انفجار الطائرة!
من شُرفة فيلَّا بالدور الرابع عشر لأحد الأبراج المُطِلة على نيل «المعادي» … أطلق رقم «صفر» رسالةً إلكترونية … التقَطها قمَر المنظمة الاصطناعي … وأعاد بَثَّها إلى ثلاثة عشر جهاز استقبال مزوَّدةً بها ثلاث عشرة ساعةَ يدٍ … يرتديها ثلاثة عشر شابًّا وفتاة هم الشياطين اﻟ «١٣».
كانت «ريما» و«إلهام» تعملان سويًّا لإنشاء برنامج إلكتروني للتدريب المنطقي المتواصل … عندما شعَرَتا بوخز في رُسغَيهما من ساعة يدهما … التفتَت «ريما» تضغط بعض الأزرار قبل أن تقول «إلهام»: إنها رسالة من رقم «صفر».
التفتَت «إلهام» إلى ساعتها وضغَطَت هي الأخرى بعض الأزرار ثم قالت: إنه يطلبنا الآن في الموقع «ن. م».
ريما: الرمز على الرسالة يقول: إنها أُرسِلَت لكل الزملاء.
إلهام: فلنُغلِق الكمبيوتر ونتحرَّك.
وفي هذه اللحظة انطلقَت الموسيقى من تليفونها المحمول … وبالنظر إلى شاشته عرفَت أنه «أحمد» … فضغطَت زر الاستجابة وقالت: أهلًا يا «أحمد» … هل وصلتكَ الرسالة؟
أحمد: إني أتصل بكِ لأجلها … هل عندكِ تفاصيل؟
إلهام: لا أعرف أكثر من موقع اللقاء … وهو نقطة المتابَعة على نيل «المعادي».
أحمد: لقد تم إرسال الرسالة إلى كل الشياطين.
إلهام: لقد عرفتُ ذلك من الرمز.
أحمد: إذن نلتقي هناك.
إلهام: إلى اللقاء.
كاد «عثمان» يفقد صيده الوفير الذي حصَل عليه مِن صَبْر خمسِ ساعاتِ جلوس أمام مياه البحر الأبيض على شاطئ «العريش» … عندما وخزَتْه ساعة يده … فقد كان مُمسكًا بحقيبة من القُماش ممتلئة بالأسماك … وكاد يتركها ليتلقى الرسالة التي كانت تحمل نفس الأمر الذي وصل للشياطين، وهو: التفُّوا حول «ن. م».
ففَهِم أنهم مطلوبون جميعًا في مقرهم على نيل «المعادي».
وضَع «عثمان» ما اصطاده في الثلاجة المحمولة … ثم وضَعَها في سيارته «الجراند شيروكي» … وانطلَق بعدها على طريق الكورنيش حتى فندق «قويدر» … انحرف يسارًا مارًّا بجوار الفندق خارجًا إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى الطريق الدولي … وهنا أمسَك بتليفونه المحمول وقام بالاتصال برقم «صفر» الذي جاوَبَه قائلًا: أهلًا «عثمان» … هل يمكنك الانتظار … فمعي مكالمة؟
ابتسم «عثمان» وقال له: طبعًا يا زعيم … سأتصل بك ثانية.
رقم «صفر»: لا، بل سأطلبك أنا.
ولم تمضِ دقائق إلا وكان رقم «صفر» يطلبه … وما إن رأى رقمه على شاشة صغيرة بتابلوه السيارة … حتى ضغط زرًّا بجواره، وتلقى المكالمة قائلًا: أهلًا يا زعيم.
رقم «صفر» أين أنت الآن؟
ضغط «عثمان» زرًّا ليضبط المراية الجانبية وهو يقول: أنا على أوَّل طريق «العريش» الدولي القادم إلى «مصر».
رقم «صفر»: أنا أحتاجكم هنا فورًا.
عثمان: سأبذل قُصارى جهدي للوصول مبكرًا.
رقم «صفر»: لا … لن يُجديَ هذا … ستنتظرك طائرة في بئر «العبد».
عثمان: هل ستصل الطائرة قبلي إلى بئر «العبد»؟
رقم «صفر»: الطائرة الآن في «بالوظة».
عثمان: إذن ستصل قبلي.
رقم «صفر»: لا … بل يجب أن تصل معك في نفس الدقيقة.
عثمان: والسيارة؟
رقم «صفر»: دعها لنا، وقم بالاتصال بقائد الطائرة على الموجة «طوارئ».
عثمان: عُلم وجارٍ التنفيذ.
رقم «صفر»: انتهى!
فتح «عثمان» ملف الاتصال على جهاز الكمبيوتر الميني المُلحق بتليفونه المحمول، وطلب الموجة طوارئ، وضغط زر الاستخدام فظهَرَت له على شاشته خطوطٍ بيانية مُتراصَّة تتحرك صعودًا وهبوطًا … فضغَط مؤشِّر قوة الصوت … فسمع بعض الأصوات المُتداخلة تَصْدُر من المحمول، ثم أتاه صوتٌ رخيم يقول: رقمك عندي على الشاشة … أنت اسمك «عثمان» … طويل العمر … خفيف الدم … تحب السفر.
ابتسم «عثمان» في راحة وقال له: هل تقرأ طالعي؟
أجابه صاحب الصوت الرَّخيم قائلًا: نعم … وأمامك سكة سفر.
عثمان: بالسيارة؟
الصوت: لا بالطائرة.
ضحك «عثمان» وقال له: ما اسمك؟
الصوت: «عبيد».
عثمان: أتعرف أن «عبيد» هي مُصغَّر «عبد»؟
عبيد: وأنت اسمك «عثمان» أم «عشمان»؟
ضحك الاثنان وقد ظهر لكلٍّ منهما الآخر على مَرمَى بصره … ففي السماء كانت الهليكوبتر تقترب من الشيروكي … وعلى الأرض كانت الشيروكي تقترب من الهليكوبتر … وبالقرب من مساحةٍ مستوية تقع على يمين الطريق انحرف «عثمان» بالسيارة … وتوغَّل بها في الرمال لمسافةٍ قصيرة … ثم توقف وغادرها وتأكَّد من إغلاق أبوابها … ثم ابتعد ليُفسِح الطريق للهليكوبتر للتحرك بحرية في سماء المنطقة.
وهبطَت «الهليكوبتر» … وقبل أن تتوقف مِروحتُها تمامًا عن الحركة … هبط الكابتن «عبيد» وحيَّا «عثمان» بحرارة … وبنفس الحَرَارة استقبله «عثمان» قائلًا: جئتَ لتحل مشكلتي … فمن سيحل مشكلة الشيروكي؟
عبيد: أنا أيضًا.
عثمان: لا أفهم … هل ستحملها بالطائرة؟
عبيد: لا … بل سأقودها.
عثمان: وأقود أنا الطائرة … أليس كذلك؟
عبيد: نعم … أليست فكرة جيدة؟
عثمان: إنه تفكيرٌ منظم يليق بمنظمتنا.
عبيد: إذن أعطني مفاتيح السيارة.
عثمان: ليس للسيارة مفاتيح … بل كارت إلكتروني.
مدَّ «عثمان» يده له بالكارت وهو يقول: ها هو الكارت، وأرجو أن تعطيني مفاتيح الطائرة.
ضحك «عبيد» وهو يسير متوجهًا إلى السيارة في الوقت الذي صَعِد فيه «عثمان» إلى الطائرة … وعندما أدار «عبيد» محرِّك الشيروكي واستعد للانطلاق … سمع صوت «عثمان» يصيح قائلًا: إنها لا تريد أن تدور.
أخرج «عبيد» رأسه من نافذة السيارة … واقترب من الطائرة، وهو يصيح أيضًا قائلًا: هل حادثتَها؟
لم يفهم «عثمان» ما يقصده «عبيد» فقال له: «عبيد»، كيف أدير الطائرة؟
عبيد: لقد سجَّلتُ صوتَك على برنامج التعريف … لكي تتمكن من إدارتها … قل لها فقط دُوري وستدور.
فشَرعَت المحركات في الدوران … وأُضيئَت المصابيح، وببطء تحركت المروحة العملاقة … وشيئًا فشيئًا ازدادت سرعتُها إلى أن جذب «عثمان» ذراع الصعود وطارت الهليكوبتر في الهواء وتبادل كلٌّ منهما المواقع؛ فالآن يشير «عثمان» من الطائرة ﻟ «عبيد» الذي أخرج ذراعه من الشيروكي ورفع يده لأعلى يُحييه … والطائرة ترتفع لأعلى و«عبيد» يتابعها في دهشة … فقد تخطَّت الارتفاع الممكن … وتجاوزَتْه إلى غير المسبوق … فهل هذه قدرات الطائرة وهو لا يعرف، أم أنَّ «عثمان» تجاوز حدود الأمان … وهو الآن في خطر؛ فالطائرة تُواصِل الارتفاع … لقد كادت تختفي عن ناظرَيه … فقام بالاتصال برقم «صفر» على تليفونه المحمول … وما إن رأى رقم «صفر» اسمه على الشاشة حتى ضغط زر الاستجابة وقال له: ما الجديد يا «عبيد»؟
عبيد: أشعُر أن «عثمان» في خطر.
رقم «صفر»: وأين هو الآن؟
عبيد: إنه في الطائرة.
رقم «صفر»: إنه قائدٌ ماهر للهليكوبتر.
عبيد: وهل هذا يعني أن يرتفع بها كل هذا الارتفاع حتى كادت أن تختفي.
رقم «صفر»: ماذا تقول؟
وفي اندفاع المتوجِّس شرًّا قال «عبيد»: يا سيد «صفر» الطائرة وصلَت إلى ارتفاع غير مسبوق، ولا يمكن للهليكوبتر أن تصل إليه.
رقم «صفر»: هل تراها؟
عبيد: لأن المنطقة هنا خالية من المباني … يمكنني أن أراها بنظارتي المُعظِّمة.
رقم «صفر»: وكيف وصلَت إلى هذا الارتفاع؟
عبيد: أنا لا أعرف.
وفي دهشةٍ وقلقٍ سأله قائلًا: من أين حصَلتَ على هذه الطائرة يا «عبيد»؟
عبيد: لقد كانت تقف بالمطار السري في «بالوظة». وقد طِرتُ بها كثيرًا.
رقم «صفر»: أي إنها تتبع المنظمة؟
عبيد: نعم، يا سيدي!
رقم «صفر»: ألم ترَ طائرةً غيرها تقف هناك؟
عبيد: لم يكن هناك غيرها!
رقم «صفر»: هناك شيءٌ غامض يجب كشفه.
وفي انفعال وتوتُّر قال «عبيد»: الطائرة اختفت يا زعيم، ماذا أفعل الآن؟!
رقم «صفر»: تحرَّكْ على أثَرها وخذ طريقك إلى مطار «بالوظة» وستكون هناك طائرةٌ تنتظرك … كان الشياطين يجتمعون على سطح البرج المواجه لنيل «المعادي» … والذي تقع به نقطة المتابَعة … وقد وصلَتهم أنباءُ ما جرى ﻟ «عثمان» … فوقعوا واجمين … مندهشين وقد اجتمعَت آراؤهم جميعًا على ضرورة تدخُّل سلاح الطيران المصري … ولم يكن هذا الرأي ببعيد عن رقم «صفر» … فقد كان يرى هو الآخر ذلك؛ فقد كان ينتظر نتائج اجتماع كبار قادة المنظمة!
واعتبارًا لحساسية الظروف وخطورة الموقف لم يستغرق المجتمعون وقتًا طويلًا … فقد وصلَت رقم «صفر» أنباء نتيجة هذا الاجتماع … وكانت مُرضِية للجميع … وقد صدَرَت الأوامر لطائرتَي استطلاع وطائرتَين مقاتلتَين بالتحرُّك لآخر نقطةٍ شُوهدَت فيها الهليكوبتر المُقلة ﻟ «عثمان».
وقبل أن ينتهي العد التنازلي للانطلاق … وصلَتهم إشارة بالتوقف فقد اتصل «عبيد»، وعَلِم أنَّ الهليكوبتر عادت للظهور من جديد في نفس الموقع الذي اختفت فيه من قبلُ.
كان «عبيد» قد وجد في مطار «بالوظة» طائرةً مُقاتلة، ومعها طاقم من سلاح الطيران، ما إن رأَوه حتى حيَّوه التحية العسكرية، وكان مرتديًا زيه العسكري كضابطٍ في سلاح الطيران … فاستقل الطَّائرة وأدار مُحَرِّكاتها وانطلق يستطلع الأمر عند «عثمان»؛ فهو الأقرب له … وقد انتظر منه أن يهبط بالطائرة فلم يهبط … بل تَعَلق مكانه … ولم تمضِ دقائق وكان قد اقترب منه … وأخذ يحوم حوله في دائرة واسعة … ثم أخذ في تقليل نصف قطر الدائرة شيئًا فشيئًا حتى كاد أن يرى «عثمان» داخل الطائرة … وفي هذه اللحظة تهاوت الهليكوبتر فجأةً من ثَباتها، وقد توقفَت مِروحتُها عن الدوران تمامًا … وأخذَت في السقوط وهي تدور حول نفسها وسط ذهول الكابتن «عبيد»، الذي لم ينقطع عن الدوران حولها بطائرته مُتحينًا فرصةً للتدخل لإنقاذ «عثمان» … غير أنَّ «عثمان» لم يُمهِله … فقد رآه «عبيد» يسقط من باب الطوارئ في قاعدة الطائرة وقد تَعَلق بمظلةٍ مُغلقة … لم يفتحها إلا عندما اقترب من البحر، وفي هذه اللحظة دوَّى في الأُفق صوت انفجار هزَّ أرجاء المنطقة، وتحوَّلَت الطائرة إلى كتلة لهبٍ أخذَت تتساقط شظاياها فوق رمال الصحراء فتُشعِل ما بها من عُشبٍ جاف.
كان كابتن «عبيد» يُتابع ما يجري وهو يدور بطائرته حول موقع سقوط الطائرة … وكان قريبًا من مطار «بالوظة» فأخذ يُقلل من ارتفاعه مع كل دورة يقوم بها؛ حتى أصبح فوق مَهبِط الطائرة تمامًا … فأنزل عَجلات الطائرة وارتفع بمُقدِّمتها للأمام، وهبط بذيلها قليلًا حتى لامسَت العَجلات الأرض.