الصاروخ المجهول!
ساد القاعةَ صمتٌ مُترقب … فما يقوله «عثمان» ليس بالأمر البسيط … فما معنى وقوع صاروخ في مياهنا الإقليمية؟ ومِن أين وقع؟ وكيف وقع؟ ومَن صاحبه؟ أسئلةٌ كثيرة يعرفون جميعًا أنَّ إجاباتها ليست عند «عثمان» … ولكن ما سيقوله «عثمان» مُهِم للغاية … فكيف ارتفعَت الطائرة إلى هذا المدى؟ وهل هناك علاقةٌ بين هذا الحادث وسقوط الصاروخ؟
استكمل «عثمان» حديثه قائلًا: وقتَها قمتُ بالاتصال برقم «صفر»، وأبلغتُه بما رأيتُ وكنتُ أعرف أنه سيُجري اتصالات على أعلى مستوًى … غير أني لم أرَ أي حركةٍ غير عادية في المكان … وقد كنتُ أنتظر قدوم ضباط حرس السواحل، وخبراء المفرقعات، وغيرهم الكثير … إلا أنَّ شيئًا من هذا لم يحدُث … فقلتُ إنها شئون الكبار … ومن المؤكد أنَّ هناك إجراءاتٍ على أعلى قَدْر من الأهمية تتم دون أن نراها أو يعلم عنها أحد شيئًا.
قاطعه رقم «صفر» قائلًا: نعم، هذا ما جرى ويجري.
عثمان: وبعدها طلب مني رقم «صفر» العودة إلى «القاهرة» والتوجه إلى نقطة المتابعة على نيل «المعادي» … ولأنه كان يُريد هذا يتم في سرعة … فقد أمر طائرة من مطار «بالوظة» السري بالتوجه إلى بئر العبد حيث لقيني قائدها الكابتن «عبيد» هناك … فبادلَني سيارةً بطائرة.
عَلَّق رقم «صفر» يُداعبه: وسيارتك أغلى طبعًا؟
فابتسم «عثمان» وقال: نعم؛ فسيارتي أغلى عندي من «الكونكورد».
واستطرد قائلًا: لم تكن هذه أول مرة أقود طائرة … لذلك فقد أدرتُ المروحة وارتفعتُ بها دون أية مشاكل إلى أن وصلتُ إلى مستوى ارتفاع أرتاح للقيادة فيه … فاكتفيتُ به … غير أنَّ الطائرة لم تكتفِ وظلت ترتفع لأعلى … والغريب أنَّ مُحركاتها توقفَت عن الدوران … وشعَرتُ أن هناك محركات نفَّاثة قوية … للغاية تسحب الطائرة لأعلى … وبالطبع لم أتمكن من توجيه الطائرة إلى أي مسار يسمح لها بالإفلات، ولم يعُد أمامي إلا الاستسلام والانتظار.
تدخَّلَت «ريما» تسأله قائلة: ولماذا لم تتصل بنا وأنت قريب من قمر المنظمة؟!
عثمان: إنَّ كل الأنظمة الإلكترونية كانت مُعطَّلة … سواء أنظمة التوجيه أو أنظمة الاتصالات.
أحمد: ألم ترَ طائراتٍ فوقك أو بجانبك؟
عثمان: لقد حافظوا على وجودي وسط تلال السحاب فلم أرَ حولي غيرها.
إلهام: أي إنها غلَّفَتْك تمامًا.
عثمان: تقصدين السحب؟
إلهام: نعم.
عثمان: لولا إغلاقي لنوافذ الطائرة وبابها لتسللَت إلى داخلها وطردَت ما بها من أكسجين واختنقتُ.
كيف إذن كان يتنفس «عثمان» وسط هذه الأجواء؟ هذا ما أثار دهشة «بو عمير» فاندفع يقول له: لقد خِفتَ من تَسَلل السحاب إلى داخل الطائرة مما قد يتسبب في اختناقك، ولم تخَفْ من إغلاق كل منافذ الطائرة … واستهلاكك ما بها من أكسجين … وهنا لزم التعليق من كابتن «عبيد» الذي فتح قناة الاتصال بهم وقال: هذه الطائرة مُتطورة للغاية، وهي مُعَدة للقيام بمهام استطلاعية، ومهام قتالية أيضًا … لذا فهي مزوَّدة بنظام تغذية متطور للأكسجين.
استطرد «عثمان» يقول مُنطلقًا مما قاله كابتن «عبيد»: لقد بحثتُ في نظام إدارتها فعرفتُ ذلك واستفدتُ منه كثيرًا … وإلا ما كنتُ بينكم الآن … والسؤال الأهم الآن … كيف تخلص منهم؟ وهذا ما دار في ذهن «قيس» فقال له: يقول كابتن «عبيد»: إنَّ طائرتك كانت تسقُط ومروحتها متوقفة عن الدوران.
وكأنما كان يستعيد مشاعر هذه اللحظات الحرجة … فقد سحَب نفسًا عميقًا وزفرة وهو يقول: لقد وجدتُ الطائرة تتهاوى فجأة، وكأن من كان يُمسِك بها فتح قبضته عن آخرها … وباءت كل محاولات إدارتها بالفشل … ولم يعُد أمامي غير النجاة بحياتي … فقفزتُ من باب الطوارئ بعد ارتدائي للمظلة.
أنهى رقم «صفر» حديث «عثمان» قائلًا: خيرًا فعلتَ أيها الفتى الشجاع.
ثم موجهًا كلامه للشياطين قائلًا: إنَّ ما رآه «عثمان» يسقط في مياه المتوسط، هو ما طلبتُ منكم الاجتماع من أجله في نقطة المتابعة على نيل «المعادي» … فقد تم رصد هذا الجسم من قِبَل قمر المنظمة الاصطناعي، وقد كنا هناك بالقرب من محطة توجيه القمر … فقد تطلبَت بعضُ الأمور الطارئة تعديلًا في مساره، وقد استلزم هذا الأمر بَذْل الكثير من الجهد وعَقْد الكثير من الاجتماعات، وقد كان هذا سببًا مباشرًا في رصد هذا الصاروخ … وحتى الآن نحن لا نعرف إن كان صاروخًا أم قنبلة.
ولكي نعرف هُوِية هذا الجسم يجب العثور عليه أولًا … وهذا ما صَرَّح به «أحمد» لرقم «صفر» حيث قال: لماذا هذا الصمت من كل الأجهزة الأمنية … ولماذا لم يُشاهد «عثمان» ولا كابتن «عبيد» من يمسح المنطقة بحثًا عن هذا الجسم؟
رقم «صفر»: سأسألكم سؤالًا حيويًّا للغاية وإجابته ستُجيب استفساراتكم.
لزِم الجميع الصمت انتظارًا لسماع رقم «صفر» الذي قال: ما الأهم الآن، الجسم الذي سقط أم مَن أسقطه؟
التزم الجميع الصمت وتركوا إجابة السؤال له … فأكمل قائلًا: الجسم الذي سقط موجود تحت الماء ولن يتحرك … وسنحصُل عليه ونقوم بدراسته في أي وقت. أمَّا مَن أسقطه … فهو المجهول لنا الآن … وهو الذي يجبُ البحث عنه. وادَّعَت «ريما» الغباء وسألَتْه سؤالًا ساذجًا بقولها: وهل سيُعطِّلكم البحث عن الصاروخ عن مطاردة من أسقطه؟
ابتسم رقم «صفر» وقال: نحن لا نُريد أن نَلفِت نظر أحد إلى أننا رأينا هذا الصاروخ حتى يأتي صاحبه ويبحث عنه دون قلق.
وبَدَر من «أحمد» سؤال مُتأمل حين قال له: معنى هذا …
رقم «صفر»: معنى هذا أنَّ كل المنطقة مراقَبة وخاضعة للتصوير طوال الليل والنهار.
وعاد «أحمد» يبُث مخاوفه من التأخر في البحث عن الصاروخ الغارق … حيث قال: الخوف كل الخوف يا زعيم من أن يكون هذا الصاروخ من ميكروباتٍ مختلفة أو فيروساتٍ مهندسة وراثيًّا … وأن يكون قد أصابه عطب … وتتسرَّب شحنته إلى مياهنا.
ومحاولًا طمأنتَه قال رقم «صفر»: لا أعتقد أن أحدًا يُقدِم على جُرم بهذه الفداحة … فالبحر الأبيض بحيرةٌ أوروبية، ومن ينوي الإضرار بها سيضُر القارة الأوروبية بأَسْرها.
وهنا رأت «ريما» أن تتدخل مُذكرة بما حدث من قبلُ قائلة: ألا تذكر شحنة السِّماد التي أُغرقَت في البحر الأحمر في عملية وحش الأعماق يا زعيم؟ … ورأى رقم «صفر» أن ينزل على رغبتهم ويسمع لطلباتهم فقال لهم: ماذا يدور في رءوسكم؟
أحمد: نُشَكل مجموعة عمل … تقوم بمسح المنطقة … بحثًا عن أي تلوثٍ إشعاعي أو بيولوجي.
فعَلَّق رقم «صفر» مُحذرًا بقوله: على أن يتم هذا في الخفاء دون أن يلحظ أحدٌ ذلك.
وهنا تحمَّسَت «إلهام» للحديث قائلة: سنُشكل فريقًا شابًّا يقوم برحلةٍ ترفيهية … وهذا سيُبعِد الأنظار عنا.
رقم «صفر»: على ألا يَضُم هذا الفريق «عثمان».
وهنا تدخَّل «عثمان» مُتسائلًا بقوله: لماذا يا زعيم؟
رقم «صفر»: هناك احتمال كبير أن يكونوا قد التقطوا لك صورًا … ووقتها ستتسبَّب في كشف زملائك وإفشال مهمتهم.
أحمد: ليس هذا فقط، بل وتعريضنا للخطر … فالباحثون عن هذا الصاروخ لن يتورعوا عن القتل لاسترداده.
رقم «صفر»: سيكون لك هنا دورٌ مُهِم في العملية … وإذا احتاجوك هناك فسنُرسلك في طائرة هليكوبتر.
ضحك الشياطين من قلوبهم ومعهم «عثمان» الذي قال: إذن يسافرون كلهم يا زعيم؟
رقم «صفر»: لا … سيبقى معك هنا «مصباح» و«هدى»، والمسافرون يستعدون للتحرك غدًا … وفقك الله … انتهى.
اجتماع عاجل عقده الشياطين.
انسحب وجه رقم «صفر» الفسيفسائي من على الشاشة العملاقة، وظهر بدلًا منه شعار الشياطين، ثم أخذ هذا الشعار ينمو حتى ملأ الشاشة … ثم انطفأَت الشاشة تمامًا، وأُضيئَت مصابيح القاعة تباعًا … وفي الوقت الذي التفَّ فيه الشياطين حول «عثمان» يسألونه في تفاصيلَ دقيقة للحادث الذي مَرَّ به … وانتقلوا بعدها للحديث عما سيحتاجونه من أجهزة ومُعَدات حتى يمكنهم استعارتها من إدارات المُنظمة المختلفة.
اقترب موعد الغداء والشياطين مُجتمعون، ولم ينتبهوا أنَّ الكابتن «عبيد» ينتظرهم في قاعة مركز المعلومات … لم ينتبهوا إلا لانسحاب «عثمان» من بينهم … ومغادرته القاعة … فتبعَتْه «ريما» دون أن يشعر … وعندما رأته يدخل مركز المعلومات تذكَّرَت الكابتن «عبيد»، فلحقَت ﺑ «عثمان»، ودخلَت القاعة مُرحِّبة بالكابتن «عبيد» بقولها: لقد كنتَ الحاضرَ الغائب في الاجتماع يا كابتن.
ابتسم الكابتن وقال لهم مُداعبًا: أنا لم أكن غائبًا … فقد حضرتُ معكم الاجتماع وشاركتُ فيه بما أعرف.
ريما: هذا صحيح … ولكني لا أقصد اجتماع رقم «صفر».
نظر لها الكابتن مُستفسرًا … فاسترسلَت قائلة: أقصد اجتماعنا نحن بعد انصراف الزعيم.
وهنا تدخل «عثمان» قائلًا: لن أرحل معك … فهم يرَون في ظهوري هناك خطرًا عليهم.
شعر كابتن «عبيد» بنبرة ضيق في صوت «عثمان» فقال له: وأنت، ألا تشعر بخطورة ظهورك هناك هذه الأيام؟
قال «عثمان» في غير اكتراث: من الممكن أن أسافر مُتنكرًا.
كابتن «عبيد»: كيف؟
عثمان: إدارة التمويه في المَقَر عندنا لن تَعدِم وسيلة، بل هم ناجحون في هذا بدرجة امتياز … مُحاولًا استرضاءه قال له «عبيد»: ولكن الزَّعيم يحتاجك هنا.
هزَّ «عثمان» رأسه في أسًى وقال: إنه فقط يُريد أن يبعدني عن الخطر.
ورأى كابتن «عبيد» أن بقاء «عثمان» غير مَرْضي عنه، فقال له: اتصل برقم «صفر» واعرض عليه الأمر … ولكن بعد أن تكون قد درستَه جيدًا.
عثمان: لقد فعلتُ هذا مرارًا.
كابتن «عبيد»: تقصد التنكر؟
عثمان: نعم.
كابتن «عبيد»: إذن اتصل برقم «صفر».
وهكذا كان للكابتن «عبيد» دورٌ كبير في أن يعدل «عثمان» عن موقفه السلبي … ويقوم بالاتصال برقم «صفر» … الذي أجابه فور سماعه الرنة الأولى قائلًا: أيها الفتى الأسمر … ما زلتَ تريد مصاحبة زملائك؟
ضحك «عثمان» من قلبه، وقال له: نعم يا زعيم.
رقم «صفر»: والخطر القابع هناك؟
عثمان: سألجأ إلى التنكر.
رقم «صفر»: وهل ترى أنك ستنجح في هذا؟
عثمان: لقد فعلتُه قبل ذلك كثيرًا.
ولم يشأ رقم «صفر» أن يحرمه من رغبته في الاشتراك في العملية فقال له: استعد للسفر معهم أيها المُحارب.
اتسعتَ ابتسامة «عثمان» واتسعَت معها ابتسامة كابتن «عبيد».