الجمعيات عند اليهود
(١) جمعية الاتحاد الإسرائيلي العمومي
وهي الجمعية العظيمة التي تغني شهرتها عن ذكرها وترديد اسمها، فمنافعها وفوائدها لا تُحصى ولا تعد، ونتائجها الحسنة يعرفها كل إنسان ولا يختلف فيها اثنان، بل هي الوحيدة في بابها التي قاومت ما كان ينازعها من الحوادث وفازت على ما لاقتهُ في طريقها من الاضطهاد بعزم شديد وجنانٍ ثابتٍ، وتدرجت منذ الصغر متقدمة تقدمًا سريعًا يشهد بهِ العالم كلهُ، وقلَّما بارتها جمعية أخرى مهما كان مشربها ومقصدها، بل هي التي ثبتت في معمعان المشاكل السياسية والدينية ثبوتًا عظيمًا دلَّ على أنها أُسست على دعائم قوية، ومشت بقدم راسخ لا يشوبهُ الفتور والكلال، وجرت شوطًا بعيدًا في مضمار الفلاح، فهي التي ساعدت على تقدم الأمة الإسرائيلية مساعدة عظيمة يردد ذكرها بالثناء الجميل والشكر الجزيل، وأقامت المئات من المدارس العلمية والمعاهد الأدبية والصناعية في أنحاءٍ شتى من أقطار المسكونة تغدي العقول بلبان المعارف، وتنيرها بشعاع العلم والآداب، وكانت سببًا قويًّا في إنجاح الإسرائيليين وتقدمهم وتحسين حالتهم وزيادة ثروتهم.
كل ذلك مبني على انتشار التعليم بإقامة مدارسها، إذ لا مندوحة في أن العلم هو أساس الفلاح والعمران، فلا عجب والحالة هذه إذا بعد صيتُها، وأجمع الكل على عد فوائدها الجزيلة ومدح القائمين بأعباءِ أعمالها الذين خصوا وقتهم بالعمل في تقدمها وتوسيع نطاقها، والذين ساعدوها ماديًّا وأدبيًّا، فالأمة الإسرائيلية أجمع تعترف بفضلها وتقدر مساعيها قدرها ناظرةً إلى منافعها الجمة التي لا تنكر وفوائدها التي لا تعد ولا تحصر، وهذه نتائجها ظاهرة كالصبح للعيان لا تحتاج إلى دليل أو برهان.
ولم تنحصر مساعي جمعية الاتحاد في إقامة المدارس الصناعية والمعاهد العلمية فقط، بل تجاوزتها إلى غرضٍ أسمى وأشرف وهو الغرض الجوهري من تأسيسها ألا وهو مساعدة جميع الإسرائيليين المحتاجين في كل الأقطار، والسعي في تحسين حالتهم وعضدهم ماديًّا وأدبيًّا، والعمل في صد تيار الاضطهادات عنهم، ولها من هذا القبيل مآثر جمة تشهد لها بذلك نذكر منها ما أنفقتهُ الجمعية من المبالغ الباهظة في مساعدة الإسرائيليين الرومانيين وما بذلتهُ في سبيل خلاصهم وتحسين حالتهم، فإن الحكومة الرومانية طالما اضطهدت الإسرائيليين في بلادها وعملت على معاكستهم واجتهدت في إسقاطهم وإذلالهم وقفلت في وجههم أبواب الرزق والاكتساب، بل طالما عاقبتهم ظلمًا وعدوانًا وخرجت في معاملتهم عن جادة العدل والصواب، كل ذلك ناتج ولا غَرْوَ عن التعصبات الدينية والتشيعات القومية حتى وصلت حالتهم إلى أقصى درجات الذل والهوان، وأضحوا في حالة من الفقر والعازة يرقُّ لها الحجر الصلد، وقد رأى الإسرائيليون حرج الموقف والمصائب، فنفذ صبرهم وأخذوا في المهاجرة آلافًا وهم لا يملكون ما يسدون بهِ رمقهم وما يسترون بهِ عورتهم، ورأت جمعية الاتحاد حالتهم التعيسة فهبت لمساعدتهم وبذلت الجهد في تخفيف مصابهم وآلامهم، فساعدت ما ينيف على ١٠٠٠٠٠ نفس وبلغ ما أنفقتهُ على ذلك من مايو سنة ١٩٠٠ إلى يناير سنة ١٩٠١ ٥٠٠٠٠٠ فرنك، وأنفقت أيضًا ٤٥٠٠٠٠ فرنك لمساعدة المهاجرين وتسفيرهم إلى حيث يتمتعون بالحرية التامة، فرحل أكثرهم إلى أميركا، ويسافر البعض إلى إنكلترا وفرنسا، ولم تكتفِ بعملها هذا ولم تقف عند هذا الحد، بل رأت أن الإسرائيليين الذين بقوا في رومانيا باتوا في حالة الفقر المدقع، ومات أكثرهم جوعًا فأرسلت في الحال مندوبين من قبلها للنظر في أمرهم، وكانت باكورة أعمالها إقامتها مطابخَ عمومية في مدن رومانيا كلها، وكانت تنفق عليها ما ينيف على ٤٠٠٠٠ فرنك شهريًّا، فخفت بذلك بعض الويلات ونجا كثيرون من الإسرائيليين الرومانيين بهمة رجالها وأعضائها وتحسنت أحوالهم وأشغالهم.
ولم تقتصر الجمعية على مساعدة الرومانيين، بل مدت يد المساعدة إلى الإسرائيليين في سائر أنحاء المسكونة وعملت أعمالًا حسنة تشهد لها بالأيادي البيضاءِ والمآثر الغراءِ، فبذلت قُصارى جهدها في تحسين حالة الإسرائيليين في روسيا وبلاد العجم ومراكش، حيث كانوا مضطهدين اضطهادًا يقرب من التوحش فيُسامون كل أنواع المذلة والهوان، فدلَّ ذلك على أن التعصب المذهبي كان مستحكمًا منهم، وقد اكتفينا هنا بذكر مساعدة جمعية الاتحاد للرومانيين ليقاس عليها في البلاد الأخرى؛ لأننا لو أردنا سرد أعمالها والإسهاب في شرح المساعدات التي أدتها للأمة الإسرائيلية في جهات مختلفة لضاقت عنها المجلدات، ولذلك المعنى إلى ذكرها مكتفين بالتنويه عنها لضيق المقام.
(١-١) مدارس جمعية الاتحاد الإسرائيلي
يزداد عدد مدارس الاتحاد الإسرائيلي سنة فسنة بفضل اهتمام أعضائهِ، فقد أنشأت الجمعية في المدة الأخيرة ستة مدارس كبيرة: اثنتين منها في بلاد العجم، وواحدة في فلسطين، وثلاثة في مراكش.
ففي سنة ١٩٠٠ أحصت الجمعية عدد مدارسها، فكان لها عدا المدارس العالية في باريس مدارس عديدة لتعليم الصنائع والزراعة، ومعاهد لتعليم أصول الديانة ومائة مدرسة ابتدائية منها ٦١ للأولاد و٣٩ للبنات، وعدد تلامذة هذه المدارس يزيد على ٢٦٠٠٠.
وبلغ ما أنفقتهُ الجمعية على التعليم سنة ١٩٠٠ أكثر من ٧٢٠٠٠٠ منها ١٥٥٠٠٠ فرنك للمدارس العالية، و٥٦٥٠٠٠ للمدارس الابتدائية، يضاف إلى هذا المبلغ ٥٠٠٠٠٠ فرنك، وهو ما تبرعت بهِ الجمعيات الأخرى الخيرية لتتميم النفقات المدرسية، فجاءَ هذا دليلًا على الاعتقاد الحسن بالاتحاد الذي ساعد كثيرًا على تنوير العقول ونشر العلوم والمعارف في الشرق وإفريقية.
والذي ينعم النظر في تاريخ جمعية الاتحاد يدهشهُ ما يراهُ من دلائل تقدمها السريع ونجاحها المتواصل، فإن الجمعية أنشأت أول مدرسة لها في تطون سنة ١٨٦٢، أي: منذ ٤١ سنة، ولم يكن للجمعية حينئذٍ دخل كافٍ يقوم بنفقاتها الكثيرة فلقيت بادئَ بدءٍ صعابًا جمة، ولكنها لم تنثنِ عن عزمها فثابرت على خطتها الحميدة بنشاطٍ واجتهاد عارفة أن عملها سيلاقي قبولًا حسنًا في النهاية ومساعدات كبيرة في المستقبل، وتعرف الأمة الإسرائيلية عامة فائدتها فيجود أغنياؤُها بأكف سخية لمساعدتها وعضدها.
قلنا: إن الجمعية أنشأت أول مدرسة لها في تطون وهي ميناءٌ في مراكش، ثم أنشأت مدرسة في طنجة، وأُخرى في بغداد، فكانت تؤسس مدارس جديدة كلما زاد دخلها، وقد أنشأت سنة ١٨٦٧ مدرسة في أندرينويل، وأُخرى في تونس، أما في تركيا فلم تُنشِئ المدارس إلا بعد سنة ١٨٧٤، وذلك لمعاكسات جمة قاومت مشروعها فيها في بادئِ أمرهِ، وسنة ١٨٧٨ أَنشأت مدارس عديدة في بلغاريا، وتبرع بالمال لإنشائها فيها البارون هرش الذي مرَّ بنا ترجمة حياتهِ، وهو المثري الشهير صاحب المآثر البيضاء والهمة الشماء الذي بعد صيتهُ إلى الآفاق.
وسنة ١٨٨٢ أَسست في أورشليم مدرسة كبيرة بمساعدة جمعية المنتاجو في لندن بعد أن قاومت كثيرًا من الصعاب، وهي تعدُّ الآن في مقدمة مدارس الاتحاد الإسرائيلي، وسنة ١٨٨٣ أَنشأت مدرسة فاس في مراكش فنجحت نجاحًا سريعًا.
وتدرجت هذه الجمعية في إنشاء المدارس في جميع الأنحاءِ حتى عرف الناس أجمع أن غرضها الوحيد هو تعليم الشبيبة الإسرائيلية، وتهذيب عقولها بالدرس والعمل، وقد أجمعت الجمعيات الأخرى على مدح خطتها وإظهار شرف غايتها ونبالة مقصدها.
أما في مصر فلم تشرع الجمعية في إنشاء مدارسها إلا سنة ١٨٩٦؛ لأن حالة الإسرائيليين في مصر حسنة للغاية على ما يظهر والمدارس وافرة العدد وافية بالمقصود، ولكن جمعيات أخرى أسست مدارس صغيرة لتعليم الأولاد الفقراء مجانًا؛ ولذلك كانت الطبقة الوسطى من الإسرائيليين ترسل أولادها إلى مدارس الأجانب فلا يلبثون أن يقتبسوا فيها العوائد الغربية حتى ينسوا واجبات ديانتهم ويهملوا أمرها، وهذا أمر ذو بال أوجب جمعية الاتحاد إلى إنشاءِ مدرسة لها في القاهرة لتعليم الأولاد على اختلاف طبقاتهم وتغذية عقولهم بأصول ديانتهم، وقد نجحت نجاحًا باهرًا، وتقدمت تقدمًا سريعًا محسوسًا دلَّ على مهارة مديريها وسهرهم على تثقيف عقول التلامذة، وتعليمهم العلم الصحيح وهي الآن تعد ٥٠٠ تلميذ بين أولاد وبنات.
وسنة ١٨٩٨ وجهت الجمعية أنظارها إلى الإسكندرية وشرعت في إقامة مدرسة فيها، لكن مصاعب شتى حالت دون إتمام المشروع الذي أُرجئ إلى فرصة أُخرى، على أن الأمل وطيدٌ بزوال المصاعب قريبًا بإذنهِ تعالى، فتصير مدرسة الإسكندرية تضارع أُختها التي في مصر تقدمًا ونجاحًا.
ولما انتهت الجمعية من إنشاء بعض المدارس في مصر حولت أنظارها إلى بلاد العجم، فأَنشأت عدة مدارس سنة ١٨٩٨ في جهات متعددة، وتقدمت تقدمًا سريعًا وأدت خدمًا جزيلة للإسرائيليين وعادت عليهم بفوائد جمة.
فبعد مدرسة طهران أُنشئت مدرستان في حمدان، وذلك سنة ١٩٠٠، فأمهما عدد عظيم من التلامذة حتى ضاق نطاقهما عنهم، وقد أُقيمت في هاتين المدرستين محلات خصوصية لتعليم الأشغال اليدوية والخياطة وغيرها.
وسنة ١٨٩٩ كان لجمعية الاتحاد ثمانية مدارس كبيرة في مراكش: اثنتان منها في تطون، واثنتان في طنجة، واثنتان في فاس، وواحدة في موجادور، وواحدة في كاسا بلنكا، وسنة ١٩٠٠ أسست مدارس جديدة في مراكش وناف عدد تلامذتها في شهرين على خمسمائة تلميذ، وسنة ١٩٠٠ أقامت الجمعية مدرستين أخريين للأولاد والبنات، ولا تسأل عن الفوائد التي اكتسبها الإسرائيليون في مراكش من مدارس الاتحاد.
أما في فلسطين فامتدت مدارس الاتحاد إلى جهات عديدة، فبعد مدرسة أورشليم التي أُنشئت سنة ١٨٨٢ أسست مدرسة في يافا سنة ١٨٩٤، ومدرسة في صفد وغيرها سنة ١٩٠٠.
وقد امتدَّ عملُ الاتحاد إلى بلاد المغرب، ولكن لم تتبع الجمعية طريقتها التي تمشت عليها في غيرها من البلاد، فإن في تلك البلاد مدارس كثيرة يتعلم فيها الإسرائيليون ويتقدمون في العلوم والمعارف، ولكنهم لا يخطون خطوة واحدة في سبيل تعليم أصول ديانتهم، فإنهم لا يدرون منها شيئًا ويجهلون تاريخ أمتهم ويهملون أمرها على تكرار الزمن، وهذا هو السبب الجوهري الذي دعا الجمعية إلى تلافي الداء وإيجاد الدواءِ، فكانت فاتحة أعمالها هناك إنشاءَها أندية عديدة في جهاتٍ متعددة لتعليم أصول الديانة الإسرائيلية والتاريخ وغير ذلك مما تهم معرفتهُ، وأسست مدارس خصوصية للبنات لتعليمهنَّ التطريز والأشغال اليدوية؛ حتى يصرنَ قادرات على اكتساب المعيشة بشغل أيديهنَّ.
وقد نجحت مدارس الاتحاد في بلاد المغرب نجاحًا باهرًا في زمن يسير، وأدت خدمًا جزيلة للإسرائيليين، وعزمت الجمعية أن تنشئَ غيرها من المدارس في سائر بلاد المغرب.
ولا يتوهم القارئُ أن جمعية الاتحاد الإسرائيلي أنشأت كل هذه المدارس في الجهات والبلاد لتعليم الإسرائيليين فقط قافلة أبوابها في وجه غيرهم، فإن مدارسها تقبل في صدرها الرحب الأولاد والبنات على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم، وتعتني بتربية الجميع على السواءِ بقطع النظر عن مسائل الاعتقادات الدينية، ومما يدلنا على ذلك الإحصاءُ الأخير الذي وضعتهُ الجمعية عن عدد التلامذة في كل مدارسها، ويظهر منهُ أنهُ يوجد فيها ٣٠٠ تلميذ بين مسلم ومسيحي، ففي مدرسة حمدان خمسة وعشرون تلميذًا من العائلات الإسلامية الشريفة العريقة في الحسب والنسب التي يمتد أصلها إلى الإمام علي، وهو برهان كافٍ ودليل واضح على أن الطوائف الأخرى عرفت غاية الجمعية النبيلة، وأخذت تعتقد فيها اعتقادًا حسنًا لا يشوِّه وجههُ تعصب أعمى، أما الجمعية فقد اجتهدت وتجتهد دائمًا؛ لكيلا تمس اعتقادات تلامذتها بشيءٍ، وتبذل جهدها في العناية بهم وتنوير أذهانهم والسهر على راحتهم، وهذا من الأسباب التي ساعدت على تقدم مدارسها ونجاحها نجاحًا عجيبًا لم تلقهُ جمعية قبلها.
وقد زار بعضٌ من الرجال العظام مدارس الاتحاد في مراكش وبلاد العجم وفلسطين وغيرها، فسُروا كثيرًا بما رأوهُ من منافعها وفوائدها ودلائل تقدمها ونجابة تلامذتها، وأجمعوا على أن عمل الاتحاد نافع جدًّا لا يمحو ذكرهُ كرور الأعوام وتوالي الأيام، وأنهُ يخلد لجمعية الاتحاد أطيب ذكر في صفحات التاريخ يعود على رجالها بالفخر والصيت الحسن.
بيدَ أننا نقر أنهُ وإن كان عمل جمعية الاتحاد الإسرائيلي بلغ مبلغًا حسنًا في إنشاء المدارس ومعاهد العلم والصناعة، فإنهُ لم يصل بعدُ إلى درجة الكمال ولم يفِ بالغاية المطلوبة، ولم ينتج النتائج المنتظرة، واللبيب يدرك لأول وهلة أن السبب فيهِ قلة الدراهم فإنها غير كافية لإيصال العمل إلى منتهاه، ولكن الأمل وطيدٌ أنهُ لا يمضي وقت قليل إلا وتكون مدارس الاتحاد مدارس عظيمة بالغة أوج الكمال يلهج بذكرها الخاص والعام.
المعنى فيما مضى إلى أن جمعية الاتحاد أنشأت مدرسة كبيرة في أورشليم، وهي مدرسة صناعية تعد في مقدمة المدارس بنجاحها ونتائجها الحسنة، وقد زاد عدد تلامذتها في يناير سنة ١٩٠١ على ١١٥ تلميذًا منهم من يتعلم صناعة الحدادة والنجارة، ومنهم أشغال الحفر والنقش وصنع الأحذية وغير ذلك، وفيها من مهرة المعلمين والصناع عدد كافٍ، وكانت مصنوعات المدرسة تباع بأسعار حسنة في أورشليم مع ضيق ذات اليد فيها.
وقد خرج من هذه المدرسة سنة ١٩٠٠ ثمانية وأربعون تلميذًا بعد أن أتموا علومهم فيها ونبغوا في الصنائع، وأُرسل بعضهم إلى المدرسة الصناعية في فريبور لتمرينهم واقتباس ما فاتهم معرفتهُ، وقد رأت الجمعية تقدم المدرسة ونجابة تلامذتها، فأرسلت إليها عددًا وافرًا من التلامذة من جهات مختلفة؛ ليتعلموا فيها ويستطيعوا في المستقبل اكتساب معاشهم بسهولة.
أما دخل وخرج هذه المدرسة فكما يأتي:
س | فرنك | |
---|---|---|
٢٠ | ٧٨٣٦٨ | |
٣٠ | ١٣٤٢٧٧ | مصاريف عمومية |
١٠ | ٥٥٩٠٩ | مدخول |
فيكون العجز مبلغًا عظيمًا كانت الجمعية ترزح تحت ثقلهِ لولا المساعدات العظيمة التي أدتها جمعية الجويتس أسوسيشن، وجمعية المنتاجو في لندن في هذا السبيل، وجُود بعضٍ من أولي البر والإحسان بأكف سخية لسد شيءٍ من ذلك العجز.
وأما مدارس الاتحاد الإسرائيلي بالقاهرة فرئيسها جناب الفاضل المسيو شاول سوميخ، وقد أُنشئت سنة ١٨٩٦، كما تقدم [في الفصل العاشر: الجمعيات عند اليهود – جمعية الاتحاد الإسرائيلي العمومي]، واشترت ملكًا بجانب محافظة مصر فجعلتهُ مدرسة للصبيان وأخرى للبنات، وفي مدرسة الصبيان أستاذان للغة العبرية ومعلمان للإنكليزية وثلاثة للعربية وثلاثة للفرنسوية ومساعد وخدم، وعدد تلامذتها ٣٥٠ منهم ٧٠ تلميذًا يتعلمون مجانًا.
وفي مدرسة البنات معلمتان للفرنسوية ومعلم للعربي ومعلم للإنكليزي، ومعلمة للأشغال اليدوية كالخياطة والتطريز، وما أشبه ومساعد وخدم، وتلميذاتها ١٥٠ تلميذة ٢٠ منهنَّ مجانًا، ولهذه المدرسة فرع بالظاهر في جهة العباسية تعلم فيها ثلاث معلمات إسرائيليات بارعات وفيها ١٥٠ تلميذة.
ولها فرع في الإسكندرية فتح سنة ١٨٩٧ ورئيسهُ حضرة الفاضل المسيو دانون، وفيهِ ١٥٠ تلميذًا و٧٠ تلميذة وعدد معلميهِ ١٢ معلمًا، والأمل أنها تنجح نجاح أخواتها في مصر، وقد زرنا مدارس مصر فأعجبنا نظامها وسرَّنا تقدمها ونجاحها، واهتمام جناب رئيسها وامتدحنا آداب الذين عرفناهم من المتخرجين منها وأمانتهم وبراعتهم في أعمالهم.
(٢) الجمعية الصهيونية
من الجمعيات الكبيرة عند الإسرائيليين في هذه الأيام الجمعية الصهيونية، وغايتها استعمار أرض فلسطين وعمرانها.
أُنشئت هذه الجمعية سنة ١٨٩٦ وعقدت مؤتمرها الأول في مدينة بال بسويسرا سنة ١٨٩٧، وممن اشتهر في الغيرة عليها وعُدَّ من أكبر دعاتها الدكتور هبرسل، فإنهُ بذل جهدهُ ليجعل اليهود ينضوون تحت لوائها ويساعدون إخوانهم لنقلهم من روسيا ورومانيا، والأماكن التي اضطهدوا فيها إلى أرض آبائهم وأجدادهم في فلسطين.
وقد تفرَّع من هذه الجمعية عدة جمعيات انتشر أعضاؤُها بين اليهود في سائر أقطار العالم، وهم يعقدون مؤتمرًا عامًّا كل سنة في مدينة بال يحضرهُ كثيرون منتدبين من الجمعيات الفرعية.
أما عدد المنضمين إليها فينيف على مليون نفس، وعلى كل عضو أن يدفع شلنًا في السنة، ولهذه الجمعية جرائد كثيرة في إنكلترا وأميركا وألمانيا وروسيا ومدارس شتى وشركات مختلفة، وهي غنية بما لها من المساعدات ومن أموالها التي يشتغل بها عمالها.
وأشهر رؤساء الجمعية الصهيونية في فينا الدكتور هرزل، وفي فرنسا الدكتور مارموريك رئيس مستوصف باستور الذي وهبتهُ أرملة المرحوم البارون هرش مليوني جنيه تذكارًا لزوجها المحسن الشهير، وقد نشرنا ملخص ترجمتهما في [الفصل التاسع: تراجم مشاهير اليهود – أغنياء اليهود] من هذا الكتاب.
ولهذه الجمعية العظيمة رئيس في أميركا وآخر في روسيا وأربعة عظماءُ من أشهر مشاهير الإسرائيليين في لندن، أما غاية هذه الجمعيات فواحدة.
وأهم فروع هذه الجمعية «الشركة الإنكليزية الفلسطينية»، وأموالها تدعى الأموال الإسرائيلية الوطنية، وقد جمعت أموالًا لشراء الأرض في فلسطين لليهود واستيطانهم إياها واستغلال خيراتها والتمتع بها، وأخص أشغالها التجارة في الشرق والاكتساب لتلك الغاية الشريفة.
وشركة الاستعمار الإسرائيلية التي تأسست سنة ١٩٠٢، ووهبها المرحوم البارون هرش مليوني جنيه، كما ذكر ذلك الشريف أوسكار ستروس في جريدة الفورم.
ولما كان قصدنا الاقتصار على الإلماع إلى هذه الجمعية العظيمة، وليس التطويل في تاريخها اكتفينا بما تقدم آملين أننا في الطبعة الثانية لهذا المختصر نطيل الشرح في ذلك إن شاء الله، ونستوفي الكلام على بقية الجمعيات عند الإسرائيليين.
هذا ولا ينبغي أن نغفل أن من آثار هذه الجمعيات وخيراتها شراءَ قرية المطلَّة في قضاءِ مرج عيون بولاية بيروت، واستيطان الإسرائيليين لها، وشراءَ أراضٍ في جهات الحولة وطبرية ويافا وحيفا وغيرها، حيث استوطنها اليهود وأبدلوا حالتها من عسر إلى يسر ومن جدب إلى خصب.
(٣) جمعية بني بريت أو عشيرة أولاد العهد المستقلَّة
أُنشئت هذه الجمعية في مدينة نيويورك بأميركا، وهي على نظام الجمعية الماسونية ودعت اسم الجمعية الكبرى المركزية «المحفل الأكبر الأعظم في نيويورك»، وكل ما يتبعهُ باسم «محفل» والغاية من هذه المحافل ضم الشبان الإسرائيليين بعضهم إلى بعض للنظر في مصالحهم العمومية، والمحافظة عليها، وسَبْر غَوْر حقوقهم والسعي في الحصول عليها، وتلبيس الأذهان حلة الإنسانية والشرف، وحب الوطن، وإشراب القلوب محبة العلوم والفنون وتقويتها، وإعانة الأرامل والأيتام والفقراءِ والمحتاجين وعضد عائلات الذين يذهبون ضحية الاضطهاد، وأوجبت على كل عضو من أعضائها أن تكون الخلال الشريفة متأصلة فيهِ، وعواطفهُ كلها مائلة إلى فعل الخير وإقامة العدل وبذل الجهد في تمهيد الطرق التي توصل إلى غرض الجمعية الصالح، وأن لا يضنَّ بشيءٍ مما لدى الأعضاءِ ماديًّا كان أو أدبيًّا توصلًا إلى النتيجة التي ترمي إليها تلك الجمعية الشريفة، وقد زاد عدد محافلها عن ستمائة محفل ولا تزال آخذة في التقدم، ولها أعمال خيرية يضيق هذا المختصر عن سردها فنكتفي بالإلماع إليها.
وقد أنشئَ لها في مصر فرعان سمي أحدهما «محفل ماغين دافيد نمرة ٤٣٦» طبع قانونهُ النظامي في اللغة العربية، ولا يكاد يختلف عن قوانين المحافل الماسونية، ولكن هذا لطائفة الإسرائيليين فقط وذاك لجميع الطوائف بلا استثناءٍ، ورئيسهُ جناب الفاضل موسى بك قطاوي، والثاني محفل ميمونيت نمرة ٣٦٥ يشتغل باللغة الألمانية ورئيسهُ المسيو كزمير أحد موظفي نظارة المالية المصرية، ويوجد محافل أخرى في الإسكندرية وطنطا، وقد أنشئَ لها أجزاخانة في العباسية بمصر واسمها أجزاخانة نيويورك.
وقد اطَّلعنا على كثير من أعمال هذه المحافل المبرورة وقرأنا قانونها ونظاماتها فسُررنا بها وتمنينا لها الخير والتوفيق؛ ولذلك نحث في كتابنا هذا جميع الشبان الإسرائيليين المهذبين على الانضواء تحت لوائها ومساعدة القائمين بشئونها.
وهناك جمعيات أُخرى كثيرة للإسرائيليين في كل مدينة ومملكة ليس من غرضنا التطويل عنها على أن في النفس ميلًا يدعونا إلى العود إليها ثانيةً، فنسأل لها التوفيق في كل أعمالها الصالحة.