حريته
بقَصرِه الصَّغير جَنَّةٌ من الفُل، الورد البلدي، الياسمين بجميع فصائله، محاط — القصر — بسياجٍ عالٍ من أشجار البَان والتمر هندي، زاهيات أشجار الواشنطونا، معلَّقة عليها مرجيحة القيلولة.
تنبعث موسيقى «شوبان» من بين خُصلات زهور النرجِس والجهنمية عبر سماعات دقيقة مخفية بحنكة، خلف أذنه اليسرى، يحتفظ بعود من الصَّنْدل موثق بختم «التأميل» البارز.
تقرأ صبيتان حسناوتان ذاتا صوتين عذبين وضفائر مسدلة على كتفيهما العاريين الناعمين، غزليات «فروغ فرخذاد»، بينما تدلِّك آنسة سمراء ساحرة ظهرَه بعطر «الكلونيا» وزيت الصندل، تسقيه وقتما يشاء كئوسَ الخمر البلدي بالقرنفل، وعبر أنابيب صغيرة محقونة بين أغصان شجيرات البرتقال والتين الشوكي والليمون تصله نسيمات مدفوعة بجهاز خاص، ينفح عند القيلولة في صدر الحديقة وحول المرجيحة نسمات محمَّلة بعبق غابات المانجو الاستوائية، مصحوبة بزقزقة طيور «الكلج كلج» و«القمري».
كان صدر الصبية السمراء، وهي تدلِّك بطنه، يكاد يلامِس وجهه، لاحَظَ أن نهدَيْها نَمَوَا بسرعة لا تُعقَل في الآونة الأخيرة، وأنها تفتعل الالتصاق بجسده، ثم أخذ يفكِّر بجدية في أمور شتَّى صغيرة وناعمة، نام قبل أن يسمع المقطعَ الأخير من قصيدة «فروغ فرخذاد».
أفكِّر، أعلم أني لا أملك المقدرةَ على مفارقة هذا القفص.
حتى ولو شاء سجَّاني، لم يَعُدْ فيَّ رمقٌ أطير به.