مقدمة
وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الآيات من سورة الحج.
يحج بيت الله الحرام ويزور مسجد رسوله وروضته عليه أفضل الصلاة والسلام ألوف كثيرة من مسلمي الآفاق، أكثرهم من العوام والفقراء، وبعضهم من العلماء والأدباء والكتاب والشعراء، ويقل في جملتهم من يفقه ما يعمل، ومن يعي ما يسمع، ومن يعقل ما ينظر، ويقل في هؤلاء من يكتب لإخوانه المسلمين ما يفيدهم شيئًا لا يجدونه في كتب الفقه أو التاريخ والرحلات والأدب.
بل نرى من حجاج إخواننا المصريين من يكتبون في كل عام ما يغضب الله تعالى ويسوء جيرانه في حرمه، وجيران رسوله ﷺ في روضته، وخدام قاصدي هذين الحرمين من المطوفين والمزورين، وحكامهما الحافظين لأمن السكان وآمِّين البيت الحرام، وأطباءهما المحافظين على صحة أهلهما، وصحة من يتشرف بأداء المناسك والزيارة فيهما، بل يكتبون ما ينفر المسلمين عن إقامة هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، ويصدهم عن إحياء هذه الجامعة العامة التي امتاز بها على جميع الأديان، فهذا يشكو من شدة الحر، وذاك يتململ من كثرة النفقة، وآخر يتبرم بما يزعم من تقصير المطوفين وطمعهم.
وأغرب من كل هذا أن منهم من ينتقدون منع البدع والخرافات، والطواف بالقبور والاستغاثة بالأموات، وأن منهم من كتب في هذا الشهر مشنعًا على حكومة الحجاز التقصير في عمارة مسجد الرسول ﷺ وتجديد فرشه، وهو يعلم أن حكومة الحجاز الحاضرة على فقرها، قد فعلت ما لم تفعله حكومة قبلها، من حفظ الأمن، وتسهيل السبل، وتوفير المياه، والإسعافات الصحية للحاج، فإن هذا قد صار متواترًا، ويعلم أيضًا أن حكومته هو قد منعت ما كانت ترسله إلى الحرمين وأهلهما من الأموال، والحقوق المقررة لهما التي كانت ترسلها في كل عام، وأن هذه الحقوق هي بعض ما وقفه الملوك والأمراء، وأهل البر من الأغنياء، ويعلم أن وزارة الأوقاف تجبي من أوقاف الحرمين في كل عام مئات الألوف من الجنيهات، وتصرفها في غير ما وقفت عليه — ويعلم أيضًا أن الحكومة التركية، قد استحالت حكومة لا دينية، وضمت أوقاف الحرمين إلى أملاكها، بل هي تمنع من يريد الحج من شعبها، وحجتها الظاهرة على هذا المنع أن الترك أحق بأموالهم أن تبقى في بلادهم من أن تصرف في بلاد العرب!
وخير من هؤلاء الصادين عن سبيل الله، والمنفرين عن دين الله والمؤذين لجيران الله، من يؤلفون كتبًا في رحلاتهم الحجازية ينكرون فيها أحكام المناسك الفقهية، وبعض الأخبار التاريخية … وكتبوا في رحلاتهم وفي الصحف ما أملاه الحق من وصف … وتوفير أسباب الراحة للحاج، والثناء على الحكومة لما قدمته من الخير العظيم للإسلام فيها.
بيد أنك قلما ترى فيما كتبوا عبرة جديدة، أو شيئًا من المقترحات المفيدة، أو ترغيبًا في البذل لعمارة المسجد الحرام، ومسجد النبي عليه الصلاة والسلام، أو لتسهيل السبيل على الحجاج والزائرين … لهم وللمقيمين، اقتداء بما كان من فعل السلف الصالحين.
دع ما هو أعلى من ذلك منزعًا، وأروى مشرعًا، وأبعد عن الإصلاح غاية، وأقوى في درء الخطر عن الإسلام وقاية، فقد علم من سياسة الاستعمار الأوروبي أن خطره قد أحاط بجزيرة العرب … بعض دولة تغلغل في بعض أنحائها، ثم طفق يوغل في أحشائها … فإن المستعمرين قد استولوا على سكة الحديد الحجازية التي كان الغرض الظاهر القريب من إنشائها تسهيل أداء الفريضة، والباطن … الجزيرة نفسها من الاستعمار الأوروبي، ومن قتل الإسلام في عقر داره، وإزاحته عن قراره؛ تمهيدًا لمحوه من الأرض كلها.
كذلك كان شأن المسلمين في حجهم وزيارتهم، وكذلك كان ما دونوا في رحلاتهم ومقالاتهم، إلى أن أذن الله تعالى لعبده المجاهد في سبيله؛ بماله، ونفسه، ولسانه وقلمه، وعلمه وعمله، الأمير شكيب أرسلان، الذي بحق لقبته أمته بأمير البيان، أن يستجيب لأذان إبراهيم خليل الرحمن، فيؤدي فريضة الحج، ويمرض مرضًا يضطره بعد أداء المناسك إلى الالتجاء إلى الطائف، والتوقل في جبالها وذراها، والتنقل في مزارعها وقراها، والهبوط في أخيافها وأوديتها، فينال الشفاء والعافية من مرضه، ومن مرض سابق له؛ بما شم من هواء نقي، وشرب من ماء روي، وجنى من ثمر شهي، ويشاهد ما ثم من قابلية للعمران، لا يكاد يفضلها مكان، في عصر عم الحجاز فيه العدل والأمان، وأن يصف ذلك بقلمه السيال، وبيانه السلسال، الذي يجري فتكبو في غاياته جياد الفرسان، ومن ذا الذي يطمع في لحاق أمير البيان، في مثل هذا الميدان، ميدان التاريخ وعلم الاجتماع والعمران، وما فيه من عبر السياسة في هذا الزمان، ولا سيما سياسة الأمة العربية والإسلام.
أحمد الله تعالى أن وفق أخي شكيبًا لأداء المناسك، وشهود ما قرنه بها القرآن من المنافع، وإنما هي منافع أمته، لا منافع شخصه وأسرته، وأن يسر له السير في تلك الأرض؛ لفقه ما أرشد إليه عقله، وهدى له قلبه، فيعرف بنفسه جبالها ووهادها، وأغوارها وأنجادها، وسهوبها وصفاصفها، ومجاهلها ومعارفها، ثم يبعث ما دفن في بطون الكتب من تاريخ عمرانها، وكنوز معادنها، مع بيان أماكنها، ووسائل استخراجها من مكامنها، ويجلي للعقول ما فيها من العبر البالغة، ويقرن بها وصف حالتها الحاضرة، ويستنبط منها ما يجب على الأمة العربية وحكوماتها، والشعوب الإسلامية وزعمائها، من توجيه أصدق ما أوتوا من إرادة وعزيمة، وأفضل ما أعطوا من علم وثروة، في سبيل عمران الحجاز، وصيانته من خطر الاستعمار، وأن ذلك لا يتم لهم إلا بعمران جزيرة العرب كلها؛ لأن انتقاصها من أطرافها، يفضي إلى الإحاطة بسائر أكنافها.
تلك الغاية البعيدة المرمى هي التي وضع لها الأمير رحلته الحجازية التي سماها «الارتسامات اللطاف، في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف»، وقد أقام الدلائل على إمكان ما دعا إليه وسهولته، من قابلية في المكان ومواتاة من الزمان، وأشار إلى ما يُعترض به على ذلك من شبهات داحضة، وكر عليها بما ينقضها من حجج ناهضة، بما لم يُبْقِ لمعتذر عذرًا مقبولًا، ولا لمقصر قولًا معقولًا.
ثم إنه لم يقف في ارتساماته دون هذا المقصد الأسمى، بل ألم فيها بكل ما يهم المسلم من حال الحجاز وأهله وحكومته، فأفاض القول في تعظيم شأن المياه فيه، وما يرجى من زيادتها بالوسائل العصرية، ولا سيما الآبار الإرتوازية، واستشهد التاريخ على ما كان من عناية السلف الصالح بعمرانه، وحبس الأوقاف الواسعة عليه، وعناية الخلف الطالح بتخريب ما عمروا، وإضاعة أكثر ما وقفوا، وتمهيد حكامهم الفاسقين سبيل ذلك لسالبي ملكهم من المستعمرين، وضرب لذلك الأمثال، بتاريخ أكبر المعمرين من الملوك والأمراء والوزراء، وأسهب في بيان أحوال المطوفين والمزورين وقناعتهم، وما يجب من إصلاح حالهم، ونوه فيها بفضل الحكومة السعودية الحاضرة وخدمة مَلكها للحجاز، وأعظمها والمقدم منها تعميم الأمنة في بدو البلاد وحضرها، وقريبها وبعيدها، وما يُرجى بحكمته من سائر أركان الإصلاح فيها.
وقد من علي بأن عهد بنشر هذه الارتسامات إلي، بأن أطبعها بمطبعة المنار، وأشرف على تصحيحها بنفسي؛ لتعذر إرسال مثل الطبع إليه في أوروبا؛ ليتولى تصحيحها بنفسه، بل من علي بالإذن لي بتعليق بعض الحواشي على بعض المواضع التي أرى التعليق عليها مفيدًا لقارئيها؛ ليكون اسمي مقرونًا باسمه في هذا الأثر الخالد له في خدمة العرب والإسلام، كما من علي قبله بمثله في رسالته التي جعل عنوانها: «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟» وهي هي الرسالة التي:
فاضطربت بها بعض دول الاستعمار وزلزلت زلزالًا شديدًا، حتى قيل لنا: إنها أغرت حكومة سوريا بمنع نشرها فيها، وهي أحق بها وأهلها، فانفردت بهذه العداوة للإسلام دون من أغروها بها.
ولقد كان سماح الأمير حفظه الله لي بهذا وذاك إعلامًا لقارئي الرسالة والرحلة بما بيننا من الأخوة الإسلامية الصادقة، والاتفاق في المقاصد الإصلاحية النافعة، للأمة العربية، والشعوب الإسلامية، التي نفخ روحها في كل منا شيخنا الأستاذ الإمام «الشيخ محمد عبده» بالتبع لأستاذه موقظ الشرق وحكيم الإسلام «السيد جمال الدين الأفغاني» قدس الله روحهما، وأجزل ثوابهما.
هذا وإن الأمير أمتع الله بعلمه وعمله ولسانه وقلمه قد وضع للرحلة حواشي كثيرة، عزوتها إليه في مواضعها، وكان يجب أن أشير إلى ذلك في ديباجتها، ولكنني ما علمت بها إلا عند بلوغ أول حاشية منها.
وقد كان لي وقفة ونظر في اقتراحه على الحكومات المختلفة في الدين والسياسة أن تشدد على حجاج بلادها الفقراء، فيما تفرضه من الشروط للسماح لهم بالسفر إلى الحجاز، لا لأن هذا الاقتراح منكر في نفسه؛ بل لأن الحكومات الاستعمارية التي تكره المسلمين المرزوئين بسيطرتها عليهم أن يؤدوا هذه الفريضة، لم تقصر في إرهاقهم بالشروط المالية والصحية، بل أنا أعلم علم اليقين أن جميع الدول الاستعمارية تمقت قيام المسلمين بهذه الفريضة، وتتعاون على صدهم عنها بما تستطيع من حول وحيلة، ولولا ما لبواخرها وتجارتها من المنافع من نقل الحجاج لكان تشديدهم في الصد أكبر، ولكن ما وضعوه من العواثير والعقاب في سبيل الحج باسم المحافظة على الصحة، قد أنالهم بعض مرادهم منه بقلة من يتحمل مشقته من ملوك المسلمين، وأمرائهم المترفين، وأغنيائهم المحسنين، وزعمائهم المفكرين.
وها أنا ذا أزف إلى قراء العربية هذه الرحلة النفيسة، والارتسامات اللطيفة، ولا ريب عندي في أنهم يقدرونها قدرها، ويعنون معي بنشرها، وبث الدعاية إلى العمل بما فيها من النصيحة الثمينة التي تتوقف عليها حياة هذه الأمة المسكينة، التي كانت هي الناشرة لدعوة الإسلام، والمفيضة لنور هدايته، والمفجرة لأنهار حضارته، وبإحيائها وعمران بلادها يناط بقاؤه، ويعود رواؤه، وينضر إهابه، ويتجدد شبابه.
وأختم هذا التصدير لها بما يؤيد قولي هذا من الأحاديث النبوية في شأن الحجاز ومستقبله، وكونه مأرز الإسلام ومعقله، وحصنه وموئله، عندما يشتد على المسلمين البغي والعداون، ويركبون المناكير فيناكرهم الزمان، أو تستباح بيضتهم بما أعرضوا عن هداية القرآن.
وأعم منه وأدل على المراد قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها.» رواه مسلم من حديث ابن عمر.
وأوسع من ذلك كله وأدل على الباعث عليه ما رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث ابن عباس أن النبي ﷺ أوصى عند موته بثلاث أولها: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب.» وما رواه أحمد ومسلم والترمذي عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا.» وما رواه أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: آخر ما عهد به رسول الله ﷺ أن قال: «لا يترك بجزيرة العرب دينان.»
وروي عن أبي عبيدة عامر بن الجراح قال: آخر ما تكلم به رسول الله ﷺ: «أخرجوا يهود أهل الحجاز ونصارى نجران من جزيرة العرب.» والمراد: أنه آخر ما أوصى به عند موته، وأما آخر كلمة نطق بها ﷺ فهي: «اللهم الرفيق الأعلى.»
وقد بينت في مواضع من جزء التفسير العاشر وغيره حكمة هذه الوصايا النبوية، وهي ما أطلع الله تعالى عليه رسوله وأخبر به كما في حديث ثوبان رضي الله عنه وغيره، من تداعي الأمم على المسلمين كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وسلبهم لملكهم، واضطهادهم لهم في دينهم، إلى أن يضطروا إلى الالتجاء إلى مهد الإسلام الأول، ومعقله الأعظم، ومأرزه الآمن، وهو الحجاز وسياجه من جزيرة العرب؛ ولذلك أوصى بأن يكون هذا المعقل خاصًّا بالمسلمين لا يشاركهم فيه غيرهم، فهذه الوصية من دلائل نبوته ﷺ قد ظهر سرها في هذا العصر.
وها نحن أولاء نرى أعداء الإسلام ما زالوا يطاردون المسلمين حتى انتهوا بهم إلى جزيرة العرب، وطفقوا ينازعونهم فيها، بل وصلوا إلى الحجاز واستولوا بمساعدة بعض أمرائه على أعظم موقع من معاقله البرية والبحرية — ما بين العقبة ومعان — وصاروا باستيلائهم على سكة الحديد الحجازية على مقربة من المدينة المنورة التي خصها الرسول ﷺ من هذه الوصايا بالذكر، وأنشئوا يؤسسون وطنًا لليهود في جوارها من فلسطين التي يدعون أنها لهم وحدهم، وسيطلبون ضم خيبر إليها، بأنها كانت لهم، وأخرجهم عمر بن الخطاب منها.
فإذا لم تتعاون جميع الشعوب الإسلامية على مساعدة حكومة الحجاز بالمال والنفوذ الصوري والمعنوي على حفظ الحجاز وعمرانه، بل إلجائها إلى ذلك واضطرارها إليه، فستقطع قلوبهم أسفًا وندمًا، ويذرفون بدل الدموع دمًا، إذ لا ذات مندم، ولا متأخر ولا متقدم، ولقد كنت في حيرة لا أهتدي السبيل إلى أقرب الوسائل لهذا العمران، حتى وجدته مرسومًا في هذه الارتسامات، داحضة أمامه جميع الشبهات، فبادروا إليه أيها المسلمون: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ.
هوامش
وأما الفقراء الذي لم يبلغ فقرهم هذه الدرجة فليسوا المراد بكلامي، وإني أوافق الأستاذ على كون دول الاستعمار تشدد الشروط عمدًا على من يريد الحج، المستطيع وغير المستطيع، وذلك قطعًا لصلة المسلمين بمكة وعزلًا لهم عن إخوانهم في الدين، وإذا سمحت أحيانًا بالحج فيكون على كره منها وتعتاض من ذلك بإكراه الحجاج على ركوب بواخرها، وتفرض عليهم أجرة فاحشة، وتحشرهم فيها حشرًا يزيد قهرهم، وفي السنة الفائتة لم تزل فرنسا تتنوع في الشروط وتتعنت على الحجاج حتى لم يقدر على الحج إلا ٣٠ شخصًا من كل جزائر الغرب مع أن الذين كانوا نووا الحج هم أكثر من ألف وتسعمائة.
ولا يكثر على الفرنسيين بعد ذلك أن يمنوا — بكرة وأصيلا — على مسلمي الغرب بالحرية الدينية التي أمتعوهم بها، وأن يملئوا جرائدهم بما منحوهم منها، حتى يخال من لم يطلع على الحقيقة أن مسلمي الغرب راتعون في بحابح الحرية الدينية كما يصفها هؤلاء الخطباء والكتاب.
والحقيقة أن أهل المغرب جميعًا في عناء شديد من كل جهة، ولا سيما من جهة حرية الاجتماع بسائر المسلمين، بل من جهة حرية اجتماعهم بعضهم مع بعض ومنذ نحو شهر نادى المنادي في أسواق فاس بأنه ممنوع ذهاب التجار للبيع أو الشراء بين قبائل البربر، وجميع الناس يعلمون أنه لا يقدر أحد من الفقهاء ولا من حملة القرآن ولا من مشايخ الطرق الصوفية أن يدخل قرى البربر، ولا أن يجول في الجبال التي هم فيها إلا بإذن خاص من الحكومة على حين مئات من الرهبان والراهبات والأقسة والمبشرين يجولون في بلاد البربر كيف يشاءون ويبنون المدارس والكنائس.
فهذا هو كنه الحرية الدينية التي تمن بها فرنسا على مسلمي المغرب، ومن كان في شك من كلامنا هذا فليذهب إلى تلك البلاد أو فليسأل الثقات من أهلها.