الليلة العشرون١
وقال لي مرة [أخرى]: اكتب لي جزءًا من الأحاديث الفصيحة المفيدة. فكتبت: قال مالك
بن
عمارة اللخمي: كنت أجالس في ظل الكعبة أيام الموسم عبد الملك بن مروان وقبيصة بن ذؤيب
وعروة بن الزبير، وكنا نخوض في الفقه مرةً وفي الذكر مرةً وفي أشعار العرب وآثار الناس
مرةً، فكنت لا أجد عند أحدٍ منهم ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتساع في المعرفة
والتصرف في فنون العلم والفصاحة والبلاغة، وحسن استماعه إذا حُدِّث وحلاوة لفظه إذا
حدَّث، فخلوت معه ذات ليلة فقلت: والله إني لمسرورٌ بك لما أشاهده من كثرة تصرفك وحسن
حديثك وإقبالك على جليسك. فقال: إنك إن تعش قليلًا فسترى العيون طامحة إليَّ والأعناق
قاصدةً نحوي، فلا عليك أن تُعمل إليَّ ركابك. فلما أفضت إليه الخلافة شخصت أريده،
فوافيته يوم جمعة وهو يخطب الناس فتصديت له، فلما وقعت عينه عليَّ بَسَر
٢ في وجهي وأعرض عني، فقلت: لم يُثبتني معرفةً ولو
٣ عرفني ما أظهر نُكرة. لكنني لم أبرح مكاني حتى قُضيت الصلاة ودخل، فلم ألبث
أن خرج الحاجب إليَّ فقال: مالك بن عمارة. فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه، فلما رآني مد
يده إليَّ وقال: إنك تراءيت لي في موضع لم يجُز فيه إلا ما رأيت من الإعراض والانقباض،
فمرحبًا وأهلًا [وسهلًا] كيف كنت بعدنا؟ وكيف كان مسيرك؟ قلت: بخير، وعلى ما يحبه أمير
المؤمنين. قال: أتذكر ما كنتُ قلتُ لك؟ قلت: نعم، وهو الذي أعملني إليك. فقال: والله
ما
هو بميراثٍ ادَّعيناه [ولا أثرٍ وعيناه]، ولكني أخبرك عن نفسي خصالًا سَمَتْ بها نفسي
إلى الموضع الذي ترى: ما لاحيت ذا ودٍّ ولا ذا قرابة قط، ولا شمتُّ بمصيبة عدوٍ قط، ولا
أعرضت عن محدثٍ حتى ينتهي، ولا قصدت كبيرةً من محارم الله متلذذًا بها وواثبًا عليها،
وكنت من قريش في بيتها ومن بيتها في وسطه، فكنت آمل أن يرفع الله مني وقد فعل، يا غلام
بوئه منزلًا في الدار. فأخذ الغلام بيدي وقال: انطلق إلى رحلك. فكنت في أخفض حال وأنعم
بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، فإذا حضر عَشاؤه أو غداؤه أتاني الغلام وقال: إن
شئتَ صرتَ إلى أمير المؤمنين فإنه جالس. فأمشي بلا حذاء ولا رداء فيرفع مجلسي، ويقبل
على محادثتي، ويسألني عن العراق مرة وعن الحجاز مرة، حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغديت
عنده يومًا فلما تفرق الناس نهضت للقيام فقال: على رسلك أيها الرجل، أيُّ الأمرين أحب
إليك: المُقام عندنا ولك النَّصَفة في المعاشرة والمجالسة مع المواساة، أم الشخوص ولك
الحباء والكرامة؟ فقلت: فارقت أهلي وولدي على أن أزور أمير المؤمنين، فإن أمرني اخترت
فِناءه على الأهل والولد. قال: بل أرى لك الرجوع إليهم، فإنهم متطلعون إلى رؤيتك، فتجدد
بهم عهدًا ويجددون بك مثله، والخيار في زيارتنا والمقام فيهم إليك، وقد أمرنا [لك]
بعشرين ألف دينار وكسوناك وحملناك، أتُراني ملأت يدك أبا نصر؟ قلت: يا أمير المؤمنين،
أراك ذاكرًا لما رويت
٤ عن نفسك. قال: أجل، ولا خير فيمن ينسى إذا وعد. ودِّع إذا شئت صحبتك
السلامة.
قال الوزير: ما أحلى هذا الحديث! هات ما بعده. قلت: قال يحيى بن أبي يعلى: لما قدم
المال من ناحية عمر بن عبد العزيز رحمه الله على أبي بكر بن حزم قسمه بين الناس في
المدينة، فأصاب كل إنسان خمسين دينارًا، فدعتني فاطمة بنت الحسين عليه السلام فقالت:
اكتب. فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من فاطمة بنت
الحسين، سلام [الله] عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فأصلح
الله أمير المؤمنين وأعانه على ما تولاه وعصم به دِينه، فإن أمير المؤمنين كتب إلى أبي
بكر بن حزم أن يقسم فينا مالًا من الكتيبة، ويتحرى بذلك ما كان يصنع مَن قبله من الأئمة
الراشدين المهديين، وقد بلَّغَنا ذلك وقسَم فينا، فوصل الله أمير المؤمنين، وجزاه من
والٍ خير ما جزى أحدًا من الولاة، فقد كانت أصابتنا جفوةٌ، واحتجنا إلى أن يُعمل فينا
بالحق. فأقسم بالله يا أمير المؤمنين لقد اختدم من آل رسول الله ﷺ من لا خادم
له، واكتسى من كان عاريًا، واستقر من كان لا يجد ما يستقرُّ [به]. وبعثَتْ [إليه]
رسولًا.
قال يحيى: فحدثني الرسول قال: قدمت الشام
٥ عليه، فقرأ كتابها وإنه ليحمد الله ويشكره، فأمر لي بعشرة دنانير، وبعث إلى
فاطمة خمسمائة دينارٍ، وقال: استعيني بها على ما يُعْوزكِ. وكتب إليها كتابًا يذكر فيه
فضلها وفضل أهل بيتها ويذكر ما فرض الله لهم من الحق.
فرقَّ الوزير عند هذا الحديث وقال: أذكرتني أمر العَلَوِيَّة. وأخذ القلم واستمد من
الدواة وكتب في التذكرة شيئًا، ثم أرسل إلى نقيب العلوية العمري في اليوم الثاني بألف
دينار حتى تفرق في آل أبي طالب، وقال لي: هذا من بركة الحديث.
ثم قال: كيف تطاول هؤلاء القوم إلى هذا الأمر مع بُعدهم من رحم رسول الله صلى الله
عليه [وآله] وسلم وقُرْب بني هاشم منه؟ وكيف حدثتهم أنفسهم بذلك؟ إن عجبي من هذا لا
ينقضي، أين بنو أمية وبنو مروان من هذا الحديث مع أحوالهم المشهورة في الدين
والدنيا؟
فقلت: أيها الوزير، إذا حُقِّق النظر واستُشفَّ الأصل
٦ لم يكن هذا
٧ عجيبًا، فإن أعجاز الأمور تاليةٌ لصدورها والأسافل تاليةٌ لأعاليها، ولا يزال الأمر
خافيًا حتى ينكشف سببه
٨ فيزول التعجب [منه]، وإنما بَعُد هذا على كثير من الناس، لأنهم لم يُعنَوا
به وبتعرف أوائله والبحث عن غوامضه ووضعه في مواضعه، وذهبوا مذهب التعصب.
قال: فما الذي خفي حتى إذا عُرف سقط التعجب ولزم التسليم؟ فكان من الجواب: لا خلاف
بين الرواة وأصحاب التاريخ أن النبي
ﷺ تُوُفِّي وعَتَّاب بن أَسيدٍ على مكة،
وخالد بن سعيد على صنعاء، وأبو سفيان بن حرب على نجران، وأبان بن سعيد بن العاص على
البحرين، وسعيد بن القِشْب الأزدي حليف بني أمية على جُرَش ونحوها، والمهاجر بن أبي أمية
المخزومي على كندة والصَّدِف، وعمرو بن العاص على عمان، وعثمان بن أبي العاص على
الطائف. فإذا كان النبي
ﷺ أسس هذا الأساس وأظهر أمرهم لجميع الناس كيف لا يقوى
ظنهم، ولا ينبسط رجاؤهم، ولا يمتد
٩ في الولاية أملهم؟ وفي مقابلة هذا، كيف لا يضعف طمع
١٠ بني هاشم ولا ينقبض رجاؤهم ولا يقصر أملهم؟ وهي الدنيا والدين عارض فيها
والعاجلة محبوبة. وهذا وما أشبهه حدد أنيابهم، وفتح أبوابهم، وأترع كأسهم، وفتَل
أمراسهم، ودلائل الأمور تسبق، وتباشير الخبر تُعرَف.
قال ابن الكلبي: حدثني الحكم بن هشام الثقفي قال: مات عبيد الله بن جحشٍ عن أمِّ
حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت معه بأرض الحبشة، فخطبها النبي ﷺ إلى النجاشي، فدعا
بالقرشيين فقال: من أولاكم بأمر هذه المرأة؟ فقال خالد بن سعيد بن العاص: أنا أولاهم
بها. قال: فزوِّج نبيَّكم. قال: فزوجه ومهر عنه أربعمائة دينار، فكانت أول امرأة مُهِرت
أربعمائة دينار. ثم حُملت إلى النبي ﷺ ومعها الحكم بن أبي العاص، فجعل النبي
ﷺ يكثر النظر إليه، فقيل له: يا رسول الله، إنك لتكثر النظر إلى هذا الشاب. قال:
أليس ابن المخزومية؟ قالوا: بلى. قال: إذا بلغ بنو هذا أربعين رجلًا كان الأمر فيهم.
وكان مروان إذا جرى بينه وبين معاوية كلامٌ قال لمعاوية: والله إني لأبو عشرة وأخو عشرة
وعم عشرة، وما بقي إلا عشرة حتى يكون الأمر فيَّ. فيقول معاوية بن أبي سفيان: أخذها
والله من عينٍ صافيةٍ.
فهذا — كما تسمع — إن كان حقًّا فلا سبيل إلى رده، وإن كان مفتعلًا فقد صار داعيةً
إلى الأمر الذي وقع النزاع فيه، وجال الخصام عليه.
وها هنا شيء آخر:
قال القعقاع بن عمرو: قلت لعلي بن أبي طالب عليه السلام: ما حملكم على خلاف العباس
بن
عبد المطلب وترْك رأيه؟ وهذا يعني به أن العباس كان قال لعلي عليه السلام في مرض النبي
ﷺ: قم بنا إليه لنسأله عن هذا الأمر، فإن كان لنا أشاعه في الناس وإن كان في
غيرنا وصَّى فينا، وكان عليٌّ عليه السلام أبى على عمه العباس ولم يطاوعه. قال القعقاع:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في جوابه لي: لو فعلنا ذلك فجعلها في
غيرنا بعد كلامنا لم ندخل فيها أبدًا فأحببت أن أكف، فإن جعلها فينا فهو الذي نريد، وإن
جعلها في غيرنا كان رجاء من طلب ذلك منا ممدودًا ولم ينقطع منا ولا من الناس. قال
القعقاع: فكان الناس في ذلك فرقتين: فرقةٌ تحزَّب للعباس وتدين له، وفرقةٌ تحزَّب لعليٍ
وتدين له. فهذا وما أشبهه يضعف نفوسًا ويرفع رءوسًا، وبعد فهذا البيت خُصَّ بالأمر
الأول، أعني الدعوة والنبوة والكتاب العزيز، فأما الدنيا فإنها تزول من قوم إلى قوم،
وقد رُئِي
١١ أبو سفيان صخر بن حرب وقد وقف على قبر حمزة بن عبد المطلب وهو يقول: رحمك
الله يا أبا عُمارة! لقد قاتلتنا على أمرٍ صار إلينا.
فإن قال قائل: فقد وصل
١٢ هذا الأمر بعد مدةٍ إلى [آل] النبي
ﷺ. فالجواب: [صدقت]، ولكن لمَّا
ضعُف الدين وتحلحل
١٣ ركنه وتداوله الناس بالغلبة والقهر، فتطاول له ناسٌ من آل رسول الله
ﷺ بالعجم وبقوَّتهم ونهضتهم وعادتهم في مساورة الملوك وإزالة الدول وتناول العز
كيف كان، وما وصل إلى أهل العدالة والطهارة والزهد والعبادة والورع والأمانة، ألا ترى
أن الحال استحالت عجمًا: كِسرويةً وقيصريةً، فأين هذا من حديث النبوة الناطقة والإمامة
الصادقة؟ هذا الربيع — وهو حاجب المنصور — يضرب من شمَّت الخليفة عند العطسة، فيُشكَى
ذلك إلى أبي جعفر المنصور، فيقول: أصاب الرجل السُّنة وأخطأ الأدب. وهذا هو الجهل، كأنه
لا يعلم أن السنة أشرف من الأدب، بل الأدب كله في السنة، وهي الجامعة للأدب النبوي
والأمر الإلهي، ولكن لما غلبت عليهم العزة
١٤ ودخلت النعرة في آنافهم وظهرت الخُنْزُوانة
١٥ بينهم، سمَّوا آيين
١٦ العجم أدبًا وقدموه على السنة التي هي ثمرة النبوة. هذا إلى غير ذلك من
الأمور المعروفة والأحوال المتعالَمة المتداولة التي لا وجه لذكرها ولا فائدة لنشرها،
لأنها مقررةٌ في التاريخ ودائرةٌ في عرض الحديث.
ولما كانت أوائل الأمور على ما شرحتُ وأواسطها على ما وصفت، كان من نتائجها هذه الفتن
والمذاهب والتعصب والإفراط، وما تفاقم منها وزاد ونما وعلا وتَراقَى، وضاقت الحيل عن
تداركه وإصلاحه، وصارت العامة مع جهلها تجد قوةً من خاصتها مع علمها، فسُفكت الدماء
واستُبيح الحريم وشُنَّت الغارات وخُرِّبت الديارات، وكثر الجدال وطال القيل والقال،
وفشا الكذب والمحال، وأصبح طالب الحق حيران ومحب السلامة مقصودًا بكل لسانٍ وسنان، وصار
الناس أحزابًا في النحل والأديان، فهذا نُصَيْرِي،
١٧ وهذا أشجعي،
١٨ وهذا جارودي،
١٩ وهذا قَطْعي،
٢٠ وهذا جُبَّائي، وهذا أشعري،
٢١ وهذا خارجيٌّ، وهذا شُعيبي،
٢٢ وهذا قَرْمَطي،
٢٣ وهذا راوَنْدي،
٢٤ وهذا نجاري،
٢٥ وهذا زعفراني،
٢٦ وهذا قدري،
٢٧ وهذا جبري،
٢٨ وهذا لفظي،
٢٩ وهذا مستدركي،
٣٠ وهذا حارثي،
٣١ وهذا رافضي، ومن لا يحصي عددها إلا الله الذي لا يُعجزه شيء. لا جرم شَمت
اليهود والنصارى والمجوس بالمسلمين وعابوا وتكلموا ووجدوا آجُرًّا وجِصًّا فبنوا وسمعوا
فوق ما تمنوا [فروَوا].
وقال النبي ﷺ: «لا يزداد الأمر إلا صعوبة ولا الناس إلا اتباع هوى حتى تقوم
الساعة على شرار الناس.» وقال أيضًا: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى
للغرباء من أمتي.»
وقلتُ لابن الجلَّاء الزاهد بمكة سنة ثلاثٍ وخمسين وثلاثمائة: ما صفة هذا الغريب؟
فقال لي: يا بني هو الذي يفر من مدينةٍ إلى مدينة ومن قُلةٍ إلى قلة [ومن بلدٍ إلى بلد]
ومن برٍ إلى بحر ومن بحر إلى بر حتى يسلم، وأنَّى له بالسلامة مع هذه النيران التي قد
طافت بالشرق والغرب وأتت على الحرث والنسل، ففدَّمت
٣٢ كل أفوه وأسكتت كل ناطق وحيرت كل لبيب وأشرقت كل شارب وأمرَّت على كل طاعم؟
وإن الفكر في هذا الأمر لمختلسٌ للعقل
٣٣ وكارثٌ
٣٤ للنفس ومحرقٌ للكبد.
فقال الوزير: والله إنه لكذلك، وقد نال مني هذا الكلام وكبر عليَّ هذا الخطب، والله
المستعان.
ونظرتُ إليه وقد دمعت عينه ورق فؤاده وهو — كما تعلم — كثير التأله شديد التوقي يصوم
الاثنين والخميس، فإذا كان أول رجب أصبح صائمًا إلى أول يومٍ من شوال، وما رأينا وزيرًا
على هذا الدأب وبهذه العادة لا منافقًا ولا مخلصًا،
٣٥ وقد قال الله تعالى:
إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ
أَحْسَنَ عَمَلًا. تولاه الله أحسن الولاية وكفاه أكمل الكفاية إنه قريب
مجيب!
فلما رأيت دمعته قلت: أيها الوزير، روي عن النبي
ﷺ أنه قال: «حرمت النار على
عينٍ بكت من خشية الله، [وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله]، وحرمت النار على عينٍ
غضَّت عن محارم الله.» فقال أحسن الله توفيقه: هو الهلاك إن لم يُنقذ الله بفضله ولم
يتغمد بعفوه. لو غرقْت في البحر كان
٣٦ رجائي في الخلاص منه أقوى من رجائي في السلامة مما أنا فيه. قلت: إذا علم
الله من ضميرك هذه العقيدة ألبسك ثوب عفوه وحلاك بشعار عافيته وولايته، وكفاك كيد
أعدائك وعصب برءوسهم ما يريدونه بك،
إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.
فقال: اجمع لي جزءًا من رقائق العبَّاد وكلامهم اللطيف الحلو، فإن مراميهم شريفة
وسرائرهم خالصة ومواعظهم رادعة، وذاك — أظن — للدين الغالب عليهم والتأله المؤثر فيهم،
فالصدق مقرونٌ بمنطقهم والحق موصولٌ بقصدهم، ولست أجد هذا المعنى في كلام الفلاسفة،
وذاك — أظن أيضًا — لخوضهم في حديث الطبائع والأفلاك والآثار وأحداث الزمان. قلت: أفعل.
فكتبت تمام ما تقدم به، ثم كتبت بعد ورقاتٍ في حديث النساك.
قال عتبة بن المنذر السلمي: سئل رسول الله
ﷺ أي الأجلين قضى موسى عليه السلام؟
فقال: أكثرهما وأوفاهما. ثم قال رسول الله
ﷺ: «إن موسى عليه السلام لما أراد
فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من نتاج غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما
وضعت غنمه من قالب
٣٧ لون ذلك العام، فلما وردت الحوض وقف موسى بإزاء الحوض فلم تصدر منها شاةٌ
إلا ضرب جنبها بعصاه، فوضعت قوالب ألوان كلها ووضعت اثنتين أو ثلاثةً كلُّ شاة، ليس
فيهن فشوشٌ
٣٨ ولا ضبوبٌ
٣٩ ولا ثعولٌ
٤٠ ولا كميشةٌ
٤١ تفوت الكف
٤٢ فإن افتتحتم الشام وجدتم بها بقايا منها فاتخذوها وهي السامرية.»
قال جعفر بن أبي طالب للنجاشي في حديثٍ: بعث الله [تعالى] رسولًا فينا نعرف صدقه
وأمانته، فدعانا إلى الله [لنوحده] ونعبده ونخلع ما كنا نعبده، وأمرنا بصدق الحديث
وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش
وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات.
وقال صاحب التاريخ: ولدتْ لعمر بن الخطاب رضوان الله عليه أم كلثوم بنت علي بن أبي
طالب عليه السلام زيدًا ورقية، وأمُّ أمِّ كلثوم فاطمة بنت النبي ﷺ.
قال أنس بن مالك: صلى الناس على رسول الله ﷺ لمَّا تُوفِّي أفرادًا لم يؤمهم
عليه أحد.
ولما بلغ رسول الله ﷺ ثمان سنين هلك عبد المطلب وهو شيبة أبو الحارث، وذلك بعد
الفيل بثمان سنين، وتُوفيت آمنة أمه وهو ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة، كانت
قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة إلى مكة.