حادثٌ خطير
أمام الباب الحديدي الذي يتوسط السور السِّلكي الممتد حول المطار … كانت تقف السيارة الشيروكي في انتظار الكابتن «عبيد» … وكانت هي أوَّل ما رآه عندما غادر الطائرة، فأسرع الخُطى إليها … وأخرج من جيبه الكارت الإلكتروني الخاص بها، ثم فتح الباب، واستلقى جالسًا خلف عَجلة القيادة … ومرَّةً أخرى وضع الكارت ولكن هذه المرة في التابلوه … ثم ضغط بدال السرعة وانطلق إلى حيث موقع سقوط «عثمان» في مياه المتوسط … لقد سقط قريبًا من مجموعة من نخيل البلح الأصفر … لقد حدَّدَها «عبيد» ثلاث نخلات تجتمع عند القاعدة وتتباعَد قِممُها … وفي الطريق إليها قام بالاتصال برقم «صفر» الذي أسرع بفتح الخط قائلًا له: ما الأخبار يا كابتن؟
عبيد: لقد سقطَت الهليكوبتر.
رقم «صفر»: وما أخبار «عثمان»؟
عبيد: لقد قفز منها قبل أن تنفجر.
وفي قلقٍ عارم سأله رقم «صفر» قائلًا: هل انفجَرَت؟
كابتن «عبيد»: نعم … انفجَرَت في الهواء، وسقطَت شظاياها في الصحراء قُرب منطقة «بالوظة» … وبنفس مستوى القلق سأله رقم «صفر» قائلًا: و«عثمان» ماذا حدث له؟
عبيد: «عثمان» الآن في الماء، وأنا في الطريق إليه.
رقم «صفر»: هل أنت قريبٌ منه؟
عبيد: جدًّا يا سيدي … وسأجعله يُحادثك خلال دقائق.
رقم «صفر»: أتمنى لك التوفيق.
غادر الكابتن «عبيد» الطريقَ الأسفلتي، وتوغَّل في الأرض الرملية قاصدًا البحر الأبيض … وقد أعانَتْه الجراند شيروكي على السير في الرمال حتى وصل إلى شاطئ المتوسط … ولم يتبقَّ له غير خلع ملابسه والنزول إلى الماء للبحث عن «عثمان» … ولكن قبل ذلك قام بتَسَلق الشيروكي حتى اعتلى سقفها، وقد أمسك بنظارته المعظِّمة … وقام بمسح سطح الماء على مدى كيلومتر … فلم يرَ «عثمان»، بل لم يرَ مَركبًا واحدًا يعلو سطح الماء، وأخذ يُحادث نفسه قائلًا: أين مراكب الصيادين … ألم تخرج اليوم للصيد، وقتها كان «عثمان» سيجد ما يتعلق به وينجو … أمَّا الآن فهو مُضْطر لأن يعوم كل هذه المسافة … ولكن أين هو؟
ولشدة دهشته … سمع كابتن «عبيد» نفسه تردُّ عليه قائلة: «عثمان» يقف خلفك.
لم يُصدق كابتن «عبيد» ما سمعه … غير أنَّه التفَت خلفه دون قصد منه … فرأى ما دفعه للصياح قائلًا: لقد خَرجتَ سالمًا!
ضحك «عثمان» كثيرًا وكابتن «عبيد» يحتضنه … وردًّا على سؤاله: كيف خرجت؟ قال له: انفجار الطائرة أحدث تيارًا مائيًّا حملَني إلى الشاطئ … إلا أن ضغط هذا الانفجار أفقدَني وَعْيي ولم أُفِق إلا منذ دقائق.
ربَّت كابتن «عبيد» على كتفَيه، وقال له: حمدًا لله على سلامتك.
عثمان: هل معك ماء؟
عبيد: نعم، في السيارة.
عثمان: ألم تشرب ما بها؟ إنَّ بها ماءً وعصائر.
عبيد: لقد كنا نبحث عنك … هيا بنا، ولنُكمِل حديثنا في الطريق.
قفَز «عثمان» وكابتن «عبيد» إلى الأرض … وكان باب الشيروكي مفتوحًا … فقفز «عثمان» يجلس خلف عَجلة القيادة رغم محاولات كابتن «عبيد» في استبدال مواقعهما … فهو يرى أنه مُتعَب … إلا أنه رفض قائلًا: إن راحتي خلف عَجلة القيادة.
مَدَّ كابتن «عبيد» يدَه له بزجاجة ماء وهو يقول له: هل ستعود بها إلى «القاهرة» أم أطلب لك طائرة؟
صاح «عثمان» معترضًا بقوله: لا أريد ركوب طائرات الآن.
ضَحِك كابتن «عبيد» وهو يُجهِّز بعض السندويتشات التي يحملها «عثمان» معه في السيارة، وكانت السيارة قد وصلَت إلى الطريق الأسفلتي … فاستدار بها «عثمان» يمينًا حتى استوت عليه في اتجاه العودة إلى «القاهرة» … وقتَها قال له كابتن «عبيد»: القيادة في «القاهرة» قَلِقَة عليك!
نظر له «عثمان» مليًّا … وكأنه تذكَّر ما غاب عن باله فقال له: سأطلبه فورًا.
وما كاد يُمسِك بتليفونه المحمول … حتى انطلقَت منه الموسيقى … ولمحَت عيناه على الشاشة رمز القيادة فعرف أنه رقم «صفر» … فضغط زر الاستجابة وقال له: لقد كنتُ أطلبك يا «زعيم».
مُتهللًا قال له رقم «صفر»: أهلًا بك معنا مرةً ثانية يا «عثمان».
ضحك «عثمان» وقال له: يقولون إن للقِط سبعةَ أعمار.
رقم «صفر»: لقد كنتُ أُجرِّب الرقم وأنا غير متأكد من أنك ستُجيبُني.
عثمان: أنا في الطريق إليكم.
رقم «صفر»: هل لديك أخبارٌ جديدة؟
عثمان: ومُهِمَّة.
رقم «صفر»: هل كابتن «عبيد» معك؟
عثمان: نعم.
رقم «صفر»: أبلغه تحياتي، وهو مدعُوٌّ لحضور الاجتماع القادم.
عثمان: إنه يُريد أن يُحادثك.
رقم «صفر»: بالطبع يا «عثمان».
أعطى «عثمان» التليفون لكابتن «عبيد» الذي بادر بتحية رقم «صفر» قائلًا: تهانينا لنجاة «عثمان» يا زعيم.
رقم «صفر»: شكرًا يا كابتن «عبيد»، ونرجوك حضور اجتماعنا القادم؛ فنحن في حاجةٍ إليك.
كابتن «عبيد»: أحضُر مع «عثمان» اليوم.
رقم «صفر»: ونحن في انتظاركما. إلى اللقاء.
أعاد كابتن «عبيد» التليفون ﻟ «عثمان» وهو يقول له: إنك بهذه السرعة تصل إلى «القاهرة» خلال ساعة.
عثمان: أنا أنتهز فرصة أنَّ الطريق خالٍ.
فداعَبه كابتن «عبيد» قائلًا: خالٍ من السيارات، ومن رجال المرور.
ابتسم «عثمان» وقال له: أنا لا أخالِف قوانين المرور.
اقتربَت السيَّارة من جلبانة عندما ارتفعَت الموسيقى من تليفون «عثمان» المحمول، وعندما نظر إلى شاشته رأى «ريما» تبتسم … فضغط زر الاستجابة وقال لها: أخيرًا تذكَّرتِ؟
ريما: إنها أوامر الزعيم … فنحن نُعِد هنا للاجتماع.
عثمان: متى؟
ريما: الثامنة مساء اليوم … حمدًا لله على سلامتك.
عثمان: شكرًا … لماذا أنتِ وحدك؟
تحرَّك التليفون في يد «ريما» فمسحَت الكاميرا المكانَ حولها … وقد كان بالفعل خاليًا … فقالت له: الجميع في مَقَر «الهرم» يُعِدون للاجتماع.
عثمان: وأين أنتِ الآن؟
ريما: ما زلتُ في نقطة المُتابعة على نيل «المعادي».
سمع «عثمان» إشاراتِ تنبيهٍ لوجود مكالمةٍ أخرى على نفس الخط … وقد سمعَتْها «ريما» هي الأخرى فقالت له: هناك من يطلبك … سأتركك الآن، وأراك في «القاهرة».
عثمان: إلى اللقاء.
ضغَط «عثمان» زرًّا أسفل الشاشة … فرأى «أحمد» يبتسم على الشاشة ويقول له: مع من كنتَ تتحادث؟
توالت الاتصالات ﺑ «عثمان» من زملائه تهنئةً على سلامته … وقد كان الحديث يمتد إلى الكابتن «عبيد» ويعود إليه طوال الطريق إلى أن وجد نفسه فوق الطريق الدائري وقد اقترب من منزل ميدان الرماية.
وقتها أعلن كمبيوتر المقر المركزي عن قُرب وصول سيارة «عثمان» … وبمجرد أن وصلَت السيارة إلى «ميدان الرماية» حتى بدأ الضوء الأحمر يُضيء في تابلوه السيارة، وظهر رقمٌ أزرق في عدادٍ إلكتروني يقل تدريجيًّا بسرعةٍ كبيرة … وهو يدُل على المسافة المتبقية حتى المَقَر … وعندما وصل الرقم إلى ٣٠ مترًا … كان كمبيوتر غرفة اجتماعات المَقَر السري الصغير يُعلن وصول سيارة «عثمان».
اقتربت السيارة من باب المَقَر … وظهرت فيلَّا كلاسيكية تتوسط حديقةً واسعة يحوطها سورٌ عالٍ له باب حديد كبير … انفتح تلقائيًّا عند اقتراب السيارة منه، وأُغلق مرةً أخرى بمجرد دخولها.
اتجهَت السيارة إلى بابٍ مُغلق في نهاية الحديقة … انفتح لأعلى قبل أن تصطدم به.
اجتاز «عثمان» الباب وسار على هُدى سَهم يُومِض من تابلوه السيارة … فقد كان الظلام حالكًا، وغير مسموح بإضاءة مصابيح السيارة … بعد عدة ثوانٍ … ظهر عن بُعد ضوءٌ خافتٌ ما لبث أن غطى سيارة الشياطين تمامًا … فقد وصلَت السيارة إلى جراج المَقَر … ومنه انتقل «عثمان» و«عبيد» إلى غرفة الاجتماعات الكبرى … غير أنهما لم يجدا بها أحدًا … وقد كانت مُضاءةً عن آخرها … فانتقلا سويًّا إلى صالة المعيشة، وهناك وجدا الشياطين جميعًا يجلسون في انتظارهما … وقد كان اللقاء حارًّا … ولم تُنسِه حرارة اللقاء أن يسألهم قائلًا: أليس الاجتماع في الثامنة؟
بادر «أحمد» بالرَّد عليه قائلًا: لقد رأى رقم «صفر» أنَّ الثامنة هي ميعاد وصولك … وستكون مُنهكًا وجائعًا، ولن تحضر الاجتماع في كامل لياقتك.
عثمان: ولا نصفها.
وهنا تدخَّلَت «إلهام» تقول مُرحِّبة: لذلك تم تأجيل الاجتماع إلى العاشرة أو قد يكون في العاشرة من صباح الغد. وأكملت «ريما» قائلة: أمَّا الآن فعليكما الاستعداد لتناول العَشاء؛ فلن نستطيع الانتظار أكثر من هذا. ضحك الزملاء … وانصرف «عثمان» شاكرًا، واصطحب معه الكابتن «عبيد» إلى دورة المياه … وعندما عادا إلى صالة المعيشة لم يجدا بها أحدًا … فعرف «عثمان» أنهم جميعًا في غرفة الطعام … فاصطحب «عبيد» إليها … وما إن ظهرا ببابها حتى تداخلَت التعليقات من الزملاء ما بين مُرحِّب ومُشاكِس … وبدأ موظفو المقر يطوفون بآنية الطعام والشياطين يملئون منها أطباقهم … وانطلق الحديث مع الطعام … وانتهى الطعام ولم ينتهِ الحديث … وقد رغبوا جميعًا في استكماله مع أكواب الشاي في صالة المعيشة، غير أنَّ «أحمد» رأى أن يتوجه «عثمان» إلى غرفته ليحصُل على قَدْر من الراحة وكذلك الكابتن «عبيد» … ولم يعترض «عثمان» … ولم تُشاكِسه «ريما» … فهي ترى أنَّ الوقت غير مناسب.
وعندما استيقظ «عثمان» ونظر إلى ساعة الحائط لم يُصدق نفسه … فالساعة فيها السادسة صباحًا … فهل نام كل هذا؟ وهل تأجل ميعاد الاجتماع إلى العاشرة من صباح اليوم كما أخبره «أحمد» بالأمس؟
هذا ما فعَلَه «أحمد» … فقد قام بالاتصال برقم «صفر» وطلب منه ترجيح الميعاد الآخر للاجتماع، حتى يتمكن «عثمان» من الحصول على قَدرٍ كافٍ من النوم يمكِّنه من استعادة كامل لياقته؛ فهو يرى أنه مُرهَق للغاية.
وقبل العاشرة بوقتٍ كافٍ، كان الشياطين يجلسون جميعًا في غرفة الاجتماعات، والكابتن «عبيد» يجلس في غرفة المعلومات المركزية … أمام جهاز كمبيوتر يرى على شاشته جميع الزملاء … وعندما دَقَّت الساعة العاشرة تمامًا … تبدَّلَت الصورة على الشاشة، وظهر بدلًا منها وجه لرجل مُقسَّم إلى مربعات ومستطيلات تتبدَّل مواقعها وألوانها … وأعلى يمين الشاشة تظهر في مربع صغير صورة لباقي الزملاء.
ثلاث طرقاتٍ أطلقَها جهاز الكمبيوتر من خلال مُكبِّرات صوت الإذاعة الداخلية لغرفة الاجتماعات انطلق بعدها صوت رقم «صفر» يقول: حادثٌ خطير أدى إلى تداعياتٍ خطيرة … وكِدْنا نفقد زميلًا عزيزًا علينا جميعًا … ونحن هنا جميعًا لنستمع إليه … ما الذي جرى يا «عثمان»؟
اعتدَل «عثمان» في جلسته وقال: أولًا شكرًا للزعيم على عظيم اهتمامه … وشكرًا لكم جميعًا … وشكرًا للكابتن «عبيد».
ثانيًا: كانت الأمور تسير طبيعية وأنا في «العريش» في مهمةٍ استطلاعية … وبالأمس كنتُ أقوم بصيد الأسماك فرأيتُ جسمًا يُشبه الصاروخ يسقط من السماء.