تَوَخَّ الْحَذَرَ فِي خُطَاكَ!
لَمْ يَكُنِ الْأَرْنَبُ بيتر هَكَذَا مِنْ قَبْلُ، لَمْ يَكُنْ يَخْشَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَتَوَخَّ الْحَذَرَ فَسَيَنْتَهِي أَمْرُهُ، وَلَنْ يَعُودَ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ بِأَيِّ حَالٍ، لَكِنَّهُ الْآنَ يَشْعُرُ بِالْخَوْفِ، بَلْ بِالْخَوْفِ الشَّدِيدِ؛ فَقَدْ كَانَ يَخْشَى أَنْ يَنْتَهِيَ أَمْرُ أَيٍّ مِنْ صِغَارِ بوب وايت. بَدَا لِبيتر أَنَّهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ؛ مِمَّا جَعَلَهُ يَشْعُرُ بِالتَّوَتُّرِ؛ فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَتَحَرَّكُ قَلِيلًا كَانَتْ زَوْجَةُ بوب وايت أَوْ زَوْجَتُهُ تَصِيحُ: «تَوَخَّ الْحَذَرَ فِي خُطَاكَ يَا بيتر!» أَوْ «لَا تَطَأْ بِقَدَمَيْكَ أَحَدًا مِنَ الصِّغَارِ!»
لِذَا كُلَّمَا تَحَرَّكَ بيتر نَظَرَ حَوْلَهُ بِدِقَّةٍ حَتَّى يَتَأَكَّدَ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ أَيِّ طَائِرٍ بُنِّيٍّ صَغِيرٍ مُخْتَبِئٍ تَحْتَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ الْبُنِّيَّةِ؛ فَكَمَا تَعْلَمُونَ، هُوَ لَنْ يَطَأَ بِقَدَمَيْهِ فَوْقَ أَحَدٍ مِنَ الصِّغَارِ مَهْمَا حَدَثَ. لَكِنْ حَقًّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نِصْفُ الْأَخْطَارِ الَّتِي كَانَتْ تَتَصَوَّرُهَا أُمُّهُمُ الْحَنُونُ، فَكَانَ صِغَارُ بوب وايت فِي غَايَةِ النَّشَاطِ وَالذَّكَاءِ كَذَلِكَ. لَكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ تَسِيرُ الْأُمُورُ مَعَ الْأُمَّهَاتِ؛ إِذْ يَبْدُو أَنَّهُنَّ يَتَوَقَّعْنَ دَائِمًا حُدُوثَ شَيْءٍ مُرِيعٍ لِصِغَارِهِنَّ؛ لِذَلِكَ كَانَ بيتر يَسْمَعُ الْعِبَارَةَ التَّحْذِيرِيَّةَ: «تَوَخَّ الْحَذَرَ فِي خُطَاكَ!» عِشْرِينَ مَرَّةً فِي الْيَوْمِ.
وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ سَعِيدًا أَنَّ أُسْرَةَ بوب وايت قَدِ انْتَقَلَتْ لِلْعَيْشِ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ؛ فَقَدْ أَتَاحَ ذَلِكَ لَهُ فُرْصَةً لَا مَثِيلَ لَهَا لِمَعْرِفَةِ الْمَزِيدِ عَنْ بوب وايت وَأَطْفَالِهِ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ، إِنَّ بيتر كَانَ شَغُوفًا دَائِمًا بِالِاطِّلَاعِ عَلَى الْأُمُورِ، لَا سِيَّمَا أُمُورُ الْغَيْرِ. بَدَا لِبيتر أَنَّهُ لَمْ يَرَ قَطُّ صِغَارًا يَكْبُرُونَ مِثْلَ صِغَارِ بوب وايت، وَقَدِ انْتَشَرُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَكَانَ بيتر كَثِيرًا مَا يَتَسَاءَلُ كَيْفَ يَتَسَنَّى لِأُمِّهِمْ مُرَاقَبَتُهُمْ جَمِيعًا عَلَى أَيِّ حَالٍ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُرَاقِبُهُمْ جَمِيعًا بِالْفِعْلِ. كَمَا أَنَّهُ لَاحَظَ شَيْئًا؛ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُطِيعُونَهَا فَوْرَ أَنْ تُنَادِيَ عَلَيْهِمْ. إِذَا حَلَّقَ الصَّقْرُ أحمر الذيل فِي بُطْءٍ فَوْقَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ لِيُرَاقِبَ بِعَيْنَيْهِ الثَّاقِبَتَيْنِ أَيَّ شَيْءٍ يَحْدُثُ فِي الْأَسْفَلِ وَلَا يَعْرِفُهُ؛ كَانَتْ زَوْجَةُ بوب تُصْدِرُ إِنْذَارًا لِلصِّغَارِ، فَكَانَ يَجْثُمُ كُلٌّ مِنْهُمْ حَيْثُ كَانَ وَلَا يَتَحَرَّكُ حَتَّى تُخْبِرَهُ الْأُمُّ بِذَلِكَ؛ لِذَلِكَ لَمْ يَشُكَّ الصَّقْرُ أحمر الذيل وَلَوْ لِمَرَّةٍ أَنَّ عَائِلَةَ بوب وايت كَانَتْ هُنَاكَ. عِنْدَمَا كَانَتْ زَوْجَةُ بوب تُنَادِي عَلَى الصِّغَارِ، كَانُوا يَأْتُونَ إِلَيْهَا فِي عَجَلَةٍ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَانَ مِنَ الْجَمِيلِ مُشَاهَدَةُ هَذِهِ الطَّاعَةِ.
وَبَعْدَهَا، عِنْدَمَا يَسْتَقِرُّ جَمِيعُ الصِّغَارِ تَحْتَ جَنَاحَيِ الْأُمِّ، كَانَتْ تُخْبِرُهُمْ عَنِ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ وَالْمَخَاطِرِ الَّتِي عَلَيْهِمُ الْحَذَرُ مِنْهَا عِنْدَمَا يَكْبُرُونَ بِمَا يَكْفِي وَيَخْرُجُونَ إِلَى الْعَالَمِ، وَكَذَلِكَ كَيْفَ يُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يَلْتَقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْآخَرِ. أَثْنَاءَ جَرْيِ الصِّغَارِ هُنَا وَهُنَاكَ دَاخِلَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، كَانُوا يَلْتَقِطُونَ الْحُبُوبَ الصَّغِيرَةَ. لَمْ يَكُنْ بيتر يَتَصَوَّرُ وُجُودَ هَذَا الْكَمِّ مِنَ الْحُبُوبِ الَّتِي عَثَرَ عَلَيْهَا هَؤُلَاءِ الصِّغَارُ. فَبيتر لَا يَأْكُلُ الْحُبُوبَ الصَّغِيرَةَ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَدْ لَاحَظَهَا مِنْ قَبْلُ. كَانَتْ زَوْجَةُ بوب وايت تَتَقَدَّمُهُمْ أَثْنَاءَ التَّجَوُّلِ فِي الْأَنْحَاءِ لِتُرِيَهُمُ الْحُبُوبَ الْجَيِّدَةَ وَالْحُبُوبَ الَّتِي يَجِبُ تَرْكُهَا، وَكَانُوا يُدْرِكُونَ الْأَمْرَ مِنَ الْمَرَّةِ الْأُولَى. وَفِي الْعَادَةِ كَانُوا يُنَوِّعُونَ طَعَامَهُمْ بِالْتِقَاطِ الْحَشَرَاتِ الصَّغِيرَةِ مِنَ الْأَوْرَاقِ الدَّانِيَةِ الْمُتَدَلِّيَةِ، وَمِنْ وَقْتٍ لِآخَرَ كَانَ يَنْشَبُ نِزَاعٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الصِّغَارِ مِنْ أَجْلِ الِاسْتِحْوَاذِ عَلَى دُودَةٍ. كَانَ بيتر دَائِمًا يُحِبُّ مُشَاهَدَةَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ كَانَ مُسَلِّيًا جِدًّا.
وَفِي غُضُونِ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ، لَمْ تَعُدْ هُنَاكَ حَشَرَةٌ أَوْ دُودَةٌ يُمْكِنُ الْعُثُورُ عَلَيْهَا فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، عَلَى الْأَقَلِّ لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهَا، كَانَ صِغَارُ بوب وايت قَدِ الْتَهَمُوهَا كُلَّهَا.
قَالَتْ زَوْجَةُ الْأَرْنَبِ بيتر: «لَيْتَهُمْ يَعِيشُونَ هُنَا طَوَالَ الْوَقْتِ، فَأَنَا لَا أُحِبُّ الْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانَ؛ فَهِيَ تُصِيبُنِي بِالْغَثَيَانِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَرَاهَا.»
لَكِنْ كَيْ يَنْمُوَ الصِّغَارُ، فَهُمْ يَحْتَاجُونَ طَعَامًا وَفِيرًا، وَفِي نِهَايَةِ الْأُسْبُوعِ قَادَتْ زَوْجَةُ بوب وايت صِغَارَهَا لِالْتِقَاطِ الْحَشَرَاتِ وَالدِّيدَانِ وَالْبُذُورِ مِنَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، لَكِنْ دُونَ أَنْ يَبْتَعِدُوا كَثِيرًا عَنِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ؛ بِحَيْثُ تَسْهُلُ لَهُمُ الْعَوْدَةُ إِلَى مَلَاذِهِمُ الْحَمِيمِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ. وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ كَانَتْ تَذْهَبُ الْأُمُّ بِصِغَارِهَا إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ لِلْخُلُودِ إِلَى النَّوْمِ تَحْتَ أَشْجَارِ الْعَلِيقِ الْجَمِيلَةِ؛ وَمِنْ ثَمَّ تَعَيَّنَ عَلَى بيتر الِاحْتِرَاسُ فِي خُطَاهُ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ، وَكَانَ بِالْفِعْلِ يَشْعُرُ بِالْأَسَى عِنْدَمَا لَا يَسْمَعُ ذَلِكَ التَّحْذِيرَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَمْشِي فِيهَا. كَمَا تَرَوْنَ، لَقَدْ أَصْبَحَ بيتر شَدِيدَ التَّعَلُّقِ بِصِغَارِ بوب وايت.