مع مصطفى الشهابي
ليس شأننا هنا بالموضوع نفسه فالكاتب اختصاصي فيه، ولكن شأننا بالاستعمالات اللغوية؛ فقد استعمل كلمة التسافد ليدل على تلقيح الحيوانات الداجنة عامة، وذلك في عنوان المقال، ثم ذكر في أول سطر من المقال كلمة الضرائب. ولا يخفى أن الدواجن منها ذات أربع ومنها طيور، وقد تواضع العرب على أن يطلقوا كلمة التسافد على تلقيح الطيور والضرائب على تلقيح ذوات الأربع، وجرى على ذلك الجاحظ في كتاب حياة الحيوان والدميري في كتاب الحيوان وداود الأكمه في تذكرته وغيرهم.
استعمل الكاتب في ص٥٤٦ اصطلاح «الغرائز الغشيمة»، فنزل بذلك إلى الاستعمال العامي الصرف مساواة بما يقال عن الخامات المادية ﮐ «الشمع الغشيم» والحديد الغشيم، وكما يقولون فلان غشيم أي أبله. في حين أن لدينا اصطلاح «الغرائز الفطرية»؛ أي التي هي على الفطرة لم تؤثر فيها المؤثرات والعوامل الزائدة على الحاجات الأولية. فلماذا نقول «الغشيمة» ونجرد الاصطلاح من الروعة العلمية لننزل به إلى هذا المستوى العامي الصرف؟
هذا في الاستعمال اللفظي، أما في المبدأ العلمي فالكاتب من المؤمنين بأن الوسط يغير الأخلاق، والحقيقة على الضد من هذا؛ فإن الوسط لا يؤثر إلا في الظواهر فقط. أما الأخلاق فشيء أبعد من هذا غورًا في تكوين النفس الإنسانية. هي راجعة إلى التكوين وإلى المراكز العصبية وما فيها من خصائص خفية وأسرار لم يكشف عنها العلم بعد، وما مثل تأثير الوسط في الأخلاق إلا كتأثير الاستنبات في ازدراع الأنواع الوحشية، فإنها مهما ارتقت تحت تأثير الإيلاف ترجع سراعًا إلى صفات أصولها الأولى إذا تركت للطبيعة غير محمية بعناية الإنسان. ولا شك مطلقًا في أن سيئ الأخلاق قد يتأثر بالوسط، لا لأن الوسط في الواقع مؤثر أوليٌّ في صفاته الأخلاقية، ولكن السبب في هذا التأثر راجع إلى أن للوسط قانونًا تقليديًّا أو عاديًّا كالقانون الذي كان يحكم الجماعات الأولى في العصور الغابرة، يضطره إلى الخضوع لمجموعة من العرف قسرًا لا اختيارًا. ولا ريبة في أنه يفلت من هذا القانون عند أول فرصة تسنح له؛ لأنه يرجع إذ ذاك طافرًا إلى ما توحي إليه به مراكزه العصبية وتكوينه الجرثومي: وهذا أبعد الأشياء عن الخضوع لما يقال من أن الوسط يغير من الأخلاق تغييرًا ثابتًا على الزمان.