موسى والخروج من مصر
قضى الإسرائيليون في مصر نحو أربعمائة سنة ذاقوا في خلالها حلاوة رغد العيش وصفائهِ، وتجرعوا مرارة الذل والاستعباد، فبعد أن قبلهم الفراعنة على الرحب والسعة وأقطعوهم الأراضي الخصبة لهم ولمواشيهم عادوا فانتقضوا عليهم واستبدوا بهم وأقرُّوا على قرضهم من مصر، فاتخذوا لذلك جميع الوسائل من مثل تشغيل الرجال بالأشغال الشاقة، وقتل الذكور من المولودين فيهم، ولا يعلم بالتأكيد أي الفراعنة بدأ بظلمهم والجور في معاملتهم، وإنما يظنُّ كثيرون من علماء الكتاب أنهُ آمس (أموسس) الأول، وهو أول ملوك السلالة الثامنة عشرة، وقال بعضهم: بل هو رعمسيس الثاني (الملك الثالث من الأسرة التاسعة عشرة)، وهو سيزوستريس اليوناني صاحب الغزوات المشهورة والمباني الفخيمة.
ولم تنتهِ علاقات الإسرائيليين بالمصريين عند الخروج، فإنهُ بعد قيام الملكية فيهم عادت المواصلات بين الفريقين، فكان بعضها حبيًّا سلميًّا، وبعضها حربيًّا عدائيًّا، فمن ذلك أن سليمان بن داود تحالف مع ملك مصر واتخذ ابنتهُ زوجة لهُ، ومنها أن المصريين غزوا أرض كنعان فأخضعوها وقتلوا أحد ملوك الإسرائيليين ثم عادوا مرة أخرى فأعانوهم على رد هجمات البابليين، هذا فضلًا عن الروابط التجارية والصناعية التي كانت بين البلادين، كما ورد في أخبار ملوك بني إسرائيل، فقد كانوا يأتون بالخيل ونحوها من مصر، ويصنعون فيها المركبات، ثم إن مقام الإسرائيليين في مصر زمانًا طويلًا كالذي أشرنا إليهِ أثَّر في أخلاقهم وعاداتهم وأساليب معيشتهم، والظاهر أنهم تناولوا الشيءَ الكثير عن المصريين الذين كانوا في أوج مجدهم، ومنتهى عزهم وسؤددهم حتى كانوا أرقى الأمم المعروفة في ذلك العصر وأشهرها في العلوم والمعارف، وقد بدا شيءٌ من هذا التأثير في الإسرائيليين أيام كانوا في البرية والتيه، كما يرى من مراجعة أخبارهم المدونة في سفر الخروج من التوراة.
لا ندري كيف يبحث العلماءُ عن فرعون موسى بحثًا علميًّا، وهم لم يجدوا حتى الآن دليلًا واحدًا أثريًّا على أن بني إسرائيل كانوا ساكنين في مصر، وهذا لا ينفي رواية التوراة، ولكنهُ يمنع رجال العلم من البحث عن فروع قضية بحثًا علميًّا قبل إثبات القضية نفسها إثباتًا علميًّا، فعلم الآثار المصرية لم يثبت حتى الآن أن بني إسرائيل كانوا ساكنين في مصر في عهد منفتاح أو قبلهُ، فكيف يستطيع أن يبحث عن خروجهم من مصر في زمنهِ أو زمن غيره (انظر المقتطف مجلد ٢٥ صفحة ١٨٤).
قد جمعت حبوبًا، وأنا خليل إله الغلَّة، فكنت ساهرًا وقت الزرع، وعندما صار جوع مدة سنين عديدة قد فرقت الحبوب في المدينة في كل الجوع.