التراث والتاريخ
«إن الاتجاه إلى التراث في جوهره عمل سياسي، ومن ثَم يظهر الخلط بين وقائع التراث كوقائع تاريخية وبينها كأسطورة وقِيمة، ولهذا يغلب النهج الانتقائي، وننسى أن روايات التراث لا معنى لها إلا ضمن بِنية تربط بينها وتؤلِّف منها نظرية، وعلى أساس علمي.»
تباينت ردود أفعال المجتمعات الشرقية تجاه الحداثة إبَّان ما عُرف بصدمة الغرب؛ فبينما عاشت الصين أسيرةَ تضخُّم الأنا ودُونية الآخَر، وهو ما أفضى إلى خلق هوَّة فاصلة تَقطع كل سُبل التفاعل الصحي بين الأنا والآخَر، لم يغرق اليابانيون في تهويمات نظرية، وأضحى مشروع التنمية القومية هو الفيصل في الموقف من التراث والغرب معًا؛ وهو ما ساعَدها على تحقيق مشروع قومي يستجيب لمشكلاتها وهمومها وصورتها المستقبلية. أمَّا العرب، فقد غرقوا في مشكلة البحث عن الذات في التراث، وانحرفوا عن السؤال الرئيس: لماذا نبحث عن ذاتنا؟ واستهواهم الجدل النظري، وبدلًا من الكشف عن الذات حقيقةً في التراث، تمحورت جهودهم حول اصطناع أسطورة عن الذات نابعة من التراث؛ لذا يناقش «شوقي جلال» في هذا الكتاب كيفية التعامل مع التراث، وحدود الأنا وآفاق الآخَر.