ديانة اليهود وشريعتهم وفرقهم
الديانة اليهودية مؤسسة على الدستور الذي أعطاهُ الله لموسى نبيهِ مكتوبًا على لوحي الحجر، وهذا الدستور هو الوصايا العشر المشهورة، وهي أساس اعتقادهم بإلهٍ واحد عظيم قادر — كما أنها أساس اعتقاد المسيحيين — وكيفية عبادتهِ وإكرامهِ, وما يتوجب على عبَّادهِ من الأعمال، وما يجب عليهم اطراحهُ والابتعاد عنهُ.
- (١)
أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.
- (٢)
لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهنَّ ولا تعبدهنَّ؛ لأني أنا الرب إلهك إلهٌ غيور أفتقد ذنوب الآباءِ في الأبناءِ في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ، وأصنع إحسانًا إلى ألوفٍ من محبيَّ وحافظي وصاياي.
- (٣)
لا تنطق باسم الرب إلهك باطلًا؛ لأن الرب لا يبرئُ من نطق باسمهِ باطلًا.
- (٤)
اذكر يوم السبت لتقدسهُ، ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيهِ سبت للرب إلهك، لا تصنع عملًا ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأَمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك؛ لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، واستراح في اليوم السابع؛ لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسهُ.
- (٥)
أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك.
- (٦)
لا تقتل.
- (٧)
لا تزنِ.
- (٨)
لا تسرق.
- (٩)
لا تشهد على قريبك شهادة زور.
- (١٠)
لا تشتهِ بيت قريبك، لا تشتهِ امرأة قريبك ولا عبدهُ ولا أمتهُ ولا ثورهُ ولا حمارهُ ولا شيئًا ممَّا لقريبك.
أما ما بقي من أحكام الشريعة الخاصة بالعبادة والطقوس والمعاملات المدنية والعقوبات، فموجودة في التوراة على الوجه الذي أُوحي بها إلى موسى، ونحن نأتي على خلاصتها هنا نقلًا عن كتاب سوسنة سليمان في العقائد والأديان.
- أولًا: تكريس هارون أخي موسى وبنيهِ لخدمة الكهنوت، وما يتعلق بالشرائع والقوانين لتقديس اللاويين وتعيين ما ينبغي إعطاؤهُ لهم من الأملاك والعشور والنذور وغلات البيادر وقطر المعاصر وأوائل القطاف وباكورة الأثمار وأبكار الأنعام وسائر الحيوانات، أما أبكار البنين فيؤخذ عنهم مقدار معلوم من الفضة فداءً، إذ إن الله اختار سبط لاوي ليخدمنهُ بدلًا عنهم.
- ثانيًا: الشرائع والنظامات المختصة بالذبائح والقرابين، وهي تشرح بالتدقيق الذبائح المتنوعة التي ينبغي أن تكون من الحيوانات والطيور المعينة لطهارتها ونقاوتها، وكيفية تقديمها لأجل المحرقة والسلامة والخطية والإثم، مع الإبانة عن أنواع الخطايا التي تتقدم لأجلها والنهي عن تقديم البنين والبنات محرقات، كما يفعل الوثنيون الذين يحرقون أولادهم قربانًا لآلهتهم، ثم تفاصيل السنن المتعلقة بالنجاسات والتطهيرات المختلفة والملابس والمواكيل، ومنها النهي عن طبخ الجدي بلبن أُمهِ.
- ثالثًا: السنن المتعلقة بالأعياد، وهي تشمل خمسة أعياد يعيدونها لله في السنة، وهي: عيد الفطير أو الفصح، وعيد الحصاد، وعيد رأس السنة، وعيد الصوم الكبير، وعيد الجمع أو المظال في اليوم الخامس عشر من أول السنة، وكما يكون أيضًا كل يوم سابع من الأسبوع سبتًا لله لا يعمل فيهِ أدنى عمل، كذلك تكون كل سنة سابعة أيضًا سبتًا لا تُزرع فيها الأرض ولا يُقطف الكَرْم، بل تُترك الأرض عطلًا وغلات الكروم تكون مأكلًا لفقراءِ الشعب ووحوش البرية، وهكذا كل سبعة أسابيع من السنين تكون السنة التي بعدها، أي الخمسين يوبيلًا، وهي سنة مقدسة لا يكون فيها زرع ولا حصاد أيضًا، ويُنادى فيها بالعقق في الأرض لجميع سكانها، فيرجع كلٌّ إلى ملكهِ وإلى عشيرته، إذ لا يبقى فيها دين ولا رفيق؛ ولذلك ينبغي أن يكون بيع أملاكهم بعضهم إلى بعض بحسب غلة الملك المبيع منذ يوم بيعهِ إلى سنة اليوبيل المذكورة، وهكذا يشتريهِ المشتري، إذ فيها يلزم أن يرجع إلى بائعهِ الذي هو مالكهُ الأصلي، ولا يستثنى من ذلك إلَّا بعض البيوت التي تكون داخل المدن ذات الأسوار إذا لم تُفك قبل أن تكمل سنة واحدة من زمان بيعها.
ثم في هذا القسم أيضًا توجد أحكام هذا الدين السياسية، ونلخصها هنا؛ لكونها صارت أصلًا لكثير من الشرائع الآتية بعدها، ولا سيما عند الذين يرون من الواجب مزج الأحكام السياسية بالأوامر الدينية.
فمن شروط المحاكمات فيهِ عدم المحاباة مع المسكين أو احترام وجه الكبير أو تحريف الدعاوى، أو قبول الخبر الكاذب، أو الإصغاء إلى شاهد واحد، بل على فم شاهدَيْن أو ثلاثة يصير إثبات المدعى، والنهي عن أخذ الرشوة، والجور في القضاء، ووجوب اليمين على المنكر، والقسامة على أهل المدينة الأقرب إلى محل قتيل يوجد في الحقل ولا يُعرف قاتلهُ.
ومن أحكام هذه الشريعة أن لا يُسلم عبد آبق إلى مولاهُ، بل يبقى عند من يلتجئُ إليهِ ما طابت نفسهُ، وأن العبد من بني إسرائيل يخدم مولاهُ ست سنين ويخرج في السابعة حرًّا مجانًا، فإن كان متزوجًا تخرج امرأتهُ معهُ، إلَّا إذا كان سيدهُ قد أعطاهُ إياها، ولو ولدت لهُ أولادًا فلا يخرج إلا هو وحدهُ، وأما المرأة وأولادها فيبقون في قبضة السيد، وإذا أراد العبد أن لا يفارق امرأتهُ وأولادهُ وأراد أن يبقى عبدًا فيأخذهُ مولاهُ ويقربهُ إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب أذنهُ بالمثقب، ومن ثمَّ يبقى في خدمتهِ إلى الأبد، وإذا باع رجل ابنتهُ أمةً فلا تخرج كما يخرج الرجل، بل إذا قبحت في عين سيدها الذي خطبها لنفسهِ يدعها تُفك وليس لهُ سلطان أن يبيعها لقوم أجانب لغدرهِ بها، وإن خطبها لابنهِ فبحسب حق البنات يفعل لها، وإن اتخذ لنفسه أخرى فلا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها، وأما الأسير من الأغراب فيكون لهم عبدًا يتوارثونهُ إلى الأبد.
- الأول: القتل، وهو يشمل من ضرب إنسانًا فمات، ومن غدر برجل فقتلهُ عمدًا فإنهُ يُقتل ولو التجأ إلى مذبح الله ليحتمي من الموت، ومن شتم الله، ومن ضرب أباهُ أو أمهُ أو شتمهما أو تمرَّد عليهما وعصاهما، ومن سرق إنسانًا وباعهُ أو أبقاهُ في يدهِ، وصاحب الثور النطاح إذا كان أُشهد عليهِ من قبل ولم يضبطهُ، ثم نطح إنسانًا وقتلهُ، فإن صاحب الثور يُقتل والثور يُرجم، ومن يعمل عملًا في يوم السبت، والسحرة ومن كان بهِ جان أو تابعة فإنهُ يرجم بالحجارة حتى يموت، ومن ضاجع بهيمة من الرجال والنساء يُقتل مع البهيمة أيضًا، ومن أعطى من زرعهِ للأوثان، والزاني بامرأة قريبهِ والتي زنى بها، والزاني بامرأة أبيهِ أو كنتهِ ومضاجع الذكور والزاني بعذراءِ مخطوبة (أعني مقدسة بخاتم التقديس)، وإذا حصل ذلك داخل المدينة أو في الحقول والبراري والتي زنى بها، وأما إذا وقع ذلك في الحقول فيُقتل الرجل فقط، وأما الفتاة فلا، إذ لم يكن هناك من يخلصها لو صرخت، والفتاة التي إذا تزوَّجت وادَّعى زوجها بأنهُ لم يجد لها عذرة ووجد الأمر صحيحًا جميعًا يُقتلون، أما من اتخذ امرأة وأمها فيُحرقون جميعًا بالنار، وأما من قتل نفسًا بغير قصد، واستطاع أن يصل إلى مدينة من مدن الملجأ الست التي أمر الله بإقامتها ثلاثًا منها في عبر الأردن، وثلاثًا في أرض كنعان لمثل فاعل هذا الفعل قبل أن يلحقهُ ولي الدم ويقتلهُ في الطريق، فإنهُ يبقى في المدينة التي يصل إليها إلى موت الكاهن العظيم، ومن ثمَّ يرجع إلى ملكهِ ولا حرج عليهِ، أما إذا خرج منها قبل ذلك وقتلهُ ولي الدم فيكون دمهُ هدرًا ولا يُقتل الآباء عن الأولاد ولا الأولاد عن الآباءِ، بل كل إنسان يموت بخطيتهِ.
- والثاني: القصاص بمثل الذنب أعني العين بالعين والسن بالسن واليد باليد والرجل بالرجل والكي بالكي والجرح بالجرح والرض بالرض،١ أما إذا ضرب الإنسان عبدهُ أو أمتهُ بعصًا ومات المضروب فينتقم منهُ، ولكن إن بقي المضروب بعدها حيًّا يومين أو ثلاثة فلا ينتقم منهُ؛ لأنهُ مالهُ، وأما إذا أَتلف عين عبدهِ أو أمتهِ أو أسقط لأحدهما سنًّا فيلزم عتقهُ.
- ثالثًا: أحكام الدية وهي تشمل الضارب إذا عطل إنسانًا بضربهِ إياهُ عن عملهِ، فيلزم أن يعوض عطلتهُ وينفق على شفائهِ، والذي يعدم في أثناء خصامٍ مع آخر امرأة حبلى ويسقط جنينها بدون أذية فيلزمهُ أن يغرَّم المقدار الذي يطلبهُ منهُ زوج المرأة، وأما إن حصل أذًى فترجع المسألة إلى حكم القصاص بالمثل أعني النفس بالنفس والعين بالعين إلخ، وكذلك صاحب الثور النطَّاح إذا أراد أهل المقتول أن يضعوا عليهِ ديةً فداءً عن نفسهِ.
- رابعًا: الجلد، فإن المذنب المستوجب الضرب يطرحهُ القاضي ويجلدونهُ على قدر ذنبهِ، بحيث لا يزيد على أربعين جلدة.
- خامسًا: إذا أمسكت امرأة عورة رجل تُقطع يدها، وإذا نطح ثور رجلًا أو امرأةً فمات المنطوح، يُرجم الثور ولا يؤكل لحمهُ، وإن نطح عبدًا أو أمةً يُعطى صاحبهُ ثلاثين شاقلًا من الفضة والثور يُرجم، وإن وقع ثور أو حمار في بئر أو حفرة لم يغطهما صاحبهما فصاحب البئر أو الحفرة يعوض من صاحب الحيوان دراهم والميت يكون لهُ، وإن نطح الثور ثورًا فمات المنطوح يباع الثور الحي، ويقسم ثمنهُ بين صاحب الثور الحي، وصاحب الثور الميت، وكذلك يقتسمان الميت أيضًا، لكن إذا كان الثور معروفًا بأنه نطَّاح من قبل ولم يضبطهُ صاحبهُ، فيعوض من الثور الميت بثور حي والميت يكون لهُ، ومن يسرح مواشيه لترعى حقل غيرهِ فيلزمهُ العوض من أجود حقلهِ وأجود كرمهِ، وكذا من أوقد وقيدًا أصابت نارهُ شوكًا فأحرقت أكداسًا أو زرعًا أو حقلًا، وأما من أودع عندهُ فضة أو أمتعة للحفظ وسُرِق ذلك من عندهِ، فإذا وجد السارق فعليهِ العوض باثنين وإلا فعلى الأمين اليمين بأنهُ لم يمد يدهُ إلى ملك صاحبهِ، وهكذا في كل دعوى جناية من جهة حيوانات أو مفقود ما يُقال إن هذا هو تقدم دعواهما إلى الله، والذي يُحكم عليهِ بالذنب يعوض من صاحبهِ اثنين، وكذا من أودع عندهُ حيوان أو غيرهُ فمات أو انكسر أو نهب وصاحبهُ غائب لا يلزمهُ إلَّا اليمين فقط، وليس عليهِ عوض، وأما إن سُرِق من عندهِ فيلزمه العوض، وإن افترس فعليهِ أن يحضر شهادة ولا يعوض، ومن استعار من صاحبهِ شيئًا فانكسر أو مات وصاحبهُ ليس معهُ فعليهِ العوض، وأما إن كان صاحبهُ معهُ فلا يلزم ذلك، وإن كان مستأجرًا أتى بأجرتهِ.
- سادسًا: أحكام السرقة وهي إذا سرق إنسان ثورًا أو شاة فذبح ما سرقهُ أو باعهُ فيلزمهُ أن يعوض عن الثور بخمسة ثيران، وعن الشاة بأربعة من الغنم، وإذا ضُرِب السارق ومات وهو ينقب فليس لهُ دم، ولكن إذا أشرقت عليهِ الشمس فلهُ دم؛ لأنهُ يعوض وإن لم يكن لهُ ما يعوض فيباع بسرقتهِ، وإن وجدت السرقة في يدهِ، وكانت ثورًا أم حمارًا أم شاةً بالحياة فيلزمهُ العوض باثنين.
- سابعًا: أحكام الزنا وهي من راود عذراءَ لم تُخطب وضاجعها يلزم أن يمهرها لنفسهِ زوجة، فيعطي أباها خمسين من الفضة، وتكون زوجة لهُ لا يقدر أن يطلقها كل أيامهِ، وإن أبى أبوها أن يعطيهُ إياها يزن لهُ فضة كمهر العذارى وغير ذلك، كما هو مذكور في سفر التكوين، وإذا أخذ رجل أختهُ بنت أبيهِ أو بنت أمهِ أو اضطجع مع امرأة طامث يُقطعون جميعًا من شعبهما، وكذلك من كشف عورة أخت أمهِ أو أخت أبيهِ أو امرأة عمهِ أو امرأة أخيهِ، فإنهم جميعًا يحملون ذنوبهم ويموتون عقيمين، وإذا اتهم رجل امرأتهُ يأتي بها إلى الكاهن فيوقفها الكاهن أمام الرب ويأخذ ماءً مقدسًا في إناءِ خزفٍ ويضع فيهِ من الغبار الذي في أرض المسكن، ثم يحلِّف المرأة بأنها لم تزغ ويكتب اللعنات التي يهددها بها في كتاب ويمحوها في الماءِ المر ويسقي المرأة ماءَ اللعنة المر، فإذا كانت قد تنجست وخانت، فيرم بطنها ويسقط فخذها وإلا فلا، ثم إن باقي أحكام الزنا قد ذكرت في أحكام القتل.
وأما أحكام الزواج فهي أن لا يكشف الرجل عورة أبيهِ ولا عورة أمهِ ولا امرأة أبيهِ ولا أختهِ ولا ابنة ابنهِ ولا ابنة بنتهِ ولا أختهِ من أبيهِ ولا عمتهِ ولا خالتهِ ولا امرأة عمهِ ولا كنتهِ ولا امرأة أخيهِ ولا امرأة وبنتها، ولا ابنة ابنها ولا ابنة بنتها، ولا تُؤخذ أخت المرأة للضرِّ في حياة أختها، وأما بعد وفاة الزوجة فمرخَّص، ولا تقرب المرأة في أيام طمثها، والمتزوج جديدًا لا يخرج في الجند، بل يبقى حرًّا سنة واحدة ويسرُّ امرأتهُ التي أخذها، وإذا تزوج الرجل بامرأة ولم تجد نعمة في عينيهِ أو وجد فيها عيبًا فيكتب لها كتاب طلاق ويطلقها، ثم إذا تزوجت رجلًا آخر وطلقها أو مات الرجل الثاني فلا يجوز لزوجها الأول أن يراجعها، وإذا مات رجل عن غير ولدٍ يأخذ أخوهُ امرأتهُ والبكر الذي تلدهُ يقوم باسم أخيهِ الميت.
وهناك أوامر ونواهٍ وآداب لهذا الدين متفرقة في هذا القسم، أما الأوامر فهي بردِّ كل مفقود يجدهُ الإنسان لأصحابه، ومساعدة المبغض أيضًا في حل حمارهِ إذا كان واقعًا تحت حملهِ، والقيام من أمام الأشيب، واحترام الشيخ، وإباحة الأكل من الكَرْم الذي يدخلهُ الإنسان بقدر شبعهِ، بحيث لا يحمل منهُ شيئًا إلى الخارج، وهكذا أيضًا من الزرع، فإن لهُ أن يقطف السنبل بيدهِ ويفركهُ ويأكلهُ، ولكن لا يرفع عليهِ منجلًا، وأما النواهي فهي النهي عن اضطهاد الغريب ومضايقتهِ، والنهي عن الإساءة إلى الأرملة واليتيم، وعن أخذ الربا ممن يقترض فضة من بني المذهب بخلاف الأجنبي (الذي لا يعترف بالله سبحانهُ)، فإن أخذ ذلك منهُ جائز، والنهي عن إبقاءِ ثوب مرهون من صاحبهِ إلى ما بعد غروب الشمس، وعن لعن رئيس الشعب، وعن موافقة المنافق والموافقة على عمل الشر، وعن تعويج كلام الأبرار، وعن الجور في الموازين والمكاييل، وأن لا يكون في كيس الرجل أوزان مختلفة كبيرة وصغيرة (وذلك لوزن دراهم التعامل)، والنهي عن طلب الانتقام والحقد، وعن إبقاءِ أجرة الأجير وطنيًّا كان أو غريبًا إلى الغد، بل تُعطى قبل غروب الشمس، والنهي عن شتم الأصمِّ، وعن وضع معثرة أمام الأعمى، واستعمال العرافة والصيافة والفال والسحر والرقى وسؤال الجان والتوابع واستشارة الموتى، ولبس الرجل ثوب المرأة، والمرأة ثوب الرجل، وأخذ الطيور الحاضنة مع فراخها، وترك سطح البيت بلا حائط يصونهُ؛ لئلا يسقط أحد منهُ، وزرع الحقل الواحد صنفين، ولبس ثوب مختلط صوفًا وكتانًا، وإبقاءِ جثة المقتول بجناية إلى الغد إذا كان مُعلقًا على خشبة؛ لأنَّ المعلَّق ملعون من الله، ودخول ابن زنا من امرأة رجل ثانٍ أو من المحرم زواجهنَّ لهُ لا يدخلون في جماعة الرب للأبد، وأما عموني أو موآبي إلى الجيل العاشر، وإدخال أجرة زانية أو ثمن كلب إلى بيت الربِّ عن نذرٍ، ورجوع الرجل إلى حقلهِ ليأخذ حزمة الحصيد التي يكون قد نسيها فيهِ، بل يتركها للغريب واليتيم والأرملة، وكذلك مراجعة أغصان الزيتون بعد خبطها، وتكميم الثوار في الدراس. ا.ﻫ. والخلاصة أن عدد وصايا وأحكام الشريعة الإسرائيلية ٦١٣، وبيانها ٢٤٨ وصية عمل، و٣٦٥ وصية عدم عمل.
والمتأمل يرى من هذه الخلاصة أن الشريعة اليهودية المدنية كانت أساسًا لكثير من الشرائع التي جاءت بعدها عند غيرهم من الأمم، وأنها كانت لتلك بمثابة الأم، ومع أن أحكامها أُنزلت منذ آلاف من السنين وفي أحوال خاصة لعمران شعب خاص فلا يزال جزءٌ كبير منها يعمل بهِ في الشرائع المدنية إلى يومنا هذا، أضف إلى ذلك أن الإسرائيليين ظلوا عصورًا بأسرها الشعب الوحيد الذي يؤمن بإلهٍ واحد، وأنهم حفظوهُ فيهم إلى أن انتشر بين غيرهم يتضح لك ما لهذه الأمة من الشأن في عمران العالم بأسرهِ لما كان لها من التأثير في معتقدهِ وشرائعهِ، وهذا التأثير لا يزال إلى يومنا هذا.