رحلة آرتير رامبو عام ١٩٩٧م
وكانت إجازة الوطن عام ١٩٩٧م هي آخر رحلاتي في فرنسا؛ إذ أتمَمتُ فيها ما بقي لي من مدنٍ أودُّ زيارتها، وأهمها مدينتا «ليل» و«كاليه»، ثم بعد ذلك، وهو الأهم، زيارة مدينة شارلفيل، موطن آرتير رامبو. كما اشتملَت الزيارة على بلجيكا وهولندا أيضًا، لإكمال السير في خُطى فان جوخ برؤية المتحف المخصَّص له في بلده الأصلي.
وكانت وِجهتُنا الأولى إلى مدينة «إميان»، وفي الطريق إليها مرَرْنا ببلدة «كومبيني» وبها ذكرى تاريخية غريبة؛ فحين دَلفنا إلى طريقٍ جانبي منها، وجدنا مُتحفًا لعربة القطار التي شَهدَت توقيع أكثر من معاهدة استسلام بين فرنسا وألمانيا. وتبدأ القصة التاريخية عقب انتصار فرنسا على ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وفرضها شروطًا قاسية لإنهاء الحرب؛ فقد قام الجنرال الفرنسي فوش باستقبال الوفد الألماني لتوقيع الهدنة في عربة قطار في غابةٍ بالقرب من بلدة كومبيني، وبعدها أقامت فرنسا في المنطقة نفسها تَذكاراتٍ عديدة لذلك الانتصار، منها ساحةٌ كبيرة عليها صفحةٌ من الجرانيت مكتوب عليها: «إلى جنود فرنسا الأبطال … حُماة الوطن والحق … المحرِّرين الأمجاد للألزاس واللورين»، ونُصُبٌ آخر يمثل الصقر الألماني يلقى مصرعه، وتحته عبارة: «هنا، في يوم ١١ نوفمبر ۱۹۱۸م، لقي كبرياء الإمبراطورية الألمانية مَصرَعه، بعد أن دحَره الشعب الحر الذي كان يسعى إلى استعباده»، ثم تمَّت إقامة تمثالٍ للجنرال فوش في المكان نفسه. وعلى هذا، حين انتصَرَت القوات الألمانية على فرنسا في يونيو ١٩٤٠م، في أثناء الحرب العالمية الثانية، أصَرَّ هتلر على توقيع الهدنة بين البلدَين في نفس المكان، وفي نفس عربة القطار التي شَهدَت توقيع الهدنة السابقة، بل وحضَر بنفسه إلى العربة، وجلس في المقعد الذي سبق أن جلس فيه الجنرال فوش. وكانت الشروط الألمانية للهدنة أقسى كثيرًا من شروط فرنسا عقيب الحرب العالمية الأولى؛ فقد احتل الألمان حوالي ثلثَي الأراضي الفرنسية، والإبقاء على أسرى الحرب الفرنسيين إلى حين انتهاء الحرب. وبعد الهدنة، أزالت الجرَّافات الألمانية معالم المكان الذي كانت فيه عربة القطار، ونقلَت العربة ذاتَها إلى برلين. وخشيةً من تكرار نفس السيناريو بعد ذلك، حطَّم الألمان العربة عشية هزيمتهم النهائية عام ١٩٤٥م. وفيما بعدُ، أعد الفرنسيون نموذجًا للعربة وضعوها في نفس المكان على سبيل التذكار ليُشاهدَها الزوَّار مثلنا. بيد أن ما أثار دهشتي هو أن محل التَّذكارات الذي كان مُلحقًا بالمكان السياحي، كالعادة، كان يبيع ضمن بطاقاته التَّذكارية صورةً لهتلر!
وبعد ذلك وصلنا إلى مدينة «إميان»، وهي شهيرة بكاتدرائيتها السامقة، وبمستنبَتاتها التي يزورها السياح في قارب يأخذهم في جولة ما بين المزروعات والأشجار والجُزُر الصغيرة في مشاهدَ فاتنة، ولكن ما أهمَّنا في المدينة هو متحف جول فيرن؛ فرغم أن فيرن قد وُلد في مدينة «نانت»، فقد عاش فترةً طويلة في إميان؛ حيث كتب في أثناء ذلك عددًا من أشهر كُتبه، ومنها «حول العالم في ٨٠ يومًا». ومُتحَفه هناك يضُم كثيرًا من الوثائق المتعلِّقة به وبكُتبه، من مخطوطاتٍ ونُسخٍ من الطبعات الأولى لكُتبه، وهو ما فتنَني؛ فقد بدأتُ أعِد العُدة لجمع الكتب النادرة، خاصة الطبعاتِ الأولى وتلك الممهورة بتوقيع مؤلفيها. وبالمتحف أيضًا عددٌ من مقتنَيات فيرن وأثاثه، ومنها المكتب الذي كان يستخدمه.
وفي مدينة «أراس» استمتَعنا بغَداءٍ شهي في الميدان الفسيح للغاية هناك، وذلك قبل أن ننطلق إلى مدينة «ليل» المركزية، وليل بلدٌ صناعيٌّ هام بالنسبة لفرنسا، وعملَت أيضًا على إثرائه ثقافيًّا وفنيًّا؛ ففيه مُتحَف للفنون الجميلة يجمع بين جدرانه أمثلةً شهيرة لمدارس الرسم والنحت المختلفة، وشاهدنا فيه لوحاتٍ جميلة لكلود مونيه وجويا وغيرهما. وفي جولةٍ إرشادية لنا في المدينة، شاهدنا ما بها من معالم هامة، ومنها ما ذكَره المرشد بأنها أكبرُ دارٍ لبيع الكتب في أوروبا. وغنيٌّ عن الذكر أننا قضَينا وقتًا طويلًا بعد ذلك في تلك المكتبة الضخمة، ووجدنا فيها كتبًا بمختلف اللغات، وإن كنتُ أشُك في كونها أكبر مكتبةٍ أوروبية!
وفي مدينة «كاليه»، أقرب نقطةٍ فرنسية إلى دوفر بإنجلترا (۳۸ كيلومترًا)، رأينا محطة القطار السريع، الذي يربط باريس بلندن تحت البحر، وتأمَّلنا أصل منحوتة رودان الشهيرة «سادة كاليه»، بينما كنتُ أستعيد قصتها التاريخية التي تعود إلى عام ١٣٤٦م؛ ففي أواخر ذلك العام قام ملك إنجلترا، إدوارد الثالث، بحصار كاليه حتى استسلم أهلها بعد ثمانية أشهر من الشدة والضيق، وعندها تقدَّمَت مجموعةٌ من سادة المدينة وقد وضعوا الأغلال عليهم إلى الملك يفتدون أهل المدينة، بيد أن الملكة فيليبين عفَت عنهم؛ ولم تعُد كاليه إلى السيادة الفرنسية سوى عام ١٥٥٨م. والتمثال رائعةٌ من روائع رودان، التي وضعَتها المدينة في المكان اللائق بها. وفي المدينة متنزَّهٌ ضخمٌ جميل التنسيق، به مُتحَفٌ عن الحرب العالمية الثانية يضُم وثائقَ وصورًا نادرة عن مسار الحرب وتواجُد الألمان في فرنسا.
وعند خروجنا من المدينة مرَرْنا شمال كاليه على شاطئٍ جميل ذكَّرني بالإسكندرية في أيام عزها. وعند توجُّهنا إلى دنكرك استعَدتُ دَور تلك المدينة في الحرب العالمية الثانية؛ ذلك أن الحلفاء كانوا قد حشدوا قواتهم هناك قبل أن تفصل قوات المحور الطريق بينهم وبين بقية فرنسا، وكانت على وشك الإيقاع بجنود الحلفاء لولا تحرُّكُهم السريع للانتقال بحرًا إلى إنجلترا، وبهذا أمكن إنقاذ ٣٥٠ ألفَ ضابطٍ وجندي من الأَسْر. وكنتُ أعتقد أنني سأجد في المدينة تذكارًا لذلك الحدَث العظيم الذي غيَّر مسار الحرب، ولكني لم أجد أي ذِكرٍ عنه فيها! وقد دُمِّر حوالي ٨٠٪ من المدينة في الحرب، ثم أعِيدَ بناؤها بعد ذلك كي تصبح ثالث أهمِّ ميناءٍ بحري في فرنسا.
وبعد دنكرك كان علينا الخروج من فرنسا إلى بلجيكا، فكان الطريق السريع يقود من دنكرك إلى مدينة «أوستند» في بلجيكا. وقد عبَرنا الحدود الفرنسية إلى داخل بلجيكا دون أي حاجز أو جمارك أو جوازات سفر؛ فقد كانت اتفاقية شنجن قد سرى مفعولها، وأصبح من يحمل تأشيرة دخولٍ لإحدى الدول المنضَمة للاتفاقية له الحق في دخول الدول الأخرى. بيد أنه حين دخلنا الحدود البلجيكية وجدتُ نظام الشوارع والبيوت مختلفًا، فصِرنا نتتقَّل بحذَر وببطء كي نرى أنماط الاختلاف رغم تجاوُر البلدان، وكي نبحث عن مكانٍ نُبدِّل فيه بعض النقود إلى فرنكاتٍ بلجيكية. بيد أننا وصلنا إلى أوستند دون العثور على مكانٍ مصرفي؛ فقد كان اليوم يوم أحد والمصارف مغلَقة. وتركنا العربة في وسط المدينة، وحاولتُ سحب نقودٍ بلجيكية ببطاقة الفيزا، ولكن المحاولة لم تنجح. وسألنا في مكتب الاستعلامات السياحي، فأشاروا علينا بالبحث عند الشاطئ. وقطعنا طريقًا طويلًا أوصلنا إلى شاطئ أوستند الرائع، ووجدنا محلًّا لاستبدال النقود، فتمكَّنَّا من ارتياد المطعم، وتمشَّينا على الشاطئ مستمتعين بالجو الجميل وروح الاصطياف. وسرعان ما توجَّهنا إلى محطتنا الأولى في بلجيكا، وهي مدينة «بريج» التي سَمِعنا بجمالها.
وبلجيكا لها وضعٌ فريد من الناحيتَين التاريخية والسياسية؛ فأقاليمُها قد توزَّعَت على مدار التاريخ بين دولٍ وإمبراطورياتٍ وقومياتٍ عديدة؛ فكانت تحت حكم الدولة الرومانية، ثم دوقيات فرنسا، وأصبحت زمنًا تحت حكم أسرة هابسبورج النمساوية، ثم كوَّنَت مع هولندا دولة الأراضي الواطئة التي دخلَت تحت حكم إسبانيا. واحتل نابليون تلك المناطق في اجتياحه لأوروبا، وبعده عادت بلجيكا إلى هولندا، قبل أن تثور ويعلن البلجيكيون استقلالهم عام ١٨٣٠م. وقد عانت بلجيكا من تعدُّد قومياتها ولغاتها، ففي الشمال إقليم الفلاندر يتحدث اللغة الفلمنكية، بينما الجنوب يسوده اللغة الفرنسية، وتسود اللغة الألمانية منطقة الشرق. وفي عام ١٩٩٣م أصبحَت بلجيكا دولةً فدرالية تتكوَّن من ثلاثة أقاليم تتمتَّع بالحكم الذاتي، وهي الفلاندرز ووالونيا وبروكسيل.
وحين وصلنا إلى «بريج»، كان صعبًا العثور على فندقٍ مناسب، إلا أن الحظ حالفنا بوجود غُرفٍ يؤجرها مَشْرب في الميدان الرئيسي، وتقع أعلى مبناه، كما كان هناك جراجٌ عمومي أسفل الميدان. وفوجئتُ أن الغُرف في ذلك الفندق قد سُمِّيَت بأسماء فنانين وفناناتٍ مشهورين، وأن غُرفتنا هي جناح مارلين مونرو! وأنها قد احتوَت على صورٍ لها من أفلامها المشهورة. وقد سُرِرتُ لذلك؛ لأني كنتُ من المُعجَبين بها، وأتوفَّر على جمع الكتب التي تحدَّثَت عنها، وصُورها، حتى إني اشتريتُ صورتَين نادرتَين لها؛ الأولى وهي تقرأ رواية عوليس لجيمس جويس، والأخرى وهي ممسكة بديوان أوراق العُشب لوالت ويتمان، والكتابان من المؤلَّفات المحبَّبة جدًّا عندي. وكانت الغرفة فسيحة والحمَّام المُلحَق بها فاخرًا، فاستمتَعنا بالإقامة فيها. وكالعادة، اشتركنا في جولةٍ منظَّمة في المدينة رأينا فيها معالمها الأساسية، ثم تجوَّلنا في طرقاتها، وطالعنا ما فيها من مبانٍ شهيرة. وتُشتهَر بريج بقنواتها العديدة التي تتخلل المدينة، والرحلات التي ينظِّمها أصحاب القوارب للسياح للتجوُّل عَبْر تلك القنوات، والتمتُّع بمناظر المدينة على الجانبَين.
وانتقَلنا بعد ذلك إلى مدينة «أنتويرب» التي تكرَّر ذكرها كثيرًا في مجال طباعة الكتب الممنوعة سياسيًّا ودينيًّا في الدول الأوروبية. ومن الغريب أن المدينة تُعرف كذلك باسمها الفرنسي «أنفرس»، مما يدعو إلى الخلط في بعض الأحيان. وهي ثاني أكبر مدن بلجيكا بعد العاصمة بروكسل، كما أنها أحد أكبر موانئ العالم البحرية، وهي تزخَر إلى جانب ذلك بالمتاحف، التي اكتفَينا منها بزيارة متحف الطباعة؛ حيث اطَّلَعنا على نوادر المطبوعات، ومنها إنجيل ريجيا المطبوع بخمس لغات، هي العبرية والسيريانية والآرامية واليونانية واللاتينية. وفي المُتحَف ما يربو على ٢٥ ألف مطبوعةٍ عتيقة، منها نسخة من إنجيل جوتنبرج، الذي لا يُوجَد منه الآن سوى ١٣ نسخةً أصلية. وقد زُرنا كذلك منزل الرسَّام الشهير روبنز (١٥٧٧–١٦٤٠م)؛ حيث يعرضون نماذجَ للغُرف التي كان يعيش فيها ومرسمه وبعض لوحاته. ونحن نتذكَّر أنتويرب جيدًا؛ إذ إننا نسينا الموقع الذي تركنا السيارة فيه، وكِدنا نلجأ إلى الشرطة لتُعاوِننا في العثور عليها، قبل أن نهتدي إلى مكانها.
واشترينا من إحدى مكتبات أنتويرب كتاب ميشلان عن هولندا، ثم انطلَقنا إلى أول محطةٍ هولندية لنا وهي «بريدا»، وجاوزنا الحدود إلى أراضي هولندا دون أي عائقٍ أو توقُّف، وبعدها قمنا بتغيير بعض النقود إلى العملة الهولندية. وفي بريدا لم نعثُر على أماكنَ في الفندق الذي وجدناه، وبعد لأيٍ قرَّرنا الذهاب إلى روتردام وقضاء الليل بها. وقد نزلنا هناك في أول فندقٍ وجدناه، وبعد راحةٍ ذهبنا للعَشاء ولم نجد إلا مطعمًا فرنسيًّا غريبًا، كانت الخدمة فيه على النمط الكلاسيكي الفاخر رغم عدم وجود طاعمين غيرنا، ولكن أكله كان جيدًا، وخرجنا ونحن سعيدان. وكانت روتردام مرتبطةً في ذهني بمهرجانات السينما التي تُقام فيها، ولكن لم يكن أمامنا وقتٌ للبحث في ذلك؛ فبعد جولةٍ قصيرة في صباح الغد في روتردام، أخذنا وِجهتَنا إلى مدينة لاهاي عَبْر بلدة دلفت، التي خلَّدها فرمير بلوحاته وبروست بإعجابه بلوحة «منظر من دلفت». ووجدنا دلفت بلدةً هادئة، تُشتهَر بالمصنوعات الخزفية، وبقنواتها الجميلة التي تتخلَّل كل شيء. وترجع شُهرة البلدة إلى فرمير (١٦٣٢–١٦٧٥م) الذي عاد الاهتمام به من جديد في أواخر القرن العشرين، وتُعرض أكثر أعماله في لاهاي وأمستردام.
وعلى هذا، ففي لاهاي اجتهَدنا في العثور على متحف «موريتس»، وضلَلْنا الطريق إليه وقتًا ما، نتيجة للمساحة الكبيرة للمدينة وابتعاد الأحياء بعضها عن بعض، وكذلك لنقص الإرشادات المرورية وعدم تفهُّمنا لها؛ فمثلًا، نحن أخذنا اسم لاهاي عن الفرنسية، بينما هي في الإنجليزية «لاهيج» وبالهولندية «دن هاج»! وعثَرنا أخيرًا على المُتحَف، وهو يضارع أثمَن المتاحف رغم قلة لوحاته، بمجموعته من لوحات روبنز ورمبرانت وفرمير. وقد توقَّفتُ طويلًا أمام لوحات فرمير، ودخلتُ في لوحته منظر دلفت، التي قال عنها بروست إنها أجمل لوحةٍ في العالم، ومدَحَها فان جوخ بأنها تفُوق التصوُّر. ولوحاتُه كلها معبِّرة، خاصةً لوحته «الصبية ذات اللؤلؤة». كما أن لوحات رمبرانت بالمُتحَف تضُم اللوحة الشهيرة «درس التشريح»، ولوحتَيه الذاتيتَين اللتَين رسم أولاهما في ١٦٢٩م، والأخرى في ١٦٦٩م، مما يتيح للمشاهد رؤية تطوُّر الرسَّام وفنه خلال مسيرته التصويرية.
وبعد زيارةٍ سريعة لمحكمة العدل الدولية، مرَرْنا بالمدينة المصغَّرة المسمَّاة «مادورودام»، وهي نموذجٌ مصغَّر لهولندا، بمبانيها وأنهارها وآثارها، وأقيمَت عام ١٩٥٢م للأطفال أساسًا، ولكنها أصبحَت من المزارات الأثيرة للجميع.
وخرجنا بصعوبةٍ من لاهاي بعد أن عَجزنا كثيرًا من الهرب من «الرنج»، وهو البريفيريك هناك، متجهين إلى نقطة الأساس؛ أمستردام. والغريب أنه بعد دخولنا إلى أمستردام، وجدنا نفسَينا في وسط الحي العربي فيها، فاستفدتُ من هذه الفرصة لشراء جريدة الأهرام الدولي من أحد المَحَال. وبعدها تجوَّلنا بحثًا عن فندقٍ مناسب حتى وجدناه على مبعدة دقائقَ من مُتحَف فان جوخ! ووجدنا الغرفة وحمَّامها فاخرَين، وكان صاحب الفندق هولنديًّا أصيلًا، دلَّنا على جراجٍ قريب لعربتنا وضعناها به إلى حين مغادرتنا هولندا. ولم يكن ممكنًا تناوُل الإفطار في الغرفة، بل في الطابق الأسفل؛ حيث يقوم الرجلُ وزوجتُه بخدمة النازلين بإفطارٍ شهي، ويتبادلان الحديث معنا. وقد استفهمتُ منه عن نطق اسم «جوخ» بالهولندية الأصيلة، فإذا بها تكون «خوخ» أو بالأحرى «خُخ» بعدم إطالة الواو!
وكان طبيعيًّا أن تكون أول زيارة لنا المُتحَف المخصَّص لفان جوخ، وقد افتُتح في عام ١٩٧٣م، وهو من المتاحف النادرة المخصَّصة لأعمال فنانٍ واحد. والمُتحَف ذو تصميمٍ حديثٍ جميل، ويضُم أربعة طوابق؛ الأول مخصَّص للأعمال التي كانت سائدةً أيام فان جوخ في الرسم والنحت. والطابق الثاني يعرض أهم أعمال الفنان، وبه حوالي ۱۰۰ لوحةٍ معروضة على نحوٍ زمني يتيح للمشاهد والباحث تبيُّن تطوُّر الرسم عند فان جوخ خطوةً خطوة، منذ أيامه في هولندا في نيونن وأنتويرب إلى باريس وآرل وسان ريمي وأوفير. والدور الثالث يضُم الأعمال الأخرى للفنان، ومجموعة رسومٍ يابانية كانت لدى فنسنت وأخيه ثيو، وتُعرض به مجموعات من خطاباتِ ورسومِ فان جوخ بالتبادُل نظرًا لحساسيتها للضوء. ويُخصَّص الطابق الرابع لمعارضَ طارئةٍ مؤقتة.
وقد لزم الأمر قضاء يومٍ في رحلةٍ إلى الريف الهولندي قبل أن نزور مُتحَف أمستردام القومي «ريجكز» الذي يرجع تأسيسه إلى أيام لويس بونابرت عام ١٨٠٨م، وأصبح الآن يضارع المتاحف العالمية في تنوُّع محتوياته وأهميتها. وجميع مدارس الرسم الهولندية والفلمنكية ممثَّلة فيه، ويُخصِّص قاعاتٍ عديدة لرمبرانت، وهو الذي قضَينا أكثر الوقت أمام لوحاته. وبه أيضًا أربع لوحاتٍ جميلة لفرمير، أهمها «فتاة تصُب اللبن». ويضُم المُتحَف عرضًا لتاريخ هولندا منذ العصور الوسطى عن طريق اللوحات، التي شارك في رسمها «فان ديك». وبالمُتحَف مجموعةٌ كبيرة من الفنون الآسيوية من التماثيل واللوحات والفنون التطبيقية من عديدٍ من بلدان الشرق الأقصى.
وقد قمنا في اليوم السابق برحلةٍ لرؤية الريف الهولندي، وشاهدنا الكثير من طواحين الهواء التي تُشتهَر البلاد بها، وزُرنا مصانعَ ريفية لصناعة الجبن بأنواعه، ومصنعًا سياحيًّا يَحفِر «القباقيب» الخشبية بألوانها الزاهية، والتي يعود صُنعُها إلى القرون الوسطى.
وبالطبع، لا تكتمل زيارة أمستردام دون الإلمام بالمنطقة الحمراء فيها، التي ذاع صيتُها في كل الأنحاء. ورغم أن أحياء البغاء موجودةٌ في كثيرٍ من المدن، فقد اشتُهر هذا الحي الهولندي بعرض الفتياتِ في فتريناتٍ كالبضاعة. وقد توقَّفتُ طويلًا في تأمُّل هذه الظاهرة؛ فرغم تحضُّر البلاد ورُقيِّها، ودفاعهِا عن المرأة في كل مكان، كيف تسمح بمثل تلك المهانة العلنية؟! وكانت المشاهد غريبة؛ فالفتيات والنساء «المعروضات» من كل لونٍ وشكل، وبعضُهن بالملابس الداخلية فقط، وما إن يفُزن بزبون، يُغلِقن الستار الكثيف، بما يُعلِن للجميع أنهن مشغولات. وبعض الفتيات يقفن على الرصيف في انتظار الزبائن بالطريقة العادية في العواصم الأخرى. والغريب أيضًا أن تلك المنطقة تقع إلى جوار إحدى الكنائس، وكثيرًا ما رأينا القسس يدخلون الكنيسة، بينما فتاةٌ شبه عارية تقف على غير بعيدٍ منهم. ولا تقتصر صناعة الجنس في هولندا على ذلك؛ فهناك مُتحف لتاريخ الجنس هو في الواقع مجرد مُتحَفٍ بورنوجرافي وحَسْب، كما أن هناك مُتحَفًا-محلًّا للعوازل الطبية من كل لونٍ ونوع، وبعضها مغلَّف على هيئة الحلوى أو الشيكولاتة! ومعروفٌ أيضًا أن هولندا تسمح باستخدام أنواعٍ من المخدِّرات الممنوعة في البلاد الأخرى، للاستخدام الشخصي.
ولكن، إلى جانب تلك الغرائب، استمتَعنا بجمال القنوات المائية التي تتخلَّل أمستردام كلها، وتخلَع عليها غِلالةً رومانسيةً جميلة. وقد تعجَّبتُ حين كنتُ أحادث صديقًا لي بالهاتف من هناك حين ذكَر لي أن أهم ما في تلك البلاد هو «الألماظ»، وهو ما يحرِص الزوَّار المصريون على جلبه منها. وبالفعل، كنا نرى لوحاتٍ تُعلِن عن محلاتٍ لبيع الماس والمجوهرات، ولكننا كنا بعيدين كل البعد عن تلك الأمور؛ فقد كنا نبحث عن الفن والتاريخ والجمال.
وبعد أن أخذنا كفايتَنا من هولندا، عُدنا ثانيةً إلى بلجيكا لزيارة العاصمة، فمرَرْنا مرةً أخرى بعدة مدنٍ هولندية — منها أوترخت — قبل الوصول إلى أنتويرب ثانية، ومنها إلى بروكسل، العاصمة البلجيكية. وكان من أول الأشياء التي بحَثْنا عنها في وسط بروكسل بعد أن استقرَرْنا في أحد الفنادق، الفندق الذي شَهِد حادثة إطلاق الشاعر فيرلين النارَ على آرتير رامبو في أثناء إقامتهما في بروكسل.
ففي عام ۱۸۷۳م، رحل فيرلين إلى بروكسل وكتب إلى رامبو أن يَلحَق به هناك، وهو ما فعلَه رامبو. وهناك، في أحد الفنادق بشارع «براسير»، عادا إلى الشجار والجدال، مما دعا فيرلين إلى التهديد بالانتحار، واشترى بالفعل مسدسًا من أحد محلات بروكسل. وفي غمرة شِجارهما، أطلق فيرلين النار على رامبو فجَرحَه في ذراعه. وأبلغ رامبو الشرطة فقبضَت على فيرلين وقدِّم للمحاكمة، وقضى عامَين في السجن.
وقد بحَثْنا عن ذلك الموضع، وهو متفرع من «الميدان الكبير»، قلب بروكسل النابض، ولدهشَتنا وجدنا لوحةً تذكاريةً مكتوبة عن تلك الحادثة ونصُّها كالآتي: «هنا كان يقوم فندق «كورتريه»؛ حيث قام بول فيرلين — يوم ١٠ يوليو ۱۸۷۳م — بإصابة آرتير رامبو بجراحٍ من طلقة مسدَّس». واللوحة وضعَتْها الجالية الفرنسية في بلجيكا، في مناسبة الذكرى المئوية لوفاة آرتير رامبو، في ۱۰ نوفمبر ۱۸۹۱م. والتقَطْنا بعض الصور للوحة التذكارية، مما أثار فضولَ المارَّة لمعرفة ما نصوِّره؛ إذ لم يكن من أحدٍ يُلقي بالًا لتلك اللوحة، والكل مشغول بالتمثال الشهير للطفل الذي يتبوَّل، الذي اشتُهرَت به العاصمة، وهو يقع على ناصية شارع براسير.
وتتابعَت زياراتنا لما هو مهمٌّ في بروكسل، ومنه الميدان الكبير الذي يُشتهَر بالزهور في مواسمها، والمحلات الأنيقة، وتجمُّعات الشباب من كل أنحاء العالم.
وفي بروكسل عديد من المتاحف الهامة، على رأسها المُتحَف الملكي للفن والتاريخ، وبه نماذجُ للحضارات المختلفة، بدءًا من حضارات الهلال الخصيب حتى العصور الحديثة، وبه مجموعةٌ كاملة من آثار الأسَر الفرعونية كلها. وهناك مُتحَف الفنون الجميلة الذي يضُم الكثير من روائع التصوير، من لوحات بروغل وروبنز ودافيد مصوِّر الثورة الفرنسية ونابليون بونابرت، الذي نُفي إلى الأراضي المُنخفِضة بعد عودة الملكية في فرنسا. أمَّا المتحف الفريد الذي تتميَّز به بروكسل فهو «المركز البلجيكي للرسوم المصورة»، الذي يعرض في مبناه الضخم الفخيم تاريخَ ذلك الفن، ونماذجَ للسلاسل التي اشتُهرَت فيه وعلى رأسها «تان تان».
وفي بروكسل مقَر حلف شمال الأطلسي، ومقَر مجلس الاتحاد الأوروبي. وقد اشتَركْنا في جولةٍ إرشادية طفنا فيها بأهم معالم المدينة وضواحيها.
وقبل العودة إلى فرنسا، كان لا بد من زيارة موقعٍ تاريخيٍّ هام في مسارنا؛ واترلو، مسرح آخر معارك نابليون بونابرت ضد الحلفاء الأوروبيين الذين كانت قواتُهم تحت قيادة ولنجتون. وقد أصبح ذلك الموضع بقعةً سياحية، شَهِدنا فيه «ماكيت» يمثِّل سير المعارك، وعروضًا تصويرية عنها، بالإضافة إلى الكتب والتَّذكارات عن نابليون وولنجتون. وساحة المعركة يتوسَّطها ما يشبه التل الصغير تغَطِّيه الخضرة، وفي جانبه سُلمٌ طويل يقود إلى القمة التي يعلوها تمثالٌ حديدي يمثِّل أسدًا، ويزن ۲۸ طنًّا. وقد أعادت تلك الزيارة إلى ذهني الكتب والأفلام العديدة التي دارت حول تلك المعركة، فوجدتُها كلها ماثلةً حية أمام عيني.
وبعد أخذ العِبَر من هذا التاريخ القتالي المرير، استرحنا في كافيتيريا واترلو، قبل أن نيمِّم وجهنا شطر المدينة التي بقيَت لنا زيارتها في فرنسا الأدبية؛ شارلفيل، بلدة الشاعر الجوَّال آرتير رامبو. وبينما راحت السيارة تقطع بنا الطريق بين بلجيكا وفرنسا، كانت أبيات قصيدته الشهيرة «السفينة النشوى» تتردَّد في ذهني: «بينما رحتُ أهبط عَبْر أنهارٍ جامدة، لم أعُد أشعُر بالملاحين يقودون خطاي؛ فقد صوَّب إليهم الهنود الحمر الصارخون سهامهم، وشدُّوهم عرايا إلى الصواري الملوَّنة.» وقد كنتُ دائمًا أتساءل عند قراءتي المبكِّرة عن حياة هذا الشاعر، كيف يتنقَّل هكذا في صباه بين دولتَين — بلجيكا وفرنسا — مشيًا على قدمَيه في بساطة ويُسر، كلما ضاق ببلدته وأسرته والقيود التي تفرضها عليه. وعندما وصلَت بنا العربة إلى الخط الفاصل بين الدولتَين، وضَحَت لي الإجابة على الفور؛ فقد كانت الحدود تتداخل، والطبيعة واحدة والجبال واحدة والأنهار واحدة. وما هو إلا وقتٌ قصير حتى كنا في بلدة الشاعر.
وصلنا شارلفيل ونحن ننتوي المكوث فيها يومَين، فتطاوَلا حتى بلَغا سبعةً. وكانت تجربةً لا تُنسى أن أسير على ضفاف نهر «الميز»، التي سار عليها الشاعر وهو يرقُب مياه النهر، وأنا أتنقَّل بين ربوع البلدة التي تنقَّل فيها، وأرى المنزلَ الذي وُلد فيه، والمدرسةَ التي تعلَّم فيها، والتي تحوَّلَت الآن إلى مكتبة البلدية. وتُعطي الطبيعة الساحرة التي تُحيط بالبلدة، والتي تصلُها بالأراضي البلجيكية، فكرةً طيبة عن كيفية انتقال رامبو مرارًا بين البلدَين سيرًا على الأقدام.
وقد وُلد آرتير رامبو في ٢٤ أكتوبر ١٨٥٤م، وكان أبوه ضابطًا مغامرًا لا يستقرُّ له قرار، وما لبِث أن هجَر الأسرة حين كان رامبو في السادسة من عمره، ولم يَرَه بعد ذلك أبدًا. ولا شك أن رامبو قد وَرِث عن ذلك الأب حُب الترحال وعدم الاستقرار وجموح الطباع والثورة على كل شيء؛ بينما وَرِث عن أمه ما اشتُهِر به بعد أن عَمِل بالتجارة من حُسْن التدبير في كسب المال. وقد التحَق رامبو بمعهد «روسا»، ثم بالمدرسة الثانوية بالبلدة، وتلقَّى بها التعليم الفرنسي التقليدي أيامها، الذي كان يركِّز على تعلُّم اللغتَين اليونانية واللاتينية، والتاريخ واللغة والرياضيات. وكانت فترة صباه التعليمية فترةً عاصفة؛ فهو لم يكُن يُطيق النظام والقيود التي كان يفرضُها عليه البيت والمدرسة، فكان يتمرَّد عليهما دائمًا. ورغم ذلك، مكَّنَه ذكاؤه الحادُّ من التفوُّق في دروسه دون جهد، فكان يحصُد الجوائز المدرسية على الدوام. وقد أتقن اللاتينية إلى الحد الذي كان يَنظِم شعرًا بها، وحازت بعضُ قصائده جوائزَ عامة. وكان يقضي وقته هائمًا في الريف وعلى ضفاف «الميز»، ويقرأ كل ما تقع عليه يداه. وقد شجَّعَه على طموحاته الأدبية والتحررية أستاذه «إيزمبار» الذي أقرضَه الكتب الجديدة التي كانت محرَّمة في بيئةٍ إقليميةٍ منغلقة مثل بيئة شارلفيل. وطالع رامبو كُتب هوجو وبودلير وسان سيمون وميشليه، وسرعان ما بدأ يُدبِّج القصائد بالفرنسية، ويضع تصوُّره الخاص لما يجب أن يكون عليه الشعر والشعراء.
ولما بلَغ رامبو السابعة عشرة من عمره، كان قد حاول بالفعل أن يهجُر منزله وبلدتَه أربعَ مراتٍ على الأقل، منها المرة التي تَوجَّه فيها إلى باريس كي يشترك في ثورة الكوميون، تلك الثورة التي أعقبَت هزيمة فرنسا عام ١٨٧٠م، أمام القوات البروسية الألمانية، والتي أدَّت إلى سقوط الإمبراطور نابليون الثالث. وبعد ذلك، عكَف رامبو على تعويض إحساسه بالمرارة بالانكباب على الكتابة؛ وكان نتاج ذلك مقالته عن الفن والشعر التي ذكَر فيها أن الفن الحقيقي يجب أن ينبُع من «الذات الأخرى» الخفيَّة لدى الفنان، وأن سبيله إلى الكشف عن تلك الذات هي الحب والألم والجنون، وعلى الفنَّان أن يخلط في ذاته بين كل أنواع الحواسِّ بحيث يمكنه في النهاية أن يصبح «بصيرًا»، وتكون جميعُ حواسه في اتصالٍ وتآلُف، كما لو أنه عاد إلى ينبوعٍ واحد لها جميعًا، فالعين ترى رفيف الأجنحة، والأذن تسمع عُبور الرؤى، وكل جارحةٍ من جوارح الإنسان تزدهر وتنتعش أمام تألُّق الأشياء بالألوان والأضواء والأشياء وتقيض بالشعر (من كتاب صدقي إسماعيل عن رامبو).
وواكَب كتابة تلك المقالة تدبيجه قصيدتَين طويلتَين من أبرز أشعاره؛ الأولى بعنوان «ما يُقال للشاعر عن الأزهار»، أما الثانية فهي قصيدته الشهيرة «السفينة النشوى»: «لقد خبَرتُ السماوات المنصدعة في بروق؛ خبَرتُ المساء، والفجر الطالع كأنه رهطٌ من الحمائم؛ ورأيتُ أحيانًا كل ما ظن الإنسان أنه رآه!»
وقرَّر رامبو أن يبدأ حياته كشاعر، فأرسل مجموعةً من قصائده إلى «بول فيرلين»، الذي قرأها وأدرك على الفور أنه أمام ظاهرةٍ جديدة في الشعر الفرنسي فأرسل يستدعيه إلى باريس، وقدَّمه إلى كبار شعراء زمنه. وارتبط رامبو وفيرلين ارتباطًا وثيقًا جعلهما لا يفترقان، وتبدأ بذلك المأساة في حياة الشاعرين، والتي انتهت بإطلاق فيرلين النار على رامبو في فندق ببلجيكا، وهو الحادث الذي أشرتُ إليه سابقًا. ويعود رامبو بعدها إلى عائلته في شارلفيل، ويقوم بكتابة آخر ما خطَّت يداه: «فصل في الجحيم»، وهو كتابٌ من النثر الشعري، ولم يُكتشَف إلا بعد وفاته. ومع آخر حرفٍ من ذلك الكتاب، يهجُر رامبو الكتابة والشعر والأدب، ويبدأ حياةً من الأسفار والمغامرات والتجارة، أخذَته إلى أصقاعٍ نائية في الشرق الأقصى، ثم إلى أفريقيا، في الحبشة وزيلع وجيبوتي؛ وكان على وشك العمل مفتشًا في الجمارك بالإسكندرية لولا أنه لم يُطِق الانتظار لإتمام الأوراق الخاصة بذلك. وزار القاهرة عدة مرات، وأودَع في فرع مصرف «الكريدي ليونيه» في حي الغورية أموالًا ذهبية كوديعة لمدة ستة أشهر بفائدة ٤٪! وقد أصيب رامبو بسرطان العظام الذي أدَّى إلى وفاته عام ١٨٩١م.
وقد زُرنا متحف رامبو بالبلدة مرتَين، ورأينا فيه بعض المخطوطات الأصلية للشاعر، وكثيرًا من مُعدَّات أسفاره، ومنها حقيبته الأفريقية، بالإضافة إلى صوره الأصلية، ونص قصيدة السفينة النشوى مكتوبةً بخط بول فيرلين. ويَعرِض المتحف أيضًا الطبعات الأولى لكتبه، والعديد من الكتب التي صدَرَت عنه. وكنا نتجوَّل في أبهاء المتحف وسُطورُ قصيدته الخالدة تتردَّد في أذهاننا. وقد ابتعنا من المتحف عددًا من الكتب والبطاقات التَّذكارية، والكتاب الذي صدَر بأعماله الكاملة في ذكراه.
والآن، كما قال الناقدُ الكبير رجاء النقاش: «لا يُوجَد مُحب للشعر الإنساني دارس له في أي مكان من العالم إلا ويعرف اسم رامبو. إنه شاعرٌ مهم وموهوب، وأشعاره تزداد تألقًا مع الأيام، ويجتهد الباحثون في تقديم تفسير لها كلما ظهرَت مناهجُ جديدة للبحث في الشعر ودراسته.»