الكلمات اللاتينية والإغريقية في لغتنا
وقفتُ ذات مرة عند كلمتين كثيرًا ما تَرِدَان على أقلام الكُتَّاب هما: «الصيد والقنص»، وتساءلتُ كيف يكون معنى الفعل «قنص» صاد؟ إذ لا يصح أن نقول إننا خرجنا للصيد والصيد؛ لأن هذا القول ينزل إلى درجة الجهل التي يبلغُها الكاتب العامي في أيامنا حين يقول إننا على «أُهبة الاستعداد»، والأهبة هي الاستعداد، وأتأهب تعني: أستعد.
ولم أقف طويلًا فإني أدرت الكلمتين على لساني وفي عقلي، فوجدت أن صحتهما هي «الصيد بالقنص»؛ أي الصيد بالكلب والكلب في اللاتينية وفي لغة الدولة الرومانية هو «كنس» ولكن جهل اللغويين العرب باللغات الأجنبية ورَّطهم في هذا الخطأ.
وكنت في بعض أبحاثي أقلب المعجم الإنجليزي عن أصل كلمة «أوركسترا»؛ أي الفرقة الموسيقية التي تعزف بالتوافق بين الآلات؛ فوجدتُ أن المعنى الحديث مصطنع، وأن الأصل في كلمة «أوركس» هي الرقص وهذا الأصل إغريقي لاتيني، ففعل رقص ليس عربيًّا بل لاتينيًا.
وكثيرًا ما استوقفتني هذه الكلمات، وهي في الأغلب فنية أدبية وحملتني على التفكير في الأصل لهذه العلاقة بين العرب وبين الإغريق والرومان، واعتقادي أن انتقال الثقافة الإغريقية من الإسكندرية إلى الشرق العربي؛ هو حقيقةٌ تاريخيةٌ، ثم اتصال الإمارات العربية في حوران والعراق بالدولة الرومانية الغربية ثم الشرقية عقب المسيحية؛ هو حقيقة أخرى لا يمكن إنكارها، حتى صار العرب يصطنعون مئات الكلمات الإغريقية واللاتينية والكلمات اللاتينية — في ريفنا وقرانا — مألوفةٌ مثل: فدان وجرن وماجور وجليد والكلمة العامية «قلقيلة».
فالفدان مشتق من فيودوم؛ أي الماشية أو الملك في اللغة اللاتينية وفي معاجمنا لا يزال معناه الثور أو الأرض ومن هذه الكلمة اشتق المعنى الإقطاعي «فيودال».
أما الجرن الذي ندرس عليه حبوبنا فهو «جران» اللاتينية بمعنى «الحبوب».
أما «الماجور» فهو الكبير؛ أي الماعون الكبير للعجن في اللاتينية.
وكلمة «الجليد» تحمل لفظها ومعناها في اللاتينية كما هي في العربية.
أما «القلقيلة» فهو «الحجر» في اللاتينية.
لنعد إلى الكلمات الفنية والأدبية، فإن كلمة لغة عندما نتأمل اشتقاقها العربي نجد أنه لا يتلاءم مع المعنى؛ إذ ليست هي من اللغو وإنما هي كلمة «لوغوس» (والسين زائدة) في اللاتينية بمعنى الكلمة.
«والقرطاس» لاتينية واشتقاقاتها كثيرة في اللغات الأوروبية، وظني أن «كراس وكراسة» محرَّفان عنها وكلها بمعنى «الورق».
وكذلك «القلم» فهو كلمةٌ لاتينيةٌ ما زلنا نجدها في قولهم عن زلة القلم «أبسيس كلموس».
وانظر إلى كلمة «زخرفة» وهي تزيين الجدران بالرسوم فإنها «زوجراف»؛ أي رسم الحيوان.
ولا نذكر هنا كلمات الفلسفة والسفسطة والجغرافيا والتاريخ؛ فإنها جميعها لاتينية إغريقية وكلمة «أرخ» الذي اشتققنا منها تاريخ، تعني: القديم.
ومن كلمات البناء: البرج والبلاط والقرميد والإفريز، وكذلك كلمة قرية، فإنها لاتينية وقد وجدنا لها صيغةً وهي «كورة»، ولكننا خصصنا هذه الثانية للإقليم.
وكذلك كلمة عقار، فإنها هي نفسها «أكر» الإنجليزية الحاضرة التي تعود إلى أصل لاتيني بمعنى الأرض.
ولكن ربما يَزيد استغرابُنا عندما نجد أَنَّ هناك كلماتٍ أصيلة في القضاء والشرع تعود إلى أصل لاتيني إغريقي مثل: «الزكاة» أي: العشر «ذكات» ومثل «الميراث المشتق» من الأصل «إرث» وهي الكلمة الإغريقية «إريس» ومثل «القسطاس»؛ أي العدل، وهي بلفظها ومعناها في اللاتينية، ومثل «القاضي» كذلك إذ هي لفظًا ومعنًى لاتينية، وكذلك القانون.
وكنت أقرأُ سورة «والنجم إذا هوى» فوجدت أن تفسير «سدرة المنتهى» لا يتفق مع المعاني التي تنطوي عليها هذه السورة الخاصة بالنجوم؛ إذ يقال في الكتب العربية إن «سدرة» هي شجرة، ولكن ليس هناك شك في أن «سدرة المنتهى» هي «النجم الأخير» وهو في اللاتينية «سيديرا أولتيما».
هذه الكلمات ومئاتٌ غيرُها هي رواسبُ الدولة الرومانية في الأقطار العربية، ولا عجب أن كلمة «فدان» لا تزال تحمل معناها الروماني القديم، وأنها هي الأصل في المعنى الإقطاعي للنظام الاجتماعيِّ الذي كان يعيش في القُرُون المظلمة.
وكثيرٌ ممن يتحمسون لما يزعمون أنه تقاليد «شرقية» أو عربية يجهلون ذلك جهلًا محزنًا ويعارضون في تطورنا معارضةً مؤذية؛ لأنهم إنما يتحمسون لأحافيرَ رومانية قد تحجرت في بلادنا بعد أن تخلص منها أبناءُ الرومان؛ أي الإيطاليون.
قنص | كلب | Canis |
رقص | رقص | Orchestre |
أحب | أحب | agappo |
فدان | ملك أو ماشية | Feudum |
جرن | حبوب | Grain |
ماجور | ماعون كبير | Major |
قلقيلة | حجر | Calcule |
جليد | ثلج | Gelid |
لغة | كلمة | Logos |
قرطاس | ورق | Cartas |
قلم | قلم | Calamus |
زخرفة | رسم الحيوان | zoograph |
فلسفة | فلسفة | Philosophie |
سفسطة | سفسطة | Sophism |
تاريخ | قديم | Arch |
البرج | البرج | Bourg |
البلاط | بلاط | Palate |
إفريز | إفريز | Freize |
قرميد | صلصال | Ceramic |
عقار | أرض | Acre |
زكاة | عشر | Decat |
إرث | إرث | Hergs «الهاء صامتة» |
قسطاس | عدل | Justice |
قاض | قاض | Judge |
قانون | قانون | Canon |
سدرة المنتهى | النجم الأخير | Sidera ultima |
سيف | Sif | |
بركان | Volcano | |
قرية | Cure | |
موسيقا | Muse | |
قصر | Castle |
هذا قليلٌ بل قليلٌ جدًّا من مئات الكلمات الإغريقية واللاتينية التي دخلت لغتنا، وبقيت على أصلها لم تُترجم ولم يخترع العرب كلمات عربية تؤدي معانيها، وهذا هو ما يجب أن نفعل بكلمات العلم.