قائلًا: وهل تقنع بهذا الحب العقيم؟
– قانع ومسرور.
– أتظنك تثبت عليه إلى نهاية الحياة؟
– من غير شك.
فضحك المستر هوكر جدًّا وقال: أعذرك يا بنيَّ فإن علم المدارس غير علم الزمان أصغِ إليَّ يا إدورد فإني أحبك جدًّا. أحبك حبًّا أبويًّا. اعصِ هواك في هذه الساعة، وعد إلى عقلك وحده؛ فتجد أني أبتغي لك السعادة الدائمة.
وأما إدورد فكان يستقبل هذا الكلام كما يستقبل الصخر الصلد نقط المطر، تقع عليهِ وتتزحلق عنه، وأما خاله فاسترسل في كلامه: دعني أكلمك بحرية ضميري ما دمتَ مقتنعًا أنك وأليس متساويان عندي في كل اعتبار. اعلم أني ربيتك أنت وابنتي معًا، واعتنيت بكما عناية واحدة، وجمعتُ ثروة كبيرة على قصد أن تتمتعا بها معًا، وهيَّأت لكما مجدًّا لم تحلما بهِ ولا خطر على بال أحدٍ من الناس. أما المال فلابنتي بحكم الشريعة؛ لأنها هي الوارثة الوحيدة لي، ولكني أقسمه بينكما مناصفة على أي حالٍ، وأما المجد — انتبه لهذا المجد — الذي أعددته لكما فهو لكما معًا متحدين وهو عدم إذا كنتما منفصلين.
ثم جذب المستر هوكر «دُرجَ» المكتب إليه، وتناول منه «حقيبة زرقاء» صغيرة وقال: لا تظن هذا المجد الذي أكلمك عنه شيئًا موهومًا البتة، بل هو شيءٌ حقيقيٌ مخبوءٌ لكما في هذه الحقيبة.
فنظر إدورد إلى الحقيبة وهي في يد خاله بعين الاستغراب، وقال في نفسهِ: «مهما احتوت هذه الحقيبة فلا تغرُّني.» ولم ينبس ببنت شفة، ولا اهتم أن يعلم ما فيها؛ لأنه يضحي كل شيءٍ في سبيل حبه للويزا، فلو كان في تلك الحقيبة تاج الإسكندر لرفسها برجله، وقال: «حب لويزا أمجد.» ولهذا ما اكترث بها، ثم استمر خاله في حديثه: ولعلك تودُّ أن تعلم ما في هذه الحقيبة فلا تطمع بذلك الآن؛ لأن مفتاح سرها قرانكما لا سواه.
قال المستر هوكر هذا الكلام وقد تجرَّد من لهجة الانعطاف، فأجابه إدورد على الفور: دعها إذن مقفلةً.
فنظر المستر هوكر إلى إدورد بعين الاستغراب، وفي نظرتهِ ظلٌّ من السخط ضعيف جدًّا.
– لا تزدرِها يا إدورد، فإن المجد المخبوء لا ولأليس فيها لا يقل قط عن مجد اللايدي بنتن.
فقال إدورد في نفسه: «ومهما يكن هذا المجد، فما هو إلَّا قتام لدى سنا لويزا.» وبقي صامتًا.
وبعد سكوت هنيهة قال المستر هوكر: أنت مخيَّر الآن بين أمرين يا إدورد: إما هوانٌ دائم بحب ابنة اللورد بنتن بل خِذلان قريب على ما أظن، أو مجدٍ سَنِيٍّ جدًّا بزواجك من أليس.
– أُؤثر الهوان.
فنظر فيه المستر هوكر شزرًا وكاد ينتهره ولكنه امتلك خلقه.
– لا تظنني أعرض ابنتي عليك لأني لا أجد لها كفؤًا، وإنما أعرض عليك مجدًا لا يكون إلا بقرانك بها.
فكان إدورد يسألهُ «ما هذا المجد؟» ولكنه لم يكن يرضى بشيءٍ حتى ولا بالملكوت الأرضي بدل حب أليس، فألجم لسانه عن هذا السؤال لكي يقصر الحديث وينتهي من هذه العظة العقيمة.
– اعلم جيدًا يا سيدي أن أليس تجد كثيرين أكفأ مني لها يتمنون يدها.
– أتطمع بزوجة أفضل منها؟
– كلا، ولا بمثلها.
– إذن لماذا لا تقبلها زوجتك، وتقبل معها مجدًّا عظيمًا؟
– هذا فوق طوقي يا سيدي.
– أليس تحبك جدًّا يا إدورد.
– وأنا أحبها ولكن كأختي، كذا رُبِّينا معًا.
وبعد سكوت قصير قال المستر هوكر: ألا تتأمل المسألة جيدًا، فعساك ترعوي وتؤثر نصحي؟
– تأملتها كثيرًا قبل الآن، وكنت كلما تأملت أصِل إلى نتيجة واحدة، وهي أن أليس أختي لا أقدر أن أكون زوجها.
– بل تأمل في الأيام المقبلة فتجد أني أقصد سعادتك يا إدورد، اذكر هذه الحقيبة الزرقاء واعتقد أني صادق بقولي فلا أغريك ولا أخدعك.
– لا أشك بصدق قولك، ولكني لا آمل أن أجبل فؤادي جبلة ثانية.
– إذن تُصِرّ على هواك؟
– فتنهد إدورد، وكاد الدمع يطفر من مقلتيه.
– نعم لأن ما تبتغيه فوق قدرتي، فاعذرني.
– إذن ضاعت كل آمالي فيك، بل ذهبت كل عنايتي سدًى. ولو لم يكن فيما بذلته عليك نفع لك لندمت على ما فعلت لك، على أني لا أزال آمل أن تثوب إلى رشدك متى خذلوك.
ثم نهض المستر هوكر وهو لا يملك غضبه، وقد طلعت على جبهته غمامة من السخط قاتمة، ثم ذهب إلى معمله وترك إدورد والحزن يقطِّع في فؤاده، وهو يأكل أصابعه لوقوعه في أزمة شديدة، وصار يفكر في مخرج منها فلم يجِد، وأصبح منذ ذلك الحين يوجس خيفة من خاله.
وكان كل هنيهة ينظر إلى الساعة لأنه كان ينتظر العصر للقائه بلويزا على ظهر جوادها مع أخيها في الطريق إلى مونتمار.