الليلة السادسة والثلاثون
قال: ورأيتُ الحاتميَّ يقول: عشر كلماتٍ جاءت وعينُها عينٌ ولامُها واوٌ، ولم أُوثِر شرحَه لها لثِقَل روحه، ومغالاته بنفسه، وكأنه لا علم إلا عنده، ولا فائدة إلا هي معه؛ فهل في حفظك هذه الكلمات؟
قال: هذا حسن، لو أتى به الحاتمي لَلَوَى شِدْقَه، وقال: تنحَّ فقد جاء الأسد، وغلَب الطوفان، وخرج الدَّجَّال، وطلعت الشمس من المغرب. ما بال أصحابنا تعتريهم هذه الخيلاء، ويغلب عليهم النقص، ويستمكن منهم الشيطان؟!
قلتُ: قال أبو سليمان: كلُّ من غلب عليه حفظُ اللفظ وتصريفُه وأمثلتُه وأشكالُه؛ بَعُد من معاني اللفظ. والمعاني صَوْغ العقل، واللفظ صَوْغ اللسان، ومن بَعُد من المعاني قلَّ نصيبه من العقل، ومن قلَّ نصيبه من العقل كثُر نصيبه من الحُمْق، ومن كثر نصيبُه من الحمق خَفِيَ عليه قُبْح الذِّكْر.