ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يُنَاقِشُ الْأَمْرَ
إِذَا سَادَ الْحُبُّ فِي كُلِّ مَكَانٍ فَلَنْ تَنْدَلِعَ حُرُوبٌ مُرَوِّعَةٌ، وَلَنْ تُبْنَى السُّجُونُ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ فَقْرٌ مُدْقِعٌ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نِزَاعَاتٌ مُحْتَدِمَةٌ بَيْنَ الْعَامِلِينَ وَأَصْحَابِ الْعَمَلِ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَوْفٌ مِنَ الْإِنْسَانِ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، وَلَا مُعَانَاةٌ مُخِيفَةٌ مِنَ الْفِخَاخِ وَالْبَنَادِقِ الْمُرِيعَةِ. الْحُبُّ هَذَا الشَّيْءُ الرَّائِعُ الْعَظِيمُ، الَّذِي تَعْكِسُهُ كَلِمَةٌ تَتَأَلَّفُ مِنْ حَرْفَيْنِ، يَسْتَطِيعُ أَنْ يُدْخِلَ الْفَرَحَ وَالسَّعَادَةَ فِي كُلِّ قَلْبٍ عَلَى الدَّوَامِ، فَقَطْ إِذَا أَعْطَيْنَاهُ فُرْصَةً.
كَانَ الْحُبُّ فِي قَلْبِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون هُوَ مَا جَعَلَهُ يَشْعُرُ بِالسُّخْطِ عِنْدَمَا لَمَّحَ لَهُ أَبُوهُ أَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ بُنْدُقِيَّتَهُ لِاصْطِيَادِ بوب وايت وَأُسْرَتِهِ؛ فَكَمَا تَرَوْنَ صَارَ الصَّبِيُّ صَدِيقًا لِبوب وايت وَأُسْرَتِهِ وَأَحَبَّهُمْ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ تَحَمُّلَ فِكْرَةِ وُقُوعِ أَذًى لِمَنْ يُحِبُّهُمْ. وَقَدْ رَدَّ عَلَى وَالِدِهِ بِاحْتِرَامٍ، وَلَكِنِ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْعَكَسَ فِي صَوْتِهِ شُعُورُ السُّخْطِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَضَبِ. فِي وَاقِعِ الْأَمْرِ، ضَحِكَ الْمُزَارِعُ براون ضِحْكَةً خَافِتَةً عِنْدَمَا سَمِعَ رَدَّ ابْنِهِ، ثُمَّ اسْتَدَارَ وَمَدَّ يَدَهُ الْكَبِيرَةَ وَقَالَ: «لِنَتَصَافَحْ يِا بُنَيَّ، لَقَدْ كُنْتُ أَخْتَبِرُكَ لِأَعْرِفَ رَأْيَكَ؛ فَقَدِ اعْتَدْتَ دَوْمًا أَنْ تَكُونَ مُغْرَمًا بِالصَّيْدِ بِشِدَّةٍ، وَكُنْتُ أَتَسَاءَلُ إِذَا كَانَ حُبُّكَ لِلصَّيْدِ أَوْ مُحَاوَلَةِ الصَّيْدِ أَقْوَى مِنْ حِسِّكَ بِالصَّوَابِ وَالْعَدْلِ. الْآنَ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَنَا سَعِيدٌ لِلْغَايَةِ. هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّ آلَ بوب وايت يَسْتَحِقُّونَ حِمَايَتَنَا؟»
احْمَرَّ وَجْهُ الْوَلَدِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَكِنْ هَذِهِ الْمَرَّةَ مِنَ الْفَرَحِ.
صَاحَ الْوَلَدُ: «يَا أَبِي، أَنَا سَعِيدٌ لِلْغَايَةِ لِأَنَّكَ لَا تُرِيدُ صَيْدَهُمْ وَأَكْلَهُمْ! كَانَ عَلَيَّ أَنْ أَعْرِفَ أَنَّكَ تُضَايِقُنِي فَقَطْ. أَحْبَبْتُ الصَّيْدَ بِبُنْدُقِيَّتِي مِنْ قَبْلُ بِالْفِعْلِ، وَلَكِنَّ هَذَا عِنْدَمَا كُنْتُ أَجْهَلُ مَا أَعْرِفُهُ الْآنَ. كَانَ مِنَ الْمُمْتِعِ مُحَاوَلَةُ الْبَحْثِ عَنِ الطُّيُورِ وَرُؤْيَةُ إِنْ كُنْتُ أَسْتَطِيعُ إِصَابَتَهَا أَمْ لَا. كُنْتُ فَقَطْ أَعْتَقِدُ أَنَّهَا كَائِنَاتٌ بَرِّيَّةٌ صَالِحَةٌ لِلْأَكْلِ وَأَنَّهَا كَذَلِكَ كَائِنَاتٌ ذَكِيَّةٌ لِلْغَايَةِ؛ وَلِذَا كَانَ عَلَيَّ أَنْ أَتَفَوَّقَ عَلَيْهَا لِلنَّيْلِ مِنْهَا، وَلَمْ أُفَكِرْ قَطُّ أَنَّ لَدَيْهَا أَيَّ مَشَاعِرَ. لَكِنَّنِي الْآنَ أَعْلَمُ أَنَّهَا تَشْعُرُ بِالْحُبِّ وَالْخَوْفِ وَالْمُعَانَاةِ مِنَ الْأَلَمِ، وَتَعْمَلُ وَتَلْهُو وَتَشْعُرُ بِالسَّعَادَةِ وَالْحُزْنِ شَأْنُهَا شَأْنُ سَائِرِ الْبَشَرِ تَمَامًا. أَعْرِفُ ذَلِكَ لِأَنَّنِي رَاقَبْتُهُمْ؛ لِذَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُوذِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَوْ أَسْمَحَ لِأَحَدٍ بِأَذِيَّتِهِمْ شَأْنُهُمْ شَأْنُ الْبَشَرِ عِنْدِي. يَا إِلَهِي، كَمْ أُحِبُّهُمْ! وَلَنْ أَسْمَحَ أَنْ يَقَعَ لَهُمْ أَيُّ مَكْرُوهٍ مَهْمَا كَانَ الثَّمَنُ. أَنَا أَشْعُرُ بِالْخَوْفِ الشَّدِيدِ لِأَنْ يَحْدُثَ لَهُمْ شَيْءٌ عِنْدَ بَدْءِ مَوْسِمِ الصَّيْدِ، هَلْ فِي اسْتِطَاعَتِنَا أَنْ نَفْعَلَ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِهِمْ؟»
أَجَابَ الْمُزَارِعُ براون: «يُمْكِنُنَا وَضْعُ بَعْضِ اللَّافِتَاتِ لِتَحْذِيرِ الصَّيَّادِينَ مِنْ الِاقْتِرَابِ مِنْ مَزْرَعَتِنَا، وَمَنْعِ أَيِّ عَمَلِيَّاتِ صَيْدٍ بِالْبَنَادِقِ. ثُمَّ إِذَا كَانَ بوب وايت وَأُسْرَتُهُ أَذْكِيَاءَ بِمَا يَكْفِي وَمَكَثُوا فِي مَزْرَعَتِنَا، أَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ سَيُصْبِحُونَ فِي أَمَانٍ، لَكِنْ إِذَا ذَهَبُوا إِلَى أَرَاضِي أُنَاسٍ آخَرِينَ فَمِنَ الْمُرَجَّحِ أَنْ يَصْطَادُوهُمْ، إِلَّا …» ثُمَّ صَمَتَ الْمُزَارِعُ براون.
قَالَ الِابْنُ فِي حَمَاسٍ: «إِلَّا إِذَا أَقْنَعْتُ أَصْحَابَ الْأَرَاضِي الْمُحِيطَةِ بِنَا بِأَنْ يَضَعُوا اللَّافِتَاتِ وَيُبْعِدُوا الصَّيَّادِينَ، وَيَعِدُوا أَيْضًا بِأَلَّا يَصْطَادُوا أَفْرَادَ أُسْرَةِ بوب وايت!»
ابْتَسَمَ الْمُزَارِعُ براون: «بِالضَّبْطِ يَا بُنَيَّ. إِنَّهَا فُرْصَتُكَ لِرَدِّ الْجَمِيلِ؛ لِتَفْعَلَ شَيْئًا لِأَصْدِقَائِكَ الصِّغَارِ الَّذِينَ فَعَلُوا الْكَثِيرَ مِنْ أَجْلِنَا. غَدًا السَّبْتُ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَدْرَسَةٌ، وَسَيَكُونُ لَدَيْكَ الْيَوْمُ كُلُّهُ لِتَرَى مَا يُمْكِنُ أَنْ تَفْعَلَهُ مَعَ الْجِيرَانِ لِإِنْقَاذِ بوب وايت وَعَائِلَتِهِ مِنَ الصَّيَّادِينَ. اسْمَعْ! إِنَّ بوب وايت بِمَنْزِلَةِ هِبَةٍ عَظِيمَةٍ؛ إِنَّ كُلًّا مِنَّا لَا يَفْعَلُ شَيْئًا سِوَى أَنَّهُ يَنْشُرُ رِسَالَتَهُ الَّتِي تَحُثُّ عَلَى الْبَهْجَةِ، لَكِنْ إِلَى جَانِبِ الْبَهْجَةِ الَّتِي يَبُثُّهَا فِي الْعَالَمِ، فَهُوَ يُقَدِّمُ إِسْهَامًا عَظِيمًا فِي كُلِّ يَوْمٍ. إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يَقْتُلُ بوب وايت يَقْتُلُ بِذَلِكَ أَحَدَ أَعَزِّ أَصْدِقَائِنَا وَمُسَاعِدِينَا، وَالرَّصَاصَةُ الَّتِي سَيُطْلِقُهَا عَلَيْهِ سَتُؤْذِينَا أَكْثَرَ مِمَّا سَتُؤْذِي الطَّائِرَ الْمِسْكِينَ. وَالْآنَ، هَيَّا لِنَذْهَبَ إِلَى الْحَظِيرَةِ وَنَشْرَعَ فِي صُنْعِ اللَّافِتَاتِ.»