غضب الله

لقد سبق للحروب ضد الغرب أن أُعْلِنَت باسم الروح الروسية، والعرق الألماني، وشنتو الدولة، والشيوعية، والإسلام. غير أن هنالك فارقًا بين أولئك الذين يقاتلون في سبيل أمة معينة أو عرق معين وبين أولئك الذين يغدون إلى المعركة من أجل عقائد دينية أو سياسية: فالأولون يُقصُون الغرباء والخارجين، ويعتقدون أنهم المختارون. أما الآخرون فغالبًا ما ينشدون الخلاص الكوني. وبالطبع، فإن الخط الفاصل بين الفريقين ليس واضحًا قطُّ؛ فالإسلام يغدو في بعض الأحيان شكلًا من الشوفينية العربية؛ ودعاية شنتو الدولة مجدت اليابانيين بوصفهم عرقًا إلهيًّا؛ أما الشيوعية فأقصت الطبقات الاجتماعية. ومع ذلك، فإن التمييز بين الاستغراب المتدين والاستغراب العلماني يبقى تمييزًا قيِّمًا ومهمًا. فالاستغراب المتدين ينزع، أكثر من تنويعاته العلمانية، لأن يتخذ صيغة مانوية، كحربٍ مقدسة تُخاض ضد فكرة الشر المطلق.

ولقد رأينا كيف عملت المصادر الدينية على تلوين اللوحة التي رسمها الاستغراب للغرب. ورأينا أيضًا كيف أثرت النظرة الأرثوذكسية الروسية إلى الكاثوليكية الرومانية بوصفها خلاصة كل ما هو فاسد وخالٍ من الروح على الأفكار الروسية عن الغرب في القرن التاسع عشر. ومعظم أشكال الاستغراب تضع العقلانية الغربية الفارغة في تعارض مع الروح العميقة للعرق أو العقيدة التي يسبح بحمدها المستغربون. غير أن أعتى أصحاب النزعة السلافية لم يصل بهم الأمر حد اعتبار الغرب بربريًّا، أو الغربيين همجًا. فمثل هذا الموقف مقصور على تيارات معينة من الإسلاموية، تشكل المصدر الديني الأساسي للاستغراب في أيامنا.

والإسلاموية، كأيديولوجيا، لم تتأثر بالأفكار الغربية سوى جزئيًّا. وتصويرها الحضارة الغربية كشكل من البربرية الوثنية هو إسهام أصيل في تاريخ الاستغراب الخصب. فمثل هذا التصوير يمضي أبعد من التحامل القديم الذي يرى أن الغرب مدمن على المال والطمع. فالوثنية هي الخطيئة الدينية الأشنع وينبغي لذلك أن تُواجَه بكل ما يملك المؤمنون من قوة وقدرة على العقاب.

والحال، أن الاستخدام المجازي للوثنية في تصوير الغرب الرأسمالي ليس جديدًا؛ وكذلك النظرة التي ترى أن اليهود هم النمط البدئي بين وثنيي هذا الغرب. فقد سبق لكارل ماركس، وهو الحفيد اللاذع لحاخام يهودي، أن علق ذات مرة قائلًا: «المال هو إله إسرائيل الغيور الذي لا يمكن أن يقف أمامه أي إله آخر. والمال يحط من شأن آلهة البشر ويحولهم إلى سلع وبضائع». كما كان على قناعة بأن «الكمبيالة هي الإله الفعلي لليهودي. فإلهه ليس سوى كمبيالة وهمية».١ ولقد تبنى الإسلامويون الجذريون لاحقًا هذا النوع من البلاغة، ولعل بعضهم قد قرأ ماركس قبل قراءة النصوص الإسلامية. لكن الاستخدام الحرفي للوثنية، والذي برز لدى الإسلام السياسي، هو اختراع جديد قاتل.
ولئلَّا نلوم الإسلام على كل شيء، تنبغي الإشارة إلى أن فكرة الوثنية بوصفها الخطيئة الدينية الكبرى قد جاءت في الأصل من اليهودية. واليهودية، من حيث المقياس والمدى، ليست ديانة كونية. ولا يكاد يكون لها حجم يفوق حجم الطائفة. غير أنه كان لليهودية أثرها الهائل في صياغة فكرة الوثنية كمفهوم ديني أساسي. ويعبر الكتاب المقدس عن الوثنية بلغة العلاقات الشخصية: الله هو الزوج وإسرائيل الزوجة، التي تخون زوجها مع عشيق، مع إله كاذب. فالوثنية زنا. وإله الكتاب المقدس الغيور يسير على غرار الزوج الغيور. وهذا واضح على نحوٍ خاص في سفر هوشع. فإسرائيل، الزوجة، تفضِّل عشاقًا آخرين على الله، وتحسب أنهم أحسن عدة في إرضاء حاجاتها المادية. وتقول: «أذهبُ وراء مُحبِّيَّ، الذين يعطون خبزي ومائي، صوفي وكتاني، زيتي وأشربتي» (هوشع٢: ٥).

وهؤلاء المحبِّين هم في الحقيقة القوى الكبرى في ذلك الزمن، ممن تحكمهم آلهة غريبة: «وزنيتِ مع جيرانكِ، بني مصر الغلاظَ اللحمَ، وزدتِ في زناكِ لإغاظتي … وزنيتِ مع بني آشور إذ كنتِ لم تشبعي، فزنيتِ بهم، ولم تشبعي أيضًا. وكثَّرتِ زناكِ في أرض كنعان إلى أرض الكلدانيين، وبهذا أيضًا لم تشبعي … ولم تكوني كزانيةٍ، بل مُحتَقِرَة الأجرة. أيتها الزوجة الفاسقة التي تأخذ أجنبيين مكان زوجها» (حزقيال ١٦: ٢٦-٣٢).

وما يبينه هذا هو أن الرؤيا الكابوسية التي ترى إلى القوى الكبرى كمصدر محتمل للإغواء، وكمنافس لحكم الرب، هي رؤيا قديمة قدم الكتاب المقدس العبراني. والعلاقة بين الزوج والزوجة ليست الاستعارة المُكوِّنة الوحيدة التي تُستخدَم للوثنية في النصوص الدينية. فاللغة الدينية مفعمة باستعارات السيادة السياسية، في وصف حكم الرب. حيث الرب، في النهاية، هو ملك الكون الشرعي الوحيد. والرب الملك هو الحاكم الحصري الوحيد لخليقته. وهذا هو السبب في أن على البشر ألا يعبدوا إلا إياه، وأي انتهاك لحصريته هو ضرب من الوثنية.

وثمة اتهام متواصل لرءوس القوى العظمى بالصلف والكبرياء بسبب انتهاكهم مملكة الرب. وإليكم ما طلب الرب من حزقيال أن يقوله لأمير صور: «من أجل أنه قد ارتفع قلبكَ وقلتَ «أنا إله؛ في مجلس الآلهة أجلسُ في قلب البحار»، وأنت إنسان لا إله، وإِنْ جعلت قلبك كقلب الآلهة … لذلك ها أنا ذا أجلب عليك غرباء، عتاة الأمم» (حزقيال ٢٨: ٢-٧).

والصلة بين الوثنية وصلف القوى الكبرى المحيطة بإسرائيل تبدو واضحةً في كلمات إشعيا (٢: ٧-٨): «وامتلأت أرضهم فضةً وذهبًا، ولا نهاية لكنوزهم؛ وامتلأت أرضهم خيلًا، ولا نهاية لمركباتهم. وامتلأت أرضهم أوثانًا؛ يسجدون لعمل أيديهم، لما صنعته أصابعهم». والمركبات والخيل كانت أسلحة ذلك الزمن الثقيلة والرموز الأساسية الدالة على القوى الكبرى. وكل ما نحتاجه لكي نحدث ذلك هو أن نغير أسماء القوى الكبرى والأسلحة الموجودة في ترسانتها. أما السخط على هذه القوى فيبقى هو ذاته.

وتغدو الوثنيةُ قضيةً ومشكلةً ما إِنْ تطالب سلطةٌ عالميةٌ بولاءٍ سياسي ينافس ما ندين به للإله. فالإسلامويون لا يرون إلى الواقع السياسي في زمننا بعين سياسية وحسب بل بعينٍ لاهوتيةٍ أيضًا. والإسلامويون الجذريون يتهمون البلدان الإسلامية ذات الحكومات العلمانية بالوثنية، أو التجهيل. حيث تنطلق هذه الاتهامات في الخطب والمواعظ الدينية في البداية لكنها سرعان ما تُتَرجَم إلى نشاط سياسي ضد عملاء الوثنية في العالم الإسلامي، وهم عادةً أصحاب السلطة، وضد المحرك الأساسي وراء هؤلاء العملاء، أي الغرب الوثني.
والتعبير المُستخدَم في الدلالة على الوثنية، أو الجهل الديني، هو الجاهلية. وهو تعبيرٌ يصف حالة الجهل التي كانت سائدة بين العرب قبل نزول الوحي على النبي. غير أن دارس الإسلام العظيم إغناز غولدزيهر (١٨٥٠–١٩٢١م) لا يوافق على الترجمة الشائعة لكلمة جاهلية، والتي تضع قبالتها كلمة الجهل، ويفضل عليها كلمة «بربرية». فهو يرى أن المسلمين آمنوا بأنَّ محمدًا قد أُرسِلَ لاجتثاث وثنية البربريين ومسح البربرية من خلال ذلك. وهذا تصويب مهم، يساعدنا على فهم قوة الاستخدام الحالي لتعبير «الجاهلية الجديدة» بوصفها شكلًا من البربرية أشد خبثًا.

فمعنى كلمة الجاهلية شبيه بمعنى كلمة «البربرية» على النحو الذي كان يفهمها به الإغريق القدماء. حيث كان التمييز بين «نحن»، أي الإغريق، و«هم»، أي البرابرة، تمييزًا بين نمطين من الكائنات البشرية. وقد استخدم الرومان هذه الكلمة في الإشارة إلى أولئك الهمج السذج، بعيدًا عن حدود الحضارة الرومانية. فالبرابرة ليسوا من البشر تمامًا. وهذا المعنى الضمني هو الذي يوضح كامل القوة التي تنطوي عليها فكرة الجاهلية الجديدة، بوصفها بربرية عصرنا المنبثقة من الغرب. وفكرة الجاهلية الجديدة هي فكرةٌ تنزع إنسانية الإنسان، وتغذي حربًا مقدسة جديدة ضد الشر، تُخاض تبعًا لمصطلحاتٍ مانوية مطلقة.

•••

والمانوية، التي أسسها ماني في فارس في القرن الثالث الميلادي، كانت ذات مرة منافسًا جديًّا للمسيحية بوصفها الدين المسيطر في الإمبراطورية الرومانية. وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر كان لا يزال هنالك جماعات مانوية في الصين. أما اليوم فلم يعد ثمة وجود للمانوية كدين، لكن بقايا رؤيتها إلى العالم لا تزال بين ظهرانينا. وهي تُستَخدَم كصيغة جاهزة يُوصَف بها أي مذهب يرى العالم بالأسود والأبيض، ويفصل «نحن»، أبناء النور، عن «هم»، أبناء الظلام الأشرار. وحين وصف رونالد ريغان الاتحاد السوفييتي بأنه «إمبراطورية الشر» وجمع جورج بوش الابن كلًّا من كوريا الشمالية وإيران والعراق باعتبارها «محور الشر»، كانا يتكلمان بلغة مانوية.

غير أن المانوية لا تزال تفعل فعلها بطريقة أكثر عمقًا. ففي النظرة الاستغرابية، أن الغرب يعبد المادة؛ وديانته هي المادية، والمادة من وجهة النظر المانوية هي شر. وبعبادته إله المادة الكاذب، يغدو الغرب عالم الشر، الذي ينشر سمه عن طريق استعماره عالم الخير. وذلك هو السبب الذي دفع أسامة بن لادن في العام ١٩٩٨م، لأن يدعو جميع المسلمين إلى جهاد جنود الشيطان الأمريكيين وأنصار الشر المتحالفين معهم. فالصراع مع الغرب، من وجهة نظر الاستغراب المتدين، ليس مجرد صراع سياسي بل دراما كونية، أشبه بدراما المانوية.

ولقد تشكلت المانوية، مثل كثير من الديانات، حول أسطورة معينة. ففي البدء، كان ثمة عالمان، عالم الخير، الذي يرمز له النور، وعالم الشر، الذي يرمز له الظلام. وكان هذان العالمان منفصلين، غير أن عالم الظلام كان يعاني من زعزعةٍ موروثة وانعدام للاستقرار، لأن الشر لا يمكن أن ينطوي على أي انسجام وتوازن. وذات يوم، بينما كان الشر يطوف على الحدود بين العالمين، حانت منه التفاتة إلى عالم النور ورغب في أن يضمه إليه، فغزا عالم الظلام عالم النور، وغدا بذلك إمبراطورية للشر. وهذا ما أدى إلى صراع كوني بين قوى الخير وقوى الشر، ونتيجة لهذه الحرب وُلِد العالم كما نعرفه. ومن التفاصيل المهمة في صراع العمالقة هذا أن مادة العالم قد صُنِعَت من أجساد أمراء الظلام، والأرض من فضلاتهم؛ فالأرض تقابل المادة، والموقف السلبي من الأرض هو موقف سلبي من المادة عمومًا.

هذه اللوحة المانوية، حيث يقف عالم الخير وعالم الشر المنفصلان والمستقلان تحكمهما قوتان متساويتان في بأسهما، هي اللوحة ذاتها التي نجدها لدى الديانة الزرادشتية في فارس، لكنها لوحة غير مقبولة لدى الديانات التوحيدية، ومن بينها الإسلام. ففي الرؤية التوراتية، لا يمكن أن يكون هنالك سوى مصدر واحد لكل وجود، وهذا المصدر هو الله: «أنا الرب، وليس آخر. لا إله سواي … مصوِّر النور وخالق الظلمة، صانع السلام وخالق الشر: أنا الرب صانع كل هذه» (أشعيا ٤٥: ٥-٧).

وفي الإسلام، أيضًا، تُعتبَر فكرة العالمين ضربًا من الكفر، غير أن صعوبةَ نسبةِ خَلْق الشر إلى إله قادر وخيِّر تُبقي على ضروبٍ من المانوية في الديانات التوحيدية ذاتها، على الرغم من رفضها عقيدة العالمين. وهذا ما يمكن أن نجده في المواقف الدينية من المادة. فالله في الكتاب المقدس العبراني خلق المادة حين خلق العالم وأعلن أنه حسن. لكن المادة تبقى شكلًا أدنى من الوجود، بعيدًا كل البعد عن الروح الإلهية. ويعتقد المسيحيون أن الله قد تجسَّد في يسوع، ابنه، لكن قصة التجسُّد هذه تقتصر على إلقاء الضوء على التضحية التي ينطوي عليها الظهور للبشر في جسدٍ من لحم ودم. ذلك أن الجسد ليس ضعيفًا وحسب، بل فاسد أيضًا؛ فالمادة تتحلل وتتفسَّخ، ولا يمكن قطُّ أن تكون الوسط الملائم لكينونة الله الأبدية.

ولعل أبناء النور، كما كانوا يطلقون على أنفسهم، من طائفة البحر الميت، كانوا يقارعون أبناء الظلام متأثرين بتمييز بولس بين الجسد والروح، حيث يقف الجسد في الطرف السالب من هذه القسمة. وترى الأفلاطونية، أيضًا، إلى المادة على أنها أدنى أشكال الكينونة. أما أوغسطين الذي بدأ مؤمنًا بالمانوية، فقد غدا لاحقًا خصمها العنيد. وظل محتفظًا، كأفلاطوني مسيحي، بموقف سلبي من أمور الجسد.

ولقد واصلت فكرة أن الجسد ناقص أصلًا ونزاعٌ إلى الفساد ما كان لها من تأثير على كلٍّ من المسيحية والإسلام. فالجسد البشري خاضعٌ للرغبات الجنسية التي تفضي إلى مزيدٍ من الفساد. والجسد لا يقتصر على أنه غير جدير بالإله وحسب، بل يتعدى ذلك إلى كونه غير جدير بالإنسان أيضًا. ذلك أن الإنسان يرتفع فوق المادة بالروح الإلهية فيه، أي بنفسه. ولأن البشر يمتلكون نفوسًا، بخلاف بقية المخلوقات، فهم قادرون على أن يعيشوا شكلًا من الوجود روحيًّا أنبل وأسمى.

ويمضي هذا إلى صلب الاستغراب المتدين، كما يعتنقه الإسلامويون الجذريون. والمادة، من وجهة نظر الاستغراب، التي تَشاطَرَها بعض الهندوسيين المتطرفين والشنتويين اليابانيين قبل الحرب، هي إله الغرب والمادية ديانته. أما الشرق، إذا ما تُرِك وشأنه، بعيدًا عن «الانسمام بالغرب»، فهو عالم الروحانية العميقة. والصراع بين الشرق والغرب هو صراع مانوي بين عبدة الأوثان من مادةٍ أرضية وعبدة الروح الإلهية الأقحاح.

لا شك أن فكرة الغرب الرأسمالي المادي الذي يعبد آلهةً كاذبةً لا تقتصر على المستغربين المتدينين. فقد سبق أن ذكرنا كارل ماركس، ذلك المادي المُكرَّس، الذي اعتبر «الصنمية السلعية» نوعًا من الوهم الذي يرى أن للسلع قيمةً، على نحوٍ شبيه بإيمان الوثنيين المتدينين بقدسية أوثانهم. فمن الزائف الاعتقاد أن للأشياء بحد ذاتها قيمةً أو مضمونًا مقدسًا، في حين أنها تستمد كل قيمتها وخصائصها المقدسة من العلاقات البشرية. فلا يكون شيءٌ ما مقدسًا إلا لأننا نقدسه. ولا يكون للسلعة قيمة، قيمة تبادلية، إلا لأننا نعتبرها قيمة، وليس بسببٍ من قيمة متأصلة فيها. والرأسمالية الحديثة تعزز الأوهام وترعاها، وعبدة السلعة والمال الذين يؤمنون بهما هم على ضلال مثل عبدة الأوثان.

هكذا يأتي اتهام الرأسمالية البرجوازية، مقرونةً إلى الغرب، بأنها صنمية من اتجاهين متعارضين، هما الماديون والمتدينون. فالمستغربون المتدينون ينظرون إلى عبادة الغرب للمال والسلع على أنها شيء قريب من عبادة الوثنيين للأشجار والحجارة، بعيدًا عن عالم الروح الجدير بالتعبد. والماركسيون ينظرون إلى عبادة السلع الرأسمالية على أنها شيء يشبه الوهم الديني ذاته.

ولقد حاول بعض الأيديولوجيين المتدينين، مثل علي شريعتي، الرائد الفكري للثورة الإسلامية في إيران، أن يكيفوا موضوعات ماركسية مثل فيتشية السوق مع النقد الإسلاموي للغرب. فقد نسب شريعتي كثيرًا من العلل إلى الغرب، وإلى ما استوردته منه البلدان الواقعة تحت سحره مثل الإمبريالية، والصهيونية العالمية، والاستعمار، والشركات متعددة الجنسية، وهلمَّ جرًّا، غير أن الأسوأ من ذلك كله هو اﻟ gharbzadegi، أي اتباع الثقافة الغربية الغبي والأعمى.
وكان شريعتي على قناعة بأن أمام شعوب العالم الثالث سبيلًا واحدًا وحسب لمقارعة آفات الغرب، ألا وهو تطوير هويةٍ ثقافية انطلاقًا من الدين. وهذا الدين، في حالته، هو الإسلام، خاصةً في شكله الشيعي. فقد رأى أن الدين، لا الماركسية، هو القوة المنطوية على طاقةٍ محرِّرَة. وبينما كان لا يزال يعمل مدرسًا في مدرسة ابتدائية في خراسان أوائل خمسينيات القرن العشرين، ترجم شريعتي كتاب الكاتب المصري عبد الحميد جودة السحار أبو ذر الغفاري ونشره بعنوان أبو ذر: الاشتراكي العابد. وأبو ذر هو واحد من صحابة النبي، نادى بالعدل للفقراء وأدان الأغنياء لأنهم يهجرون الإله الحق من أجل إله المال. وقد اعتبر شريعتي أبا ذر بطل التاريخ الإسلامي: «نريد إسلام أبي ذر، لا إسلام القصر الملكي؛ إسلام العدل والقيادة الحقة، لا إسلام الخلفاء والتراتب الطبقي».٢

ولقد اتسم موقف شريعتي من الماركسية بشيء من التعقيد. فقد استخدمها كأداة لتحليل المجتمع ولم ينظر إلى الماركسيين قطُّ على أنهم كفار. فالقرآن، برأيه، لا يحكم على الكفار انطلاقًا من قناعتهم الميتافيزيقية، بل انطلاقًا من أفعالهم. لكن انحرافه عن الماركسية وعن مفكري العالم الثالث الراديكاليين، مثل فرانز فانون، كان تكتيكيًّا فضلًا عن كونه جوهريًّا. فمن الناحية التكتيكية، كان يعتقد أن لا مجال لتعبئة الجماهير من غير العون الذي يمكن أن تقدمه أيديولوجيا يجلونها، أي الدين. غير أن ما كان الماركسيون يعتبرونه فيتشية بالمعنى المجازي، كان هو، بوصفه شيعيًّا راديكاليًّا، يأخذه بمعنًى حرفي تمامًا على أنه وثنية.

ولا تنص أعمال شريعتي على هذا بتلك الصراحة التي نجدها في أعمال الكتَّاب الإسلامويين الجذريين الآخرين، لكنه وضع الأساس لتحويل هذه الفكرة إلى أيديولوجيا ذات تأثير هائل. فقد نظر إلى الإسلام الجذري على أنه حركة محطِّمة للأصنام تنطلق لتدك الأوثان الغربية، التي غدت موضع تبجيل في العالم الثالث عمومًا، وفي البلدان الإسلامية على نحوٍ خاص.

غير أن تهمة الوثنية ليست مجرد تكرار لذلك الرأي الممل والمبتذل الذي مفاده أن الغرب علماني. وفكرة الغرب العلماني هي موضع شك على أية حال، ذلك أنها لا تكاد تصح على الولايات المتحدة، حيث لا يزال الدين المنظم مزدهرًا، حتى في الدوائر الحكومية العليا. ومع هذا، فإن من الافتراضات الشائعة أن التحديث يعني العلمنة.

فالغرب، كما تقول هذه القصة، خاض غمار ثورة صناعية جعلته أغنى بكثير من بقية أجزاء العالم، لكنها قطعته أيضًا عن جذوره في المجتمع الزراعي التقليدي الذي كان قائمًا في الماضي. ولقد انطوى التصنيع على تطبيقٍ متواصل للعلم والتكنولوجيا، وكان لا بد لذلك من أن يؤدي إلى العلمنة، لأن الإنتاج العقلاني في مجتمع صناعي يدعو إلى تحرِّي طريقة عمل الأشياء، تحرِّي السبب والنتيجة. وهذا ما أدى إلى ما دعاه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر «نزع السحر عن العالم»، والذي يعني إزالة سحر الدين الذي يحجب العلاقة بين الأسباب والنتائج. ولقد تميزت صورة التحديث هذه، التي تربط النمو الاقتصادي بقطيعةٍ مع المجتمع التقليدي والدين، بقدرة خاصة على استمالة الإصلاحيين في البلدان غير الغربية. ولم يكن هؤلاء على خطأ بالكامل. غير أن استنتاجاتهم دفعتهم لسوء الحظ إلى الأقاصي، الأمر الذي يصح أيضًا على خصومهم المتدينين، الذين تمردوا عليهم في نهاية المطاف.

ولقد رأى كثير من الإصلاحيين أن كَسْرَ قالب التقاليد ينبغي أن يكون كاملًا. وعادةً ما كان ذلك يبدأ بهجومٍ على الطريقة التي يرتدي بها الناس أو يحلقون. فبطرس الأكبر جعل اﻟ boyars، أو أرستقراطيي الأرض، يحلقون لحاهم. كما جعل الكهنة يلقون عظات عن فضائل التفكير العقلي. غير أن ذلك لم يكن شيئًا بالمقارنة مع كمال أتاتورك، الذي تعهَّد في العام ١٩١٧م أنه إذا ما وصل إلى السلطة يومًا فسوف يغير الحياة الاجتماعية في تركيا دفعة واحدة. وهذا ما فعله على وجه التحديد منذ العام ١٩٢٣م. فقد ألغى أشكال اللباس الشرقية، التي غالبًا ما كانت لها دلالة دينية. ولم يعد بمقدور المرأة أن ترتدي الحجاب. ومثل قادة اليابان في عهد ميجي، شجع الحفلات الراقصة الطويلة وسواها من ضروب التسلية غربية الطراز. وكان يعتقد، مثل اليابانيين، أن الطراز الغربي أساسي في التحول إلى أمة حديثة.

وإذا ما كان اللباس وقَصَّة الشعر من علامات التغيير السطحية، فإن هَدْم «جدران الأديرة»، لكي نستخدم استعارة أخرى من استعارات ماكس فيبر، كان يُعد من قِبَل الكثيرين، بمن فيهم كارل ماركس، واحدًا من مقومات التحديث الأساسية. ومرة أخرى، كان أتاتورك ذلك المثال الحسن. فقد أعلن أن «العلم هو المرشد الموثوق في الحياة»، وأقام نظامًا تعليميًّا علمانيًّا وأغلق جميع المؤسسات التي تقوم على الشرع الإسلامي. وغدت العلمانية، في ظل أتاتورك، نمطًا آخر من الإيمان العقائدي الجامد. وهو الإيمان ذاته الذي كان لدى الإصلاحيين الصينيين في أواخر القرن التاسع عشر فيما يتعلق بالنزعة العلمية. وقد لعب هذا الإيمان العقلاني دورًا في جميع البلدان التي عاشت في ظل هذا الشكل أو ذاك من اشتراكية الدولة.

قد يكون صحيحًا وقد لا يكون أن العلمانية، أو على الأقل انسحاب الدين من العالم السياسي، هي شرط ضروري للتحديث والنمو الاقتصادي. غير أن ما يكفي من الإصلاحيين في البلدان غير الغربية كانوا يؤمنون بها، ويبدون استعدادًا لفرضها قسرًا، مما جعل المتدينين يشعرون بأنهم مهددون على نحوٍ جدي. وتمثلت ردة الفعل الجذرية على هذه التهديدات العلمانية بالنظر إلى الغرب لا على أنه متحرر من الدين — حرفيًّا، الغرب الملحد — بل بوصفه أسوأ من ذلك بكثير. فقد بدا الغرب للجذريين المتدينين عبدًا لإله المادية الكاذب والمُفسِد تمامًا. ومثل هذا التحول الجذري — أي رؤية علمانية الغرب ليس على أنها نهاية الدين، بل كعبادة وثنية لآلهة كاذبة — يحتاج إلى تفسير.

•••

يمكن للوثنية أن تتخذ شكلين اثنين، بحسب الديانتين اليهودية والمسيحية: عبادة الإله الخطأ، وهو شكل من الزنا، أو عبادة الإله الصواب بطريقة خاطئة. وليس واضحًا ما إذا كانت خطيئة الرقص حول العجل الذهبي في الكتاب المقدس عبادة للإله الخطأ أم عبادة للإله الصواب («هذا إلهك، إله إسرائيل») بطريقة خاطئة، كما اعتقد لوثر. وهذه الحالة الأخيرة تعني أن مشيئة الله، التي حددت طرق العبادة الصحيحة، قد انتُهِكَت عمدًا.

أما في الفكر الإسلامي، فلا تنطبق فكرة الوثنية السائدة على أي من هذين الصنفين انطباقًا تامًّا. فالوثنيون الأصليون كانوا عربًا يعبدون الأصنام ويعزون أفعالًا هي من عمل الله وحده إلى فاعلين آخرين كما يعزونها إلى الله أيضًا. والإيمان بمساهمة هؤلاء الفاعلين الآخرين، أو الشرك، هو ما يجعل المرء وثنيًّا. والملائكة لا تُحسَب هنا، لأنها في خدمة المشيئة الإلهية. لكن الإيمان المانوي بأنَّ العالم قد خلقته قوى تنتمي إلى عالمين متميزين كان لا بد أن يُنْظَر إليه على أنه مثالٌ واضحٌ من أمثلة الوثنية.

ولقد صيغت الفكرة الإسلامية عن الوثنية من خلال واقع المَجمَع الإلهي في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. فقبل نزول الوحي على محمد، لم يكن الله سوى أول بين متساوين، ولم يكن وحيدًا ولا قديرًا. وفي أيام الجاهلية الباكرة تلك، لم تكن الوثنية إيمانًا بإله يُحَلُّ محل الله، بل إيمان بآلهة توجد إلى جانبه لا أكثر ولا أقل. أما الجاهلية الجديدة، التي تُقرَن بمفاعيل «الانسمام الغربي»، فمسألةٌ أخرى بالطبع.

فعبادة الغرب للحياة المادية هي شكلٌ من الوثنية أكثر جذرية وأشد خطرًا، لأنها مكرسة لإله «غريب»، تريد أن تحله مكان الإله الحقيقي الوحيد. وهذه ليست وثنية شرك بل إنكارٌ صريح لوجود الله، ومن الواضح أنها أشد سوءًا من وثنية العرب الجاهلية قبل مجيء محمد. ففي الجاهلية القديمة، كان عبدة الأصنام يعرفون الله على الأقل، ولو بطريقة مشوهة. والجاهلية الجديدة الأشد سمًّا بكثير هي الهدف الأساسي للإسلام الجذري الحديث، وهي تشكل لذلك لب الاستغراب المتدين.

ويُعَد المفكر والناشط الإيراني سيد محمود طالقاني (١٩١٠–١٩٧٩م) واحدًا من أعتى المروجين لفكرة الحرب على الجاهلية الجديدة. وقد كان له ذلك الأثر الهائل في صياغة الأيديولوجيا الثورية للثورة الإسلامية في إيران. وكان أبوه، الساعاتي المتعلم والتقي، قد أشرف على دراسة ابنه الباكرة للقرآن. وفي أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، تسجل طالقاني طالبًا في المدرسة الدينية الجديدة والجليلة في مدينة قم المقدسة.

كان يحكم إيران في ذلك الوقت رضا شاه بهلوي، وهو رجل عسكري قوي من نمط أتاتورك، وبلغت زرايته بالدين المنظم من الشدة ما بلغته زراية ابنه، محمد رضا بهلوي، الذي خلعته الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩م. وكان رضا شاه قد استولى على السلطة عن طريق انقلاب في العام ١٩٢١م، وراح مباشرة يحض على إصلاحات جذرية، مثل تحرر المرأة والإطاحة بالامتيازات القبلية وامتيازات رجال الدين. ومثل سواه من التحديثيين المتحمسين، هاجم أولًا أشكال اللباس التقليدية، واستخدم القوة عند الضرورة. وراح الجنود يجوبون المدن آمرين النساء بأن يخلعن الحجاب، بتهديد السلاح في بعض الأحيان، وطالبين من رجال الدين أن ينزعوا عماماتهم. كما حُرِّم على المؤمنين أن يحجوا إلى مكة، أما طلاب المدارس الدينية الذين احتجوا فأطلقت عليهم النار في الشوارع.

وكان من الطبيعي أن تثير هذه الإجراءات غضب الطالقاني، الذي انتسب إلى جماعة مسلحة تُدعى «فدائيي الإسلام» وساهم في إخفاء أحد المسئولين عن سلسلة من الاغتيالات يدعى إمامي. غير أن شهرته الدائمة تأتت من قراءته الثورية ﻟ القرآن، التي قدم من خلالها بديلًا دينيًّا جذريًّا لما كان يحمله حزب تودة الاشتراكي العلماني من أيديولوجيا ثورية. حيث يرى، في تفسيره القرآن (٢: ١٠٥) أن «ماديي هذا القرن الكفار» ليسوا سوى طبعة جديدة من الجاهلية البربرية السابقة على الإسلام. كما ينحو باللائمة على اليهود والنصارى بسبب ما يبدونه من خضوع للوثنية الجديدة عبر تطابق مصالحهم مع مصالح الاستعمار الاقتصادية.
بيد أن سيد قطب، الناشط المصري في صفوف الإخوان المسلمين، دفع فكرة الجاهلية الجديدة هذه إلى أقاصٍ أكثر عنفًا. فعند قطب، أن العالم كله، من القاهرة المنحلة إلى نيويورك الهمجية، هو في حالةٍ من الجاهلية. وكان يرى أن الغرب مبغى هائل، غارق في مهاوي الشهوة الحيوانية، والطمع، والأنانية. وأنه يعطي الفكر البشري ما للإله من مكانة.٣ ولم يجد سبيلًا لإنهاء الطمع المادي، والسلوك اللاأخلاقي، وانعدام المساواة، والاضطهاد السسياسي إلا بأن يحكم الله العالم، بشرعه وحده. وكان على قناعة بأن فرصة المرء في أن يقضي نحبه مجاهدًا كفيلةٌ بأن تتيح له التغلب على المطامح الأنانية والمضطهِدين الفاسدين. غير أن قطب، على الرغم من قناعته أن الحرب على اليهود ينبغي أن تُشَنَّ بكل الوسائل الممكنة، لم يَدعُ إلى القيام بأعمال عنيفة ضد الدول الغربية. فأهدافه المباشرة كانت الحكام المتغربنين في مصر وبقية الأمم الإسلامية.

وكان ثمة جمهور جاهز لرسالة قطب. فقد انجذب إليه أولئك الذين كانوا يستشعرون الإذلال والاضطهاد من قِبَل الاستعمار الأوروبي والملوك الذين يعاقرون الخمرة ويعاشرون النساء، ومن قِبَل الدكتاتوريات العسكرية التي أعقبت أولئك الملوك. ويتمثل واحد من مصادر الجذب التقليدية لدى الإسلام في وعده بالمساواة، أو بعالمٍ يكف فيه التنافس الاقتصادي («الطموح الأناني») عن قسمة المجتمع المسلم ويُلغى فيه الطغيان. وعند قطب، أن طريقة الحياة الإسلامية هي التي تكفل وحدها تحرير البشر جميعًا من عبودية بعضهم لبعضهم الآخر وتكريس أنفسهم لعبادة الله وحده، فلا يستهدون إلا به وحده، ولا ينحنون إلا له وحده.

وكانت الاشتراكية الثورية ذلك المنافس العلماني الأساسي للإسلام الثوري. وعملت الجذرية الدينية والماركسية على استبعاد أن تقوم فيما بينهما أي إمكانية لسياسة ديمقراطية ليبرالية، سواء في مصر أو في أي مكان آخر، كما كان لإخفاق اشتراكية الدولة في بعض بلدان الشرق الأوسط، وإخفاق الدول البوليسية اليمينية في بعضها الآخر، أن يفسح المجال أمام أولئك الذين راحوا يدعون إلى الثورة الإسلامية.

غير أن تحول سيد قطب إلى مستغرب متدين استغرق بعض الوقت في واقع الأمر. فهو ابن أستاذ من الأقاليم، وكان مهتمًّا بالأدب الإنجليزي، بل ودافع في مرحلة معينة عن مذهب العري بوصفه بدعة حديثة صحية. وفي أربعينيات القرن العشرين، دخل كلية تابعة لجامعة الأزهر الإسلامية المشهورة، حيث بدأ يتوجه إلى القرآن طلبًا للهداية.

وحين أُوفِد قطب في العام ١٩٤٨م من قِبَل وزارة التعليم المصرية إلى الدراسة في الولايات المتحدة لمدة سنتين، كيما يحسِّن لغته الإنجليزية، عملت هذه التجربة على تحويله إلى مستغرب حقيقي. فقد صدمته أشياء كثيرة في الحياة الأمريكية، ليس في نيويورك الباحثة عن الملذات وحسب، بل حتى في غريلي الهادئة، من أعمال كولورادو، التي أثارت حدائقها المُعتَنى بها أشد العناية اشمئزازه، بوصفها رموزًا للفردانية الغبية. ووجد منظر الفتيات اللواتي يرقصن على أنغام الأغنية التي كانت رائجة في ذلك الحين، «بيبي، بَردٌ في الخارج»، مرعبًا. وهالته الطريقة العابثة التي كان الواعظون المحليون يحاولون بها استمالة رعيتهم، بغناء تراتيل على أنغام الجاز وما شابه. غير أنه ظل يقدر حق قدرها بعض أوجه الثقافة الغربية. ففي أحد متاحف نيويورك، فتنته لوحة ثعلب لفرانز مارك حتى إنه قضى أمامها قرابة الساعة، وأذهله أن الأمريكيين، في تعجلهم رؤية جميع اللوحات التي يضمها المعرض، لم يلقوا على تلك اللوحة أكثر من نظرة سريعة. وبدا له واضحًا أن الغربيين عاجزين عن التأمل الروحي والجمالي.

هذه التجارب، متضافرةً مع ذكريات الحكم الاستعماري البريطاني، وإصلاحات نظام جمال عبد الناصر التحديثية الجائرة، حولت قطب إلى إسلاموي متحمس ومستغرب متدين. كما كانت معاداته الشرسة للسامية جزءًا من ذلك أيضًا. وكان يروق لقطب أن يستشهد بكتاب بروتوكولات حكماء صهيون، ذلك الكتاب الروسي المزوَّر الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، باعتباره دليلًا على المؤامرات اليهودية عالمية النطاق وكان مقتنعًا بأن كل مَن يسوق الجماعة المسلمة بعيدًا عن دينها لا بد أن يكون عميلًا يهوديًّا.٤ ورأى أن فكرة الثقافة كميراثٍ إنساني مشترك، متعالٍ على الحواجز الدينية، والعرقية، والقومية، هي إحدى ألاعيب اليهودية العالمية، التي سعت إلى التغلغل في كيان العالم كله تحقيقًا لخططها الشريرة.٥ وفي قمة هذه الخطط كان الرِّبا، الذي تسقط ثروات العالم من خلاله في أيدي المؤسسات المالية اليهودية.
وكما سبق أن لاحظنا لدى مناقشة مدينة الإنسان، فإن الصراع هنا لم يكن دينيًّا وحسب، بل حول أفكارٍ عن الجماعة البشرية والمجتمع البشري متباينةٍ تباينًا جوهريًّا. فذلك النوع من المجتمع المرتبط بالمتآمرين اليهود هو مجتمع يقوم على الأفراد، في سعيهم خلف مصالحهم الخاصة. وما دام هؤلاء الأفراد يخضعون للقوانين العلمانية ذاتها، لا يكون مهمًّا ما يقتنعون به أو يعتقدونه. أما فكرة قطب عن الجماعة فيحددها الإيمان النقي، شأنها شأن الدولة النازية التي قامت على العرق النقي. وبما أن «عملاء اليهود» يلوثون هذا النقاء فلا بد من اجتثاثهم. غير أنه في الصدام بين الإسلام والجاهلية الجديدة، كانت اشتراكية الدولة من النمط السوفييتي التي تبنَّاها عبد الناصر عدوًّا يماثل في عداوته الطمع اليهودي والفردانية الغربية.

وكان لقطب أن يلتحق بعد عودته إلى مصر من الولايات المتحدة بصفوف الإخوان المسلمين باذلًا ما في وسعه لتطوير أيديولوجيا إسلامية يمكن أن تواجه أيديولوجيات الغرب الكبرى. ففي الإسلام التقليدي، لا يُعَد اليهود والنصارى، بوصفهم أهل الكتاب، في عداد الوثنيين. لكن الأمر يختلف عن ذلك في الجاهلية الجديدة. ذلك أن النصارى واليهود المتدينين أنفسهم قد فضحوا أمر إيمانهم بإتاحتهم المجال أمام الحكام الدنيويين لكي يتعدوا حدود الله. ولذلك، فإن الصدام العالمي هو بين ثقافة الإسلام، التي تأتمر بأمر الله، وثقافة الجاهلية، الخاضعة للحاجات الجسدية التي تهوي بالبشر إلى مصاف البهائم. فما تقوِّمه الجاهلية عاليًا هو الطعام، والشراب، والجنس، وأسباب الراحة، وهي أشياء تليق بالبهائم. والجاهلية هي ثقافة البهائم؛ صحيحٌ أنها بهائم ذات دراية، لكنها بهائم. بل إن الجاهلية في حقيقتها أسوأ من ذلك بكثير: فهي ثقافة بهائم متفوقة متغطرسة تحاول أن تلعب دور الإله.

ولا تقتصر الجاهلية، عند قطب، على البلدان الغربية. فالهنود واليابانيون يعبدون الأوثان البهيمية ذاتها. كما تمكن رؤية الجاهلية — ولعل هذا أن يكون الأمر الأهم بالنسبة لقطب — في بلدان تدعي الإسلام، مما دعاه لأن يعد ذلك علامة نفاق فاحش. غير أن مركز الجاهلية، أو روما الجاهلية، إذا جاز التعبير، يبقى في الغرب على نحوٍ واضح. فمن هناك يأتي الفساد كله. وفكرة الغرب بوصفه أدنى من المستوى الإنساني هي التي جعلت قطب كاهنًا أعلى بين كهنة الاستغراب.

ولقد تأثر قطب أشد التأثر بنظريات الأيديولوجي الباكستاني أبو الأعلى المودودي، الذي طلع بفكرة الجاهلية الجديدة ودعا إلى الدولة الإسلامية المحكومة بالشرع. وكان المودودي قد نشط كصحفي في عشرينيات القرن العشرين، حين كانت الهند لا تزال تحت الحكم البريطاني. وكان قد تخرَّج في دار العلوم، وهي كلية هندسية هندية تضاهي في أهميتها الأزهر في القاهرة، وراح يدعو إلى إسلام ثوري. لكنه، بخلاف قطب، لم يكن على معرفة بالثقافة الغربية. ولم يتعلم الإنجليزية بنفسه إلا لأنه احتاج إليها في عمله الصحفي، دون أن يستخدمها في أي شيء آخر. وتمثل هدفه الجوهري في شكلٍ من الطهارة الدينية. فالمجتمع الإسلامي ينبغي أن يتطهر من النفوذ الغربي، ولذلك أخذ المودودي على عاتقه مهمة فضح الجاهلية الجديدة وتحصين المسلمين المتعلمين ضد تأثير العملاء الغربيين.
وبعد العام ١٩٣٧م، بات المودودي ناشطًا في إطار السياسة الإسلامية. وكان يرى أنَّ الدولة الهندية العلمانية تمثل تهديدًا للإسلام النقي بقدر ما يمثل الحكم الاستعماري البريطاني. أما الديمقراطية، ذلك المثل الأعلى الشجاع لدى القوميين الهنود، فلم تكن بالنسبة له أكثر من سبيل لتسريب طبعةٍ غانديةٍ من الهندوسية وإدخالها من الباب الخلفي لفرضها على المسلمين. فهدفه كان إعادة توطيد السيادة الإلهية على الأرض عبر إحياء الخلافة. أما سيادة الشعب فهي مؤذية وخبيثة لأنها تنكر حكم الله. وذلك ما كان يعنيه حين قال للمسلمين الباكستانيين عام ١٩٣٨م إن المشاركة في الحفاظ على «الديمقراطية القومية» هو «خيانة لله ورسوله». فالقومية الإسلامية، بالنسبة له، عبارة متناقضة كعبارة «العاهرة العفيفة». وهي «نظام متعفِّن قذر».٦ وهذا قريب، بالمناسبة، من تلك القناعات التي حملها بعض اليهود المتزمتين الذين رفضوا الاعتراف بدولة إسرائيل ككيان علماني وقومي لا كيان ديني.
وفي عام١٩٤١م، أسَّس المودودي الجامعة الإسلامية، وهي حزب ديني مجاهد، استعار من اللينينية الكثير على صعيد بنيته التنظيمية، على الرغم من أهدافه الآخروية. وبعد ولادة الباكستان في عام ١٩٤٧م، بذل المودودي كزعيم للجامعة الإسلامية، ما في وسعه في «مقارعة أعداء الإسلام». وقد فعل ذلك بطريقة لا يمكن وصفها إلا بأنها مانوية مفرطة، نظرًا لادعائه أن القرآن لا يعرف سوى حزبين: حزب الله، الذي يضم المسلمين الصادقين، وحزب الشيطان، الذي يضم الآخرين جميعًا.٧

غير أن المهم من أمر المودودي ليس رؤيته الإيجابية إلى الدولة الدينية النقية الأصلية، بل فكرته السلبية عن الغرب الواقع في إسار الوثنية كما يتصورها، بوصفها جاهلية جديدة منبعثة من الغرب. ولذلك نجد في الطالقاني، وقطب، والمودودي ثلاثة من أيديولوجيي الإسلام السياسي الأشدَّاء، يصدرون عن تقليدين إسلاميين مختلفين (هما التقليدان السني والشيعي) وينتمون إلى بلدان مختلفة (الباكستان، ومصر، وإيران)، لكنهم يتقاسمون نظرة متماثلة إلى العالم، فهم يرون إلى الغرب بالطريقة ذاتها، كمصدر للجاهلية الجديدة، ومنبت للوثنية، وأسفل نمط للوجود، ولذلك ينبغي استئصاله من وجه الأرض.

هل يمكن انتقاد الغرب من وجهة نظر إسلامية، خاصةً الاستعمار الغربي والعلمانية الغربية، دون اللجوء إلى الاستغراب؟ ذلك ممكن، من غير شك. وثمة مذهبٌ غالبًا ما اقترن في التفكير الإسلامي الجذري بالجاهلية، هو مذهب التوحيد، يمكن للمرء أن يستمد منه مُثُله السياسية دون أن يكون مستغربًا.
ومن الذين فعلوا ذلك محمد إقبال (١٨٧٧–١٩٣٨م)، الشاعر، والفيلسوف، والمصلح الاجتماعي، الذي يعده كثيرون الأب الروحي للباكستان، كما يمكن أن نعدَّه مفكر التوحيد، الذي اتخذ فكرة وحدانية الله الجامعة كأساس لسياسته. ومن وجهة النظر هذه، فإن وحدة المجتمع الإنساني وانسجامه، على أساس من العدل والمساواة والتضامن، ينبغي أن يعكسا وحدانية الله. كما كان إقبال ذلك الرجل العملي، الذي لم يلح على دولة إسلامية نقية، بل كان مهيَّأً لأن يتعايش مع حكومات علمانية ما دامت القيم الإسلامية تحظى بالاحترام. وحتى المادية لم تكن رديئة بحد ذاتها، بالنسبة له، بل إن قدْرًا من المادية يمكن أن يساعد في مواجهة «من امتهنوا الفقه» ومن «امتهنوا التصوف».٨
ولقد تركَّز انتقاد إقبال للغرب على ما رأى فيه من استغلال اقتصادي. حيث قال في خطبة له أمام مؤتمر مسلمي عموم الهند عام ١٩٣٢م: «لا بد لشعوب آسيا من أن تقف في وجه الاقتصاد الجشع الذي جاء به الغرب وفرضه على أمم آسيا … العقيدة التي تمثلونها تعترف بقيمة الفرد، وتُؤدبه على التخلي عن كل شيء في سبيل الله والإنسان … غير أن مثالية عقيدتكم الرائعة تحتاج لأن تتخلص من أوهام فقهاء عصور الظلام ومشرعيها.»٩
وما يبينه هذا لا يقتصر على استعداد إقبال لأن يرى مزيةً في الإصلاحات الحديثة وحسب، بل يتعداه إلى انشغاله بفكرة الذات، أو khudi. فقد رأى إلى تطور الذات الكامل على أنه غاية إنسانية. وكان شعار إقبال الآية القرآنية التي تقول: إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وكيفما قلَّب المرء ذلك، فإن أفكار إقبال عن الذات تبقى قريبة مما يُنظَر إليه في العادة على أنه اهتمام غربي بالفرد. فكيف يسوِّي إقبال، إذَن، ذلك التوتر الذي ينشأ بصورةٍ طبيعية حين يوضع كلٌّ من الله والذات الإنسانية في مركز الحياة؟ والحال، أن إقبال لا يرى في ذلك أي تعارض، إذا ما فُهِمَت وحدانية الله حق فهمها. فهو يرى أن الدولة الإسلامية، التي تحكمها الشريعة، توفر الشروط المثلى للتطور الفردي. والسؤال الآن، إذا ما كان هذا ما آمن به إقبال حقًّا، فما الفارق بينه وبين الإسلامويين الجذريين الذين يعادي فهمهم لوحدانية الله الغربَ ذلك العداء التام؟ وباختصار، ما الذي يجعل إقبال ناقدًا للغرب وسيد قطب مستغربًا؟

ليس الفارق مسألة أسلوب وحسب، على الرغم من أهمية هذا الأخير. والمرارة والسخط مسألتان تتعلقان بالأسلوب. ولا شك أن قطب كان في غاية السخط أما إقبال فكان متحررًا من مشاعر المرارة. بل إنَّ لقاء إقبال مع الغرب كان ذلك اللقاء المؤاتي. فأستاذه في الهند كان السِّرْ توماس أرنولد، الباحث المشهور في الشئون الإسلامية. ومن الكلية الحكومية في لاهور، ذهب إقبال إلى كلية ترينيتي، في كيمبرج، ومن هناك إلى ميونيخ، حيث كتب رسالته العلمية حول الميتافيزيقا في فارس. وبذلك كانت تجربته الشخصية مختلفة تمامًا عن تجربة قطب. إلا أن الفارق بين الناقد للغرب والمستغرب ليس مجرد فارق في السيرة الشخصية لكلٍّ منهما.

فإقبال لم يعمد إلى نزع إنسانية الغرب قط. وفكرته عن وحدانية الله، كما وجدها في الإسلام، ليست ذلك المثل الإقصائي. فقد كان على قناعة بأن «البشر جميعًا لا المسلمين وحدهم معنيون بمملكة الله على الأرض، شريطة أن يضربوا صفحًا عمَّا لديهم من أوثان العرق والجنس ويعامل واحدهم الآخر بوصفهم أشخاصًا.»١٠ والإسلام، من وجهة نظر إقبال، هو السبيل الأفضل لتأكيد وحدانية الله وتطوير الذات، إلا أنه كان يسلِّم بإمكانية وجود سبل أخرى. فلعل من ينحرفون عن سبيل إقبال أن يكونوا على خطأ، لكن ذلك لا يجعلهم أقل إنسانية.
أما الإسلامويون الجذريون فينظرون إلى وحدانية الله نظرةً إقصائية، حيث يرون إليها على أنها وحدة جماعة المؤمنين، أو الأمة. ولا شك أن بمقدور كل بشري أن يغدو مؤمنًا بوحدانية الله، ويلتحق بالأمة. فالجماعة الإسلامية العالمية تتحدد بالإيمان، لا بالعرق أو الجنس. غير أن كل من يبقى خارج الجماعة الدينية يكون عدوًّا، من هذا المنظور الجذري. وهذا ما يعبر عنه قطب بوضوح تام، حيث يرى أن كل مجتمع غير مسلم هو جاهلية، شأنه شأن أي مجتمع يعبد غير الله.١١

والإسلام بالاسم ليس بالإسلام الذي ينفع لدى إسلامويين مثل قطب. فعنده، حتى البلدان التي تعتبر نفسها مسلمة هي في حالةٍ وثنية. والإسلامويون الجذريون كفوا عن الإيمان بتلك القسمة الإسلامية التقليدية التي تقسم العالم إلى دار السلام، حيث الإسلام، ودار الحرب، حيث الكفار. وهم يرون أن العالم كله قد بات دار حرب. فلا يكاد يوجد بلد واحد لم تُغتصَب فيه سيادة الله من قبل أنظمة دنيوية. ولكي تُستعاد هذه السيادة، لا بد للدولة من أن تحكمها الشريعة تمامًا. هكذا يكون الجميع مدعوين إلى الإيمان، لكن أحدًا لا يمكنه أن يرفض هذه الدعوة دون قصاص.

وهدف الجهاد، عند قطب، هو إقامة السلطة على أساس الشريعة السماوية وحدها وإزالة القوانين التي أوجدها الإنسان. وإعلان الجهاد أو الحرب ليس مسألة مجازية، لأن ذلك الهدف لا يتحقق بالمواعظ والخطب. وأولئك الذين اغتصبوا سلطة الله على الأرض وجعلوا من عباده عبيدًا لهم لن يتخلوا عن ذلك بالكلمة وحدها.١٢ ودعوة قطب، التي تبنَّاها الإسلامويون الجذريون، هي دعوة إلى ثورة عنيفة. وينبغي أخذ ذلك على محمل الجد، لأنه ليس مجرد تخيُّل وهمي عن النقاء الديني، يعود إلى مثال الدولة الإسلامية في المدينة زمن النبي. فهؤلاء الثوريون يعبرون عن ضروب فعلية من القلق، ليس بشأن مستقبل جماعة المؤمنين المسلمة وحسب، بل بشأن الحياة العائلية وعلاقات الرجل والمرأة أيضًا.

والغرب هو الهدف الأساسي لأعداء الوثنية، على الرغم من توجيه النشاط السياسي الإسلامي الغالب باتجاه الأنظمة الظالمة في البلدان المسلمة اسميًّا. وأحد أسباب ذلك هي فكرة الاستكبار، التي تجسِّدها الإمبريالية الغربية، والتي تُرَى على أنها تَعَدٍّ على حكم الله. أما السبب الآخر فهو خرق المحرمات الجنسية، أي الغرب بوصفه المُفسِد الأساسي للأخلاق الجنسية. ولذلك يمكن أن تكون الأنظمة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا هي الأهداف السياسية المباشرة للإسلامويين الجذريين، إلا أن التكبر والفسوق، القوتين المفسدتين اللتين تعملان على الحط من قيمة الإنسان، هما السببان التوءمان وراء تلك النظرة إلى الغرب على أنه المنبع الرئيس للوثنية.

كانت البروتستانتية قد استهلَّت عملية تراجع الدين وانسحابه إلى المجال الخاص، غير أن ذلك لم يتم إلا بعد معركة شرسة. فالدين لا يُخلي المجال العام بتلك البساطة. بل إنَّ جنيف الكالفنية كانت الأشد حماسًا لفرض أخلاق عامة. أما في البلدان التي سيطرت فيها البروتستانتية، وفي البلدان التي استلهمت البروتستانتية، مثل الولايات المتحدة، فقد عنى انسحاب الدين إلى المجال الخاص أن البشر راحوا ينظرون إلى المجال العام على أنه ميدان السياسة، وغدا الدين مسألة «ضمير فردي». وبات على المواطن الصالح أن يكون متدينًا في بيته وعلمانيًّا في الخارج. وباتت الأخلاق، أيضًا، مسألة «ضمير فردي»؛ فلم تعُد ثمة أخلاق مفروضة على نحوٍ جمعي.

وهذا التمييز بين الخاص والعام هو الذي شكل كثيرًا من البلدان الليبرالية في الغرب، لكنه غريب على الإسلام بقدر ما هو غريب على اليهودية الأرثوذكسية. والفارق الأساسي بين الإسلام المعاصر والبروتستانتية لا يتمثل في أن الأول سياسيٌّ أكثر، بل في أنه يلح على قَدْر أعظم من التنظيم الأخلاقي للمجال العام تقوم به السلطة الدينية. فدور الحاكم المسلم هو أن يفرض أخلاقًا جمعية في الفضاء العام. فليس للفرد أن يقرر قواعد الاحتشام الجنسي، بل ينبغي لسلطة عليا أن تفرض هذه القواعد على العموم. وإلى اليوم، ومع صحوة الإسلام، لا يزال معظم المسلمين الأتقياء أبعد عن الإسلاموية السياسية وأقرب من الدعوة إلى فرض أخلاق عامة. فهم يتوقون إلى ما يعتبرونه طريقة الحياة التقليدية، التي يطابقونها مع الإسلام. وحتى لو لم تكن لديهم سوى فكرة ضئيلة عما ينبغي أن تكون عليه الدولة الإسلامية المثلى، إلا أنهم يبدون اهتمامًا عميقًا بشأن الأعراف والتقاليد الجنسية، والفساد، والحياة العائلية التقليدية. والإسلام، عند المؤمنين، هو المصدر الوحيد والضامن للأخلاق الجمعية التقليدية. وما تدور حوله الأخلاق الجنسية بصورة أساسية هو النساء، وتنظيم سلوك المرأة. وذلك لأن شرف الرجل متوقفٌ على سلوك النساء اللواتي يَمْتُتْنَ له بصلة. وقضية المرأة ليست بالقضية الهامشية؛ بل تكمن في القلب من الاستغراب الإسلامي.

وغالبًا ما لوحظ في المناقشات حول الإسلام الحديث أن مصطلح «الأصولية» هو مصطلح مُضَلِّل إذ يوحي بشبهٍ مع الأصولية المسيحية في شكلها البروتستانتي. وثمة خلط مماثل يكتنف كلمة «الجذرية». فالأصولية، التي هي عودةٌ إذا ما جاز القول إلى الأصول، والجذرية، التي هي عودة إلى الجذور، تبدوان كأنهما مستمدتان من المجاز ذاته إلى حدٍّ بعيد. غير أن بمقدور المرء أن يميز في الإسلام الجذري بين الإسلامويين السياسيين والطهرانيين الإسلاميين. فالإسلامويون السياسيون، المهتمون بالسلطة ويبتغون إقامة دولة إسلامية، هم جذريون على نحو واضح. أما الطهرانيون، الذين لا يرغبون سوى بفرض أخلاق جمعية، فهُم أصوليون. وقد لا يختلفون في نظريتهم العامة عن الأصوليين المسيحيين على الرغم من اختلافهم الشديد عن هؤلاء الأخيرين من حيث التفاصيل. بَيْد أننا نشهد الآن تقاربًا بين الراديكاليين السياسيين الإسلاميين والأصوليين الطهرانيين. فجميع الإسلامويين السياسيين كانوا طهرانيين، أما الطهرانيون فلم يكونوا جميعًا إسلامويين سياسيين. وعلى الرغم من زوال ذلك التمييز، يبقى ثمة فارق بين الاثنين. فالغرب هو العدو الأساسي للإسلامويين السياسيين، لأنه يدعم أنظمة «وثنية» ظالمة، ويقف عقبةً في وجه إقامة الدول الإسلامية. أما الطهرانيون فيكرهون طريقة الحياة الغربية، لأنها تسيء إلى حساسياتهم الأخلاقية، خاصة حين يتعلق الأمر بالتعامل مع النساء.

«حين يرحل شرقيٌّ إلى الغرب، أو يرحل غربيٌّ إلى الشرق، يكون لدى كلٍّ منهما ذلك الإدراك الحاد أنه يعبر حدًّا اجتماعيًّا، هو أكثر واقعية من الحدود الجغرافية أو تباين اللغات، أو الأجناس، أو الأعراق. فأنظمة الشرق والغرب الاجتماعية تقوم على أسس مختلفة تمامًا. والفارق المحوري هو وضع النساء»، هذا ما كتبتهُ روث وود سمول، المبشِّرة الأمريكية التي أمضت سنواتٍ كثيرة في تركيا ووضعت في العام ١٩٣٦م كتابًا لافتًا عنوانه النساء المسلمات يدخلن العالم الجديد.١٣ وكانت وود سمول قد جابَت أرجاء العالم الإسلامي، بما في ذلك الهند، وكتابها هو نوعٌ من الجمع بين أدب الرحلة والتحليل.

ولم تكن وود سمول بالطبع أول من يلاحظ اختلاف المواقف من النساء بين الشرق والغرب. فهو اختلاف تكاد تشير إليه جميع كتب الرحلات التي كتبها زوار غربيون. حيث تشدد هذه الكتب جميعًا على الفصل بين الجنسين (قبل أن تُطلَق عليهما تسمية النوعين الجنسيين أو الجِندِرين) وعلى إقصاء النساء في المجتمعات المسلمة. بل إنَّ هنري هاريس جيسَبْ، المُبَشِّر في سوريا القرن التاسع عشر، يصل به الأمر حد القول إن «المحمديين لا يمكنهم أن ينكروا أن للنساء أرواحًا وهم لا ينكرون ذلك، غير أن معاملتهم القاسية للنساء أدت بصورة طبيعية إلى مثل هذه النظرة». وما أزعجه أشد الإزعاج هو تلك الممارسة الخشنة المتمثلة بضرب الأزواج لزوجاتهم. غير أن من الواضح تمامًا في روايته أن جيرانه المسيحيين في سوريا كانوا منغمسين في هذه الممارسة بقدر انغماس «المحمديين الجهلاء».

وكانت روث وود سمول من الذكاء بما يكفي لأن تدرك أن الحجاب، وليس ضَرْب الزوجة، هو مقياسها الفعلي الذي تقيس به التغير الاجتماعي. وقد لاحظت أنه حتى في نظام البُردَة الهندي الأشد صرامة، حيث تُقصى النساء وهُنَّ في «أزياء الهاللوين» إقصاءً تامًّا عن الفضاء العام، ثمة بعض التغيرات الضئيلة إنما الملحوظة التي تجري. وإذا ما كانتِ البُردة تعني «الستارة» في معناها الحرفي، فقد بدا لوود سمول أن الستارة كانت على وشك أن تُرفَع، ببطءٍ إنما على نحوٍ أكيد. ولو حَكَمنا اليوم تبعًا لمقياس الحجاب، فإن من الصعب القول إن الشرق والغرب على وشك اللقاء، ولو بصورةٍ ضمنية أو خفية.

والإسلام لم يخترع الحجاب. فأول وصفٍ للنساء المحجبات جاء من تدمر (شمال شرق دمشق)، في القرن الأول الميلادي. وكان الحجاب آنذاك شائع الاستخدام في الإمبراطورية البيزنطية، ولعل المسلمين قد أخذوه عن البيزنطيين كزي من الأزياء. غير أن الحجاب، مهما يكن أصله، بات الآن متماهيًا مع الإسلام. وهو زِيٌّ مُعقَّد، يرسل رسائل معقَّدة، ليست جميعًا ذات دلالة دينية. وعلى سبيل المثال، فإن الحجاب هو أيضًا علامة على المكانة. فالمرأة المُحجَّبة لا تقوم بعملٍ جسدي. والحجاب يؤدِّي تلك الوظيفة ذاتها التي كان يؤدِّيها المشد (أو الكورسيه) الفكتوري، أو الأحذية الصغيرة في أقدام النساء الصينيات. فمفردات اللباس غير المريحة هذه تشير إلى أن مَن يرتدينها لسْنَ منهمكاتٍ في عمل ذليل. كما أنها علاماتٌ على «استهلاكٍ خفي».١٤

وفي الجزائر والمغرب، بعد حربي الاستقلال، امتدَّ الحجاب إلى طبقات جديدة، طامحًا إلى مكانةٍ أرفع، غير أن تبنيه من قبل البرجوازية المدينية في شمال أفريقيا كان نوعًا من الإشارة الخاصة إلى قومية ترتكز إلى الإسلام، في مواجهة فرنسا. ولأن فرنسا كانت تمثل الغرب فإن الحجاب بات رمزًا لمقاومة الغرب.

وللحجاب أساليب مختلفة. فالحجاب الإيراني يقتصر على إخفاء حدود الجسد. وحجاب طالبان يخفي جسد المرأة برمته. ويكمن خلف ذلك تصور رديء للجنس عند الذكر. فالرجل أشبه بالذئب حيال النساء. ولو تُرِك الرجال والنساء وشأنهم، لكان الجنس شغلهم الشاغل من غير شك. فالحجاب وحده يحمي المرأة ويمنحها بُعدًا روحيًّا. ومثل هذه النظرة الكالحة، ما كانت لتدهش يهوديًّا متزمِّتًا، ممَّن تنتابهم المخاوف ذاتها إزاء شهوة الذكور وإغواء النساء. فالحجاب ينتمي، إذَن، إلى تلك الفكرة المانوية التي مفادها أن الجسد والروح في حالٍ من التوتر الدائم.

والنساء السافرات في الغرب هنَّ النقيض الفعلي لهذه الفكرة، التي هي السبب في أن المسلمين الأتقياء، أو اليهود المتزمتين، يعتبرونهن عاهرات ويعتبرون رجالهن قوادين. ولكي نعبر عن ذلك بشيء من المبالغة، فإن النساء الغربيات (ونظيراتهن «المتغربنات» في كل مكان) هن بغايا المعبد اللواتي يقمن على خدمة المادية الغربية. وأخلاق الغرب الجنسية، أو غياب هذه الأخلاق بالأحرى، هي التي تجعل الحياة الغربية تبدو فاسدة ومنحلة، بل أشبه بحياة البهائم. وهذا ما يعبر عنه سيد قطب، الذي يرى أن معنى الأخلاق، في جميع المجتمعات الجاهلية الحديثة، يقتصر على مثل هذا الحد، بحيث أن جميع تلك الأوجه التي تميز الإنسان عن البهيمة تُعتَبَر خارج مجاله. ففي هذه المجتمعات، لا تُعتَبَر العلاقات الجنسية غير الشرعية، ولا المثلية الجنسية، غير أخلاقية. ومعنى الأخلاق مقصور على الشئون الاقتصادية والشئون السياسية في بعض الأحيان، مما يُصَنَّف في خانة «المصالح الحكومية».

وليس ثمة معنى كبير لأن نفصل في موقف المسلم، أو اليهودي المتعصب، من النساء. فمثل هذه المسألة كفيلة بأن تؤدي في الإسلام إلى معركة حامية الوطيس تتطاير فيها المقبوسات والاستشهادات من النصوص المعتمدة المكرسة، والتي تؤدي من ثم إلى مزيد من معارك التفسير وإساءة التفسير. فالآية ٢٢٣، من سورة البقرة في القرآن، والتي تقول نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، كانت قد فُسِّرَت من قبل بعضهم على أنها ترخيص للأزواج بأن يختاروا على هواهم نوع الجنس الذي يروق لهم، ويفرضونه على زوجاتهم. غير أنه ما من شيء أَدْعى للغضب من غرباء يغزون نصوصك الحميمة ويقولون لك ما يُفتَرَض بها أن تعني. ولهذا، يُعتَبَر تفسير الآية ٢٢٣ ضَربًا من التطفل. غير أن المهم هنا ليس مكانة المرأة في الإسلام، بل الطريقة التي ينظر بها المستغربون الإسلاميون إلى نساء الغرب، وإلى رجال الغرب ضمنًا.

كان مرتضى مطهري شخصية بارزة في الثورة الإسلامية في إيران. ووفاته جعلت آية الله الخميني يبكي على الملأ، ويدعوه «ثمرة حياتي». وكان مطهري يهجس بالغرب وبقضية النساء حد الوسوسة. وكان منشغلًا بإثبات تفوق الإسلام والشرق على هذا الصعيد، من حيث الإنسانية ومراعاة الشعور، قياسًا بالغرب. ولقد عبر عن قناعةٍ راسخةٍ بأن الغرب يطمس عامدًا تلك الفروق الواضحة بين الرجل والمرأة، بحيث يمكن استغلال النساء بسهولة أكبر لمصلحة الرأسمالية. ولا حظ مطهري أن برتراند راسل كان يأمل بأن يُحَل «النقص» لدى الرجال البالغين من خلال الترويج بين النساء لفكرةٍ فاسدةٍ مفادها اقتصار الأبوين على الأم، بدلًا من الدعوة إلى تبني تلك الممارسة الإسلامية الأخلاقية المتمثلة بتعدد الزوجات.

ويبقى هذا في إطار النقد الثقافي، وليس الاستغراب. أما الفكرة التي ترى إلى المرأة على أنها «الدرة المصونة» في تاج الرجل، والتي تسبغ الشرف على الرجل تبعًا للطريقة التي يدافع بها عن المرأة، فهي فكرة تغذي الاستغراب. والحجاب جزء من ذلك. فنسيان المرء لدوره كحارس لتلك «الدرة» يعني أنه بلا شرف، بل الأنكى من ذلك أنه بلا أي حس بالشرف. وما يتبينه المؤمنون في التساهل الغربي لا يقتصر على غياب الأخلاق، بل يتعداه إلى غياب حس الشرف.

•••

ليس تضافر الطهرانية والسياسة بالأمر الجديد على الإسلام. فقد سبق لداعية طهراني وسيد من أسياد الحرب في هضبة نجد، وسط الجزيرة العربية، أن أقاما تحالفًا هائلًا في أواسط القرن التاسع عشر. وكان هذان محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود. وقد اعتاد أتباع بن عبد الوهاب أن يطلقوا على أنفسهم اسم الموحِّدين. أي أولئك الذين يؤمنون ذلك الإيمان الصارم بوحدانية الله. لكن الآخرين أطلقوا عليهم اسم الوهابيين، وهو الاسم الذي بقي.

والوهابية كانت تعبيرًا عن حمية دينية ضد الدين الشعبي في الجزيرة العربية، حيث غدت قبور الأولياء بؤرة عبادات وثنية، بعيدة كل البعد عن التوحيد الصارم. وكانت الغاية تطهير الجزيرة العربية، بوصفها مهد الإسلام، من الوثنية، وإقامة دولة إسلامية على أساس الشريعة الإسلامية، كما فسَّرها المذهب الحنبلي، الذي اعتُبِر المذهب الشرعي الإسلامي الوحيد. ولقد تجلت صرامة الوهابيين الطهرانيين على نحوٍ خاص في مواقفهم من الأخلاق الجنسية وسواها من شئون الحياة الشخصية. واللافت، أن الإسلام الوهابي كان طهرانيًّا بمعنى آخر أيضًا، أقرب إلى الطهرانية البروتستانتية: فمن واجب المؤمن أن يتفكر في التزاماته الدينية ولا يقبلها على نحوٍ أعمى. فليس ينفع المؤمن، كما يقول ابن عبد الوهاب، أن يقول للملاك يوم الحساب إنه يعيد ما قاله الآخرون.

وحين تبنى ابن سعود من الدرعية العقيدة الوهابية، اتحد الداعية والمحارب في سعيهما إلى فتح الجزيرة العربية. واستمرَّ التحالف بين آل سعود والوهابية بعد وفاة المؤسِّس، وتمكنت قواتهما في العام ١٨٠٣م من فتح مكة وتشكيل دولة سعودية وهابية، لم تلبث أن هُزِمَت أمام الجيش العثماني القادم من القاهرة في العام ١٨١٨م. ثم أقيمت الدولة السعودية في نجد، على جزء صغير من الجزيرة العربية، وهُزِمَت ثانيةً أمام عشيرة الرشيد في العام ١٨٩١م. وفي العام ١٩٠٢م، فتح عبد العزيز الثاني بن سعود مدينة الرياض وتمكن، بوقوفه الفطن إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، من إعادة السيطرة على مناطق الدولة السعودية الأصلية بمدينتيها المقدستين [مكة والمدينة]. وغدت الوهابية الأيديولوجيا الرسمية، التي ترمي إلى تشكيل مجتمع مسلم طهراني.

ولقد تحركت في صحراء الجزيرة العربية رمال كثيرة منذ أن تمكن البريطانيون من شراء نفوذهم لدى السعوديين بإرسالهم إليهم ثلاثة آلاف بندقية، وثلاث رشاشات، وخمسة آلاف جنيه إسترليني. فالنفط جلب إلى تلك الأرض ثروات تفوق الحصر، الأمر الذي شكل ضغطًا هائلًا على الدولة الوهابية، حيث يصعب الحفاظ على الطهرانية بعد أن بات آلاف من الأمراء السعوديين فجأة بين أغنى أغنياء الأرض. وتمثل الحل لهذه المشكلة في نوعٍ من النفاق المكرس رسميًّا. حيث تم الحفاظ على ما يشبه الوهابية جهارًا وعلانيةً بينما راح الأثرياء يتمتعون سرًّا وخفيةً في قصورهم الفسيحة بكل ما يمكن للغرب أن يقدمه، أما الأشياء التي لا يمكن للرياض أن توفرها، فلا بد أن تتواجد بكثرة في قصور لندن.

ولقد ترافق ذلك بشيء أشد فتكًا. فبينما كان الأمراء يتمتعون بكل الترف الغربي، كانت الوهابية تُصدَّر إلى الخارج، ومعها صنف ناري من صنوف الاستغراب. وتُعَد العربية السعودية الآن المصدر الرئيس لأيديولوجيا أصولية وطهرانية تفعل فعلها لدى المسلمين في كل مكان، من شمال أفريقيا إلى أندونيسيا. كما تُسَخَّر أموال النفط لتعزيز الجذرية الدينية في أرجاء الدنيا بينما يقيم الأمراء السعوديون هدنةً قلقةً مع رجال الدين في الداخل. غير أن النفاق يبقى ذلك الحل المزعزع، الذي استنهض مؤمنين وهابيين حقيقيين، مثل أسامة بن لادن، الذي يرى إلى وجود المجندات الأمريكيات في جزيرة العرب على أنه ضربٌ من التدنيس. فالأمر يبدو له، ولأتباعه، كما لو أن الأمريكيين يرسلون بغايا معابدهم لكي يدافعن عن حكام العربية السعودية الخائرين. ولقد صُدِّرَت الوهابية، لا كشكل من الإحيائية الطهرانية وحسب، بل أيضًا كعقيدةٍ استغرابيةٍ فتاكة، سوف تعود إلى مطاردة حكام الأماكن المقدسة ذاتها حيث انبثقت.

١  كارل ماركس، في المسألة اليهودية، ورد في كتابات ماركس الشاب في الفلسفة والمجتمع، تحرير وترجمة لويد د. إيستن وكورت ﻫ. غديت (نيويورك، أنكور، ١٩٦٧م)، ص٢١٦–٢٤٩.
٢  إيرفاند ابراهيميان، إيران: بين ثورتين (برينستون، مطبوعات جامعة برينستون، ١٩٨٢م)، ص٤٧٠.
٣  دانييل بنيامين وستيفن سايمون، عصر الإرهاب المقدس (نيويورك، راندوم هاوس، ٢٠٠٢م)، صI.
٤  المصدر السابق، ص٦٨.
٥  المصدر السابق، ص٢٠٧.
٦  ك. ك. عزيز، قيام الباكستان: دراسة في القومية (لندن، شاتو وويندوس، ١٩٦٧م)، ص١٠٥.
٧  أنور سيد، الباكستان: الإسلام، السياسة والتضامن القومي (لاهور، ١٩٤٨م)، ص٣٢.
٨  المصدر السابق، ص٥٥.
٩  المصدر السابق، ص٥٦.
١٠  سيد عبد الواحد، تحرير، أفكار إقبال وتأملاته (لاهور، ش. محمد أشرف، ١٩٦٤م)، ص٩٩.
١١  أورده جيل كيبل في كتابه جهاد: محنة الإسلام السياسي (لندن، تاوروس، ٢٠٠٢م)، ص٤٧.
١٢  كيبل، جهاد، ص٥٥.
١٣  روث وودسمول، النساء المسلمات يدخلن العالم الجديد (لندن: جورج آلن وأنْوِن، ١٩٣٦م)، ص٣٣.
١٤  لويز بِكْ ونِكي كِدِّي، مقدمة كتاب النساء في العالم الإسلامي (كيمبرج، ماس، مطبوعات جامعة هارفرد، ١٩٧٨م)، ص٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤