الشياطين، فرقةٌ موسيقية!
المفاجأة التي كانت في انتظار الشياطين هي نزولهم للعمل في ملهى «إيطاليانا» في روما، جاءت المفاجأة عندما اتصل بهم عميل رقم «صفر» في روما، وأخبرهم أنهم من الغد سوف يعملون في ملهى «إيطاليانا»، وأنَّ عليهم اليوم أن يذهبوا إلى الملهى لإجراء البروفة، كانت مفاجأةً حقيقية، جعلَتهم يضحكون طويلًا، إنهم يعملون تحت اسم «ستانا جروب» أو «مجموعة الشياطين».
قالت «إلهام»: إنها مفاجأة رائعة!
ردَّ «خالد»: هذه أوَّل مرة، سوف أقف فيها عازفًا أمام الناس.
أضاف «باسم»: أعتقد أننا سوف نحقق نجاحًا!
في النهاية قال «أحمد» ضاحكًا: إنها بالنسبة لي لم تكن مفاجأة؛ فقد كنتُ أعرف أنَّ الزعيم سوف يتصرف بهذا الأسلوب!
قال «مصباح»: المهم الآن، هو البروفة التي سوف نجرِّبها!
ردَّ «أحمد»: هذه مسألة طبيعية، فمن الضروري أن نرى المكان، وأن نُجرِّب الميكروفونات، وأن نألفَ المسرح الذي سوف نقف عليه، في نفس الوقت نتعرف على صاحب الملهى، والعاملين فيه.
قبل الغروب كان الشياطين أو «ستانا جروب» يستقلون تاكسيًا إلى حيث ملهى «إيطاليانا»، وهناك كان مدير الملهى في انتظارهم … قال المدير: إن هذه تجربةٌ مجرد تجربة، حتى نرى.
ابتسم «أحمد» وقال: نرجو أن نوفق، وأن يكون لنا شرف العمل في إيطاليانا!
أضيئَت أضواء الصالة، ووقف فريق «ستانا» يعزف، وأمامه «إلهام» للغناء. نظر «أحمد» إلى المجموعة ثم همس: موسيقى الشياطين!
بدأ العزفُ، قدَّم «أحمد» أولًا عزفًا منفردًا على الجيتار، ثم صاحبَه الإيقاعُ في حوارٍ موسيقيٍّ، ثم اشترك الآخرون في تقديم المقطوعة الموسيقية «ستانا» أو الشياطين، وعندما انتهت الفرقة من عزفها، امتلأت الصالة بالتصفيق؛ فقد اجتمع العاملون في الملهى كلهم، وتقدَّم المدير يُحيِّي كلَّ فرد في الفرقة، ثم قال ﻟ «أحمد»: هذه أول مرة أسمع فيها موسيقى بهذه العذوبة.
ثم أضاف قبل أن يشكره «أحمد»: إنكم عازفون في غاية المهارة، وسوف تحققون نجاحًا هائلًا.
شكره «أحمد» إلا أنَّ مدير الملهى قال: إن في موسيقاكم طعمًا شرقيًّا، يجعل الموسيقى بديعة، بجوار أنَّ لها شخصيةً مميزة.
صمت لحظةً ثم سأل: هل عملتم في ملاهٍ أخرى من قبل؟
أسرع «أحمد» يقول: عملُنا في «نيودلهي»، «وسنغافورة» و«طوكيو».
قال الرجل باسمًا: لهذا، فإن الشخصية الشرقية واضحة تمامًا في موسيقاكم!
ثم أضاف: هل تبدءون من الليلة؟
ابتسم «أحمد»، وقال: نفضِّل أن نبدأ غدًا، فقط.
ثم لم يُكمل كلمتَه، فقال المدير بسرعة: فقط … ماذا؟
ابتسم «أحمد» قائلًا: أن نحضر الليلة حتى نكون أكثر ألفة للمكان.
ضحك المدير وقال: بالتأكيد، وأنتم مدعوون الليلة دعوةً خاصة، وسوف يسعد بكم السيد «باولو» جدًّا!
قال «أحمد» باسمًا: أظنه صاحب الملهى.
قال المدير: تمامًا، لكن لم أسمع الآنسة بعدُ.
ابتسم الشياطين، وقالت «إلهام»: أنت لم تعطني الفرصة!
ضحك المدير طويلًا، ثم قال: هذا صحيحٌ، هل يُمكن أن نسمع شيئًا؟
نظر «أحمد» إلى الشياطين، فاستعدوا، في الوقت الذي عاد فيه المدير إلى مقعده، أشار «أحمد» بالعزف، وبدأت «إلهام» الغناء، كانت تُغني «سوف نلتقي غدًا»، كان صوتها دافئًا، وكأنه يأتي من زمن بعيد، كانت الأغنية تتحدث عن الذكريات القديمة، وأول لقاء، ثم السفر، وأخيرًا العودة للقاء، كان المدير يجلس شاردًا؛ فقد أثَّر صوتُ «إلهام» فيه بجوار كلمات الأغنية، وعندما انتهت «إلهام» من الغناء، لم يُصفق أحد، كانت «إلهام» تنتظر التصفيق. نظرَت إلى «أحمد» الذي ابتسم وهو يقول: لقد كنتِ رائعة، بل أكثر من رائعة!
فجأة، ضجَّت الصالة بالتصفيق، وأسرع مدير الملهى إلى حيث الشياطين، وقف أمام «إلهام»، وأحنى رأسه وهو يقول: إنني لا أجد الكلمات التي أعبِّر بها عن …
ولم يُكمل المدير جملته. ابتسمَت «إلهام»، فأكمل المدير: عندما انتهيتِ من الغناء، كنتُ في مكانٍ آخر بعيد عند شاطئ المحيط الأطلسي؛ فقد كنتُ مُجندًا في البحرية، وكنتُ هناك أعيش نفس تلك المشاعر؛ ولذلك لم أكن في حالةٍ تسمح لي بالتصفيق، وأظن أنَّ الآخرين كانوا مثلي!
شكرَته «إلهام» لهذه الرقَّة المتناهية في التعبير عن مشاعره، فقال: أعتقد أنني سوف أعيش أيامًا جميلة، عندما أسمعك هنا كلَّ ليلة!
وانصرف الشياطين، على موعد للسهرة، وعندما عادوا كان المدير أيضًا في انتظارهم، لكنه لم يَدْعُهم للدخول، فقد دعاهم لمقابلة صاحب الملهى، السيد «باولو»، وكان «باولو» رجلًا في سنِّ الخمسين من العمر، شعره أبيض كالثلج، وجهُه أوروبيٌّ تمامًا، تبدو الابتسامة وكأنها جزءٌ من وجهه، خفيض الصوت، هادئ النبرات. عندما دخلوا مكتبَه الفاخر، قال بابتسامة ودودة: لقد حدثني «مانسيني» عنكم حديثًا يجعلني في شوق لسماعكم. إن فرقة الملهى تعتبر واحدةً من أحسن الفِرَق التي تعزف في إيطاليا كلِّها، لكن «مانسيني» قال إنكم شيءٌ آخر تمامًا.
صمت لحظةً، ثم قال: أنتم مدعوون دعوةً خاصة الليلة، وأرجو أن تستمتعوا بليلتكم جيدًا، قبل أن تعملوا في الغد!
شكره «أحمد»، فنادى «باولو» مدير الملهى «مانسيني»، وهو يقول: إنهم مدعوون على مائدتي الخاصة!
في الوقت الذي كان فيه «باولو» يتحدث إلى فرقة الشياطين، كان «مصباح» و«بو عمير» يرصدان المكتب جيدًا، ويحاولان حفظَ تفاصيله. قال «مانسيني»: تفضلوا!
قال «باولو»: سوف أقضي جانبًا من السهرة معكم!
ثم ابتسم قائلًا: أظن أنَّ هذه تقاليد الشرق!
ابتسم الشياطين، بينما كان «باولو» يضيف: ومَن يدري قد تكون لنا مشروعاتٌ أخرى!
تقدم «مانسيني» المجموعةَ في الطريق إلى داخل الملهى. كانت هناك طرقة طويلة تبدو مظلمة قليلًا … فتُعطي إحساسًا بالانقباض، وعلى مسافات متباعدة كان يقف بعض الرجال، ولكثرة عددهم فقد لفتوا نظر الشياطين، حتى إن «إلهام» لم تستطع الانتظار، فسألت «مانسيني»: هؤلاء حراس الملهى؟!
ابتسم «مانسيني» وهو يُجيب: نعم، وأظنكم سمعتم عن عمليات الاغتيال الدائمة هنا.
ثم أضاف مبتسمًا: نحن في بلد المافيا.
برغم أنه كان مبتسمًا وهو يتحدث، إلا أنَّ إحساسًا مناقضًا كان ينتاب «أحمد» في هذه اللحظة … لكنه لم يعلِّق بشيء. كان يُفكر: ماذا يقصد «باولو» بالمشروعات الأخرى، هل يقصد شيئًا آخر غير الغناء؟ لكنه طرد هذه الأفكار من رأسه وهو يقول لنفسه: ينبغي أن أستمتع بالليلة، حتى لا أكونَ مختلفًا عن الآخرين. وصلوا إلى الصالة التي كانت مزدحمةً بالرواد، وكان الدُّخان يُعطي الصالة لونًا رماديًّا. في نفس الوقت كانت رائحته تكادُ تُدير الرأس، خصوصًا مع الشياطين، الذين يرفضون انحراف الشباب واتجاههم نحو التدخين، غير مهتمين بمضارِّه على الصحة والقلب وأجهزة التنفس.
حول مائدة مستديرة، في جانب متقدم من الصالة، وقف «مانسيني» وهو يُشير إليهم: هذه مائدة السيد «باولو» الخاصة.
أخذ كلٌّ منهم مكانه. كان الموقع ممتازًا فعلًا، يستطيعون من خلاله أن يروا الصالة جيدًا، بجوار مشاهدة الفقرات الفنية على المسرح. قال «مانسيني» وهو ينحني: الآن أستأذنكم.
ثم ابتسم وأضاف: أنتم ضيوف الليلة، ومن الغد، سوف تصبحون من موظفي الملهى!
ثم انصرف ولم تمرَّ دقيقة، حتى كان أحد الجرسونات يقترب مسرعًا في اهتمام. وعندما وصل إليهم انحنى، وهو يقول: إنني سعيدٌ بوجودكم، لقد استمتعتُ بكم تمامًا في بروفة اليوم، اسمي «كاتو»، وأرجو أن أكونَ في خدمتكم، ماذا تطلبون؟
طلبوا مثلجاتٍ، فابتسم وهو ينصرف. همس «بو عمير»: إن مكتب «باولو» يحتاج زيارة أخرى!
قال «أحمد»: أظنُّ أننا سوف نزوره كثيرًا.
ثم تساءل بسرعة: ولماذا يحتاج إلى زيارة أخرى؟
قال «بو عمير»: إنه ليس مكتبًا عاديًّا، بالإضافة إلى أن المعروف عن هذه الملاهي أنَّ لها دائمًا دورًا آخر!
قال «أحمد»: ولهذا نحن نعمل هنا، إنها ترتيبات رقم «صفر»!
فجأة، جاء صوت المذيع يُعلن عن بداية البرنامج، ولم تمرَّ دقائق، حتى ظهرَت فرقةٌ غنائية وأخذَت مكانها أمام الرواد، فتعالَت الصيحات من كل مكان، وصاح أحد الحاضرين يقول: مساء الخير أيها العازف العظيم «ماتي»! رفع «ماتي» يدَيه يُحيِّي الصالة التي ارتفعَت فيها الصيحات مرة أخرى، وهمس «أحمد»: هذا إذن هو العازف الكبير.
اتجهَت أعين الشياطين إلى الفرقة، وفكر «أحمد»: ترى، ماذا خلفك أيها العازف الكبير!