انتشار اليهود وتاريخهم
(١) آباءُ اليهود الأوَّلون
إبراهيم بن تارح، من نسل سام من سلالة حابر، وُلد في أور الكلدانيين، وما زال هناك إلى أن أمرهُ الله قائلًا: انطلق من أرضك ومن عشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك، وأنا أجعلك أمة كبيرة، فقام وأخذ ساراي امرأتهُ وارتحل هو وأبوهُ تارح وبعض أفراد عائلتهِ من أور يقصدون أرض كنعان فنزلوا في حاران (اسم مكان أو مدينة موقعها في الشمال الشرقي مما بين النهرين بين الفرات وخابور، ولا تزال معروفة باسمها القديم وموقعها على شاطئ نهر بليك نحو ٥٠ ميلًا من مصبهِ في الفرات، ويزعم الدكتور بيك أنها حاران الحديثة بجانب بحر العتيبة بقرب دمشق)، وما زال إبراهيم ومن معهُ في حاران إلى أن مات تارح، فمضى حينئذٍ على هجرتهِ إلى أرض كنعان فوصل إلى شكيم، وهي من أقدم مدن فلسطين (هي سوخار واسمها اليوم نابلس وعدد أهلها ٩٠٠٠ نفس).
وكان لإبراهيم ولد من جاريتهِ هاجر اسمهُ إسماعيل رُزِقهُ قبل ابنهِ الآخر إسحاق من زوجتهِ سارة، وقد جاءَ في التوراة أن إسماعيل هذا هو أبو أكثر قبائل البدو والرحَّل في الشرق والعرب ينتسبون إليه، فالعرب واليهود أبناءُ العم.
وعاد إبراهيم فتزوج في أخريات أيامهِ، فولد لهُ عدة بنين وبنات، ومات وعمرهُ مائة وخمس وسبعون سنة، وورثهُ ابنهُ إسحاق، وهو الجد الثاني لليهود.
ومن يمعن النظر في سيرة إبراهيم وأخلاقهِ وأفعالهِ، وينظِّر بينها وبين المشهود عن اليهود اليوم يتضح لهُ شدة ما قاساهُ هذا الشعب من الضيق والاضطهاد والضغط الشديد، حتى تبدلت أخلاقهُ عما كان عليهِ أسلافهُ كإبراهيم ومن جاءَ بعدهُ، ولا عجب في ذلك فثمرة الظلم والاستبداد والضغط واحدة في جميع الشعوب والأمم ولا تقتصر على اليهود، والتاريخ مشحون بحكايات ما آلت إليهِ أحوال الشعوب التي مُنيت بالظلم والاستعباد قرنًا بعد قرن وعصرًا بعد عصر، وإذا صحَّ أن اليهود إخوة العرب أبطال الصحراءِ وصدقنا ما رواهُ المؤرخون عن بسالتهم التي أبدوها في حروبهم وحصار أورشليم وقمعهم ملوك سوريا من خلفاءِ الإسكندر، علمنا أن جزءًا كبيرًا من هذه التهم التي لصقت بهم في العصور المظلمة وظلت آثارها ظاهرة في عصرنا هذا إنما منشؤُهُ الكره والحقد والتعصب الديني الأعمى، وسنعود إلى الكلام في هذا الشأن في بابهِ الخاص بهِ.
وإسحاق لفظة عبرانية معناها «يضحك»، فلما ماتت والدتهُ تزوج بابنة ابن عمهِ من بين النهرين وجاء بها إلى أرض كنعان، ووُلد لهُ منها ابنان توأمان عيسو ويعقوب، وتوفي ولهُ من العمر مائة وثمانون سنة.
ويعقوب ابنهُ هو جد اليهود الثالث، ولقبه إسرائيل وإليهِ ينتسب اليهود فيقولون: إسرائيليون، وفي أيامهِ انتقلت أسرتهُ إلى مصر كما سيأتي.