تلخيص
سبق أن قلت: إن الذي بعثني على تأليفِ هذه الرسالة أو هذا الكتاب هو مقالٌ نشره «الأستاذ أحمد أمين» في مجلة الثقافة بشأن ما يطرأ على الكلمات من تغيير؛ لاختلاف الزمان أو المكان الذي تُستعمل فيه. وأرجو من القارئ أن يعرف أن ما كتبته هو بمثابة التعقيب أو الشرح «الذي قد لا يرضاه أحمد أمين» لهذا المقال، وغايتي — قبل كل شيء — المناقشة؛ حتى نصل إلى تمحيصٍ جديد لمعاني الكلمات، واستخدام هذه الكلمات في بلاغة جديدة للفهم السديد.
- (١)
يجب أن نُكبر من شأن لغتنا العربية، وأن نوليها أعظمَ اهتمامنا؛ لأنها وسيلةُ التفكير ولا يمكن التفكير الحسن بلا لغة حسنة.
- (٢)
كان فن البلاغة العربية — ولا يزال إلى الآن — فن التعبير عن العاطفة والانفعال، ونحن لا نفكر حين ننفعل أو نستسلم للعاطفة أو التفكير الحسن؛ ولذلك فإن هذا الفن لا يخدم التفكير العلمي والفلسفي.
- (٣)
المجتمع الحسن: هو الذي يقوم على العقل وحل المشكلات بالمنطق، فنحن في حاجة إلى بلاغة جديدة تؤدي إلى دقة الفهم العلمي؛ لإيجاد مجتمع علمي، بلاغة تميز بين الكلمة الذاتية وبين الكلمة الموضوعية.
- (٤)
اللغة: هي تراثٌ قديمٌ تحمل كلماتُها معاني الحياة الذاتية «الحياة من الحيا والروح من الريح»، أو تحمل معاني السحر «علا نجمه وأفل نجمه»، بل هي حافلة بأحافير ورواسب يجب أن نتوقى استعمالَها إذا شئنا التفكير السديد.
- (٥)
كان المجتمع العربي القديم يستند إلى العقائد والتقاليد، وكان مجتمعًا حربيًّا يحتاج إلى لغة العواطف والانفعالات التي تحرك الإرادة؛ ولذلك أصبحت بلاغته كذلك، وهي لهذا السبب صغيرةُ القيمة في خدمة مجتمعنا الذي نُحاول أن نجعله يسير على مبادئ المنطق والعقل والعلم.
- (٦)
داء الأدب واللغة عندنا هو الكلاسية؛ أي التليدية، وهي تؤدي عندنا إلى محاولة استرداد الأمس بالتعبير والتفكير.
- (٧)
المبالغة في هذه الكلاسية؛ تؤدي إلى تحجُّر اللغة كأنها لغة الكهنة في المعابد؛ فتقطع الصلة بينها وبين المجتمع.
- (٨)
في لغتنا كلماتٌ تحمل شحنات عاطفية سيئة؛ تؤدي إلى ارتكاب الجرائم «الدم والعرض» في الصعيد أو إلى كراهة بعضنا بعضًا (كافر نجس) والكلمات الجنسية التي تؤدي إلى خيالات الحشاشين، وعلينا أن نقي عقولنا من هذه الكلمات.
- (٩)
للكلمة إيحاءٌ اجتماعيٌّ للخير أو الشر، فيجب أن نستغل اللغة؛ للتوجيه الحسن للأمة والفرد والبلاغة القديمة بلاغة العاطفة والانفعال مفيدةٌ هنا للتوجيه الاجتماعي الحسن، ولكن مع الحذر العظيم من الدعاية السيئة.
- (١٠)
لن نستطيع الانتفاع بذكائنا؛ إلا إذا كانت اللغة ذكية أيضًا؛ أي تؤدي المعاني الدقيقة في العلوم والفلسفات، ومن هنا ضرورة العناية بتمحيص المعاني حتى نمنع الالتباس؛ ولهذا تجب مقاطعة المترادفات والمتشابهات، مثل: (بلدة للمدينة وبلد للقُطر).
- (١١)
الكلمات الحسنة في اللغة الحسنة تبني الأخلاق حتى لَيَصح أن تُعد الكلمة شعارًا ننضوي إليه، كما لو كان رايةً في جهاد، وعندنا من كلمات المروءة والشهامة والبر والحرية وأمثالها ما نبني به المجتمع الحسن.
- (١٢)
علينا أن نزيد في لغتنا مثل هذه الكلمات بحيث تخدم تطوُّرنا العصري؛ فنؤلف الكلمات التي توحِي بالرقي وزيادة الصحة والسعادة والنور والثقافة.
- (١٣)
البلاغة الجديدة: هي بلاغة المنطق الذي يُرشدنا إلى توقي الخطأ. والتفكير السديد: هو التفكير العلمي الموضوعي الذي يقوم على التجربة، واللغة الحسنة هي التي تؤدي المعنى في دقة هندسية ووضوح إقليدي.
- (١٤)
نشأت في عصرنا الحديث لغتان جديدتان: إحداهما لغة العلوم؛ فيجب أن نأخذ كلماتها جميعها بلا ترجمة ولغة كوكبية أُخرى ينطق بها كل متمدن في الدنيا مثل: التليفون والتلغراف وسينماتوغراف والرديوفون، فيجب ألا نقاطعها؛ لأنها لغة كوكبية جديدة لا تملكها أمة دون أخرى.
- (١٥)
كل إنسان متمدن يجب أن يتعلم ثلاث لغات: لغته الأصلية التي تعلمها من أمه، ولغة العلوم التي تكتب بها البيولوجية واليوجنية والفسيولوجية والكيمياء إلخ ولغة هذا الكوكب — كما تُرى في كلمات كوكبية تنشرها الجرائد والكتب.
- (١٦)
يجب أن نستبصر بحركة الأستاذ «أوجدين» في الإيجاز والتبسيط، باختيار الكلمات التي لا تتحمل الشكوك في معانيها، وأن نيسر تعليم اللغة العربية للعربي وللأجنبي.
- (١٧)
لغتنا العربية كثيرةُ القواعد والشذوذات والكلمات المترادفة أو المشتبهة، وهي تحتاج من الوقت لتعلمها نحو ثمانية أو عشرة أمثال الوقت الذي تحتاجه اللغة الإنجليزية، فيجب أن نتجه نحو تيسيرها؛ بالإقلال من القواعد والشذوذات بل ومن الكلمات.
- (١٨)
اتخاذ الخط اللاتيني يحمل الأمة إلى الأمام مئات السنين، ويكسبها عقلية المتمدنين، ويجعل دراسة العلوم سهلة. وهي خطوة نحو الاتحاد البشري.