مَع علي مُصطفى مشرفة
نُجِلُّ في الأستاذ مشرفة علمه الواسع وأدبه الجم. غير أن العلم بالقواعد شيء، وإمكان نقلها من لغة إلى لغة شيء آخر. فالأستاذ مهما كان متضلعًا في علمه متنطسًا فيه، فإنه لا يستطيع أن ينقل هذا العلم من اللغة التي تعلمه بها إلى لغته الأصلية بسهولة. فإن مهنة الترجمة مغايرة تمامًا لمهنة التدريس، ولا تكاد تنزل عنها قدرًا، بل نظن أن المترجم أكثر مسئولية من المعلم.
سمعت مرة من أحد كبار رجال التعليم أنه من الممكن الاكتفاء بقليل من الأفندية الذين يحررون الخطابات في وزارة المعارف ليقوموا بمهمة الترجمة العلمية. ويكاد يكون هذا القول مثالًا لما يقوم في أذهان الكثيرين من رجال التعليم عندنا فيما هي الترجمة العلمية. والحق أن الترجمة العلمية مهنة لا تدرس، ولكنها ملكة تزود المترجم بقدرة خاصة على إدراك المعاني على حقيقتها، وعلى نقلها صحيحة إلى لغة أخرى. وهذا ما لا يتيسر للكثيرين من الكتاب، بل وللعدد الأكبر من الأساتذة. وأكبر مثال على هذا مقال الأستاذ مشرفة الذي نشر في الجديد.
وأول ذكر للسديم الأكبر في «برج الجبار» نجده في كتابات راهب جزويتي سويسري اسمه كيساتوس عام ١٦٨٠.
وفي عام ١٨٨٠ نجح هنري دريبر في الحصول على أول صورة فوتوغرافية للسديم الأكبر في برج الجبار.
ثم إن كمن وروبرتس حصلَا في سنة ١٨٨٨ لأول مرة على صورة ظاهرة فيها النظام اللولبي للسديم الأكبر في برج أندروميدا.
والحقيقة أن الفرق كبير بين ما يسميه «برجا»، وبين الحقيقة الفلكية والاصطلاحية. فإذا قلت «برج الجبار» أضفت إلى البروج الاثني عشر برجًا جديدًا غير معروف لا في الشرق ولا في الغرب. فالبرج هو مجموع النجوم الذي يكون عند الأفق مدة شهر من الزمان حيث تغيب الشمس. وهذا الاسم هو الذي أطلقه عليه القدماء، وقالوا إن الشمس تغيب في هذا البرج أو ذاك بحسب غيابها في شهور السنة. وكانوا قد قسموا السنة إلى اثني عشر شهرًا، فقالوا إن البروج اثنا عشر حسب شهور السنة، وسموها بأسماء مختلفة، وقد جمع بعضهم أسماءها العربية بقوله:
وكان القدماء قد انتبهوا إلى أن موقع الشمس بين الكواكب يتغير من يوم إلى آخر مدة السنة، ثم يعود في بداءة السنة التالية كما كان في بداءة التي قبلها وهلم جرا، كأنها تنتقل في منطقة من الكواكب على مدار السنة أو كأن تلك المنطقة تدور حول الأرض دورة كاملة كل سنة، فقسموا نجومها ١٢ قسمًا متساويًا سموها منازل. فكل قسم منها يقابل ثلاثين يومًا، وسموها بأسماء أكثرها من أسماء الحيوانات. ووصل هذا التقسيم وهذه الأسماء إلى اليونان فالسريان فالعرب. واسم البرج في اللغة البابلية «منزلة»، فلما انتقل هذا التقسيم إلى اليونان سموا البرج «رود كانيموريا»، أي جزء من اثني عشر كما ورد في كلام أفلاطون. وسماها العبرانيون في التوراة «متسلوث» نقلًا عن اللغة البابلية، والظاهر أن اليونان استعملوا أيضًا كلمة «برجس» للمنزلة من دائرة البروج، فعربها السريان ومنهم نقلت إلى العربية كما أثبته العالم فرنكل الألماني راجع «بسائط علم الفلك لصروف».
إذن فالفرق كبير بين البرج والكوكبة، وهذا ما كان من الواجب أن يلاحظه الأستاذ قبل أن يمضي في بحثه هذا.