دعوة إلى ضيعة «باولو»!
عندما بدأ «ماتي» العزف على جيتاره الأبيض، كان بارعًا فعلًا، قدَّم عزفًا منفردًا في البداية … وعندما انتهى تعالَت الصيحات في الصالة، وتناثرت الأوراق المالية حوله في كل مكان، ولم يستطع «أحمد» ولا بقية المجموعة أن يُخفوا إعجابهم به، فصفقوا هم أيضًا، لكن فجأة، ظهر مدير الملهى ووقف أمام الفرقة، ثم أمسك بالميكروفون، وأعلن فيه: إن إعجابنا ﺑ «ماتي» إعجابٌ لا ينقطع، ولكن اسمحوا لي أن أقدِّم لكم مفاجأة.
انتبه الشياطين وتعالَت الصيحاتُ، فقال «مانسيني» مدير الملهى: إنَّ بين ضيوف الملهى الليلة عازفًا متميزًا أتمنى أن يتقدَّم!
وما إن انتهى من كلمته حتى سقط الضوء فوق «أحمد»، الذي أخذَته المفاجأة للحظة، وهمس «خالد»: إنها مفاجأة غير متوقعة!
قالت إلهام: ينبغي أن تلبِّيَ الدعوة سريعًا!
قال «باسم»: أخشى أن يكون خلف الموقف شيءٌ آخر!
همس «أحمد» مبتسمًا: لا بأس.
ثم وقف فضجَّت الصالة بالتصفيق. أخذ طريقه إلى الفرقة، واتجه مباشرةً إلى «ماتي» وقال له: لقد كنتَ بارعًا جدًّا، وأمتعني عزفُك كثيرًا!
شكره «ماتي» ثم قال: هل تعزف على جيتاري؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنه تحفةٌ وليس جيتارًا فقط، هل تأذن لي؟
قدَّم له «ماتي» جيتاره الأبيض، ثم تراجع إلى الخلف. ضبط «أحمد» أوتارَ الجيتار، ثم بدأ العزف. كان يشعر أنه أمام امتحان حقيقي، لكنه في نفس الوقت كان يعرف كيف يمكن أن يجتازَه، هدأت الصالة تمامًا، بينما استغرق هو في العزف، كانت عيناه تمسح المكانَ جيدًا، حتى إنه استدار في لحظة، ونظر إلى «ماتي» الذي ابتسم ابتسامةً عريضة، ورفع يدَه علامة التشجيع، كان الشياطين يجلسون في تحفُّز. شيءٌ ما كان يبدو في المكان، فيجعل منه ملجأً للخارجين على القانون، كان ذلك مجرد شعور يسيطر على الشياطين؛ فأي إنسان آخر كان يمكن أن يرى المكان، مجرد مكان عادي للسهر، لكن الشياطين بحواسهم المدربة، والتي تصدق معهم دائمًا، كانوا يرَون المكان بشكل مختلف، خصوصًا منذ ظهر «ماتي» وفرقته. كان رجال كثيرون منتشرين في جوانب الصالة، ولم يظهروا إلا عندما سقط الضوء على «أحمد»، قبل أن يتقدم للعزف، نظر «خالد» حوله في هدوء ثم همس: لقد ازداد عدد الرجال أكثر!
همس «بو عمير»: هل تعتقد أن هناك ما يدعو لذلك!
أجاب «خالد»: مَن يدري، إنَّ مثل هذه الأماكن لا يكون فيها شيء آمن!
كان «أحمد» قد استغرق في العزف، وعرف الشياطين أنه يصل الآن إلى نهاية التقاسيم التي يعزفها على الجيتار، وعندما انتهى العزفُ، اشتعلت الصالة بالتصفيق بشكلٍ جنوني، ثم فجأة، دوَّت طلقات الرصاص في سقف الملهى، لم يتحرك الشياطين من مكانهم، بينما استمرت الطلقات، لكن لم تكن هناك إصابة ما، في نفس الوقت، كان الشياطين قد وضعوا أيديَهم فوق أسلحتهم السرية، في انتظار أن يحدث أيُّ شيء، وكان «أحمد» قد ألقى نظرةً سريعة على «ماتي» عندما انطلق الرصاص، فلم يجد على وجهه سوى ابتسامةٍ هادئة. تقدَّم «ماتي» من «أحمد» وشدَّ على يده مُهنئًا، ثم قال: أنت عازفٌ ماهر جدًّا، والمهم هو هذه الموسيقى الغريبة والجميلة التي سمعتُها!
شكره «أحمد» الذي كان لا يزال يفكر في عملية إطلاق الرصاص. همس «ماتي»: إنها مجرد تحية!
رسم «أحمد» تعبيرَ الدهشة على وجهه، فقال «ماتي»: إنها طلقاتُ اختبار وليست طلقاتٍ حقيقيةً، وهو تقليدٌ للتعبير عن الإعجاب!
ابتسم «أحمد» ابتسامةً عريضة في الوقت الذي ارتفعَت فيه الأصوات، تطلب إعادةَ العزف. فجأة ظهر «مانسيني» وأمسك بالميكروفون، وقال: منذ الغد، سوف ينضم السيد «بورو» وفرقته للعمل في إيطاليانا.
لكن الهتافات تزايدت: نريد أن نسمع السيد «بورو» مرةً أخرى.
وتعالَت صيحاتٌ أخرى: وفرقته أيضًا.
فجأة ظهر «باولو» صاحب الملهى، كان يقف في وسط الصالة، لكن الغريب هو أنَّ الصالة فجأة غرقت في الصمت، ولم تكن تسمع كلمة واحدة، نظر الشياطين إلى بعضهم، وهمست «إلهام»: إنها لحظةٌ غريبة!
وهمس «باسم»: لا بد أن رواد الملهى يعرفون «باولو» جيدًا!
مرَّت دقائقُ صامتة، ثم قال «باولو»: إنَّ السيد «بورو» وفرقته غير مُستعدين الليلة، ونحن نشكره على تحيته عندما عزف لكم، وغدًا … سوف يكون في انتظاركم، فأرجو أنَّ نُعفيَه الليلة، وهذا حقُّه.
أعاد «أحمد» الجيتار إلى «ماتي» وهو يشكره، ثم أخذ طريقَه إلى حيث الشياطين. صفقت الصالة طويلًا ﻟ «أحمد» وهو يمرُّ بين الرواد، حتى انضمَّ إلى الشياطين وعندما جلس، بدأت فرقة «ماتي» في الغناء. اقترب «مانسيني» من «أحمد»، ثم انحنى يهمس في أذنه: السيد «باولو» يُريدك في مكتبه لدقائق!
هَزَّ «أحمد» رأسَه ثم نظر إلى الشياطين، ثم سار خلف «مانسيني» إلى حيث مكتب «باولو»، لكنه هذه المرة لم يتبع نفس الطريق الذي دخل منه؛ فقد مرَّ من خلال عدة أبواب متلاحقة، ثم وجد نفسه أمام «باولو». نظر «باولو» إلى «مانسيني» فانصرف مباشرة. قال «باولو»: لقد حققتَ نجاحًا سريعًا، حتى قبل أن تعمل!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: هذه مجاملةٌ طيبة يا سيدي.
مرَّت لحظةٌ قبل أن يقول «باولو»: أنت مدعو يا عزيزي «بورو» إلى رحلةٍ نهارية مع فرقتك في ضيعتي الخاصة.
ابتسم «أحمد» وقال: هذا شرفٌ عظيم يا سيد «باولو»!
قال «باولو»: سوف يمرُّ عليكم «مانسيني» في فندق «الجراند أوتيل» في العاشرة صباحًا، هل هذا موعد مناسب؟
برغم أنَّ «أحمد» ملأَته الدهشة، إلا أنه ابتسم وقال: بالتأكيد يا سيدي!
قال «باولو» مبتسمًا: إذن … إلى اللقاء، وتستطيع أن تنصرف أنت والأصدقاء في أي وقت.
ثم ابتسم وأضاف: أعرف أنك قد لا تستطيع العودة إلى الصالة، ولكن اتبع الباب المفتوح، وسوف تجد نفسك هناك.
حيَّاه «أحمد» وما كاد يلتفتُ حتى فتح الباب. خرج فانغلق الباب مباشرةً، ثم فجأة فُتح بابٌ آخر، مرَّ منه فانغلق، ثم فُتح بابٌ ثالث، فإذا به في مواجهة الصالة مباشرة. ابتسم فقد فهم أنه في مكانٍ غير عادي. انضم إلى الشياطين في نفس الوقت الذي كانت فرقة «ماتي» تقدِّم عرضها، جلس في صمت.
فهمست «إلهام»: ماذا هناك؟
ابتسم وهو يدقُّ على المائدة دقَّاتٍ فهمَتها، فصمتَت … ظل «أحمد» يتابع «ماتي» وهو يعزف، ثم وهو يغني، كان يمتلك صوتًا دافئًا قويًّا، عندما نظر «بو عمير» في ساعته، كانت قد تجاوزَت منتصف الليل بساعة. دقَّ على المائدة دقاتٍ فَهِمها «أحمد»، فردَّ عليه بنفس الدقات. كانت الفرقة قد توقَّفت عن الغناء.
فهمس «أحمد»: هيَّا هذه فرصةٌ مناسبة للانصراف!
غادر الشياطين الملهى، وودَّعهم «مانسيني» حتى الباب، وهناك كانت سيارة أنيقة بيضاء في انتظارهم، هي سيارة «باولو». تقدَّم السائق منهم، وانحنى يُعلن أنه في انتظارهم لتوصيلهم إلى الفندق حسب أوامر السيد «باولو». ركب الشياطين، فانطلقت بهم السيارة في الليل الهادئ إلى حيث يقع «جراند أوتيل». وعندما وصلَت السيارة، انصرفوا مباشرةً، في حين كان «أحمد» يُعطي السائق بعض النقود، لكن السائق ابتسم وهو يشكر «أحمد»، ويُعلن أنه لا يستطيع أن يأخذ منهم نقودًا، ثم انصرفَت السيارة … وظلَّ «أحمد» واقفًا يرقبها حتى اختفَت، وعندما انضمَّ إلى الشياطين في غرفة «بو عمير»، كانت هناك أسئلة كثيرة تفرض نفسها عليهم.
قال «مصباح»: أظنُّ أننا دخلنا مكانًا غريبًا؟!
قال «أحمد»: بدايةً إنني أقترح أن نُرسل رسالة إلى رقم «صفر»، نشرح له كلَّ التفاصيل التي حدثَت الليلة، خصوصًا تلك الدعوة التي تنتظرنا غدًا في ضيعة السيد «باولو».
علَت الدهشةُ أوجهَ الشياطين، وقال «بو عمير»: متى كانت هذه الدعوة؟
أجاب «أحمد»: عندما ذهبتُ إلى مكتبه، وأظن أنها دعوةٌ غير بريئة!
قالت «إلهام»: إذن فإن رسالةً إلى الزعيم تصبح ضرورية.
وبسرعة أحضر «بو عمير» جهازَ الإرسال الصغير، ثم أخذ «أحمد» يُرسل رسالةً شفرية إلى رقم «صفر»، يشرح له فيها كلَّ ما حدث، منذ إجراء البروفة في الملهى وحتى عودتهم إلى الفندق بسيارة «باولو»، كانت رسالة طويلة، وكان يقطعها ردود سريعة من رقم «صفر»، يقول: استمر، ثم ماذا؟ حتى انتهَت. ثم جاءت رسالةٌ سريعة من الزعيم ردًّا أوليًّا، يقول: «سوف يأتيكم الردُّ حالًا».
كان الشياطين في حاجة إلى احتساء شيء ساخن. قامت «إلهام» وطلبت شايًا للمجموعة، وعندما عادت، كان الشياطين يجلسون في حالة صمت. كان كلٌّ منهم غارقًا في أفكاره؛ فاليوم كان مشحونًا جدًّا، بجوار أنَّ توقعاتِهم فتحَت أمامهم طُرقًا كثيرة، مُثيرة ومميزة. فجأة دقَّ جهاز الاستقبال، وكانت رسالة رقم «صفر» في الطريق، كانت رسالة طويلة هي الأخرى، ظلَّ «أحمد» يفك رموزها الشفرية، وعندما قرأها أمام الشياطين، ظهرَت الدهشة على وجوههم، ولم تستطع «إلهام» أن تصمت، فقالت: إذن نحن في الطريق الصحيح.
هَمَسَ «أحمد» مبتسمًا: لقد كنت متأكدًا أنَّ رقم «صفر» قد أعدَّ كلَّ شيء جيدًا، وأنَّ عملاءَه هنا في إيطاليا قد توصلوا إلى بداية الخيط!
وقف «أحمد» وهو يقول: إلى اللقاء غدًا؛ فأمامنا دعوةٌ هامة!
ضحك الشياطين وانصرفوا كلٌّ منهم إلى غرفته، فغدًا سوف يبدءون صراعًا آخر.