مَع حَافظ محمُود
كما أن الطبيعة تتخير طبقات (كذا) الأنواع، فتنتخب ما هو أصلح للبقاء ويجعل العلماء في هذه السنة الطبيعية نظرية يسمونها «الانتخاب الطبيعي»، كذلك أزعم أن لهذه السنة الطبيعية صلة اجتماعية تعمل في المجتمعات على انتخاب أصلح النظم للبقاء. وأحب أن نجعل من هذه السنة نظرية أسميها «الانتخاب الاجتماعي» … إلخ.
وإن نظرة واحدة إلى هذه الكلمات لكافية لأن تثبت لأكبر المتشككين أننا بلغنا من الفوضى التعبيرية في لغة العلم والأدب حدًّا لا يحسن السكوت عليه. فالأستاذ حافظ محمود يريد أولًا أن يشعرنا أن نظرية الانتخاب الاجتماعي من «زعمه»، وأنه مستكشف ناموسها بالقياس على الانتخاب الطبيعي. ولا جرم أنه كان يفوز بهذه البغية لو أنه استطاع مع ما «يزعم» أن يجعلنا ننسى أبحاث سبنسر وكيد وهيل وغالتون وبيرسون، وغيرهم من الكتاب مثل ليبير ويانسون وتومسون، أولئك الذين لم يكتبوا في شيء بقدر ما كتبوا في الانتخاب الاجتماعي.
الأستاذ حافظ محمود يزعم أن هناك سنة طبيعية يريد أن يطلق عليها اسم نظرية الانتخاب الاجتماعي، ثم «يحب» أن يسميها بهذا الاسم. فهو إذن مبتكر هذا الاستكشاف العلمي العظيم ومخترع اسم النظرية. ولست أدري لماذا لا يطالب بجائزة نوبل للآداب بعد ذلك؟
على أنك يا سيدي الأستاذ قد نسيت أن السنة الطبيعية لا تستكشف أولًا، ثم يطلق عليها اسم نظري، بل إن النظرية توضع أولًا، فإذا حققتها التجاريب العلمية اعترف بها وإلا فإنها ترفض وتموت. استمسك يا أستاذ بهذا الرأي فإنك إذا استمسكت به استطعت أن تفوز بجائزة نوبل.
سيدي الأستاذ — هل قرأت ما كتبت؟ هل قرأت هذه الكلمات في مقالك: «عد إلى الماضي، الماضي البعيد إن شئت، إلى ذلك التاريخ الذي أهلك فيه نوح جانبًا من أهل الأرض، وأبقى جانبًا كان هو الأصلح للبقاء (كذا) فإنك واجد هذه السنة الجديدة، سنة الانتخاب الاجتماعي تعمل عملها في المجتمعات التي تكونت، وكانت منها عشائر فقبائل فشعوب فأمم فممالك فدول»؟
سيدي الأستاذ، كان الواجب عليك أن تقرأ مقالة صغيرة من كتب المطالعة الابتدائية قبل أن تكتب هذا الكلام. كان الواجب عليك أن تعرف أن الطوفان — على فرض أنه وقع — فإنه معجزة تخرق قانون الطبيعة، و«زعمك» بالانتخاب الاجتماعي كما تقول سنة، فكيف يمكن أن تكون المعجزة التي هي خرق لنظام الطبيعة مؤيدة لسنة نظامية من سنن الطبيعة؟ أرجو أن تعقل يا أستاذ قبل أن تتكلم.
على أننا إذا أردنا أن ننشر بقية هذا المقال لكان الدافع بنا إلى ذلك أن ننشره تفكهة للقراء، لا على أنه كلام علمي أو اجتماعي.
ولا شك في أن هذا المقال قد انسل خفية إلى المجلة الجديدة وعلى غرة من الأستاذ سلامة موسى، كما انسل «أهريمان» إلى هذا العالم فيذر الشرور على غرة من … الجواب متروك للأستاذ سلامة موسى، فإنه أدرى به بعد تجربته في هذا المقال.