رجال الدين
كنا نود أن ننشر في هذا الكتاب فصلًا مطولًا عن رجال الدين الإسرائيلي في هذا العصر، ولكن رأينا الآن أن نكتفي بمختصر تراجم ثلاثة من أعاظم أحبار الطائفة مؤجلين نشر ذلك الفصل إلى الطبعة الثانية إن شاء الله، أما الأحبار الثلاثة المذكورة تراجمهم هنا فقد عرفناهم وحادثناهم، فرأينا فيهم أمثلة التقوى والصلاح والغيرة على مصالح أبناءِ طائفتهم، ولهم شهرة ذائعة في العلم والفضل وعلو الهمة.
(١) الحبر الجليل روفائيل هارون بن شمعون (حاخام باشي مصر وتوابعها)
صاحب هذه الترجمة العالم العلَّامة الحبر الجليل روفائيل هارون بن شمعون حاخام باشي الطائفة الإسرائيلية في مصر وتوابعها، وُلد في مدينة أرباط من ثغور المغرب الأقصى في شهر آب سنة ٥٦٠٧ الموافق لشهر أغسطس سنة ١٨٤٧، ولما بلغ الخامسة من عمرهِ رحل بهِ والدهُ الأستاذ الكامل المرحوم داود بن شمعون إلى القدس الشريف قصد الإقامة فيها وهناك اعتنى بتربيتهِ وتثقيفهِ اعتناءً عظيمًا، وكان والدهُ من خيرة الرجال الأفاضل اشتهر بسمو مداركهِ، وعلو همتهِ، ونال مكانةً رفيعة في عيون أبناءِ طائفتهِ فرفعوا قدرهُ وعظموا مقامهُ، وفي سنة ٥٦١٥ الموافقة لسنة ١٨٥٢ انتخب حاخام باشي لطائفة المغاربة القاطنين بالقدس الشريف، فقام بمهام هذا المنصب الجليل قيام الرجل العاقل الحازم فرفع شأن الطائفة، ومهَّد لها سبل النجاح ونظم عقد جامعتها فبنى لها المدارس والكنائس والملاجئَ ووقف عليها الأوقاف، وكان برًّا تقيًّا كثير الرحمة والشفقة على الفقراءِ والأيتام والأرامل، فلم يكن يطيب لهُ عيش إلا باتخاذ كل وسيلة لراحتهم وتخفيف أحزانهم وجبر قلوبهم، ولا تزال آثار فضلهِ باديةً باهرة في مدينة أورشليم، ولا يزال ذكر أعمالهِ الصالحة يدور على ألسنة الناس بالحمد والشكر.
أما سيادة صاحب هذه الترجمة، فقد أخذ عن والدهِ كل الفضائل الباهرة والمبادئ الشريفة، وتلقى العلوم الدينية في المدارس الكبرى الربانية في أورشليم ونبغ في فن الكتابة والحساب، وكان سكرتيرًا للمرحوم والدهِ في تولي مهام أعمال الطائفة فأظهر في منصبهِ هذا مقدرة الرجال العظام، وكان في أكثر أوقاتهِ يعكف على المطالعة والدرس والتبحر في العلوم والمعارف؛ حتى أصبح عالمًا معدودًا بين علماءِ عصرهِ وكاتبًا نحريرًا وشاعرًا مجيدًا يشار إليهِ بالبنان، وهو الآن مشهورٌ بقوة مداركهِ وتصوُّراتهِ ومعدود من أكابر أحبار الطائفة الإسرائيلية العظام.
ففي سنة ٥٦٣٧ الموافقة لسنة ١٨٧٨ عُيِّن ناظرًا على المدرسة الربانية الكبرى في القدس الشريف، وهي مدرسة خيرية قائمة بإحسان وأوقاف أبناءِ الطائفة الإسرائيلية في فرنسا وأوستريا وجرمانيا، ولما توفي المرحوم والدهُ خلفهُ على منصب الرئاسة فتولى شئون الطائفة بهمة فائقة، وفي سنة ٥٦٥١ الموافقة لسنة ١٨٩١ انتخب حاخام باشي للطائفة الإسرائيلية في مصر وتوابعها، ووردت لهُ البراءَة الشاهانية الرسمية في سنة ٥٦٥٣ الموافقة لسنة ١٨٩٣.
وفي سنة ٥٦٥٦ الموافقة ١٨٩٦ أنعم عليهِ جلالة السلطان بالوسام المجيدي الثاني وسنة ٥٦٦٢، الموافقة سنة ١٩٠٢ منحهُ الوسام العثماني الثاني.
وقد زار سيادتهُ أكثر العواصم الأوروبية مرارًا كثيرة، وجال أيضًا في أمهات مدن المغرب الأقصى، وهو يحسن اللغات العربية والفرنسوية والإيطالية والإسبانيولية، ولهُ عدة مؤلفات جليلة في الديانة اليهودية، وهي الآن تحت الطبع في مطبعة الإسكندرية، وهو دَمِث الأخلاق أنيس المحضر واسع الرواية متواضع في أقوالهِ وأعمالهِ، ومن صفاتهِ محبة القريب والإصلاح بين الناس إلى غير ذلك من الصفات الممدوحة، أدامهُ الله ذخرًا للفضائل والكمالات.
(٢) سيادة الحبر المفضال إيليا حزان (حاخام باشي الطائفة الإسرائيلية في الإسكندرية)
صاحب هذه الترجمة هو السيد الجليل والحبر الفاضل النبيل إيليا حزان ابن الحبر الفاضل حاييم دافيد حزان وحفيد المطوب الذكر الحبر الأعظم دافيد حزان، وُلد في مدينة أزمير في ٢٧ ديسمبر سنة ١٨٤٥ ميلادية، الموافقة سنة ٥٦٠٥ عبرية، ولما كبر وترعرع أحضرهُ جدهُ إلى أورشليم لأجل تربيتهِ وتعليمهِ في المدينة المقدسة، وترك والديهِ الفاضلين في أزمير يتحملان لوعة فراقهِ لفائدتهِ وهما يسكبان دموع المحبة بسخاءٍ، ويسألان لهُ التوفيق، فنشأ على محاسن الأخلاق والتربية الصالحة وتعلَّم العلوم في مدرسة أورشليم الكبرى، ولما كان جدهُ في منزلةٍ عالية بالنسبة لعلمه وتقواهُ وفضلهِ انتُخب حاخام باشي لطائفتهِ في أورشليم، فكان صاحب الترجمة سميرهُ في غربتهِ وتعزيتهُ على فراق ابنهِ وذويهِ، وخصوصًا لما أنهى دروسهُ فسلمهُ جميع أشغالهِ وأعمالهِ، ولما توفاهُ الله كان صاحب الترجمة عارفًا بكل ما يلزم لوظيفتهِ، واقترن صاحب الترجمة سنة ١٨٦١ بالسيدة دينا كريمة حاخام باشي الألمان في أورشليم، وعين كاتمًا لأسرار الطائفة الإسرائيلية في أورشليم سنة ١٨٦٤، وسنة ١٨٦٧ انتُخب عضوًا للمجلس الرباني الأكبر، وفي سنة ١٨٧٤، الموافقة سنة ٥٦٣٤ عبرية عُين حاخامًا على طائفتهِ في طرابلس الغرب ووردت لهُ البراءَة السلطانية بذلك، فقام بمهام منصبهِ الجليل قيام الرجال العظام، وفي سنة ١٨٧٦ أنعم عليه جلالة السلطان بالنشان المجيدي الثاني، وفي سنة ١٨٧٨ منحهُ النشان العثماني الثاني.
وقد جال سيادتهُ في البلدان الأوروبية فزار فرنسا وإنكلترا وإيطاليا والنمسا، وحظي بمقابلة جلالة الإمبراطور فرنسوا جوزيف مقابلة خصوصية، وفي سنة ١٨٨٨ انتُخب حاخامًا على الطائفة الإسرائيلية في الإسكندرية فقام بأعباءِ وظيفته المقدسة خير قيام، وقد أنعم الله عليهِ بخمسة صبيان وأربع بنات فرباهم التربية الصالحة على قويم المبادئِ.
وسيادتهُ من الكُتَّاب المعدودين، لهُ مؤلفات عظيمة الفائدة منها كتاب ديني اسمهُ «تالموت لب»، وكتاب اسمهُ «نيفه شالوم» في عوائد المصريين، وكتاب اسمه «أيسماح موشه» في موضوع مبرات القائد نسيم شماما جنرال تونس، وهذا الكتاب تُرجم إلى الإيطالية لشهرتهِ وأهمية موضوعهِ وحداثتهِ، وهو يتكلم اللغات الفرنسوية والإيطالية والإسبانيولية والعربية والتركية.
وفي يوليو سنة ١٩٠٣ حضر سيادتهُ اجتماع الرؤساء الروحيين الإسرائيليين، وانتُخب رئيس شرف للمؤتمر المذكور في مدينة غاليسيا.
(٣) الحاخام مسعود حاي بن شمعون
هو الشهم الفاضل والهمام الكامل شقيق سيادة حاخام باشي الطائفة الإسرائيلية بمصر، وسكرتير ووكيل حاخامخانة مصر وتوابعها، وُلد في القدس الشريف في ٢١ أيلول سنة ٥٦٢٩ / ٢٧ أغسطس ١٨٦٩، واعتنى والداهُ بتربيته اعتناءً زائدًا، ولما بلغ العاشرة من عمرهِ توفي والدهُ إلى رحمة ربهِ تاركًا أولادهُ فقراءَ مثقلة كواهلهم بالديون الكثيرة، وقد كان — رحمه الله — سخيًّا جوادًا خدم طائفتهُ خدماتٍ جليلة، وكان يأبى أن يأخذ منها أجرًا أو ينتفع بدرهم واحد، وهو من عائلة عريقة في الحسب والنسب، أما أولادهُ وآلهُ فإنهم جاهدوا بعد وفاتهِ جهاد الأبطال، وتمكنوا بجدهم وثباتهم من إيفاءِ ديون المرحوم والدهم كلها حرصًا على شرف العائلة ومقامها الرفيع.
وتلقى صاحب الترجمة العلوم الدينية في المدرسة الكبرى الربانية بالقدس الشريف، وخرج منها بعد أن أتم دروسهُ كلها وظهرت عليهِ علائم الفضل والكفاءة والذكاءِ.
وفي سنة ٥٦٥٣ الموافقة سنة ١٨٩٣ عُيِّن سكرتيرًا ووكيلًا لحاخامخانة مصر وتوابعها، ولا يزال إلى اليوم قائمًا بمهام وظيفتهِ بهمةٍ ونشاط وأمانة، وفي سنة ٥٦٥٧ الموافقة سنة ١٨٩٧ أنعم عليهِ جلالة السلطان بالوسام المجيدي الرابع، وفي سنة ٥٦٦٣ الموافقة سنة ١٩٠٣ انتدب عضوًا من قبل الطائفة الإسرائيلية في مصر لحضور مؤتمر رؤساء الدين الإسرائيلي الذي عُقد في مدينة غاليسيا، وفي أثناءِ سياحتهِ مع سيادة الحبر الفاضل الحاخام باشي الإسكندري زار العواصم الأوروبية، وهو محبوب مكرمٌ من أبناءِ طائفتهِ التي يقوم بخدمتها بأمانة وإخلاص، لا يألو جهدًا في كل ما يَئُول إلى إنجاحها وعلو شأنها، وحضرتهُ يجيد القراءة والكتابة باللغات العبرانية والعربية والإسبانيولية، ويحسن التكلم باللغات الفرنسوية والإيطالية.