رحلة إلى أرض الخطر!
عاد الكابتن «عبيد» إلى قاعدته في المطار السري ﺑ «بالوظة» … تاركًا الشياطين يُعِدون أنفسهم للرِّحلة … وفي اليوم التالي كانت مديرية الشباب في شمال «سيناء» قد وصلها فاكس من وزارة الشباب يطلبون منهم فيه الاستعداد لاستقبال وفد من «جامعة القاهرة» سيحضر للقيام برحلةٍ ترفيهية، وببعض الأسئلة الاجتماعية لأهالي المنطقة ولبدو «سيناء» بصفةٍ خاصة.
وفي السادسة من صباح اليوم الثالث … كان أتوبيس الرحلات التابع لإحدى شركات السياحة يستعد لمُغادرة حرم جامعة «القاهرة» … وعلى متنه الشياطين اﻟ «١٣» كلهم … كان الوقت مبكرًا … والطريق لا يزال خاليًا … لذلك لم يلجأ السَّائق الذي كان بالمناسبة يعمل بالمنظمة، لم يلجأ إلى الطريق الدائري … بل شق طريقه إلى كوبري «الدقي» ومنه إلى كوبري «أكتوبر» ومنه إلى طريق «صلاح سالم» … الذي سلمه إلى أول طريق «الإسماعيلية» … وفي أقل من ساعة كان الأتوبيس يَعبُر قارة «أفريقيا» إلى قارة «آسيا» … فوق كوبري «السلام» الذي يربط «القنطرة غرب» ﺑ «القنطرة شرق» … أي يربط الدلتا ﺑ «سيناء» … وعندما وصلوا إلى «جلبانة» أشار لهم ضابط في الجيش … فأوقف السائق السيارة … فقال له الضابط: افتح الباب.
اعترض السائق قائلًا: إنهم وفد من اتحاد طلاب «جامعة القاهرة» ومعي خطاب من وزارة الشباب، وخطاب من وزارة التعليم العالي … ولم يقتنع الضابط … بل قال له في إصرار وحزم: افتح الباب.
فلم يجد بُدًّا من الانصياع للأمر … وقام بفتح الباب … فصَعِد الضابط … وما إن رآه «عثمان» حتى صاح في بهجة قائلًا: كابتن «عبيد»!
اختلطَت أصوات الشياطين مُرحِّبين بكابتن «عبيد» … وتحيَّن السَّائق فرصةً هدأَت فيها الأصوات قليلًا … وقال يسأل «أحمد»: هل أتحرَّك؟ … سمع «عبيد» سؤال السائق فقال له: نعم، تحرَّك … ثم نظر مليًّا وقال له: ألا تعرفني؟
نظر له السائق مُتفحصًا ثم قال: لا أتذكَّر سيادتك … فقد كنتُ أخدم في المَقَر السري الكبير في الصحراء الغربية.
وصل الأتوبيس إلى «بالوظة» … وكاد «عثمان» يأمره بالتوقف … فهذا المطار الذي يعمل به «عبيد»، غير أنه قال له: أنا قادم معكم إلى «العريش» … أين ستنزلون؟
وهنا تدخَّل «أحمد» قائلًا: سننزل في قرية «سما العريش» السياحية.
مال «عبيد» على «عثمان» وقال له هامسًا: إنها بعيدة عن موقع سقوط الصاروخ.
وفي صوت خافت قال له «عثمان»: إنَّ هذا مقصود … حتى لا يُفتضَح أمرُنا.
عبيد: وكيف ستتحركون إلى هناك؟
كان «أحمد» يُتابع الحديث فقال له: هناك فيلَّا لرجل من أهل «العريش» يُدعى «توفيق الشريف» … وهو مُهتم بأمور الشباب … ويُعين بحكم منصبه في إقامة معسكرات الشباب في «العريش» وفي أماكنَ أخرى من أرض «مصر».
عبيد: وكيف سنستفيد من هذه الفيلَّا وهو مُقيم فيها؟
ربَّت «عثمان» على يده وهو يقول له: إنه لا يُقيم فيها … إنه يُقيم في «مصر» منذ زمن بعيد، وعمله هناك وجميع أبنائه هناك. وهنا تدخَّلَت «إلهام» لتُكمِل الحديث قائلة: إنها سكن الأجداد، وهو لا يأتي إليها إلا مرتَين في الشهر … ولن يمانع في الإقامة معنا.
كان قوس «النصر» الذي يتصدر مدخل مدينة «العريش» قد اعتلى الأتوبيس الذي مَرَّ من تحته ولم يقف … إلا عند أول محطة وقود … ونزل الشياطين يحرِّكون أرجلهم بعد طول جلوسهم.
كان النهار قد قارب على الانتصاف … ومع ذلك تبدو الشوارع خالية إلا من بعض المَارَّة … وقليلٍ من السيارات … رغم اتساع الشوارع، إنها مدينةٌ جميلة … رَحِم الله أهلَها من زحام مدينة «القاهرة» وتلوُّثها السمعي والبصري والمُناخي … كانت هذه تعليقات الشياطين … الذين طلبوا من السائق أن يسبقوه سيرًا إلى القرية … ويلحق بهم هو بعد أن يفرغَ من غسيل السيارة.
ولأنهم يعرفون قوانين اللعبة … فقد ارتفعَت أصواتهم بالغِناء واختلطَت بتصفيق أيديهم وعلا هَرجُهم في المكان … وتسابقوا جريًا وركضًا … إلى أن وصلوا إلى مدخل القرية … فأخرج «أحمد» أوراقه … وسلَّمَها لموظف الاستقبال الذي غاب بها لدقائق … ثم عاد يقول لهم: تفضَّلوا … هذه أرقام شاليهاتكم.
ثم نادى بعض الموظفين … وقال يسأل الشياطين: أين حقائبكم؟
واندفعَت «ريما» تقول: الأتوبيس في الطريق … فقد سبقناه.
ضَحِك «عثمان» وصدَّق على كلامها قائلًا: لقد أحضَرناه فقط ليحمل حقائبنا.
سَرَت عَدْوى الضحك بين الشياطين … وشاركَهم فيها موظف الاستقبال وهو يقول لهم من بين ضحكاته: أرجو أن تستمتعوا بإقامتكم عندنا.
عَلَّقَت «إلهام» قائلة: نرجو هذا.
وكان على «خالد» أن يُشارك في رسم الصورة وإتقانها … فالمفروض أنهم طلبةٌ جامعيون مقبلون على الحياة … فالتفت إلى موظف الاستقبال وقال له: متى الغَداء؟
ابتسم موظف الاستقبال وقال له: في الثالثة … وإذا شئتَ أرسلتُ لك شايًا وفطائر.
وهنا صاح «باسم» قائلًا: لنا جميعًا من فضلك.
ارتسمَت الابتسامة على وجه كل الموجودين بالقرية؛ فقد أشاع الشياطين رُوح الدُّعابة والبهجة في المكان … وحاول الجميع أن يتقرَّب منهم … وكانوا هم سَبَّاقين في هذا.
حضر عُمال الفندق يحملون الحقائب … فأسرع الشياطين إلى دورات المياه يحصُلون على حمامهم البارد، ويخلعون عنهم ملابس السفر … ويرتدون ما خَفَّ وستَر، وحين اتصلَت الإدارة ﺑ «أحمد» تسأله عن رغبتهم في تناول الطعام في غُرفهم رفض هذا … وطلب منهم إعدادَ مائدةٍ تَسعُهم على شاطئ البحر.
وقد حضَر هذه المائدةَ الكابتن «عبيد» والأسطى «سيد» سائق الأتوبيس … وكم تمَنى كل الجالسين على الشاطئ وقتَها لو شاركوا هؤلاء الشباب في غَدائهم … والذي حدث … أنَّ كل الزبائن طلبوا أن يتناولوا غَداءهم على البحر … وأن تُوضَع موائدهم بالقرب من شباب «جامعة القاهرة».
انتهى الغَداء … وتفرَّق الشياطين عائدين إلى غُرفهم على وعدٍ باللقاء عند رحيل شمس اليوم ليخرجوا للتنزه.
وبالطبع كان المقصود بالتنزه هو زيارة شارع الكورنيش … وتناوُل الشاي في فندق «قويدر» … والمرور أمام مواقع سقوط الصاروخ.
وقد يَسَّر لهم الأمر كثيرًا مرورُ الأستاذ «توفيق الشريف» على القرية لتناوُل غدائه؛ فقد عَرفَ بقدوم وفد اتحاد طلاب الجامعة … وطلَب رؤيتهم … فقام مدير الاستقبال باستدعاء «أحمد» وعرَّفه عليه … وقد كان اللقاء بينهم لطيفًا قام فيه السيد «توفيق» بدعوتهم لزيارة بيته … فتلقى «أحمد» الدعوة شاكرًا … وافترقا عائدَين «توفيق الشريف» إلى بيته و«أحمد» إلى غرفته … ولكن قبل أن تتحرك سيارته … صاح الأستاذ «توفيق» قائلًا ﻟ «أحمد»: أنا أستيقظ من نومي في السادسة مساء … أراكم بعد هذا الميعاد.
فأجابه «أحمد» صائحًا أيضًا بقوله: سنأتيك اليوم.
وفي تمام السادسة وعشر دقائق … كان جرس الباب يُعلن أنَّ هناك زُوارًا من إحدى شُرفات الفيلَّا … رأَوا وجه امرأة في العَقْد الرابع من عمرها تتفحَّصهم وغابت للحظات، ثم عادت تُطِل من الشُّرفة وتقول لهم: سأفتح لكم.
وغابت مرَّةً ثانية … ثم ظهَرَت خلف الباب الحديدي وهي تقول: أهلًا وسهلًا … خدامتكم «أم حسان».
انبرى الجميع يُرحِّب بها … وما إن فتحَت الباب … حتى توارت خلفه إلى أن دخلوا جميعًا … فقامت بإغلاق الباب وهي تقول لهم: مِن هنا.
وتُشير إلى سُلم يُفضي إلى تراسٍ رحْب للغاية … ما إن وصله «أحمد» حتى صاح قائلًا في بهجة: الأستاذ «توفيق» هنا.
انتفَض الأستاذ «توفيق» واقفًا في أدب جم … ومد يده مُرحبًا بالشياطين وهو يوزِّع دعاباته هنا وهناك … فشعروا معه سريعًا بالألفة، وسرعان ما انضمَّت لهم فتاةٌ حسناءُ قدَّمها لهم قائلًا: ابنتي «تهاني».
حيَّاها الشياطين وانخرطوا معها في أحاديثَ شيقة عما تعرفه عن «العريش» و«رفح» في الوقت الذي انتحى فيه «أحمد» جانبًا بالأستاذ «توفيق» وقال له: هل يمكننا الغوص هنا؟
قال الأستاذ «توفيق» في إجابةٍ حيادية: لا أحد سيمنعكم.
أحمد: رغم أنَّ الغوص ليس من نشاطات هذه المنطقة؟
نظر له الأستاذ «توفيق» في تساؤل وقال له: ليس شرطًا … والمياه هنا تُغري بالغوص لشدة صفائها … لكنك لن ترى هنا شعابًا مرجانية … فهي في «البحر الأحمر» و«العريش» تقع على «البحر الأبيض».
أحمد: أي إنَّ الغوص هنا ليس مُبرَّرًا.
ابتسم «توفيق الشريف» ابتسامة دهشة له وقال له: لا أفهم قصدك.
شَعَر «أحمد» أنه تجاوَزَ الخطوط الحمراء … فاكتفى بما قاله … وأنهى الكلام مع «الشريف» قائلًا: لماذا يدُقون هذه المواسير الطويلة؟
توفيق الشريف: انتظر لدقائق وستعرف.
أتت «ريما» لتسأل الأستاذ «توفيق» نفس السؤال فقال لها: إنهم يمدُّون عليها الشِّباك … فيصنعون سورًا عاليًا لا تستطيع الطيور المهاجرة تجاوزه … وبالذات السمان.
وهنا حضَرَت «إلهام» وهي تقول: وتصطدم الطيور بهذه الشِّباك … وتصبح صيدًا سهلًا لهذا الصياد.
كان الصيادون قد انتهَوا من دَقِّ المواسير وبدءوا في نصب الشِّباك وعندها صاح «أحمد» في غضب قائلًا: إنَّ هذه الشِّباك تحجُب البحر عن عيوننا.
فقال «توفيق الشريف» في دعة: البحر الآن مُظلِم تمامًا لن ترى منه شيئًا … والصياد لا ينصب هذه الشِّباك إلا في أيامٍ معدودات هي موسم هجرة هذه الطيور.
انزعج «أحمد» جدًّا لوجود هذه الشِّباك؛ فهي لن تسمح لأحد بمراقبة ما يجري داخل الماء … لذلك قام باصطحاب بعضٍ من زملائه … ونزلوا إلى الشارع فعبَروا الطرق إلى شاطئ البحر ثم قاموا برفع الطرف السفلي من الشِّباك … وعبَروا من تحته إلى حيث رأَوا البحر.
وكم كانت دهشتُهم عندما حضر إليهم أحد الأهالي ويبدو أنه صاحب هذه الشِّباك وقال لهم: النزول إلى البحر الآن خطر.
نحَّى «أحمد» زملاءه جانبًا … وتصدَّى له قائلًا: لماذا؟
الرجل: ألا ترى يا أستاذ هذا السواد الذي يعُم كل شيء؟
أحمد: أهذا ما يُخيفك … إن هناك ما هو أخطر من ذلك؟